" بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو في محافظات مصر    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ جنوب سيناء يبحث مع رئيس الجهاز المركزي للتعمير عددًا من المشروعات    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    جهاد جريشة: لا بد من محاسبة من تعاقد مع فيتور بيريرا.. ويجب تدخل وزرارة الرياضة والرابطة    وليد عبدالوهاب: نهائي الكونفدرالية سيكون تاريخيا..وجاهزين بالسعة الكاملة لاستقبال الجماهير    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    انقسام إسرائيلي حول غزة يعقد سيناريوهات إنهاء الحرب    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عيار 21 الآن في السودان وسعر الذهب اليوم الجمعة 17 مايو 2024    برشلونة يعزز وصافة الدوري الإسباني بانتصار على ألميريا    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    حسين الشحات : نحترم تاريخ الترجي ولكننا نلعب على الفوز دائما    بهذه الطريقة.. اضبط تردد قناة كراميش 2024    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    بعد ساعات من انتشار الفيديو، ضبط بلطجي الإسماعيلية والأمن يكشف ملابسات الواقعة    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    سعر الفراخ البيضاء والبيض البلدي بعد ارتفاعه الجمعة 17 مايو 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    للرجال على طريقة «البيت بيتي».. أفضل طرق للتعامل مع الزوجة المادية    رد ناري من شريف الشوباشي على يوسف زيدان بعد تصريحاته عن طه حسين (فيديو)    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    مصر ترفض مقترح إسرائيلي بشأن معبر رفح    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    «السياحة» تلزم شركات النقل بالسداد الإلكتروني في المنافذ    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لراحة القلب والبال.. أفضل دعاء في يوم الجمعة «اللّهم ارزقني الرضا وراحة البال»    نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتبة السودانية آن الصافي : الاستلاب الثقافي تزييف للتاريخ
نشر في صوت البلد يوم 13 - 03 - 2018

تؤكد الكاتبة الروائية آن الصافي في روايتها الصادرة أخيرا بعنوان "مرهاة" على تقنيتها الخاصة في الرواية، حيث تستبدل الفصول بالأرقام وتبدأ الرقم / الفصل بمدخل / جملة شعرية تحمل حكمة أو رؤية أو صورة تلخص من خلالها تجليا معرفيا وإبداعيا، وتضيف في هذه الرواية تقنية الحوار كقوة كاشفة ومحركة أساسية داخل عملية السرد التي يغيب عنها لفظ اسم فتاة الراوية "مرهاة"، لتحمل مداليل أخرى، حيث تم استخدامها لزرع الفضول في ذهن القارئ بغرض التشويق للقراءة لكشف المعنى، وقد لا يجد أي تفسير للمسمى في النص، فقط فتاة ربما من صنع خيال البطل اسمها مرهاة، أو ربما الراوية. ومن جانب آخر يمكن قراءة ذات النص من الفصل الأول للأخير، ويمكن تقديم القراءة مثل شكة الموتشينة وكل مرة يكتشف فيها نص جديد وجماليات جديدة في كل نص.
هكذا كما ثيمة الصافي في مجمل أعمالها، لا نعلم أسماء الأمكنة إلا بخصائصها، نستشف بأننا أمام حروب وثورات العقد الأخير بإقليمنا وبعض ما نتج عنها. كما نمر عبر النص بنظريات علمية مثل نظرية النشوء لدارون وكذلك مصطلح القوة الناعمة وسماتها ودورها.
تؤكد الرواية الصادرة عن دار فضاءات للطباعة والنشر أن الاستلاب الثقافي الحقيقي ليس فقط سرقة الآثار وتدمير المدن وإبادة الشعوب وتهجير الإنسان بل هو إستلاب الثقافة وتزييف التاريخ وتشويهه. حيث تأتي الرواية لتجمع رموزا إنسانية من عدة مجتمعات وحقبات تاريخية متباينة لا يجمعهم شيء سوى حب الإبداع والعمل على الإهتمام به.
