السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.. أخي العزيز.. أنا أعاني من مشكلات عدة في حياتي تؤثر في بشكل مبالغ؛ دون مقدمات سأدخل في صلب الموضوع.. أنا شاب في ال21 من العمر، مهمل في دراستي وحياتي بشكل كبير، المشكلة الأساسية هي إني ماعنديش إرادة. أنا مدمن وأعاني من مشكلات الإدمان بكثرة في حياتي، ولا أستطيع التوقف، والإدمان يدمّر كل ما في حياتي من دراستي وشغلي.. حتى أصحابي كلهم سبتهم واتلميت على شلة كلها فساد، وبصراحة أنا مش عارف أعمل إيه أو أخرج من اللي أنا فيه إزاي. مش عارف أبطّل الهباب اللي باشربه.. ومش عارف أهتم بدراستي أو أشوف شغلي، أو بالأصح مش عارف أبقى إنسان من تاني. أرجو المساعدة.. ربنا وحده اللي عالم إني محتاجها أوي.
turwada
صديقنا العزيز.. شعرت جدا برسالتك، وبمدى ما تعانيه من ألم لا تستطيع أن تبوح به، وأشعر بأنفاسك تتلاحق وكأنك غريق يبحث عن قشة فلا يجد، وهو في قلب البحر لا يجد منجدا، يجد نفسه تنساق إلى قلب الأمواج دون أن يدري كيف يوقفها وكيف ينجي نفسه. أشعر بك تماما، ولكن لماذا لا نرى الجانب المضيء من حالتك، وهي ما تشعر به من ألم وحرقة إلى الخلاء مما أنت فيه، ورغبة صادقة تكدر ما أنت فيه، وتدفعك دفعا إلى كره ما تفعل، هذه بادرة خير، بل إنها الأساس الذي دونه لن تستطيع أن تتخلص مما أنت فيه. فلننظر إذن إلى أننا متقدمون على طريق الشفاء والتخلص من هذه اللعنة التي تنهش حياتك، وتقضي على مستقبلك وتقتل كل لحظة حلوة تعيشها. ومن هذه النقطة نحاول أن نبدأ العلاج: أن تكره بشدة ما تفعل وأن ترسخ في ذهنك أنه شيء بغيض كريه، وأنك بممارسته تخدع نفسك بأنك تقضي لحظات سعيدة ولكنها في الحقيقة شقاء في شقاء، بترسيخ هذه الحالة واستصحابها مع هذا الفعل تستطيع شيئا فشيئا أن ترسّخ في ذهنك عاطفة طاردة للفعل وتدريجيا تتخلص منه، مع عدة عوامل أخرى ضرورية لا تقل أهمية. أتوقع من رسالتك أنك لا تريد أن تقبل بحل أن تلجأ إلى متخصص لعلاج من الإدمان، وهذا وإن كان خطأ، لكني لا أعرف ظروف حياتك ولا مدى إمكانية حدوث ذلك على بساطته، ولكن لنبدأ بمحاولات ذاتية ونرى النتائج. إذا كنت قد لخّصت مشكلتك بمنتهى الذكاء في نقطتين: الأولى ضعف الإرادة، والثانية الصحبة الفاسدة، وهاتان مشكلتان نابعتان منا ونستطيع أن نتخلص منهما بعدة تدريبات ونشاطات ذاتية نقوم بها منها: 1- اللجوء إلى الله والتقرب منه، فالله سبحانه أقرب إليك من كل شيء، لأنه الذي يدرك مدى ضعفنا وحاجتنا إليه، ولذا فهو الوحيد الذي سيقدّر معاناتك، وضعفك ويفهم نفسك ويعرف حالتك تماما، فلا تستهن بالله يا صديقي واعلم أنه حبيبك وطبيبك، وباستطاعتنا إذا امتلكنا القوة أن نواجه ضعفها ونستقوي بالله العظيم الرحيم الكريم الودود. 2- أن تبتعد عن هذه الصحبة الفاسدة، وأن تتخلص من تأثيرهم عليك، وقد يبدو لك الأمر صعبا لأنهم يهوّنون عليك وحدتك، ولكنهم في الحقيقة يدمرون حياتك، واعلم أنك دونهم سيكون طريقك أسهل وفرصتك في النجاة من الغرق أكبر. وفتّش بين أصحابك القدامى عن صديق يخلص لك ويحب لك الخير، ويواجهك بعيوبك لأنه يحبك، ويصبر عليك، فتّش وستجد هذا الشخص، فشخص بمستواك بالتأكيد يملك الكثير من العلاقات الجيدة والأسرة الكريمة، والناصح الأمين.. فمن رسالتك بدا لي أنك شاب من أسرة كريمة أحسنت تربيتك إلا أن لحظات الضعف نمر بها جميعا، ولكن يجب ألا نستسلم لها. 3- أن تسلك نفسك في نشاط ما، وأنت لم تخبرنا هل تعمل أم ما زلت تدرس، وهذا مهم، حيث إنك لا بد أن يكون لك نشاط تشغل به وقتك وتتخلص من الفراغ الذي هو سبب رئيسي فيما أنت فيه، فيجب أن تنشغل لأن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فيجب عليك أن تضع نفسك في بيئة منتجة وتلتحق بصحبة صالحة، وتشغل أوقاتك بعمل نافع ونشاط مفيد، حتى يستوعب طاقتك ويوفر لك وجوها جديدة جميلة للحياة، وأنت تستطيع أن تغيّر مسار حياتك، هذا يقين لا شك فيه، فقط لو قررت. 4- أن تتخذ قرارا وتؤكد لنفسك أنك لن تتراجع عنه، وحاول أن تصبر على تبعاته، بأنك لن تعود إلى ما كنت فيه مهما كانت النتائج، ويكون هذا ميثاقا بينك وبين نفسك، ويمكنك أن تدرج الموضوع على مراحل، وهذا ما يوصي به بعض الأخصائيين وإن كنت رأيت بالفعل نماذج حقيقية استطاعت أن تتخلص بقرار واحد من هذا الداء، وتغير مسارها دفعة واحدة، ولكن عليك أن تعلم أنك ربما لن تنتصر على الشيطان والنفس من أول جولة فربما هزمتك نفسك مرة فعدت إلى ما كنت عليه، ولكن هذا ليس معناه أنك انتهيت، بل هي حرب سجال قد تفوز مرة وقد تخسر مرة ولكن الخسارة الحقيقية في النهاية هي الاستسلام، فيجب عليك أن تتحلى بالنفس الطويل، وتبذل جهدك في المحاولة وعدم اليأس، فإذا سقطت مرة أخرى فلا بأس، عد إلى رشدك وأكمل طريقك بإصرار، وثق بأنك في النهاية ستنجح وستكون إنسانا كما تريد. أسأل الله لك النجاح وقوة الإرادة، وأن يكفيك شر الشيطان وشر نفسك، وأن يرزقك الصحبة الصالحة والعمل النافع آمين.