يقال في أساطير الإغريق إن الأميرة الفينيقية أوروبا كانت على ساحل بحر مدينتها "صور" مع وصيفاتها عندما اختطفها كبير آلهة الإغريق زيوس بعدما تنكّر على هيئة ثور أبيض، وحملها إلى كريت حيث نصبها ملكة لكي تعطي اسمها للقارة الواقعة شمال اليونان في حركة أسطورية واضحة ترمز لمسير الحضارة من شرق المتوسط إلى القارة التي كانت من دون اسم، وبالتالي من دون وعي بالذات. ولكي تكتمل دورة الأسطورة جاء الأمير قدموس من صور ليفتش عن أخته أوروبا ولكنه لم يجدها، فاستقر في اليونان وأسس مدينة طيبة وأصبح ملكها. ثم علّم الإغريق الأبجدية الفينيقية التي منها اشتقت الأبجدية اليونانية لتنسال منها ملحمة الإغريق المعرفية. أي أن أوروبا، وفق أساطير الإغريق التأسيسية، بدأت بوحي من عندنا. دارت دورة الحضارة وأصبحت أوروبا منبعها ومركزها ومستقرها ومانحها. ورتبت أوروبا العالم وتاريخه وفق هوى تميّزها وجعلت نفسها في المركز منه: سليلة الحضارة الإغريقية وحاملة شعلتها في تسلسل تاريخي مستمر منذ العصر الكلاسيكي ومروراً بعصر النهضة وحتى العصر الحديث. على حين تناثرت الثقافات الأخرى حول المركز في علاقات دونية معه، وبشكل خاص شرق المتوسط وجنوبه، أي العالم العربي، اللذين كانا موئلاً للحضارة الكلاسيكية وحرمتهما أوروبا الحديثة من هذا التراث بسبب تمايزهما الديني والثقافي من جهة وبسبب تبعيتهما السياسية والاقتصادية منذ عصر الاستعمار وإلى اليوم من جهة أخرى. أي أن العرب، وفق أساطير أوروبا الحديثة، لا ينتمون للحضارة الكلاسيكية حتى وإن كانت قد أينعت على أرضهم.
بين أساطير الإغريق الأول وأساطير الغرب المعاصر تبدأ أوروبا وتنتهي: حاوية للحضارة الكلاسيكية ومحتكرة لتراثها حتى ذلك منه الذي لا يقع على أرضها، مثل مدن الأناضول وسورية ومصر التي تعود للعهود الإغريقية والرومانية والبيزنطية، أو فلسفة العصور الوسطى الإسلامية التي هضمت التراث الإغريقي وأعادت إنتاجه بما يتوافق وأسئلة الديانات التوحيدية، أو، مؤخراً، أراضي الشرق والجنوب من أوروبا الجغرافية نفسها التي لا تمت بصلة ثقافية إلى أوروبا الغربية، إلا من حيث انتمائها الديني للمسيحية، وهذه أيضاً شرقية الهوى والمنبت. وقد جاءت مأساة تدمر في السنة الأخيرة لتعيد التركيز على صورة أوروبا عن نفسها وكيفية إدارتها لهذه الصورة سياسياً وثقافياً وحتى آثارياً ومعمارياً وترميمياً. تدمر التي خسرها النظام السوري لداعش في مايو/ أيار 2015 واستعادها منه في مارس/ آذار هذا العام، في لعبة قذرة لم نزل نجهل تفاصيلها، عانت من التدمير الوحشي الذي مارسه داعش على ناسها وآثارها، وتعاني الآن مما يمكن أن نسميه اهتماماً زائداً من العالم. هذه التدمر، عروسة الصحراء كما يقال، تحمل في الغرب اسم "بالميرا" الرومانسي وتُقدم على أنها المدينة الإغريقية - الرومانية في قلب الصحراء السورية يقال في أساطير الإغريق إن الأميرة الفينيقية أوروبا كانت على ساحل بحر مدينتها "صور" مع وصيفاتها عندما اختطفها كبير آلهة الإغريق زيوس بعدما تنكّر على هيئة ثور أبيض، وحملها إلى كريت حيث نصبها ملكة لكي تعطي اسمها للقارة الواقعة شمال اليونان في حركة أسطورية واضحة ترمز لمسير الحضارة من شرق المتوسط إلى القارة التي كانت من دون اسم، وبالتالي من دون وعي بالذات. ولكي تكتمل دورة الأسطورة جاء الأمير قدموس من صور ليفتش عن أخته أوروبا ولكنه لم يجدها، فاستقر في اليونان وأسس مدينة طيبة وأصبح ملكها. ثم علّم الإغريق الأبجدية الفينيقية التي منها اشتقت الأبجدية اليونانية لتنسال منها ملحمة الإغريق المعرفية. أي أن أوروبا، وفق أساطير الإغريق التأسيسية، بدأت بوحي من عندنا. دارت دورة الحضارة وأصبحت أوروبا منبعها ومركزها ومستقرها ومانحها. ورتبت أوروبا العالم وتاريخه وفق هوى تميّزها وجعلت نفسها في المركز منه: سليلة الحضارة الإغريقية وحاملة شعلتها في تسلسل تاريخي مستمر منذ العصر الكلاسيكي ومروراً بعصر النهضة وحتى العصر الحديث. على حين تناثرت الثقافات الأخرى حول المركز في علاقات دونية معه، وبشكل خاص شرق المتوسط وجنوبه، أي العالم العربي، اللذين كانا موئلاً للحضارة الكلاسيكية وحرمتهما أوروبا الحديثة من هذا التراث بسبب تمايزهما الديني والثقافي من جهة وبسبب تبعيتهما السياسية والاقتصادية منذ عصر الاستعمار وإلى اليوم من جهة أخرى. أي أن العرب، وفق أساطير أوروبا الحديثة، لا ينتمون للحضارة الكلاسيكية حتى وإن كانت قد أينعت على أرضهم. بين أساطير الإغريق الأول وأساطير الغرب المعاصر تبدأ أوروبا وتنتهي: حاوية للحضارة الكلاسيكية ومحتكرة لتراثها حتى ذلك منه الذي لا يقع على أرضها، مثل مدن الأناضول وسورية ومصر التي تعود للعهود الإغريقية والرومانية والبيزنطية، أو فلسفة العصور الوسطى الإسلامية التي هضمت التراث الإغريقي وأعادت إنتاجه بما يتوافق وأسئلة الديانات التوحيدية، أو، مؤخراً، أراضي الشرق والجنوب من أوروبا الجغرافية نفسها التي لا تمت بصلة ثقافية إلى أوروبا الغربية، إلا من حيث انتمائها الديني للمسيحية، وهذه أيضاً شرقية الهوى والمنبت. وقد جاءت مأساة تدمر في السنة الأخيرة لتعيد التركيز على صورة أوروبا عن نفسها وكيفية إدارتها لهذه الصورة سياسياً وثقافياً وحتى آثارياً ومعمارياً وترميمياً. تدمر التي خسرها النظام السوري لداعش في مايو/ أيار 2015 واستعادها منه في مارس/ آذار هذا العام، في لعبة قذرة لم نزل نجهل تفاصيلها، عانت من التدمير الوحشي الذي مارسه داعش على ناسها وآثارها، وتعاني الآن مما يمكن أن نسميه اهتماماً زائداً من العالم. هذه التدمر، عروسة الصحراء كما يقال، تحمل في الغرب اسم "بالميرا" الرومانسي وتُقدم على أنها المدينة الإغريقية - الرومانية في قلب الصحراء السورية