عبر "مِرهاة" نرى كيف الثقافة بأساطيرها الهادفة من الممكن أن يستلهم منها المبدع ويعكس ذلك في منتوجه كل حسب ملكته وأسلوب تعبيره. إنها رواية تنبه لقيمة ما قدمه الإنسان عبر التاريخ من إبداع وأن من الممكن للمنتج الإبداعي أن يحفظ الحضارة والثقافة، وإن كان هناك أعداء فهم يستهدفون كيانا جدير بأهله أن يعوا قيمته والمحافظة عليه.
قدمت الرواية قضايا فلسفية وإجتماعية نتجت بسبب الحروب والتهجير كما نجد قالب الفكاهة بتعبير ساخر أتى في بعض المواقف التي اتسمت بالتناقض والألم.
إن "مرهاة" كما قالت الكاتبة، خطوة في مشروعها الأدبي الذي أسمته "الكتابة للمستقبل"، وقدمت محاور منه في كتاب فكري ثقافي في جزئين.
وقد صدر للأديبة السودانية آن الصافي 6 روايات: فُلك الغواية، جميل نادون، توالي، قافية الراوي، كما روح، إنه هو، ولديها رواية للناشئة اسمتها "آكينوش" ستصدر منتصف هذا العام 2018.
تقنية السرد
وحول أمر التقييم والدخول على الفصول بجمل شعرية أو معرفية أكدت الكاتبة أن من سمات تطور الرواية التكثيف والإقتصاد إن جاز التعبير. وهذه الجمل الإفتتاحية بعد الترقيم توجد في جميع رواياتي بما فيها مِرهاة. هذه تقنية في السرد متبعة وقد لا تكون واسعة الانتشار في إقليمنا ولكنها موجودة.
ماذا لو حذفت من النص وماذا لو بقيت؟! هل يتغير النص؟! عموماً ليس بالضرورة أن يكون هناك رابط ما بين ما تعنيه ومحتوى الفصل الذي تتصدره. من ناحية أخرى، إن كانت جملة تلخص فصلا يتبعها فما فائدة كتابة فصل مطول؟! في الغالب هذا لن يكون محبذاً فسينتقص حتماً من عملية التشويق وترغيب القارئ في المتابعة بذا يتقوض ركن أساسي لا ينصح بمسه.
لنرى الصورة بشكل مقرب وأكثر وضوحاً، هناك كاتب ونص وقارئ وربما بيئة تحمل هذه الأطراف الثلاثة، كما نعلم بأن التشويق من سمات الرواية، ولكل روائي أن يقدم رؤاه وفكرة نصه كما يتوافق مع الموضوع المطروح وقدرته على الإبتكار.
ورأت الكاتبة أن درجة الإنسيابية في تدفق النص تعتمد على عدة عوامل منها ثقافة وعقلية المتلقي، والروائي غير ملزم إلا بأن يقدم نصه بشكل إبداعي ويا حبذا أن يكون مبتكرا يحمل جماليات تستدعي الوقوف عندها، ويا حبذا أن تشكل إضافة للنص في حد ذاته وتجربة الروائي.
هناك من يتقبل الأساليب المكررة في النصوص وتقنيات الكتابة النمطية المتبعة، بينما هناك من يبحث عن المبتكر وهذا المبتكر لا يعلم مداه إلا واهب المَلكة وعمل كل عقلية إبداعية، وقدرتها على التطوير ربما، وقدرتها على تقديم الجديد كما يتوافق لها عبر حصيلة سعيها وثقافتها ومهارتها؛ وكل يجتهد ما استطاع وما التوفيق إلا من عند الله.
وحول "مِرهاة" كعنوان وشخصية، قالت "هي كلمة عربية، حملت شخصية محورية في نص الرواية، لهذا الإسم دلالة في طي النص أتركها للقراء. اختيار عنوان الرواية والمسميات في النص تأتي ضمن عملية التشويق التي تحدثت عنها تواً.
