بحضور الوزير شريف فتحي.. تفاصيل إطلاق حملة «إحنا مصر» لتنشيط السياحة    رئيس جامعة الدلتا التكنولوجية يفتتح فعاليات مبادرة "كن مستعدًا"    «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر أغسطس 2025    علامة استفهام لماذا تتلكأ الدول الكبرى فى تصنيف الإخوان جماعة إرهابية    آرسنال يعود بانتصار صعب من عقر دار مانشستر يونايتد    عبد اللطيف منيع يعود للقاهرة بعد معسكر مكثف بالصين استعدادًا لبطولة العالم المقبلة    سيدة تستغل "السوشيال ميديا" بالرقص والمخدرات.. والداخلية توقفها    فى ذكرى رحيله.. «درويش» وطن فى شاعر    أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    جراحة ناجحة لمريض بتثبيت كسور بالوجه والفك السفلي في العريش    7 أطعمة ومشروبات غنية بفيتامين D    غوارديولا يتحدث عن صفقاته الجديدة    جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات: الذكاء الاصطناعي ضرورة لمستقبل الاقتصاد المصرى    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    «الصحة» تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    معلق مباراة ريال مدريد وأوساسونا في الدوري الإسباني    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    دورة إنقاذ ومعرض تراثي.. أبرز أنشطة الشباب والرياضة في الوادي الجديد    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    توجيهات حاسمة من السيسي لوزيري الداخلية والاتصالات    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار الموسمية والفيضانات في باكستان إلى 645 قتيلا    صراع من أجل البقاء.. مأساة الفاشر بين الحصار والمجاعة والموت عطشًا    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    خطأ أمريكي هدد سلامة ترامب وبوتين خلال لقائهما.. ماذا حدث؟    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية .. متى تولد؟
نشر في صوت البلد يوم 07 - 06 - 2018

كان أمبرتو إيكو غارقا وسط كتب القرون الوسطى حينما نفث دخان سيجاره، وقال لنفسه على سبيل الدعابة: "كم سيكون مُسليًّا تسميم راهب وهو يقرأ كتاباً غريبًا"، بعدها بأشهر وقبيل بلوغه الخمسين من العمر أصدر روايته الأولى "اسم الوردة"، بعدها توالت الروايات.
يقول أيضا إيكو الذي يرفض فكرة الإلهام ويؤمن بالعمل الجاد للروائي بطريقة ما "أعتبر كل رواية هي سيرة ذاتية، حينما نبتكر شخصية روائية، فنحن بشكل ما نسبغ عليها بعض من حياتنا الخاصة. فنعطي هذه الشخصية جزءا منا، ونعطي تلك جزءا آخر منا. بهذا لا أراني أكتب سيرتي الذاتية بشكل مباشر، لكن سيرتي الذاتية تصبح مضمّنة في الراوية، وهناك فرق".
فهل أصبح إيكو روائيا فجأة؟
بالطبع لا، كانت الروايات بداخله فقط كانت تنتظر لحظة تجسيدها على الورق، فكيف تكتب الرواية؟ يقول جارثيا ماركيز "إن أكثر من يسألون أنفسهم: كيف تُكتب الرواية، هم الروائيون أنفسهم"، هذا يعني ببساطة أن ليس ثمة وصفة سحرية ولا جواب جاهز، إنما لكل رواية سبب كتابتها، وكل جواب يستدعي تجربة.
هزة حضارية
تنفي الروائية سلوى بكر أن تكون تعمدت اختيار فترات تاريخية للكتابة عنها بقرار مسبق، تقول عن روايتها "البشموري": لم أكن أتصور أنني سأكتب مثل هذه الرواية، ولكن عندما قرأت بعض الكتب التاريخية حول الفترة الزمنية ما بين نهاية الحكم الروماني في مصر، وتحول مصر الى دولة إسلامية بالمعنى الذى نعرفه اليوم، كنت أتساءل ماذا حدث بين هاتين الفترتين؟ كيف تحولت الثقافة والمفردات الحضارية واللغة، كل هذه أمور كنت أهجس بها دائما، أنا مدمنة قراءة في التاريخ، وفي فترة ما كان سؤال الهوية شائعاً في الأوساط الثقافية، وتصادف أن كنت أقرأ كتاب ساويرس ابن المقفع "تاريخ الآباء البطاركة" عندما اكتشفت كثيراً من الرؤى حول الهوية المعاصرة والتحيزات الدينية والإيديولوجية المتعلقة بهذه الهوية.
