حزب الوفد يحيي ذكرى رحيل سعد زغلول ومصطفى النحاس (صور)    عمدة "هوداك" برومانيا يكرم طلاب جامعة سيناء الفائزين بالجائزة الذهبية في مهرجان الفلكلور الدولي    اتحاد المقاولين يطالب بوقف تصدير الأسمنت لإنقاذ القطاع من التعثر    الخارجية الجزائرية: المجاعة بقطاع غزة خيار سياسي ونتاج تخطيط وتدبير الكيان الصهيوني    نهائي السوبر السعودي، الأهلي والنصر يتعادلان 2-2 بالوقت الأصلي ويحتكمان لركلات الترجيح (صور)    بمشاركة فريق مصري.. تعرف على المشاركين في البطولة العربية للأندية لليد    محافظ سوهاج يتابع حادث غرق الطالبات ب شاطئ العجمى في الإسكندرية    نائب وزير السياحة وأمين المجلس الأعلى للآثار يتفقدان أعمال ترميم المواقع بالإسكندرية    بدون أنظمة ريجيم قاسية، 10 نصائح لإنقاص الوزن الزائد    الإتجار في السموم وحيازة خرطوش.. جنايات شبرا تقضي بسجن متهمين 6 سنوات    وزير الصحة الفلسطيني: فقدنا 1500 كادر طبي.. وأطباء غزة يعالجون المرضى وهم يعانون من الجوع والإرهاق    مذكرة تفاهم بين جامعتي الأزهر ومطروح تتضمن التعاون العلمي والأكاديمي وتبادل الخبرات    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    "التنمية المحلية": انطلاق الأسبوع الثالث من الخطة التدريبية بسقارة غدًا -تفاصيل    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    رغم تبرئة ساحة ترامب جزئيا.. جارديان: تصريحات ماكسويل تفشل فى تهدئة مؤيديه    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلام المصري نحو التضييق أم مواجهة الأخبار المزيفة؟
نشر في صوت البلد يوم 22 - 03 - 2018

في مطلع العام الحالي، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليعلن عن جوائز للأخبار الكاذبة، إذ قال في تغريدة على تويتر: «كان 2017 عام انحياز مفرط وتغطية إعلامية غير نزيهة ومعلومات كاذبة مخجلة»، وأعلن قائمته التي وصفها ب «الفائزين بجوائز الأخبار الزائفة»، وذلك تهكما على وسائل إعلام أميركية بينها «سي أن أن» و «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست»، متهما إياها بمحاولة إخراسه ومنعه من الوصول إلى البيت الأبيض.
وثمة اتهامات وجهت إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومحرك البحث غوغل بكونها ضلعاً أصيلاً في ترويج «أخبار مزيفة» خلال انتخابات الرئاسة الأميركية بلغت حد استدعاء مجلس الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي مسؤولي «غوغل» و «فايسبوك» و «تويتر» للإدلاء بأقوالهم في قضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسة عبر التأثير في توجيه الرأي العام باستخدام تلك المنصات.
وأفادت دراسة صادرة عن معهد رويترز لدراسة الصحافة بالتعاون مع جامعة أكسفورد بأن استمرار انتشار الأخبار المزيفة في 2017 حمل تأثيراً كبيراً على الثقة في الأخبار الواردة على الإنترنت، وتوقعت الدراسة أن الرقابة والسيطرة على «الأخبار المزيفة» ستكون موضوعاً مهماً خلال 2018. وأشارت الدراسة التي استندت إلى مسح أجري على 70 ألف شخص من 36 دولة أن 24 في المئة يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بدور جيد في توضيح الحقائق، في مقابل 40 في المئة لمصلحة وسائل الأخبار التقليدية، بينما أكد 29 في المئة من العينة أنهم يتجنبون متابعة الأخبار لتأثيرها السيء في مزاجهم العام.
كما رصدت الدراسة اختلافاً كبيراً في الثقة في وسائل الإعلام بين البلدان التي شملها المسح، إذ حلت فنلندا في المرتبة الأولى في نسبة الذين يثقون بالأخبار حيث بلغت 62 في المئة، وتلتها المملكة المتحدة بنسبة 43 في المئة، ثم الولايات المتحدة 38 في المئة، وجاء في ذيل القائمة كوريا الجنوبية ب23 في المئة ، صارت الأخبار المضللة بمثابة ظاهرة تقض مضجع كثير من دول العالم التي انتفضت لتواجهها، إذ تبدو تلك المنصات مجرد أداة تستخدمها دول وأصحاب مصالح وأيدلوجيات لبث أفكارهم وترويجها.
عرض «مؤشرات الثقة»
ومن جهتها، تعمل كل من «فايسبوك» و «غوغل» و «تويتر» مع مشروع الثقة على نظام آلي لعرض «مؤشرات الثقة» إلى جانب المعلومات التي يتشاركها مع مرتاديه، بينما لجأت «غوغل» إلى إطلاق تطبيق جديد هو «نشرة» تعتمد خلاله على الأشخاص المحليين لمتابعة الأخبار لكنها مدعمة بالصور والفيديو تأكيداً للصدقية والاعتماد على أشخاص من قلب الحدث.
أما موسوعة ويكيبيديا فقررت أن يجمعها تعاون مع شبكة المحررين العالمية، عبر إطلاق مشروع «ويكيتريبيون»، وهو موقع للأخبار يعمل فيه صحافيون محترفون ومتطوعون بغرض تنقيح الكتابات والمقالات من الأكاذيب.
جهود جمة تبذل، لكن لا تستطيع مواجهة سيل الأخبار التي يتم تدجينها كسلاح في ترويج الأخبار المضللة، ما فتح الباب أمام بعض الحكومات لمحاولة السيطرة والرقابة على الشاشات والصحف ومواقع الإنترنت، وبينهم الرئيس الروسي بوتين الذي كان سباقاً في هذا الصدد، إذ أصدر قراراً عام 2000، باعتبار الإنترنت مسألة أمن قومي والأهداف الوطنية فوق الحريات الشخصية والأمن القومي فوق حرية الإعلام، وفي عام 2012 أصدر الدوما تشريعاً يخول له إصدار قوائم سوداء بمواقع الإنترنت لمواجهة المواقع الإباحية والمتطرفة إلا أن استخدامه امتد للتنكيل بمعارضين.
وفي المغرب، توشك وزارة الثقافة والاتصال على الانتهاء من مشروع قانون يهدف إلى تجريم الأخبار الزائفة، بينما تستعد تركيا لسن تشريع من شأنه توسيع سلطات هيئة الإذاعة والتلفزيون لفرض الرقابة على المواد السمعية والبصرية وتدوينات مواقع التواصل الاجتماعي أو الأفلام التي تعرضها شركات على الإنترنت ومنها نتفليكس، إذ تنظر إليها باعتبارها خطراً على الأمن القومي، ما عرض أردوغان لحملة واسعة من الانتقادات لكونها مساساً بحرية الرأي التعبير وتقويضاً للحريات.
وفي مصر، أصدر النائب العام المصري منذ أيام قراراً يقضي بمتابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بدعوى ملاحظة «محاولة قوى الشر النيل من أمن الوطن وسلامته عبر نشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي وضبط ما يبث عنها من إشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية واتخاذ الإجراءات الجنائية حيالها».
ما بين مؤيد ومعارض، ومخاوف أن يحمل القرار المبهم في طياته وسيلة لمزيد من كبح الحريات أو التضييق على المعارضين، لا سيما أن عباراته جاءت مطاطة، كما لا يوضح القرار آليات وكيفية تطبيقه، وطرح القرار تساؤلات ومخاوف حوله كونه درءاً لبث الإشاعات والأكاذيب أم أنها مدخل للملاحقات الأمنية ومحاكم التفتيش على الصحف ورواد مواقع التواصل الاجتماعي. في المقابل رحب بعضهم بالقرار، إذ يرون أنه سيسيطر على حجم الإشاعات.
القرار جاء عقب أيام قليلة من تحقيق «بثته بي بي سي» عن الاختفاء القسري في مصر، والادعاء أن فتاة تدعى زبيدة تعرضت للسجن والتعذيب والاغتصاب من قبل الشرطة، ثم ظهور الفتاة لتكذب تلك الادعاءات ويتضح أنها تركت عائلتها وتزوجت وأنجبت.
وعلى رغم إعلان نقيب الصحافيين المصريين عبد المحسن سلامة التوافق مع القرار إلا أن عضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ كان له رأي آخر، إذ قال ل «الحياة» إنه «يفترض أن نقابة الصحافيين هي المعنية بما يخص الصحف والمواقع الممثلة لمؤسسات إعلامية معتمدة لديها، إذ تعمل على ضبط إيقاع المهنة، ومن لديه شكوى فليتقدم بها إلى نقابة الصحافيين قبل التقدم إلى النيابة العامة كي تطبق ما جاء في ميثاق الشرف الصحافي، وتحيل أي مخطئ إلى التحقيق لاتخاذ الجزاءات والإجراءات المتعارف عليها». وأضاف عبد الحفيظ :»إذا فتحنا الباب أمام فكرة «المحتسب» سواء كانت جهة قضائية أم أمنية أم أياً من مؤسسات الدولة المختلفة، عبر التدخل في مراجعة المحتوى في الصحافة المطبوعة أو الإلكترونية أو المسموعة أو المرئية، فهذا من شأنه أن يجعل الصحافي يعمل في أجواء من الخوف ومن ثم لن يقدم رأياً أو معلومة إلى الجمهور، مهما كان متحققاً منها وهذا يؤدي إلى تفكيك المهنة التي تعد مهنة «إخبار». أي إخبار الجمهور بما يحدث أو تفهيم الناس في الجزء المتعلق بالرأي والتحليل، وعليه سيكون على الصحافيين البحث عن مهنة أخرى».
وأوضح عبد الحفيظ: «لا يوجد صحافي يعمل في مؤسسة تحصل على تراخيصها من الدولة المصرية يمكنه في هذا التوقيت القيام بنشر أخبار كاذبة، وفي حال حدوث ذلك يتم التوجه إلى نقابة الصحافيين التي تتوافر لها إجراءات عقابية غير السجن، فما الذي يجعل صحافياً يمتهن مهنة تجعل سيف السجن مسلطاً على رقبته».
ويرى أن الغرض من مواقع التواصل الاجتماعي هو التنفيس والدردشة وتبادل الأحاديث، ومن ثم لا يمكن التعامل معها بوصفها وسيلة إعلامية لتناقل وبث الأخبار، كما لا يمكن السيطرة عليها لكون المؤسسات المالكة لتلك المنصات غير مصرية، كما أن القائمين عليها بدأوا في وضع وتطوير ضوابط للاستخدام بناء على ما يحدث من مستجدات لكننا لن نتدخل لنفرض عليهم قواعدنا.
إجراءات استثنائية
ويرى خبير الإعلام والعلاقات الدولية جلال نصار أن كل الدول تتخذ إجراءات استثنائية في زمن الأزمات، وقد أعلنت الدولة المصرية أنها في «حال حرب»، لكنها لم تعلن عن حزمة الإجراءات الموازية التي يفترض إعلانها مع بدء العمليات العسكرية وتنتهي بانتهائها والتي كان يتوجب الكشف عنها وتحديدها بحزم وقناعة، منوها بأن المجتمعات قد تقاوم ذلك أحياناً، لكن معظمها يقبله من الناحية الموضوعية بوصفه استثناء للقاعدة، وخلال مواجهة تحديات تمس الأمن القومي يتم اتخاذ حزمة من الإجراءات الاستثنائية يتم قبولها على مضض ومن دون مقاومة. وأشار إلى أن في معظم التجارب الأميركية في كل حروبها كان يحدث نوع من التجاوزات لا يرضى عنها المجتمع، ومنها ممارسات عنصرية واعتقالات بلغت نحو 40- 50 ألف معتقل، لكن المجتمع كان لاحقاً يقوم بتصحيح التجربة وانتقادها».
ويرى نصار أن فترة الحرب هي لحظة وجود، أي أن ثمة معادلة صفرية بين الدولة وطرف آخر، وبدورها تتخذ كل الإجراءات ومنها العسكرية والإعلامية والقانونية، لكن المشكلة في الحال المصرية تكمن في أن السلطات أعطت التعليمات للجنود للاشتباك في معركة عسكرية، لكنها في المقابل لم تقم بإجراءات التوعية للمواطنين، في ظل منظومة إعلامية تفتقد الصدقية تماماً، فصار المواطن خلال هذه المرحلة مشوشاً لا يعرف ملامح دوره، لا سيما أن ثمة متغيرات طرأت على المجتمع، فعلى رغم كونه يمتلك خبرات الحرب والأزمات وداعماً دائماً للقوات المسلحة، إلا أن هناك جيلاً حالياً لم يعاصر أو يخض أي حروب، إضافة إلى أن المجتمع تسوده حال من الاستقطاب والحروب الإعلامية غير مفهومة التوجهات بالداخل والخارج.
ويتابع: «تلك الإجراءات لا يوجد كتالوغ يحدد معالمها، فكل دولة تتخذ ما تراه ملائماً لحالتها، وقد تطاول الإعلام والحريات العامة، فلا توجد دولة تخوض حرباً وتكون لديها حرية كاملة بل منقوصة لأن المقابل هو «سيادة منقوصة».
وأكد نصار أن الأخبار الكاذبة صارت تشغل العالم كله، لكنها تعمقت بصور أكبر مع وسائل التواصل الاجتماعي، لكون التعامل يكون مع قائم بالاتصال مجهول، بينما ملخص العملية الإعلامية هو رسالة وصدقية، ما جدد الحديث عن صدقية الصحافة المطبوعة ووسائل الإعلام المؤسسية».
ويشير نصار إلى أن العالم كله بدأ يتشكك في مصادر المعلومات، وليس أنظمة العالم الثالث فقط، وصارت هناك حروب نفسية وإعلامية كاملة تقوض أنظمة ودولاً وتشرد شعوباً بسبب منظومة إعلامية صارت أشد قسوة من الذخائر، لافتاً إلى أن الدولة المصرية لا تملك أدوات ورؤية لمواجهة تلك الحرب حتى الآن، كما أن قرار النائب العام يحتاج إلى تفسير، وتوضيح آلية المراقبة والخطوط الفاصلة للتجاوزات، وعند معاقبة أحدهم لا بد من أن تعرفه واجباته أولاً وما جريمته وتوصيفها، لا سيما أن المواطن العادي ليست لديه أدوات التيقن من صدقية الخبر، إذ يبقى مجرد متلقٍ.
ويختم بقوله: «لا توجد وصفة سهلة للتوازن بين الحريات والمسؤولية في زمن الحرب فكل شعب له تجربته، ومصر لديها تجربة استثنائية ممتدة لكونها مرت بثورتين، كما أن ثوابت كثيرة اهتزت ومنها سياسية وقيمية، في ظل غياب نخبة حقيقية أو مكون ثقافي يمكن أن يجمع الناس حوله، فضلاً عن حال الاستقطاب السياسي، وأعتقد أن المجتمع ما زال يمر بمرحلة انتقالية لا يمكن توصيفها، وغياب التوصيف يؤدي إلى غياب الحلول والعلاج».
في مطلع العام الحالي، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليعلن عن جوائز للأخبار الكاذبة، إذ قال في تغريدة على تويتر: «كان 2017 عام انحياز مفرط وتغطية إعلامية غير نزيهة ومعلومات كاذبة مخجلة»، وأعلن قائمته التي وصفها ب «الفائزين بجوائز الأخبار الزائفة»، وذلك تهكما على وسائل إعلام أميركية بينها «سي أن أن» و «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست»، متهما إياها بمحاولة إخراسه ومنعه من الوصول إلى البيت الأبيض.
وثمة اتهامات وجهت إلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومحرك البحث غوغل بكونها ضلعاً أصيلاً في ترويج «أخبار مزيفة» خلال انتخابات الرئاسة الأميركية بلغت حد استدعاء مجلس الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي مسؤولي «غوغل» و «فايسبوك» و «تويتر» للإدلاء بأقوالهم في قضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسة عبر التأثير في توجيه الرأي العام باستخدام تلك المنصات.