لغتنا جميلة وغنية ومع مرور الوقت عبر الأجيال نجد أن هناك كلمات مذهلة تتوارى في حواراتنا وكتاباتنا وقد تغيب تماماً. لم لا نعود إليها ونقدمها من جديد، فمن ثرائها تتولد المعاني التي تخدم النصوص المكتوبة بدلاً من التكرار. مثلاً، في إقليمنا نجد اللهجات المحلية تحمل معاني متنوعة لذات المفردة من ثقافة لأخرى، وذات هذه المفردة ضمن قاموس العربية. قد يعد من جماليات النص أن يخدم اللغة بهذه التقنية، لذا نجد عددا من النصوص الإبداعية في إقليمنا تعكس محاولات جيدة عبر هذه الإستخدامات.
أما بالنسبة لحالة الحوارية المعرفية التي تتجلى في نص الرواية، فأكدت الكاتبة أن مستجدات الحياة في الألفية الثالثة من تقنيات ما ألفها الإنسان من قبل مثل نظم التواصل والتنقل وتوفر المعلومة وسهولة تبادلها وتخزينها وتوفر بيئات حاضنة للثقافات المتنوعة، والكثير من الجديد الذي لا يحصى، كل ذلك أثّر بشكل واضح في أسلوب تفكير الفرد، وسلوكه، وتعاطيه مع ما حوله من قضايا وأفكار، وما ينتج عنه من قرارات "سواء كان مبدعا/ كاتبا أو متلقيا"، كل ذلك إلا ويؤثر في توجهات المجتمعات.
تفاصيل اللوحة
وأضافت "عادة الريشة ترسم تفاصيل اللوحة وتلونها والعدسة المصورة تحمل المشهد للمتلقي بالضوء واللون، والحركة والصوت أيضاً، هذه وغيرها من عمليات وفنون إبداعية لها أدوات تساعدها لتنقل منتجها للمتلقي بكل يسر عبر تضافر يحتمل عمل عدة عقول إبداعية معاً.
في السرد، أدوات المبدع تستلزم الموهبة والملكة والثقافة والمهارة وآلية التعبير واللغة. ولكن نجد الكتابة الروائية هي الأكثر تعقيداً من بقية الأجناس الإبداعية مجملاً حيث عرض الفكرة وطرح الموضوع والأسلوب، وكل روائي وما أوتي من أدوات.
وكما نعلم أنه من فنية الرواية "الحوار" والذي يترك مجالاً جيداً للتعمق في الفكرة المقدمة وفلسفة الشخوص بالنص. كل شخصية تأتي بثقافة تعكس مجتمعها وفكرها وتفاصيل تخصها وتعنيها وحدها؛ سواء أتى الحوار مع الذات لإحدى الشخصيات "المونولوج" أو تم بين شخصيتين أو أكثر في العمل، كل ذلك يمكن من التعرف على شخوص الرواية ونسيجها عن قرب وأكثر وضوحاً، كما يتيح ذلك مجالا جيدا للتخلخل في عوالم وعقلية هذه الشخصيات والتعرف على أدق تفاصيلها والبيئة المحيطة وبالتالي النص ككل.
إن أتت هذه الحوارات بانسيابية خادمة الغرض منها مع تعدد الأصوات بها، عبر النص عموماً، والمشهد الذي يحملها تحديداً، سيجد القارئ مساحة جيدة ليعيش وبكل حواسه مع النص، ملامساً لكل ذرة فيه متمعناً ما يقدمه وكأنه جزء منه. إن تحقق هذا فإن الحوارات في النص أضافت قيمة جمالية يقيمها المتلقي حسب ثقافته وذائقته وخبرته.
وكشفت الكاتبة أن شخوص "مِرهاة" أتوا من عوالم مختلفة لا يجمعهم الزمان ولا حتى في كثير من الأحيان المكان، قضيتهم واضحة، وكل له وجهة نظره لذا تخلق جوا من التفاكر والتباحث كهدف وبصوت مسموع يعكس التباين الفكري والثقافي عبر الآراء، ومتى وكيف تتفق وتختلف، خادمة لفكرة النص الكلية.
ورأت أن "القصدية فعل قصري. أثناء النسج الروائي أؤمن بأن هناك فضاء شاسعا لإظهار مدى "قوة الشخصية" التي يتمتع بها كل بطل في العمل، وعليه إثبات ذاته من خلال النص وتحركاته وقراراته وتفكيره مخاطباً نفسه تارة والآخرين تارة أخرى ليضفي أجواء البناء الروائي بنكهة حيوية منعشة.
عني .. استمتع بمتابعتي لما يحدث في الحبكة وما تثمره الحوارات وآلية التواصل بين الشخوص مع ذاتها ومع الآخرين حولها. لدى المتلقي قد تُصنع الدهشة صدفة وقد تُرصد له، ولكن أعجبها على الإطلاق تلك التي يكتشفها ويعيشها الكاتب مع نصه وشخوصه.
تؤكد الكاتبة الروائية آن الصافي في روايتها الصادرة أخيرا بعنوان "مرهاة" على تقنيتها الخاصة في الرواية، حيث تستبدل الفصول بالأرقام وتبدأ الرقم / الفصل بمدخل / جملة شعرية تحمل حكمة أو رؤية أو صورة تلخص من خلالها تجليا معرفيا وإبداعيا، وتضيف في هذه الرواية تقنية الحوار كقوة كاشفة ومحركة أساسية داخل عملية السرد التي يغيب عنها لفظ اسم فتاة الراوية "مرهاة"، لتحمل مداليل أخرى، حيث تم استخدامها لزرع الفضول في ذهن القارئ بغرض التشويق للقراءة لكشف المعنى، وقد لا يجد أي تفسير للمسمى في النص، فقط فتاة ربما من صنع خيال البطل اسمها مرهاة، أو ربما الراوية. ومن جانب آخر يمكن قراءة ذات النص من الفصل الأول للأخير، ويمكن تقديم القراءة مثل شكة الموتشينة وكل مرة يكتشف فيها نص جديد وجماليات جديدة في كل نص.
هكذا كما ثيمة الصافي في مجمل أعمالها، لا نعلم أسماء الأمكنة إلا بخصائصها، نستشف بأننا أمام حروب وثورات العقد الأخير بإقليمنا وبعض ما نتج عنها. كما نمر عبر النص بنظريات علمية مثل نظرية النشوء لدارون وكذلك مصطلح القوة الناعمة وسماتها ودورها.
تؤكد الرواية الصادرة عن دار فضاءات للطباعة والنشر أن الاستلاب الثقافي الحقيقي ليس فقط سرقة الآثار وتدمير المدن وإبادة الشعوب وتهجير الإنسان بل هو إستلاب الثقافة وتزييف التاريخ وتشويهه. حيث تأتي الرواية لتجمع رموزا إنسانية من عدة مجتمعات وحقبات تاريخية متباينة لا يجمعهم شيء سوى حب الإبداع والعمل على الإهتمام به.
عبر "مِرهاة" نرى كيف الثقافة بأساطيرها الهادفة من الممكن أن يستلهم منها المبدع ويعكس ذلك في منتوجه كل حسب ملكته وأسلوب تعبيره. إنها رواية تنبه لقيمة ما قدمه الإنسان عبر التاريخ من إبداع وأن من الممكن للمنتج الإبداعي أن يحفظ الحضارة والثقافة، وإن كان هناك أعداء فهم يستهدفون كيانا جدير بأهله أن يعوا قيمته والمحافظة عليه.
قدمت الرواية قضايا فلسفية وإجتماعية نتجت بسبب الحروب والتهجير كما نجد قالب الفكاهة بتعبير ساخر أتى في بعض المواقف التي اتسمت بالتناقض والألم.
إن "مرهاة" كما قالت الكاتبة، خطوة في مشروعها الأدبي الذي أسمته "الكتابة للمستقبل"، وقدمت محاور منه في كتاب فكري ثقافي في جزئين.
وقد صدر للأديبة السودانية آن الصافي 6 روايات: فُلك الغواية، جميل نادون، توالي، قافية الراوي، كما روح، إنه هو، ولديها رواية للناشئة اسمتها "آكينوش" ستصدر منتصف هذا العام 2018.
تقنية السرد
وحول أمر التقييم والدخول على الفصول بجمل شعرية أو معرفية أكدت الكاتبة أن من سمات تطور الرواية التكثيف والإقتصاد إن جاز التعبير. وهذه الجمل الإفتتاحية بعد الترقيم توجد في جميع رواياتي بما فيها مِرهاة. هذه تقنية في السرد متبعة وقد لا تكون واسعة الانتشار في إقليمنا ولكنها موجودة.
ماذا لو حذفت من النص وماذا لو بقيت؟! هل يتغير النص؟! عموماً ليس بالضرورة أن يكون هناك رابط ما بين ما تعنيه ومحتوى الفصل الذي تتصدره. من ناحية أخرى، إن كانت جملة تلخص فصلا يتبعها فما فائدة كتابة فصل مطول؟! في الغالب هذا لن يكون محبذاً فسينتقص حتماً من عملية التشويق وترغيب القارئ في المتابعة بذا يتقوض ركن أساسي لا ينصح بمسه.
لنرى الصورة بشكل مقرب وأكثر وضوحاً، هناك كاتب ونص وقارئ وربما بيئة تحمل هذه الأطراف الثلاثة، كما نعلم بأن التشويق من سمات الرواية، ولكل روائي أن يقدم رؤاه وفكرة نصه كما يتوافق مع الموضوع المطروح وقدرته على الإبتكار.
ورأت الكاتبة أن درجة الإنسيابية في تدفق النص تعتمد على عدة عوامل منها ثقافة وعقلية المتلقي، والروائي غير ملزم إلا بأن يقدم نصه بشكل إبداعي ويا حبذا أن يكون مبتكرا يحمل جماليات تستدعي الوقوف عندها، ويا حبذا أن تشكل إضافة للنص في حد ذاته وتجربة الروائي.
هناك من يتقبل الأساليب المكررة في النصوص وتقنيات الكتابة النمطية المتبعة، بينما هناك من يبحث عن المبتكر وهذا المبتكر لا يعلم مداه إلا واهب المَلكة وعمل كل عقلية إبداعية، وقدرتها على التطوير ربما، وقدرتها على تقديم الجديد كما يتوافق لها عبر حصيلة سعيها وثقافتها ومهارتها؛ وكل يجتهد ما استطاع وما التوفيق إلا من عند الله.
وحول "مِرهاة" كعنوان وشخصية، قالت "هي كلمة عربية، حملت شخصية محورية في نص الرواية، لهذا الإسم دلالة في طي النص أتركها للقراء. اختيار عنوان الرواية والمسميات في النص تأتي ضمن عملية التشويق التي تحدثت عنها تواً.
لغتنا جميلة وغنية ومع مرور الوقت عبر الأجيال نجد أن هناك كلمات مذهلة تتوارى في حواراتنا وكتاباتنا وقد تغيب تماماً. لم لا نعود إليها ونقدمها من جديد، فمن ثرائها تتولد المعاني التي تخدم النصوص المكتوبة بدلاً من التكرار. مثلاً، في إقليمنا نجد اللهجات المحلية تحمل معاني متنوعة لذات المفردة من ثقافة لأخرى، وذات هذه المفردة ضمن قاموس العربية. قد يعد من جماليات النص أن يخدم اللغة بهذه التقنية، لذا نجد عددا من النصوص الإبداعية في إقليمنا تعكس محاولات جيدة عبر هذه الإستخدامات.
أما بالنسبة لحالة الحوارية المعرفية التي تتجلى في نص الرواية، فأكدت الكاتبة أن مستجدات الحياة في الألفية الثالثة من تقنيات ما ألفها الإنسان من قبل مثل نظم التواصل والتنقل وتوفر المعلومة وسهولة تبادلها وتخزينها وتوفر بيئات حاضنة للثقافات المتنوعة، والكثير من الجديد الذي لا يحصى، كل ذلك أثّر بشكل واضح في أسلوب تفكير الفرد، وسلوكه، وتعاطيه مع ما حوله من قضايا وأفكار، وما ينتج عنه من قرارات "سواء كان مبدعا/ كاتبا أو متلقيا"، كل ذلك إلا ويؤثر في توجهات المجتمعات.
تفاصيل اللوحة
وأضافت "عادة الريشة ترسم تفاصيل اللوحة وتلونها والعدسة المصورة تحمل المشهد للمتلقي بالضوء واللون، والحركة والصوت أيضاً، هذه وغيرها من عمليات وفنون إبداعية لها أدوات تساعدها لتنقل منتجها للمتلقي بكل يسر عبر تضافر يحتمل عمل عدة عقول إبداعية معاً.
في السرد، أدوات المبدع تستلزم الموهبة والملكة والثقافة والمهارة وآلية التعبير واللغة. ولكن نجد الكتابة الروائية هي الأكثر تعقيداً من بقية الأجناس الإبداعية مجملاً حيث عرض الفكرة وطرح الموضوع والأسلوب، وكل روائي وما أوتي من أدوات.
وكما نعلم أنه من فنية الرواية "الحوار" والذي يترك مجالاً جيداً للتعمق في الفكرة المقدمة وفلسفة الشخوص بالنص. كل شخصية تأتي بثقافة تعكس مجتمعها وفكرها وتفاصيل تخصها وتعنيها وحدها؛ سواء أتى الحوار مع الذات لإحدى الشخصيات "المونولوج" أو تم بين شخصيتين أو أكثر في العمل، كل ذلك يمكن من التعرف على شخوص الرواية ونسيجها عن قرب وأكثر وضوحاً، كما يتيح ذلك مجالا جيدا للتخلخل في عوالم وعقلية هذه الشخصيات والتعرف على أدق تفاصيلها والبيئة المحيطة وبالتالي النص ككل.
إن أتت هذه الحوارات بانسيابية خادمة الغرض منها مع تعدد الأصوات بها، عبر النص عموماً، والمشهد الذي يحملها تحديداً، سيجد القارئ مساحة جيدة ليعيش وبكل حواسه مع النص، ملامساً لكل ذرة فيه متمعناً ما يقدمه وكأنه جزء منه. إن تحقق هذا فإن الحوارات في النص أضافت قيمة جمالية يقيمها المتلقي حسب ثقافته وذائقته وخبرته.
وكشفت الكاتبة أن شخوص "مِرهاة" أتوا من عوالم مختلفة لا يجمعهم الزمان ولا حتى في كثير من الأحيان المكان، قضيتهم واضحة، وكل له وجهة نظره لذا تخلق جوا من التفاكر والتباحث كهدف وبصوت مسموع يعكس التباين الفكري والثقافي عبر الآراء، ومتى وكيف تتفق وتختلف، خادمة لفكرة النص الكلية.
ورأت أن "القصدية فعل قصري. أثناء النسج الروائي أؤمن بأن هناك فضاء شاسعا لإظهار مدى "قوة الشخصية" التي يتمتع بها كل بطل في العمل، وعليه إثبات ذاته من خلال النص وتحركاته وقراراته وتفكيره مخاطباً نفسه تارة والآخرين تارة أخرى ليضفي أجواء البناء الروائي بنكهة حيوية منعشة.
عني .. استمتع بمتابعتي لما يحدث في الحبكة وما تثمره الحوارات وآلية التواصل بين الشخوص مع ذاتها ومع الآخرين حولها. لدى المتلقي قد تُصنع الدهشة صدفة وقد تُرصد له، ولكن أعجبها على الإطلاق تلك التي يكتشفها ويعيشها الكاتب مع نصه وشخوصه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.