فما كتبه ابن المقفع في كتابه عن ثورة البشموريين الممتدة بين القرنين السابع والتاسع الميلاديين فتح أمامي المجال لأكتشف أشياء شديدة الجدة، خصوصاً عن تاريخ مصر الوسيط. أشياء كثيرة لم يرد ذكرها في الكتابات التاريخية المعاصرة. فجأة وجدتنى مدفوعة في اتجاه البحث حول تلك المنطقة حتى خرجت روايتي "البشموري" التي أقف فيها على ملابسات هذه الثورة كي أتلمس ملامح الهوية الحضارية والثقافية لمصر آنذاك.
وتضيف سلوى بكر: الأمر نفسه تكرر في روايتي "الصفصاف والآس"، فقد أردت فيها أن أعبر عن الهزة القيمية التي حدثت للمصريين بعد دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798، حيث كانت لمصر في نهاية القرن الثامن عشر منظومة اجتماعية خاصة وأسلوب حياة معين، وحين جاءت الحملة جعلت المصريين يعيدون النظر في كل ذلك، فقد كانوا قبل ذلك على سبيل المثال يتنزهون في حديقة بها نوافير ومقاهٍ ومسارح أنشأها أحد أمراء المماليك الأثرياء، وكانت هذه الحديقة ذات اسم جميل "حديقة الصفصاف والآس لمن رغب في الائتناس".
ومع دخول الفرنسيين ومن معهم الملهى الليلي المخصص للترفيه عن ضباط وجنود الحملة، أصبح السؤال لدى المصريين:
هل نتسلى في حديقة الصفصاف والآس؟
أم نتسلى في ملهى على غرار جنود نابليون بونابرت؟
وتساءلوا أيضا: هل نشرب مشروباتنا الوطنية أم مشروبات الأوروبيين؟
من هنا جاء اختيار هذا الاسم لأن موضوع الرواية الرئيسي هو الهزة القيمية التي جعلت المصريين يعيدون النظر في طرائق حياتهم ومفاهيمهم وقيمهم بصفة عامة.
المقاومة بالرواية
يقول الروائي محمد جبريل: عندما تأتيني فكرة عمل ما لا أشرع فورا في كتابته، بل أقرأ عنه من كل زواياه، مثلا لو العمل رواية تاريخية أقرأ عن الفترة التي تعالجها من حيث العادات والتقاليد والأزياء والأسواق حتى أصبح فردا من أفراد هذا الزمان أو الحقبة التاريخية أو الحي القديم، مثلا حينما كتبت عن عمر مكرم قرأت عنه وله، ناقشت عمر مكرم ومحمد علي هذا الحاكم الفرد الذي يعطيني تحديثا وتحضرا ويكبت إرادة المصريين، وعندما حاول عمر مكرم الذي رشحه الشعب أن ينبهه نفاه إلى دمياط ولم يشفع لعمر مكرم إنه هو الذي وضعه حاكما لمصر.
نعم محمد علي أفاد مصر مثل ستالين الذي بني الاتحاد السوفيتي الذى عمل الستار الحديدي وحقق والتقدم في الرياضة والصناعة باستثناء الأدب فليس عنه تشيكوف ولا حتي جوركي.
لكنه للأسف لم يعتمد على الناس البسطاء مثل محمد علي بالضبط وما هى مفهوم المقاومة؟
ويضيف جبريل: أحاول دائما في أعمالي الانتصار لمشروع المقاومة، ففي رواية "عائشة" الشعب أصر أن يأخذها، عائشة هنا دلالة أو مغزي أصر الناس أن يأخذوها وأخذوها بإرادتهم. وفي رواية "رجال الظل" الصادرة عام 2005، حصل انقلاب في الإمارة غير المسماة، وهي رمز العالم العربي، بعد الانفلات أحضروا الحاكم من باريس، ليكون مجرد واجهة وليس حاكما فعليا. والحمد لله كتبت هذه الرواية أيام حسني مبارك لتعكس تحول مبارك إلى واجهة، مجرد سيادة الحكيم والرئيس والزعيم في نظر العصابة المحيطين بها وهم يطيحون بكل شئ جميل من حوله.
كابوس مقيم
يقول الروائي محمود الورداني عن روايته "أوان القطاف" بدأت كتابة هذه الرواية بقصة قصيرة منشورة اسمها "رأس" تابعت فيها رأساً يتم ذبحه عدة مرات، وكانت أهميتها بالنسبة لي التخلص التام من الأفكار والانطباعات التي كنت حريصا عليها.
والحقيقة أنه لم تكن لدي أي فكرة مركزية، ولم يكن هدفي إدانة القمع، ولا التغني بالحرية.
كل ما أردته هو الإنصات لهذه الأصوات كلها على تنوعها واختلافها، فهي تشترك جميعا في أمر واحد أظن أننا جميعا نشترك فيه وهو تعرضنا المستمر للذبح وبشكل يكاد يكون يوميا، ليس فقط بالمعنى المجازي بل بالمعنى الحقيقي لأننا نعيش كابوسا طويلا.
و"أوان القطاف" كانت عن هذا الكابوس المقيم، فهذه الرواية هي التي كتبتني تقريبا، ولم أكتبها ولم يكن أي من المعاني والمقولات التي تناولها عدد من النقاد قد وردت في ذهني أو خيالي على الاطلاق.
إن الإدانة الحقيقية للقمع مثلا يمكن أن تكتبها في جملة واحدة اما الرواية فأظنها أمرا مختلفا.
أيام الشارلستون
ويقول الكاتب محمود قاسم: عندما كنت صغيرا كنت شديد الخصوبة فيم يخص الموضوعات التي أكتب عنها، وكنت أسيرا للكتاب الذين كنت أحب كتاباتهم وعلى رأسهم محمد عبدالحليم عبدالله إلا أن هذه الحالة أصابتني وأنا محترف فيما يخص بروايات الأطفال التي أحببت فيها كثيرا الفنتازيا والتخيل العلمي.
أما الروايات فإنها في الغالب مرتبطة بقصص عشتها في حياتي باعتبار أن بهذه الروايات ملمس جلدي ورائحة أنفاسي وبصمة أصابعي، ومنها "ثلاثية الحنين"، وهي علي التوالي "وقائع سنوات الصبا" و"زمن عبدالحليم حافظ" و"أيام الشارلستون".
الحكاية أنني اكتشفت أنني لم أعد شابا صغيرا أو صبيا، وأن هذا الزمن لن يعود قط وصار أشبه بالحبيبة التي هجرتني إلى الأبد، ولا بد من إعادتها، وأدركت أنها لن تعود إلا إذا أعدت صياغتها فوق الورق، كما عشتها، وأحيانا بالأسماء الحقيقية لأبطالها مثل الأستاذ فيصل في رواية "أيام الشارلستون"، وهكذا أعدت صياغة السنوات الضائعة التي عشتها، والشخصيات التي كانت مني قريبة، وقد تكررت الحكاية مع روايات أخرى ومنها "أفعال الحب" التي بدأت في كتابتها وأنا أمارسها، وأعيشها، فأحيا باليد اليمنى وأكتب أيضا بيدي الأخرى، إلا أن هناك روايات ليست لها علاقة بذكرياتي مثل "آخر أيام الإسكندرية" التي تصورت فيها مدينة الإسكندرية القديمة تغرق في البحر في القرن الثالث الميلادي بعد أن شاخ حكامها فانقلبت المدينة على من يعيشون فوقها ويرتضون بهذا الدور.