وأفادت دراسة صادرة عن معهد رويترز لدراسة الصحافة بالتعاون مع جامعة أكسفورد بأن استمرار انتشار الأخبار المزيفة في 2017 حمل تأثيراً كبيراً على الثقة في الأخبار الواردة على الإنترنت، وتوقعت الدراسة أن الرقابة والسيطرة على «الأخبار المزيفة» ستكون موضوعاً مهماً خلال 2018. وأشارت الدراسة التي استندت إلى مسح أجري على 70 ألف شخص من 36 دولة أن 24 في المئة يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بدور جيد في توضيح الحقائق، في مقابل 40 في المئة لمصلحة وسائل الأخبار التقليدية، بينما أكد 29 في المئة من العينة أنهم يتجنبون متابعة الأخبار لتأثيرها السيء في مزاجهم العام.
كما رصدت الدراسة اختلافاً كبيراً في الثقة في وسائل الإعلام بين البلدان التي شملها المسح، إذ حلت فنلندا في المرتبة الأولى في نسبة الذين يثقون بالأخبار حيث بلغت 62 في المئة، وتلتها المملكة المتحدة بنسبة 43 في المئة، ثم الولايات المتحدة 38 في المئة، وجاء في ذيل القائمة كوريا الجنوبية ب23 في المئة ، صارت الأخبار المضللة بمثابة ظاهرة تقض مضجع كثير من دول العالم التي انتفضت لتواجهها، إذ تبدو تلك المنصات مجرد أداة تستخدمها دول وأصحاب مصالح وأيدلوجيات لبث أفكارهم وترويجها.
عرض «مؤشرات الثقة»
ومن جهتها، تعمل كل من «فايسبوك» و «غوغل» و «تويتر» مع مشروع الثقة على نظام آلي لعرض «مؤشرات الثقة» إلى جانب المعلومات التي يتشاركها مع مرتاديه، بينما لجأت «غوغل» إلى إطلاق تطبيق جديد هو «نشرة» تعتمد خلاله على الأشخاص المحليين لمتابعة الأخبار لكنها مدعمة بالصور والفيديو تأكيداً للصدقية والاعتماد على أشخاص من قلب الحدث.
أما موسوعة ويكيبيديا فقررت أن يجمعها تعاون مع شبكة المحررين العالمية، عبر إطلاق مشروع «ويكيتريبيون»، وهو موقع للأخبار يعمل فيه صحافيون محترفون ومتطوعون بغرض تنقيح الكتابات والمقالات من الأكاذيب.
جهود جمة تبذل، لكن لا تستطيع مواجهة سيل الأخبار التي يتم تدجينها كسلاح في ترويج الأخبار المضللة، ما فتح الباب أمام بعض الحكومات لمحاولة السيطرة والرقابة على الشاشات والصحف ومواقع الإنترنت، وبينهم الرئيس الروسي بوتين الذي كان سباقاً في هذا الصدد، إذ أصدر قراراً عام 2000، باعتبار الإنترنت مسألة أمن قومي والأهداف الوطنية فوق الحريات الشخصية والأمن القومي فوق حرية الإعلام، وفي عام 2012 أصدر الدوما تشريعاً يخول له إصدار قوائم سوداء بمواقع الإنترنت لمواجهة المواقع الإباحية والمتطرفة إلا أن استخدامه امتد للتنكيل بمعارضين.
وفي المغرب، توشك وزارة الثقافة والاتصال على الانتهاء من مشروع قانون يهدف إلى تجريم الأخبار الزائفة، بينما تستعد تركيا لسن تشريع من شأنه توسيع سلطات هيئة الإذاعة والتلفزيون لفرض الرقابة على المواد السمعية والبصرية وتدوينات مواقع التواصل الاجتماعي أو الأفلام التي تعرضها شركات على الإنترنت ومنها نتفليكس، إذ تنظر إليها باعتبارها خطراً على الأمن القومي، ما عرض أردوغان لحملة واسعة من الانتقادات لكونها مساساً بحرية الرأي التعبير وتقويضاً للحريات.
وفي مصر، أصدر النائب العام المصري منذ أيام قراراً يقضي بمتابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بدعوى ملاحظة «محاولة قوى الشر النيل من أمن الوطن وسلامته عبر نشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي وضبط ما يبث عنها من إشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية واتخاذ الإجراءات الجنائية حيالها».
ما بين مؤيد ومعارض، ومخاوف أن يحمل القرار المبهم في طياته وسيلة لمزيد من كبح الحريات أو التضييق على المعارضين، لا سيما أن عباراته جاءت مطاطة، كما لا يوضح القرار آليات وكيفية تطبيقه، وطرح القرار تساؤلات ومخاوف حوله كونه درءاً لبث الإشاعات والأكاذيب أم أنها مدخل للملاحقات الأمنية ومحاكم التفتيش على الصحف ورواد مواقع التواصل الاجتماعي. في المقابل رحب بعضهم بالقرار، إذ يرون أنه سيسيطر على حجم الإشاعات.
القرار جاء عقب أيام قليلة من تحقيق «بثته بي بي سي» عن الاختفاء القسري في مصر، والادعاء أن فتاة تدعى زبيدة تعرضت للسجن والتعذيب والاغتصاب من قبل الشرطة، ثم ظهور الفتاة لتكذب تلك الادعاءات ويتضح أنها تركت عائلتها وتزوجت وأنجبت.
وعلى رغم إعلان نقيب الصحافيين المصريين عبد المحسن سلامة التوافق مع القرار إلا أن عضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ كان له رأي آخر، إذ قال ل «الحياة» إنه «يفترض أن نقابة الصحافيين هي المعنية بما يخص الصحف والمواقع الممثلة لمؤسسات إعلامية معتمدة لديها، إذ تعمل على ضبط إيقاع المهنة، ومن لديه شكوى فليتقدم بها إلى نقابة الصحافيين قبل التقدم إلى النيابة العامة كي تطبق ما جاء في ميثاق الشرف الصحافي، وتحيل أي مخطئ إلى التحقيق لاتخاذ الجزاءات والإجراءات المتعارف عليها». وأضاف عبد الحفيظ :»إذا فتحنا الباب أمام فكرة «المحتسب» سواء كانت جهة قضائية أم أمنية أم أياً من مؤسسات الدولة المختلفة، عبر التدخل في مراجعة المحتوى في الصحافة المطبوعة أو الإلكترونية أو المسموعة أو المرئية، فهذا من شأنه أن يجعل الصحافي يعمل في أجواء من الخوف ومن ثم لن يقدم رأياً أو معلومة إلى الجمهور، مهما كان متحققاً منها وهذا يؤدي إلى تفكيك المهنة التي تعد مهنة «إخبار». أي إخبار الجمهور بما يحدث أو تفهيم الناس في الجزء المتعلق بالرأي والتحليل، وعليه سيكون على الصحافيين البحث عن مهنة أخرى».
وأوضح عبد الحفيظ: «لا يوجد صحافي يعمل في مؤسسة تحصل على تراخيصها من الدولة المصرية يمكنه في هذا التوقيت القيام بنشر أخبار كاذبة، وفي حال حدوث ذلك يتم التوجه إلى نقابة الصحافيين التي تتوافر لها إجراءات عقابية غير السجن، فما الذي يجعل صحافياً يمتهن مهنة تجعل سيف السجن مسلطاً على رقبته».
ويرى أن الغرض من مواقع التواصل الاجتماعي هو التنفيس والدردشة وتبادل الأحاديث، ومن ثم لا يمكن التعامل معها بوصفها وسيلة إعلامية لتناقل وبث الأخبار، كما لا يمكن السيطرة عليها لكون المؤسسات المالكة لتلك المنصات غير مصرية، كما أن القائمين عليها بدأوا في وضع وتطوير ضوابط للاستخدام بناء على ما يحدث من مستجدات لكننا لن نتدخل لنفرض عليهم قواعدنا.
إجراءات استثنائية
ويرى خبير الإعلام والعلاقات الدولية جلال نصار أن كل الدول تتخذ إجراءات استثنائية في زمن الأزمات، وقد أعلنت الدولة المصرية أنها في «حال حرب»، لكنها لم تعلن عن حزمة الإجراءات الموازية التي يفترض إعلانها مع بدء العمليات العسكرية وتنتهي بانتهائها والتي كان يتوجب الكشف عنها وتحديدها بحزم وقناعة، منوها بأن المجتمعات قد تقاوم ذلك أحياناً، لكن معظمها يقبله من الناحية الموضوعية بوصفه استثناء للقاعدة، وخلال مواجهة تحديات تمس الأمن القومي يتم اتخاذ حزمة من الإجراءات الاستثنائية يتم قبولها على مضض ومن دون مقاومة. وأشار إلى أن في معظم التجارب الأميركية في كل حروبها كان يحدث نوع من التجاوزات لا يرضى عنها المجتمع، ومنها ممارسات عنصرية واعتقالات بلغت نحو 40- 50 ألف معتقل، لكن المجتمع كان لاحقاً يقوم بتصحيح التجربة وانتقادها».
ويرى نصار أن فترة الحرب هي لحظة وجود، أي أن ثمة معادلة صفرية بين الدولة وطرف آخر، وبدورها تتخذ كل الإجراءات ومنها العسكرية والإعلامية والقانونية، لكن المشكلة في الحال المصرية تكمن في أن السلطات أعطت التعليمات للجنود للاشتباك في معركة عسكرية، لكنها في المقابل لم تقم بإجراءات التوعية للمواطنين، في ظل منظومة إعلامية تفتقد الصدقية تماماً، فصار المواطن خلال هذه المرحلة مشوشاً لا يعرف ملامح دوره، لا سيما أن ثمة متغيرات طرأت على المجتمع، فعلى رغم كونه يمتلك خبرات الحرب والأزمات وداعماً دائماً للقوات المسلحة، إلا أن هناك جيلاً حالياً لم يعاصر أو يخض أي حروب، إضافة إلى أن المجتمع تسوده حال من الاستقطاب والحروب الإعلامية غير مفهومة التوجهات بالداخل والخارج.
ويتابع: «تلك الإجراءات لا يوجد كتالوغ يحدد معالمها، فكل دولة تتخذ ما تراه ملائماً لحالتها، وقد تطاول الإعلام والحريات العامة، فلا توجد دولة تخوض حرباً وتكون لديها حرية كاملة بل منقوصة لأن المقابل هو «سيادة منقوصة».
وأكد نصار أن الأخبار الكاذبة صارت تشغل العالم كله، لكنها تعمقت بصور أكبر مع وسائل التواصل الاجتماعي، لكون التعامل يكون مع قائم بالاتصال مجهول، بينما ملخص العملية الإعلامية هو رسالة وصدقية، ما جدد الحديث عن صدقية الصحافة المطبوعة ووسائل الإعلام المؤسسية».
ويشير نصار إلى أن العالم كله بدأ يتشكك في مصادر المعلومات، وليس أنظمة العالم الثالث فقط، وصارت هناك حروب نفسية وإعلامية كاملة تقوض أنظمة ودولاً وتشرد شعوباً بسبب منظومة إعلامية صارت أشد قسوة من الذخائر، لافتاً إلى أن الدولة المصرية لا تملك أدوات ورؤية لمواجهة تلك الحرب حتى الآن، كما أن قرار النائب العام يحتاج إلى تفسير، وتوضيح آلية المراقبة والخطوط الفاصلة للتجاوزات، وعند معاقبة أحدهم لا بد من أن تعرفه واجباته أولاً وما جريمته وتوصيفها، لا سيما أن المواطن العادي ليست لديه أدوات التيقن من صدقية الخبر، إذ يبقى مجرد متلقٍ.
ويختم بقوله: «لا توجد وصفة سهلة للتوازن بين الحريات والمسؤولية في زمن الحرب فكل شعب له تجربته، ومصر لديها تجربة استثنائية ممتدة لكونها مرت بثورتين، كما أن ثوابت كثيرة اهتزت ومنها سياسية وقيمية، في ظل غياب نخبة حقيقية أو مكون ثقافي يمكن أن يجمع الناس حوله، فضلاً عن حال الاستقطاب السياسي، وأعتقد أن المجتمع ما زال يمر بمرحلة انتقالية لا يمكن توصيفها، وغياب التوصيف يؤدي إلى غياب الحلول والعلاج».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.