لقد نجحت غزة على مدار السنوات الماضية في اختطاف الأضواء السياسية عن الضفة الغربية؛ بحكم الأحداث التي أخذت تحدث فيها تباعاً سواء بالنجاح الكاسح الذي حققته حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وبالتالي تشكيلها الحكومة، ثم بالانقلاب الذي قامت به على حركة فتح -صاحبة منصب الرئاسة- انتهاء بحرب غزة أو حرب الرصاص المصبوب... إلخ. وما سلف يجعل البعض يتساءل: لماذا عادت القدس إلى المشهد بعدما كان خَفتَ صوتها بعد الانتفاضة الثانية في عام 2000؟ لماذا عادت إلى السطح من جديد بعدما كان ينظر لها أهل غزة باعتبارها جنة فلسطين مقارنة بما يعيشونه؟ وإجابة السؤال تتلخّص في التالي.. إن حكومة نتنياهو هي حكومة متطرّفة تتخذ من المرجعية الدينية اليهودية أساساً لها، ومنذ تشكيلها، وقد أخذت على عاتقها تنفيذ هذا المبدأ في كل ما تفعل، اتضح هذا في أكثر من موقف، كان أبرزهم تصريحات رئيس الوزراء في إحدى جلساته مع الحكومة والتي قال فيها: إن "وجودنا كدولة ليس مرتبطاً بالجيش فقط أو بمناعتنا الاقتصادية، وإنما في تعزيز معرفتنا وشعورنا الوطني الذي سننقله للأجيال المقبلة، وفي قدرتنا على تبرير ارتباطنا بالبلاد". وهنا تكمن المشكلة.. إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تسعى إلى تعميق ذلك الشعور الوطني، ولكن على حساب المقدسات والآثار الإسلامية الموجودة حالياً في القدس، ومن خلال ابتكار قصص مختلقة عن حقوق تاريخية لليهود في هذه الأماكن وفي هذه الآثار.. وإليكم نص الخطة تفصيلاً.. تشتمل الخطة على تطوير 150 موقعاً أثرياً لربطها "بمسار تاريخي توراتي" مشترك من شمال فلسطين إلى جنوبها؛ من أجل تعريف أجيالهم الناشئة بالتراث اليهودي والصهيوني. المشكلة أن من بين تلك المواقع الأثرية مواقع إسلامية خالصة قائمة على أراضي وقف إسلامية بفلسطين، وأهمها على الإطلاق الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن ربّاح الذي يعني ضمهما في هذه القرارات أنهما سيتحوّلان إلى متاحف يهودية متاحة للسائحين ومحظور على المسلمين دخولها أو الصلاة فيها. الأزمة لا تكمن في مسجد بلال رباح والحرم الإبراهيمي.. الأزمة أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى تحويل القدس بصفة عامة إلى عاصمة للدولة الصهيونية، وعاصمة الدولة الصهيونية يجب أن تكون يهودية الملامح، مساجدها تتحول لمعابد، وتراثها الإسلامي ينضمّ لقوائم التراث اليهودي، وسكّانها يصبحون يهوداً فقط، وليس من بينهم عرب، ولعل المنشورات التي تم توزيعها على أهالي القدس أكبر دليل على هذه الفرضية حيث جاء فيها التالي:
صورة خارجية لمسجد بلال بن ربّاح "نداء إلى جميع المسلمين الساكنين في أرض إسرائيل، الأصل في ديننا ودينكم هو الإيمان بالله، ملك العالم، وحسب إيماننا وإيمانكم أعطانا الله التوراة وفيها الواجبات والرسالات، ويجب علينا القيام بها، وفي التوراة مكتوب في عدة أماكن أن أرض إسرائيل وُعِدت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وأحفادهم ولا غيرهم، الكل يُجمعون بأننا أحفاد شعب إسرائيل القديم، ومكتوب في التوراة أيضا بأن أرض إسرائيل، هذه الأرض الصغيرة، هي ملك الشعب اليهودي فقط، ومن الممنوع سكن غيرهم فيها بصورة دائمة"!!. "مكتوب في أسفار الأنبياء أنه بسبب عدم قيامنا بهذا الأمر الإلهي، الشعب اليهودي طرد وبقي خارج بلاده 2000 سنة.. الآن بعد عودة الشعب اليهودي إلى إسرائيل حان الوقت لأن يقوم شعب إسرائيل بتنفيذ هذا الأمر الإلهي، وبذلك نطلب منكم مغادرة أرض إسرائيل، لنضمن السلام في هذه الأرض.. نحن نشرح لكم المقولات التوراتية والقرآنية". ليست المنشورات الإسرائيلية التي تعبّر عن الخلفية الدينية المتطرفة هي الدليل الوحيد على أن هناك حملة حكومية منظمة من أجل تهويد القدس، فتصريحات رئيس الوزراء هي الأخرى تدل على أن الموضوع أصبح من المسلَّمات في أجندة الحكومة الحالية، وذلك حينما قال في كلمته أمام المؤتمر السنوي للجنة الأمريكية الإسرائيلية العامة "إيباك": إن الشعب اليهودي بنى القدس قبل ثلاثة آلاف عام، والشعب اليهودي يبني القدس اليوم، القدس ليست مستوطنة.. إنها عاصمتنا". ولكن هذه القرارات الإسرائيلية -كما سبق وأسلفنا- هي قرارات لها مرجعيات دينية في الأساس، والهدف منها هو تنفيذ نبوءات وتوصيات يقولون إنها واردة بالتوراة، وعلى ألسنة كبار الحاخامات وبالتالي.. مخطط التهويد الصهيوني كان له جناح آخر بخلاف جناح تهويد الآثار والأراضي الإسلامية ألا وهو جناح الأقصى وهيكل سليمان وكنيس الخراب. نتناول في هذا الملف هذين الجناحين كلاً على حدة بشيء من التفصيل