السؤال هل فرض على شباب المسلمين في جميع أنحاء العالم الذهاب إلى فلسطين وتحرير المسجد الأقصى من أيدي اليهود الذين يعتدون عليه ليل نهار؟ أو الذهاب إلى أفغانستان أو العراق أو غيرهم؟ على اعتبار أن الاعتداء على أرض الإسلام هو اعتداء على أرض المسلمين جميعاً. تساؤلات بأذهان الشباب في الحقيقة؛ فإن هذه تساؤلات هامة تدور في ذهن الكثير من الشباب المسلم المتحمس الراغب في فعل شيء لدينه وأمته وإخوانه في الإسلام. لكن قد يُقابل هذا الشباب برفض السلطات في بلادهم السماح لهم بذلك؛ فما الحل إذن؟ وهل هناك إثم (ذنب) على هؤلاء؟ في البداية نحب أن نوضح أن حُكم الجهاد على أهل هذه البلاد (فلسطين، العراق، أفغانستان) هو واجب وفرض عين على جميع مواطني هذه الدول؛ باستثناء ذوي الأعذار من المرضى والعجائز والشيوخ والأطفال الذين لا يقوَوْن على الجهاد. الجهاد فرض عين أم كفاية؟ وكما قلنا سابقاً؛ فإن قام هؤلاء بدفع العدوان؛ صار الأمر فرض كفاية على باقي دول الجوار، (أي تسقط عنهم الفريضة لقيام غيرهم بأدائها). لكن ماذا لو لم يستطع هؤلاء القيام بذلك؟ هنا يصبح الجهاد فرض عين على دول الجوار المجاورة لهم؛ بحيث يتعين عليهم القيام بذلك, وكما سبق أن قلنا؛ فإن فرض العين هنا قد يتحقق بإرسال الرجال -إذا كانت هذه الدول تحتاج رجالاً مجاهدين لينضموا إليها- أو بإرسال المال، أو السلاح، أو أصحاب الخبرة من المهندسين والعسكريين والطياريين وخلافه. إذن الأمر لا يقتصر -كما يفهم الكثير من الشباب- على الذهاب مباشرة عبر الحدود لنصرة هؤلاء؛ وإنما يتوقف الأمر على حسب احتياج هؤلاء من ناحية، وعلى ظروف الدولة التي يتواجدون بها من ناحية ثانية، وعلى ظروف هؤلاء الشباب من ناحية ثالثة. ماذا يعني ذلك؟ قد يكون الكلام ثقيلاً؛ ولكننا سنقوم بتوضيحه في الحال. المساعدة على حسب الحاجة بالنسبة لاحتياج الدولة المعتدى عليها (التي تتعرض للاحتلال)؛ فإنها هي التي تحدد ما تريده؛ فإذا احتاجت للمال دون الرجال؛ فينبغي توفير المال؛ لأنهم ليسوا في حاجة إلى الرجال؛ خاصة وأن الحرب المعاصرة صارت لا تعتمد على العَدد بقدر اعتمادها على نوعية الأسلحة التي قد تجعل الكثرة لا قيمة لها ولا وزن. ويلاحظ أن معظم الدول التي تتعرض للعدوان لا تحتاج للرجال (الجنود) بقدر احتياجها للسلاح، أو المال اللازم لشراء المواد الغذائية وخلافه؛ خاصة إذا كانوا في حالة حصار، وقد يحتاج هؤلاء لبعض ذوي الخبرة العسكرية.
أما بالنسبة لظروف هؤلاء الشباب، فلابد لكي يجاهدوا أن يكونوا على دراية بفنون الحرب والمعارك العسكرية، ولديهم القدرة على استعمال السلاح والقتال؛ فالذي لم يتدرب على السلاح أو تهرّب من الجيش الوطني في بلاده، كيف سيذهب للحرب؟ إذن لا يجب عليه في هذه الحالة الخروج للجهاد؛ لأنه لا يدفع الضرر عن نفسه أو غيره؛ بل يكون ضرره أكثر من نفعه، ويكون عبئاً على الجهة التي سيذهب إليها؛ لذا يجب على هؤلاء الشباب التدريب أولاً، وقد لا يتاح ذلك إلا من خلال الالتحاق بالخدمة الوطنية وعدم التهرب منها. ظروف دولة الجهاد أما بالنسبة للجزئية الثالثة الخاصة بظروف الدولة التي يوجد بها هؤلاء الشباب المتطوع؛ فمن ضمن شروط الجهاد، كما يوضح الدكتور القرضاوي في كتابه "فقه الجهاد" (الجزء الأول)؛ ألا يوجد مانع يحول بين الشخص وبين النهوض للدفاع عن أراضي المسلمين. ومن هذه الموانع قعود السلطات المسئولة عن القيام بواجب الجهاد ونصرة هؤلاء، أو منعها لمن يريد القيام بذلك من الشباب؛ فالفرد في هذه الحالة معذور؛ لأن الجهاد لا يقوم به إلا جماعة قادرة، واليد وحدها لا تصفق؛ لذا فقد قال بعض الفقهاء بشأن هؤلاء الشباب أنهم معذورون، ولا إثم عليهم في هذه الحالة؛ ولكن بشرطين: الأول: أن يستحضر الشاب دائماً نية الجهاد والعزم عليه متى تهيّأت الظروف لذلك؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"؛ بل هو بنيته الصادقة يشارك المجاهدين في فلسطين والعراق وغيرها، وله الأجر ومثوبة الجهاد. الثاني: ألا ييأس من الواقع، ويستسلم له؛ بل يجب أن يتسلح بالأمل، وأن يستعد لهذا الجهاد متى تطلّب الأمر ذلك. وهنا يتعين على هذا الشخص أن يساهم بالمال لنصرة هؤلاء إن كان يقوى على ذلك، أو التعريف بمحنة المسلمين والتشهير بأعدائهم إذا تيسر له ذلك؛ سواء أكان ذلك من خلال وسائل الإعلام أو غير ذلك، ثم ينبغي عليه الدعاء لهؤلاء بالنصر؛ فإن الدعاء من أقوى الأسلحة، وكما قال بعض السلف "سنستعين على أعدائنا بسهام القَدَر ودعاء السَحَر". انتظرونا في اللقاء القادم لنعرف: هل انتشر الإسلام بالسيف؟ اقرأ أيضاً: في معنى الجهاد.. جاهد نفسك قبل مجاهدة عدوك (1) مع القرضاوي.. الجهاد ولا التربية.. ربّي نفسك أولاً (2) مع القرضاوي: رسالة للفنانات المحجبات.. الاعتزال ليس الحل (3) مع القرضاوي: الجهاد بالنفس من أجل أرض فلسطين (4) مع القرضاوي: هل يجب الجهاد مرة كل سنة؟ (5)