"بومبي" مدينة رومانية كانت تقع على سفح جبل بركان فيزوف الذي يرتفع 1200 مترا عن سطح البحر، بالقرب من خليج نابولي في إيطاليا، وعدد سكانها كان يُقدر بحوالي 200 ألف نسمة، ولكنها لم يبق منها اليوم سوى آثارها القديمة. ذات يوم في عام 79 ميلاديا ثار البركان ثورانا هائلا مدمرا، وغطى البركانالمدينة كلها بالرماد لمدة 1600 سنة حتى تم اكتشافها في القرن الثامن عشر. وقد أشار الباحثون بناء على الدراسات التي أجروها على المدينة، أن ثورة البركان بدأت ظهر يوم 24 أغسطس عام 79، وأحدثت سحبا كثيفة متصاعدة من الدخان تشبه شجرة الصنوبر، وحجبت هذه السحب الشمس وحوّلت النهار إلى ظلام دامس لمدة طويلة. فحاول سكان المدينة الفرار، فلجأ بعضهم إلى طريق البحر، ولجأ البعض الآخر إلى بيوتهم طلبا للحماية، وقد كان سكان المدينة يُعدون ذلك اليوم لعيد إله النار عند الرومان، وكانوا يحتفلون به.. كان شاهد العيان الوحيد هو "بليني الصغير" الذي روى أنه رأى سحب متصاعدة من الدخان والبركان يقذف نيران هائلة والرماد الكثيف الذي كان يتساقط من كل اتجاه وهزات الأرض المصاحبة وارتفاع مستوى سطح البحر وثوارنه أيضا أو ما يعرف حاليا بتسونامي، وتحوّل النهار إلى ليل معتم في المدينة، وقد قام عمه "بليني الأكبر" بالتوجه إلى البحر لرصد الظاهرة، ولكنه توفي من أثر الغازات المتصاعدة. وقد فقدت المدينة حتى تم اكتشافها عام 1748، واكتشف فيها الضحايا موتى في نفس أوضاعهم التي كانوا عليها، واكتشف طابع المدينة الغني والترف وفترة الإمبراطورية الرومانية والعمارة والحياة الاجتماعية وغيرها. مدينة بومبي كانت موجودة في عهد نيرون، الحاكم الروماني الذي قيل أنه أحرق روما لكي يغني، تقع بالقرب من مدينة نابولي، كانت مدينة عامرة أيام حكم الإمبراطور الرومانى نيرون. وقد دُمرت بومبي هي ومدينة أخرى بالقرب منها تسمى هيركولانيوم بعد أن ثار البركان؛ وظلت المدينة في طي النسيان حتى القرن الثامن عشر عندما اكتشفت آثار مدينة بومبي وعثر على مناطق بها جثث متحجرة حيث حل الغبار البركاني -الذي يشبه الأسمنت- محل الخلايا الحية الرطبة وشكل أشكال البشر والحيوانات عندما قضى عليها الموت متأثرة بالهواء الكبريتي السام. كان بالمدينة الكثير من الأثرياء يعيشون عيشة رغدة فرحين بما لديهم، فكان بالمدينة شبكة مياه داخل البيوت وحمامات عامة وشوارع مرصوفة بالحجارة، وكان بها ميناء بحري متطور وكان بها مسارح وأسواق وأظهرت آثارهم اهتمامهم بالفنون والنقوش، كان مجتمعهم مجتمع روماني تقليدي بكل طبقاته بما فيهم العبيد. وقبل دمار المدينة أهمل السكان العلامات الدالة على قرب الانفجار، فلم يعبأوا بالهزات الأرضية الخفيفة وكذلك القوية ولا ببعض السحب البيضاء التي تتكون فوق فوهة البركان، ولم يتعظ السكان من الزلزال الذي خرب مدينتهم قبل ذلك ب17 سنة، ولم يستجيبوا لدعوة نيرون لهم بترك المدينة.. ويُقال أن ذلك يرجع إلى أنهم رأوا من ذلك البركان خيرا كثيرا، فالتربة الغنية بالمعادن التي جعلت زراعتهم مثمرة مصدرها ذلك البركان، ومياه الأمطار التي كانت ترويهم وتسقي زرعهم كانت بسبب وجود ذلك الجبل البركاني.. وقد كانت هناك عدة علامات على ثوران البركان قبل الانفجار بأيام حدثت عدة هزات أرضية جفت بعدها الآبار وتوقفت العيون المائية، وصارت الكلاب تنبح نباحا حزينا وصمتت الطيور، لكن السكان تجاهلوها حتى أتاهم حتفهم وهم منشغلون بالتجارة واللهو.. وعند منتصف النهار من يوم 24 أغسطس 79 سمع السكان تلك الضجة الكبيرة وانفلقت الصخور واللهب والدخان والرماد والغبار والأتربة في عمود متجهة صوب السماء لتسقط بعدها بنصف ساعة على رؤوس السكان، وتمكن بعض منهم من النجاة هربا إلى الميناء واختبأ آخرون في المنازل والمباني فتحولوا بعدها إلى جثث متحجرة عثر منها على حوالي 2000 جثة، وكثير منهم سحق تحت الصخور المتساقطة التي أسقطت أسقف المباني. وبعدها بساعات وصلت الحمم الملتهبة الزاحفة على الأرض إلى المدينة فأنهت كل أشكال ومظاهر الحياة فيها. ودفنت المدينة تحت 3 أمتار من الحمم والأتربة والغبار. وقد اشتهرت هذه المدينة بالزنا وحب أهلها للشهوات، وكان يوجد بها بيوت للدعارة في كل مكان، وتنتشر غرف صغيرة لممارسة الرذيلة لا يوجد بها سوى فراش، وعُرف عن أهل هذه المدينة أنهم كانوا يمارسون الزنا والشذوذ حتى مع الحيوانات، بعلانية في الشوارع وفي كل مكان وحتى أمام الأطفال ويستنكرون على من يتستر في ذلك، إلى أن انفجر عليهم البركان فأباد المدينة بأكملها. يُذكر أن "بومبي" لفتت نظر العديد من الشخصيات على مدار التاريخ وخاصة من محبي الفنون، وحين زارها الملك فرانسيس الأول من نابولي لحضور معرض بومبي في المتحف الوطني مع زوجته وابنته عام 1819، صُدم بما رآه من رسومات واعتبرها فنون جريئة ومخالفة لاحترام الآداب العامة. وكان أهل مدينة بومبي يتمتعون بمشاهدة المصارعة بين البشر والحيوانات المفترسة التي تنتهي غالبا بموت أحدهما، وقد قتلوا بهذه الطريقة الكثير من المتدينين المسيحيين قبل قرابة 2000 عام بالزج بهم في مثل هذه المصارعات. وقد قال الله تعالى عن هذه المدينة في سورة الأنبياء: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}. والآن أصبحت هذه المدينة أحد المزارات السياحية المهمة في إيطاليا، بعد أن كانت في طي النسيان لقرون عديدة، إلى أن تم اكتشافها منذ ما يقرب من 1700 عام، وقد بقيت أطلال هذه المدينة على حالها هذا لتظل شاهدة على التاريخ ولتظل عبرة لمن يعتبر. مدينة "بومبي" * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: