أولا أنا بنت في سنة تانية كلية هندسة، أنا مشكلتي غريبة من نوعها، أو يمكن أنا حاسة كده لأن دي مشكلتي. أنا عندي أختين أكبر مني، وأنا كنت في مرحلة الإعدادية كان إخواتي في الكلية، هما عادي ماكانوش بيهتموا بيّ، ولا كأني موجودة أصلا، بس كنت حاسة إنهم معايا.. باكل معاهم.. ننام ونسهر ونذاكر سوا. المهم واحدة منهم اتجوزت، حسيت بفقدان بس وجود الأخت التانية عوضني، كانت كل حياتي في أختي دي بقي، عارفة كل أصحابها ومتصاحبة معاهم كمان، وكالعادة سابتني واتجوزت، كنت حاسة إني فقدت الدنيا وما فيها بجد، وده كان في أولى ثانوي. فحاولت أتكيف مع أصحابي، وكانوا أصحابي وإخواتي في نفس الوقت، كنا طول النهار مع بعض في المدرسة والدروس، وطول الليل بنذاكر علشان نسأل بعض ونسمع البرامج الإذاعية اللي بتيجي بالليل ونقعد نعلق عليها، كانت من أحسن أيام حياتي، وفي وقتها كانت كل أخت خلفت وكل اهتمامها بقي في الأولاد والأزواج وكده. المهم دخلت الكلية وحصل المتوقع، اتفرقنا أنا وأنصافي التانية، مافيش ولا واحدة دخلت معايا، حسيت إني فقدت الدنيا وقلت لنفسي أكيد هنكون في اتصال دائم. بس كان صعب جدا، كل واحدة لها مواعيد دراسة مختلفة، ولها مواعيد نوم مختلفة، ولها حكايات مختلفة. ولما كنا بنتقابل كانت كل واحدة تقول اللي عندها وماتنتظرش حتى تسمع أي حاجة مني، حاولت أتكيف مع الوضع، وقلت أكيد هصاحب من الكلية، وفعلا صاحبت بس زملاء فقط، كل كلامنا في الدراسة. وفضلت سنة على هذا الحال.. خروج لوحدي، وتعامل لوحدي، ومذاكرة لوحدي، ولو فيه مشاكل أكبت في نفسي، وبقيت في سنة تانية وأنا على هذا الحال. المشكلة بقى إني زي ما يكون اتأقلمت على كده خلاص، لو هامشي مع حد أو هاتكلم مع حد باكون حامله الهم، ولو واحدة صاحبتي مثلا قالت لي فوتي عليّ علشان هروح معاكي مثلا مشوار أتحجج بأي حجة وأروح لوحدي. لو أي حد من صحابي القدام قالوا لي مالك، أقول لهم ولا حاجة رغم إني باعاني، أنا عندي أم وأب بس في مشاغل الحياة، دا غير إن بابا متجوز ودايما فيه مشاكل. أنا بقيت بافضّل الوحدة بشكل لا تتخيلوه، بقيت لا باعرف أتكلم ولا أهزر خالص، رغم إني كنت في الأول ما بابطلش. يا ريت تقولوا لي حل.. ولا لأ مش عايزة حل، كفاية إنكم سمعتوني، لأنكم هتقولوا لي في الحل إنك تحاولي تقربي إنتي منهم وترجّعي نفسك والكلام المعتاد ده، وعلى فكرة أنا جربته ألف مرة بلا إفادة.
new_dream
يا صديقتي الجميلة.. الغريب في رسالتك هو رحلة بحثك عن نصف مكمّل، في حين أنك من البداية واحد صحيح، إنتي ما شاء الله طالبة في كلية مرموقة وواضح من كلامك إنك طول عمرك مستقلة ومش بتعتمدي على وجود إخواتك الكبار، وبتقدري تكوّني صداقات قوية وتعوّضي فقدان ناس بوجود ناس تانية، يعني عندك قدرة كبيرة على التكيف مع الظروف المحيطة وده كله جميل جدا. بالنسبة بقى إنك بقيتي تفضّلي الوحدة على الوجود مع أصدقاء، فده مش وحش غير لو زاد قوي عن حدّه، بس لو إنتي بتتواصلي مع الناس على الإنترنت وقادرة تكتبي مشكلتك بالشكل اللي شفته في رسالتك، فإنتي اجتماعية ومافيش مشكلة. يمكن المشكلة عامة والناس لما بيكبروا في السن مش بيكون بينهم الشغف والعلاقات القوية اللي بتكون موجودة أيام ثانوي، بيكونوا محتاجين أكتر لأنواع أكتر من العلاقات زي الزواج والأمومة، لكن برضه لا غنى عن الصداقة. لكن الصداقة للأسف بتتحول مع مشاغل الحياة لشيء أشبه بصلة الرحم، لأن كل واحد بيكون عنده دراسته أو شغله أو بيته وعيلته، ومش بيكون فاضي لأصدقائه زي زمان.. دي طبيعة الحياة. هتقدري تستوعبيها، أفتكر إنك قادرة فعلا على استيعابها بالرغم من فضفضتك، وأعتقد كمان إنك لقيتي مع نفسك بديل وعالم خلقتيه لنفسك، كل اللي ناقصك إنك ماتبصيش للنص الفاضي من الكوباية وخدي الأمور ببساطة، لما يوحشوكي الناس روحي لهم وارمي نفسك وسطهم. ابحثي عن أصدقاء جدد، فهذه هي طبيعة الحياة، فأين أصدقاء الثانوي وسنوات الجامعة؟! طبيعي أن تتغير العلاقات بتغير ظروف الإنسان وحياته، ولا يستحق هذا أي شعور بالذنب أو الإحساس بالضيق، لأنها لم تعد فارقة معاكي خالص. لما تزهقي ادخلي قوقعتك، كوني زي ما بتحبي تكوني، قربي من اللي بتحبيهم وابعدي عن اللي مش بتكوني مرتاحة معاهم، عيشي حياتك ببساطة وماتحسيش أبدا إنك محتاجة لحد، إحنا كلنا بنعيش مع بعض، مش بنعيش علشان بعض. وربنا معاكي في كليتك وتحققي كل أحلامك.