أما رواية "الثروة" فقد كتبتها متأثرا بإعجابي الشديد برواية "صحراء التتار" للكاتب الايطالي دينو بوتزاتي باعتبار أن حياتنا هي مجموعة من الانتظارات المتراكبة.
أما رواية "الركض فوق الماء" فهي تدور عن تسعة أشخاص من المشاهير في مجال الكتابة يعيش كتابهم الحقيقيون في الظل.
وعن روايتي الأخيرة "المؤلف" فقد ترددت كثيرا في كتابتها، وهي بالتقريب عن القصة العاطفية الأخيرة التي عشتها قبل أن يداهمني المرض.
باختصار كلماتي في رواياتي هي قطرات حية من دمي.
(خدمة وكالة الصحافة العربية).
كان أمبرتو إيكو غارقا وسط كتب القرون الوسطى حينما نفث دخان سيجاره، وقال لنفسه على سبيل الدعابة: "كم سيكون مُسليًّا تسميم راهب وهو يقرأ كتاباً غريبًا"، بعدها بأشهر وقبيل بلوغه الخمسين من العمر أصدر روايته الأولى "اسم الوردة"، بعدها توالت الروايات.
يقول أيضا إيكو الذي يرفض فكرة الإلهام ويؤمن بالعمل الجاد للروائي بطريقة ما "أعتبر كل رواية هي سيرة ذاتية، حينما نبتكر شخصية روائية، فنحن بشكل ما نسبغ عليها بعض من حياتنا الخاصة. فنعطي هذه الشخصية جزءا منا، ونعطي تلك جزءا آخر منا. بهذا لا أراني أكتب سيرتي الذاتية بشكل مباشر، لكن سيرتي الذاتية تصبح مضمّنة في الراوية، وهناك فرق".
فهل أصبح إيكو روائيا فجأة؟
بالطبع لا، كانت الروايات بداخله فقط كانت تنتظر لحظة تجسيدها على الورق، فكيف تكتب الرواية؟ يقول جارثيا ماركيز "إن أكثر من يسألون أنفسهم: كيف تُكتب الرواية، هم الروائيون أنفسهم"، هذا يعني ببساطة أن ليس ثمة وصفة سحرية ولا جواب جاهز، إنما لكل رواية سبب كتابتها، وكل جواب يستدعي تجربة.
هزة حضارية
تنفي الروائية سلوى بكر أن تكون تعمدت اختيار فترات تاريخية للكتابة عنها بقرار مسبق، تقول عن روايتها "البشموري": لم أكن أتصور أنني سأكتب مثل هذه الرواية، ولكن عندما قرأت بعض الكتب التاريخية حول الفترة الزمنية ما بين نهاية الحكم الروماني في مصر، وتحول مصر الى دولة إسلامية بالمعنى الذى نعرفه اليوم، كنت أتساءل ماذا حدث بين هاتين الفترتين؟ كيف تحولت الثقافة والمفردات الحضارية واللغة، كل هذه أمور كنت أهجس بها دائما، أنا مدمنة قراءة في التاريخ، وفي فترة ما كان سؤال الهوية شائعاً في الأوساط الثقافية، وتصادف أن كنت أقرأ كتاب ساويرس ابن المقفع "تاريخ الآباء البطاركة" عندما اكتشفت كثيراً من الرؤى حول الهوية المعاصرة والتحيزات الدينية والإيديولوجية المتعلقة بهذه الهوية.
فما كتبه ابن المقفع في كتابه عن ثورة البشموريين الممتدة بين القرنين السابع والتاسع الميلاديين فتح أمامي المجال لأكتشف أشياء شديدة الجدة، خصوصاً عن تاريخ مصر الوسيط. أشياء كثيرة لم يرد ذكرها في الكتابات التاريخية المعاصرة. فجأة وجدتنى مدفوعة في اتجاه البحث حول تلك المنطقة حتى خرجت روايتي "البشموري" التي أقف فيها على ملابسات هذه الثورة كي أتلمس ملامح الهوية الحضارية والثقافية لمصر آنذاك.
وتضيف سلوى بكر: الأمر نفسه تكرر في روايتي "الصفصاف والآس"، فقد أردت فيها أن أعبر عن الهزة القيمية التي حدثت للمصريين بعد دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798، حيث كانت لمصر في نهاية القرن الثامن عشر منظومة اجتماعية خاصة وأسلوب حياة معين، وحين جاءت الحملة جعلت المصريين يعيدون النظر في كل ذلك، فقد كانوا قبل ذلك على سبيل المثال يتنزهون في حديقة بها نوافير ومقاهٍ ومسارح أنشأها أحد أمراء المماليك الأثرياء، وكانت هذه الحديقة ذات اسم جميل "حديقة الصفصاف والآس لمن رغب في الائتناس".
ومع دخول الفرنسيين ومن معهم الملهى الليلي المخصص للترفيه عن ضباط وجنود الحملة، أصبح السؤال لدى المصريين:
هل نتسلى في حديقة الصفصاف والآس؟
أم نتسلى في ملهى على غرار جنود نابليون بونابرت؟
وتساءلوا أيضا: هل نشرب مشروباتنا الوطنية أم مشروبات الأوروبيين؟
من هنا جاء اختيار هذا الاسم لأن موضوع الرواية الرئيسي هو الهزة القيمية التي جعلت المصريين يعيدون النظر في طرائق حياتهم ومفاهيمهم وقيمهم بصفة عامة.
المقاومة بالرواية
يقول الروائي محمد جبريل: عندما تأتيني فكرة عمل ما لا أشرع فورا في كتابته، بل أقرأ عنه من كل زواياه، مثلا لو العمل رواية تاريخية أقرأ عن الفترة التي تعالجها من حيث العادات والتقاليد والأزياء والأسواق حتى أصبح فردا من أفراد هذا الزمان أو الحقبة التاريخية أو الحي القديم، مثلا حينما كتبت عن عمر مكرم قرأت عنه وله، ناقشت عمر مكرم ومحمد علي هذا الحاكم الفرد الذي يعطيني تحديثا وتحضرا ويكبت إرادة المصريين، وعندما حاول عمر مكرم الذي رشحه الشعب أن ينبهه نفاه إلى دمياط ولم يشفع لعمر مكرم إنه هو الذي وضعه حاكما لمصر.
نعم محمد علي أفاد مصر مثل ستالين الذي بني الاتحاد السوفيتي الذى عمل الستار الحديدي وحقق والتقدم في الرياضة والصناعة باستثناء الأدب فليس عنه تشيكوف ولا حتي جوركي.
لكنه للأسف لم يعتمد على الناس البسطاء مثل محمد علي بالضبط وما هى مفهوم المقاومة؟
ويضيف جبريل: أحاول دائما في أعمالي الانتصار لمشروع المقاومة، ففي رواية "عائشة" الشعب أصر أن يأخذها، عائشة هنا دلالة أو مغزي أصر الناس أن يأخذوها وأخذوها بإرادتهم. وفي رواية "رجال الظل" الصادرة عام 2005، حصل انقلاب في الإمارة غير المسماة، وهي رمز العالم العربي، بعد الانفلات أحضروا الحاكم من باريس، ليكون مجرد واجهة وليس حاكما فعليا. والحمد لله كتبت هذه الرواية أيام حسني مبارك لتعكس تحول مبارك إلى واجهة، مجرد سيادة الحكيم والرئيس والزعيم في نظر العصابة المحيطين بها وهم يطيحون بكل شئ جميل من حوله.
كابوس مقيم
يقول الروائي محمود الورداني عن روايته "أوان القطاف" بدأت كتابة هذه الرواية بقصة قصيرة منشورة اسمها "رأس" تابعت فيها رأساً يتم ذبحه عدة مرات، وكانت أهميتها بالنسبة لي التخلص التام من الأفكار والانطباعات التي كنت حريصا عليها.
والحقيقة أنه لم تكن لدي أي فكرة مركزية، ولم يكن هدفي إدانة القمع، ولا التغني بالحرية.
كل ما أردته هو الإنصات لهذه الأصوات كلها على تنوعها واختلافها، فهي تشترك جميعا في أمر واحد أظن أننا جميعا نشترك فيه وهو تعرضنا المستمر للذبح وبشكل يكاد يكون يوميا، ليس فقط بالمعنى المجازي بل بالمعنى الحقيقي لأننا نعيش كابوسا طويلا.
و"أوان القطاف" كانت عن هذا الكابوس المقيم، فهذه الرواية هي التي كتبتني تقريبا، ولم أكتبها ولم يكن أي من المعاني والمقولات التي تناولها عدد من النقاد قد وردت في ذهني أو خيالي على الاطلاق.
إن الإدانة الحقيقية للقمع مثلا يمكن أن تكتبها في جملة واحدة اما الرواية فأظنها أمرا مختلفا.
أيام الشارلستون
ويقول الكاتب محمود قاسم: عندما كنت صغيرا كنت شديد الخصوبة فيم يخص الموضوعات التي أكتب عنها، وكنت أسيرا للكتاب الذين كنت أحب كتاباتهم وعلى رأسهم محمد عبدالحليم عبدالله إلا أن هذه الحالة أصابتني وأنا محترف فيما يخص بروايات الأطفال التي أحببت فيها كثيرا الفنتازيا والتخيل العلمي.
أما الروايات فإنها في الغالب مرتبطة بقصص عشتها في حياتي باعتبار أن بهذه الروايات ملمس جلدي ورائحة أنفاسي وبصمة أصابعي، ومنها "ثلاثية الحنين"، وهي علي التوالي "وقائع سنوات الصبا" و"زمن عبدالحليم حافظ" و"أيام الشارلستون".
الحكاية أنني اكتشفت أنني لم أعد شابا صغيرا أو صبيا، وأن هذا الزمن لن يعود قط وصار أشبه بالحبيبة التي هجرتني إلى الأبد، ولا بد من إعادتها، وأدركت أنها لن تعود إلا إذا أعدت صياغتها فوق الورق، كما عشتها، وأحيانا بالأسماء الحقيقية لأبطالها مثل الأستاذ فيصل في رواية "أيام الشارلستون"، وهكذا أعدت صياغة السنوات الضائعة التي عشتها، والشخصيات التي كانت مني قريبة، وقد تكررت الحكاية مع روايات أخرى ومنها "أفعال الحب" التي بدأت في كتابتها وأنا أمارسها، وأعيشها، فأحيا باليد اليمنى وأكتب أيضا بيدي الأخرى، إلا أن هناك روايات ليست لها علاقة بذكرياتي مثل "آخر أيام الإسكندرية" التي تصورت فيها مدينة الإسكندرية القديمة تغرق في البحر في القرن الثالث الميلادي بعد أن شاخ حكامها فانقلبت المدينة على من يعيشون فوقها ويرتضون بهذا الدور.
أما رواية "الثروة" فقد كتبتها متأثرا بإعجابي الشديد برواية "صحراء التتار" للكاتب الايطالي دينو بوتزاتي باعتبار أن حياتنا هي مجموعة من الانتظارات المتراكبة.
أما رواية "الركض فوق الماء" فهي تدور عن تسعة أشخاص من المشاهير في مجال الكتابة يعيش كتابهم الحقيقيون في الظل.
وعن روايتي الأخيرة "المؤلف" فقد ترددت كثيرا في كتابتها، وهي بالتقريب عن القصة العاطفية الأخيرة التي عشتها قبل أن يداهمني المرض.
باختصار كلماتي في رواياتي هي قطرات حية من دمي.
(خدمة وكالة الصحافة العربية).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.