أسماء مصطفى تحدّثنا سابقا عن نشأة الفنان السوريالي سلفادور دالي، ومررنا مرورا سريعا على أهم الأحداث في حياته الفنية فيما يُشبه الخط الزمني، واليوم نتحدّث عن جنون دالي في حياته الشخصية، ولو أن الحديث عنه سيطول، لكن على الأقل سنُحاول تفسير جنون دالي الواضح في لوحاته من خلال بعض المواقف في حياته.. يقول دالي عن نفسه في مذكّراته التي طُبعت تحت اسم "أنا والسوريالية": "عشتُ موتي قبل حياتي.."، ويقصد بذلك حادثة وفاة أخيه الأكبر سلفادور الذي مات قبل ولادة الفنان سلفادور دالي ب3 سنوات؛ فأصرّ والده على تسميته بنفس الاسم، في حين أن الأم كانت لم تفِق من صدمتها واكتئابها العميق بعدُ؛ فكانت تحيط سلفادور باهتمام مبالغ فيه يحفّه الحزن والخوف، ويذكر دالي أن روح أخيه كانت تتصل بكل ما حوله؛ الملابس، الصور، الألعاب. لذلك ربما تكون الحياة بمحاذاة الموت، هي الفكرة الأكثر تأثيرا في حياة دالي؛ حيث جعل ذلك منه عاشقا للحياة بشهوانية خالصة، وجعل منه شخصا ماديا جشعا يهتمّ بالدولارات أكثر ما يهتمّ بالأشخاص. لم تكن نتيجة نشأة دالي وسط والد قاسٍ وأم مكتئبة فقط الشهوانية والجشع، لكن أيضا كانت لدالي تصرّفات شاذة منذ طفولته وحتى وفاته، عجز الكثيرون عن تفسيرها، إلى أن جاءت الباحثة الأمريكية "كارولين مورفي" في مقالة حديثة قدّمتها في مجلة "الشخصية والاختلافات الفردية" عام 2009 لتصرّح بأنها ترى أن دالي مصاب باضطراب ذهاني واضطراب في الشخصية؛ على الرغم من محاولاته إخفاء معلومات مهمة عن نفسه في كتبه وتصريحاته الصحفية. وتشمل أعراضه الموصوفة: هلاوس سمعية، وحالات من الشكّ المرضي، ونوبات من الغضب والعنف، بالإضافة إلى هذيانات العظمة، وسلوك جنسي استعراضي، وضحكات غريبة مع تعليقات جارحة غير مناسبة، وصعوبات في التعاطف مع الآخر مع سلوك احتيالي وسادية! مواقف من حياته - في أحد الأيام كان دالي يتنزّه مع أحد أصدقائه فوق أحد الجسور، وفي وسط اندماجهما بالتسكّع، فجأة دفع دالي صديقه من على الجسر؛ فهوى صديقه فوق صخرة تقع تحت الجسر من علو 5 أمتار، وأكمل طريقه وكأن شيئا لم يحدث! ثمّ أمضى فترة بعد الظهر جالسا على مقعد هزاز في منزل صديقه يُشاهد أم الصديق، وهي تحوّل أوعية الماء والقطن الملطّخ بالدماء. - وفي مرة أخرى، ركل رأس شقيقته الصغرى، وكان عمرها آنذاك 3 سنوات، وقال إن ما فعله سبّب له متعة عظيمة. - في أحد الأيام أعطاه أحد الأصدقاء وطواطا جريحا؛ فأخذه وخبّأه في مكان مظلم في غرفة في مغسلة للثياب قريبة من منزله، وفي الصباح التالي وجد الوطواط على وشك الموت، وقد أحاطت به ألوف من النمل، تأثّر جدا بهذا المنظر الكئيب؛ فأخذ الوطواط بين يديه وعضه عضه أودت بحياته ثم رماه جانبا! - يجد دالي في رمي نفسه من على السلالم والدحرجة عليها، متعة كبيرة لا يمكن تفسيرها، ولا يأبه للألم الذي يسبّبه تدحرجه على السلالم؛ لأنه كان يجد لذة لا توصف في إيذاء نفسه.. الغريب أن تلك الهواية لازمت دالي حتى قبل وفاته، فلم يغيّر تقدّمه في السن شيئا! - اعتاد دالي رمي نفسه أمام أصدقائه وأقرانه في المدرسة بشكل متكرّر، وكان يتلذّذ برؤية وجوههم، وقد كساها الخوف والقلق. - دخل دالي في نقاش مع أحد أقرانه حول أفضلية الرسم على الموسيقى -وكان صديقه يعزف على الكمان- فانتزع سلفادور الكمان من بين يديه وحطّمه شر تحطيم، وكان وجهه يكسوه الهدوء والسلام وهو يفعل ذلك! أفردنا اليوم المساحة للحديث عن جنون دالي في طفولته وشبابه، لكن الحديث لم ينتهِ، لذلك سنوالي الحديث تباعا عن جنون دالي في نضجه وزواجه وعلاقته الغريبة بزوجته "جالا".
سلفادور دالي.. للجنون أصول * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: