في رواية «بنات حواء الثلاث» للكاتبة التركية أليف شافاك، والصادرة عن دار الآداب 2017، بترجمة محمد درويش، لا يخرج القارئ بأي هدف أو فكرة، لأنها تصور حالة رومانسية حالمة وفانتازية، وتحاول اختراعها من أجل تسويق قناعاتها الشخصية، وإظهار مدى انفتاحها على الكل، الأديان، البشر والمعتقدات، وما اختراع شخصية (أنطوني زكريا آزور) الأستاذ، إلا سبب رئيسي لذلك، وهي محاولة غير مجدية، وجاءت نتيجتها ناقصة، لأن الفكرة غير ناضجة، وناقصة الأساس في الطرح بهذه الطريقة، فإظهار كل تلك المفارقات بين النصوص والأفكار والأديان لتسويق حالة نفسية، وفكرة هي ذاتها في حيرة منها، وليست لديها قدرة على الانجذاب إلى أي واحدة منها، بدليل نقل تلك الأفكار على لسان شخصياتها المتذبذبة، كل واحدة منها في جهة، وعالم مختلف عن الآخر. العالم الذي تقصدت الكاتبة صنعه، وسواء أكان حقيقيا، أم افتراضيا، لم يكن مقنعا للقارئ، بسبب ضعف طريقة الطرح، وعدم القدرة على الإقناع. عالم متخيّل مبالغ فيه تتناول الروائية الأفكار وكأنها في عالم آخر، غير العالم الذي نعيشه، عالم مفرط المثالية، فتدفع كل شخص في الرواية إلى الخوض في غمار مشكلة البحث عن ذاته الضائعة، في حالة رومانسية ومثالية، وكأنهم ليسوا من هذا الواقع، لا يشعرون، لا يتألمون، لا يجوعون، ليست لديهم أي مشاكل سوى مشكلة البحث عن (الربّ)، وبطريقة لا تنم حتى عن وعي وإدراك، وبشكل يبعث على الدهشة والاستغراب، من تصرفات حياتية بسيطة، سطحية وساذجة. كلمات الأستاذ آزور نفسه، وآراؤه ليست سوى كلمات مكررة عن تجارب المفكرين والفلاسفة السابقين، الذين كان لهم باع طويل وواضح، وتعب في هذا المجال، وجاءت كلماته غير دقيقة، مفتقرة إلى العمق، فهو لم يأت بشيء جديد، لأن الكاتبة نفسها ليس لديها شيء جديد، فهي كأنما وضعت نفسها في معادلة، ومأزق يصعب عليها الخروج منه، وذلك بأن سردت قصة فتاة عاشت في جوّ منزلي عاطفي جميل، ولكن التناقض ليس بعيدا عنه، من خلال والديها اللذين كان لكل واحد منهما نمط وطريقة في التفكير، دينيا، عقائديا وفكريا. إلا أن ذلك الجو، وتلك العلاقة لم يضعا الفتاة في مشاكل كبيرة تذكر، لتلك الدرجة التي دفعت بالروائية إلى اختراع قصة جامعة أكسفورد، وخلق علاقات وصداقات جديدة للفتاة، مع صديقتيها (شيرين المتحررة الثائرة منى المتدينة) وإقحامها، وإدخالها في عالم مليء افتراضيا بالتناقضات، التي هي تناقضات طبعا مخترعة، ومتلبسة من قبل الروائية نفسها، وانعكاس لذاتها التي اقتحمت، وأجبرت الشخصيات على التصرف وفق نمط معين، لخدمة هدفها الفكري، الذي خلقت لأجله الرواية، وكتبتها أصلا، ألا وهو خلق مشكلة حياتية تتخذ الدين طابعا لها، وجعل الأستاذ آزور الذي تقمص شخصية المخلص الوحيد في الحياة، والمفتاح لكل العلل، ودفع الفتاة صوب معمعة روحية بطريقة بسيطة، غير قائمة على أي منحى، يحمل طابعا إقناعيا، والتخفي وراء الشخصيات، وتحريكها كدمى جامدة لا حياة فيها، إنما المحرك الأول والأخير هو الروائية التي تحكمت بهم، وبمصيرهم، معتقداتهم وأفكارهم، لتقنع روحها فقط، وتعطي انطباعا بالتحرر والانعتاق من أفكار كهذه، طبعا، كل مرة بصيغة معينة، وتعطيها شكلا قالبا خاصا، فقط لتكسر الحاجز الوهمي المفترض الذي وضعته هي لها ولمجتمعها، فكأن الغرب والشرق لا همّ لهما، ولا مشاكل بينهما، سوى مشكلة الدين وحدها، والاتهامات المتبادلة بين كل طرف من أجل إنكار الآخر. متناسية طبيعة الحياة، والتطور الهائل، والفجوة الحضارية، والإمكانات المادية الكبيرة بينهما، ووجهة نظر كل منهما إلى الطبيعة الإنسانية، والمراحل التي مرّ بها كل مجتمع منهما حتى وصل إلى طوره الحالي، ومتناسية أيضا أن هذه الحواجز المفترضة، التي خلقتها هي، لا تشكل همّا كبيرا لأبناء المجتمع الغربي، بقدر ما تشغلهم الحياة نفسها، ووسائل العيش فيها، والبحث عن السبل الكفيلة بتحقيق ذلك، أما البحث عن وسائل وطرق التواصل، وكسر جدار الوهم بين الطرفين، فهذا ما ليس واردا، ولا يسبب دافعا للقلق والخوف، لأن العوامل الذاتية والموضوعية التي بقدر ما تتوافر لأبناء المجتمع، هي التي تدفع به إلى تجاوز أزماته النفسية والمادية، وحتى الروحية، ونمط المعيشة هو الذي يحدد نمط التفكير، وتغيّر العقلية التي اعتاد عليها المجتمع، وتراكمت لديه خلال آلاف السنين، والتي لا تتغيّر إلا بتغيّر شروط حياته، وظروفها فقط، بدون الانشغال بهذه المواضيع، التي من وجهة نظر الكاتبة تدفع بها حركة التطور في المجتمع، وتؤدي إلى ذلك التغيّر. فإلغاء الفوارق يكون بتوفير شروط الحياة الواقعية والموضوعية في ذلك. الاتكاء على الدين حاولت الكاتبة الخوض في موضوع الدين والإشارة إليه من منطلق إنساني مفترض، كوجهة نظر من عندها، لتعطي رأيها في الموضوع، محاولة تقريب المسافة، وإلغاءها بين الأديان، لتجعل الأديان التي تقف على طرفي نقيض من بعضها واقعيا واحدة متفقة، ولتكون هي المفتاح برأيها من منطق التأكيد على أهمية التسامح، وفهم الدين بشكل صحيح، والابتعاد عن تهميش كل منها للآخر، أو الإنكار، من أجل تسويق فكرتها في الرواية، ووضعها في شكل ومحتوى أكثر قبولا، لكنها لم تنجح في ذلك، وجاءت معالجتها للموضوع بسيطة، تفتقد إلى العمق، كقولها .. «هبط الدين على حياتهم على نحو غير متوقع، هبوط النيزك، وأحدث فجوة كبيرة، وفصل الأسرة إلى معسكرين متناحرين، كان من جراء ذلك، أن وجدت البنت الصغرى (بيري) نفسها في موضع حرج، يحاول كل واحد من أبويها أن يكسبها إلى صفه، وبات وجودها ساحة معركة بين وجهتي نظر عالميتين، ومتنافستين». فما تم طرحه إذن من فكرة، جعلت الكاتبة منها محورا رئيسا للرواية، والعقدة الأساسية فيها غير كافٍ، ودليلا كبيرا على فقدان القدرة على خلق فكرة أقوى، تضع فيها بطلة الرواية، وتسعى من خلالها إلى خلق ظروف مختلفة، سلبية وإيجابية، تعترض سبيلها كمفهوم بدائي لفكرة العقدة في العمل الأدبي، لتخرج لنا في النهاية بحل مقنع ومعقول، فتلك الهالة الكبيرة التي رسمتها بكلماتها عن هذا الموضوع نفسه، باعثة على عدم الرضا بالمشكلة التي قامت بطرحها، لأن كلماتها تحمل الكثير من التهويل والمبالغة مثل (هبط الدين هبوط النيزك فجوة كبيرة معسكران متظاهران ساحة معركة وجهتا نظر عالميتان ومتنافستان). فمن غير المعقول أن تصل الأمور بأي أسرة، وتبلغ ما بلغته من تلك الهالة التي وضعتها بكلماتها، والصورة التي وضعتها فيها الكاتبة، وكأنّ الجوّ الأسري البسيط، كأي أسرة تعيش حياة عادية في تركيا، يصبح ميدانا لمعركة تدور رحاها بين جدران المنزل الصغير، وتطال أسلحتها كل من في المنزل، وتؤثر فيهم، لدرجة خلق الشقاق، التناحر والفوضى. وهي في ذلك، تأخذنا بشكل متقصد إلى إسطنبول نفسها، المقسمة إلى طرفين رئيسين، اسطنبول التركية المحافظة والمتدينة، وإسطنبول الأوروبية المفتوحة الأجواء، والمتحررة، وما يحصل بينهما من خلاف وشقاق يوازي ما يحصل في جو الأسرة نفسها، مع أننا لم نشهد في الواقع التركي نفسه تلك الأزمات الدينية الكبيرة إلا من جهة ولاة الأمر نفسهم، لأن الأمور كلها تكون موجهة سياسيا، فإذا كان ولي الأمر والسلطان متدينا، ويشجع على ذلك، فالمجتمع يميل نحو الوجهة نفسها، عمليا. فلماذا خلق ذلك الحاجز الوهمي، والشرخ الكبير بين ظهراني أسرة، وفي أجوائها، ما من سبب لذلك إلا لإيهام القارئ، ووضعه في تصور بوجود معضلة كبيرة في المجتمع، وأسرة البطلة واحدة من تلك الأسر التي تعاني منها، وهي معضلة وعقدة تحول دون العيش بسعادة بهدوء، وبحاجة إلى التوقف عندها، والبحث عن الحل، لدرجة أن الأسرة صارت (معسكرين متناحرين)، كما أشارت، وهذا ليس إلا عملا لإشعال، وإيقاد العاطفة لدى القارئ، للتفاعل مع أجواء الرواية، بشكل مبالغ فيه. البناء الروائي أقحمت الكاتبة مقاطع وفصولا في الرواية بشكل أساء إلى بنية العمل الروائي، وهيكلية الرواية نفسها، فجاءت كبناء آيل للسقوط في أي لحظة، غير مترابطة الأحداث والوقائع، لدرجة أننا يمكن حذف فقرات من الفصول، أو أبوابا منها، بدون أن يُلاحظ أي تغيير يصيب ذلك البناء، فقد جاء الشكل والمضمون غير منسجمين مع بعضهما، ومن الأمثلة التي يمكن أن ترد على ذلك من الفصول المهمة (المظلومون الراقصة الشرقية طائر السيسكين صفحة بيضاء المفكرة)، وقامت الروائية بطرح موضوع الرواية بشكل مباشر، وعاجز عن التأثير. ومن المآخذ والملاحظات التي يمكن الإشارة إليها في صلب الرواية، وفصولها، عدم توافق عناوين الفصول مع المحتوى، فكان العنوان أحيانا في وادٍ، والمحتوى يدور في وادٍ آخر، ومن الأمثلة على ذلك، الفصول (العداءة صياد السمك الشاعر الصامت)، والفصل الأول (حقيبة اليد)، فصل يبلغ عدد صفحاته ست عشرة صفحة، لا يتحدث إلا عن قيادتها للسيارة برفقة ابنتها، وعن التدخين فقط، وبقية السرد في المقطع، والحوار حتى اتجه اتجاهات مختلفة، خارجة عن المضمون والمحتوى الأساسي، فلم يفد في شيء، بل جاء مقحما، وزائدا عن حاجة النص. في رواية «بنات حواء الثلاث» للكاتبة التركية أليف شافاك، والصادرة عن دار الآداب 2017، بترجمة محمد درويش، لا يخرج القارئ بأي هدف أو فكرة، لأنها تصور حالة رومانسية حالمة وفانتازية، وتحاول اختراعها من أجل تسويق قناعاتها الشخصية، وإظهار مدى انفتاحها على الكل، الأديان، البشر والمعتقدات، وما اختراع شخصية (أنطوني زكريا آزور) الأستاذ، إلا سبب رئيسي لذلك، وهي محاولة غير مجدية، وجاءت نتيجتها ناقصة، لأن الفكرة غير ناضجة، وناقصة الأساس في الطرح بهذه الطريقة، فإظهار كل تلك المفارقات بين النصوص والأفكار والأديان لتسويق حالة نفسية، وفكرة هي ذاتها في حيرة منها، وليست لديها قدرة على الانجذاب إلى أي واحدة منها، بدليل نقل تلك الأفكار على لسان شخصياتها المتذبذبة، كل واحدة منها في جهة، وعالم مختلف عن الآخر. العالم الذي تقصدت الكاتبة صنعه، وسواء أكان حقيقيا، أم افتراضيا، لم يكن مقنعا للقارئ، بسبب ضعف طريقة الطرح، وعدم القدرة على الإقناع. عالم متخيّل مبالغ فيه تتناول الروائية الأفكار وكأنها في عالم آخر، غير العالم الذي نعيشه، عالم مفرط المثالية، فتدفع كل شخص في الرواية إلى الخوض في غمار مشكلة البحث عن ذاته الضائعة، في حالة رومانسية ومثالية، وكأنهم ليسوا من هذا الواقع، لا يشعرون، لا يتألمون، لا يجوعون، ليست لديهم أي مشاكل سوى مشكلة البحث عن (الربّ)، وبطريقة لا تنم حتى عن وعي وإدراك، وبشكل يبعث على الدهشة والاستغراب، من تصرفات حياتية بسيطة، سطحية وساذجة. كلمات الأستاذ آزور نفسه، وآراؤه ليست سوى كلمات مكررة عن تجارب المفكرين والفلاسفة السابقين، الذين كان لهم باع طويل وواضح، وتعب في هذا المجال، وجاءت كلماته غير دقيقة، مفتقرة إلى العمق، فهو لم يأت بشيء جديد، لأن الكاتبة نفسها ليس لديها شيء جديد، فهي كأنما وضعت نفسها في معادلة، ومأزق يصعب عليها الخروج منه، وذلك بأن سردت قصة فتاة عاشت في جوّ منزلي عاطفي جميل، ولكن التناقض ليس بعيدا عنه، من خلال والديها اللذين كان لكل واحد منهما نمط وطريقة في التفكير، دينيا، عقائديا وفكريا. إلا أن ذلك الجو، وتلك العلاقة لم يضعا الفتاة في مشاكل كبيرة تذكر، لتلك الدرجة التي دفعت بالروائية إلى اختراع قصة جامعة أكسفورد، وخلق علاقات وصداقات جديدة للفتاة، مع صديقتيها (شيرين المتحررة الثائرة منى المتدينة) وإقحامها، وإدخالها في عالم مليء افتراضيا بالتناقضات، التي هي تناقضات طبعا مخترعة، ومتلبسة من قبل الروائية نفسها، وانعكاس لذاتها التي اقتحمت، وأجبرت الشخصيات على التصرف وفق نمط معين، لخدمة هدفها الفكري، الذي خلقت لأجله الرواية، وكتبتها أصلا، ألا وهو خلق مشكلة حياتية تتخذ الدين طابعا لها، وجعل الأستاذ آزور الذي تقمص شخصية المخلص الوحيد في الحياة، والمفتاح لكل العلل، ودفع الفتاة صوب معمعة روحية بطريقة بسيطة، غير قائمة على أي منحى، يحمل طابعا إقناعيا، والتخفي وراء الشخصيات، وتحريكها كدمى جامدة لا حياة فيها، إنما المحرك الأول والأخير هو الروائية التي تحكمت بهم، وبمصيرهم، معتقداتهم وأفكارهم، لتقنع روحها فقط، وتعطي انطباعا بالتحرر والانعتاق من أفكار كهذه، طبعا، كل مرة بصيغة معينة، وتعطيها شكلا قالبا خاصا، فقط لتكسر الحاجز الوهمي المفترض الذي وضعته هي لها ولمجتمعها، فكأن الغرب والشرق لا همّ لهما، ولا مشاكل بينهما، سوى مشكلة الدين وحدها، والاتهامات المتبادلة بين كل طرف من أجل إنكار الآخر. متناسية طبيعة الحياة، والتطور الهائل، والفجوة الحضارية، والإمكانات المادية الكبيرة بينهما، ووجهة نظر كل منهما إلى الطبيعة الإنسانية، والمراحل التي مرّ بها كل مجتمع منهما حتى وصل إلى طوره الحالي، ومتناسية أيضا أن هذه الحواجز المفترضة، التي خلقتها هي، لا تشكل همّا كبيرا لأبناء المجتمع الغربي، بقدر ما تشغلهم الحياة نفسها، ووسائل العيش فيها، والبحث عن السبل الكفيلة بتحقيق ذلك، أما البحث عن وسائل وطرق التواصل، وكسر جدار الوهم بين الطرفين، فهذا ما ليس واردا، ولا يسبب دافعا للقلق والخوف، لأن العوامل الذاتية والموضوعية التي بقدر ما تتوافر لأبناء المجتمع، هي التي تدفع به إلى تجاوز أزماته النفسية والمادية، وحتى الروحية، ونمط المعيشة هو الذي يحدد نمط التفكير، وتغيّر العقلية التي اعتاد عليها المجتمع، وتراكمت لديه خلال آلاف السنين، والتي لا تتغيّر إلا بتغيّر شروط حياته، وظروفها فقط، بدون الانشغال بهذه المواضيع، التي من وجهة نظر الكاتبة تدفع بها حركة التطور في المجتمع، وتؤدي إلى ذلك التغيّر. فإلغاء الفوارق يكون بتوفير شروط الحياة الواقعية والموضوعية في ذلك. الاتكاء على الدين حاولت الكاتبة الخوض في موضوع الدين والإشارة إليه من منطلق إنساني مفترض، كوجهة نظر من عندها، لتعطي رأيها في الموضوع، محاولة تقريب المسافة، وإلغاءها بين الأديان، لتجعل الأديان التي تقف على طرفي نقيض من بعضها واقعيا واحدة متفقة، ولتكون هي المفتاح برأيها من منطق التأكيد على أهمية التسامح، وفهم الدين بشكل صحيح، والابتعاد عن تهميش كل منها للآخر، أو الإنكار، من أجل تسويق فكرتها في الرواية، ووضعها في شكل ومحتوى أكثر قبولا، لكنها لم تنجح في ذلك، وجاءت معالجتها للموضوع بسيطة، تفتقد إلى العمق، كقولها .. «هبط الدين على حياتهم على نحو غير متوقع، هبوط النيزك، وأحدث فجوة كبيرة، وفصل الأسرة إلى معسكرين متناحرين، كان من جراء ذلك، أن وجدت البنت الصغرى (بيري) نفسها في موضع حرج، يحاول كل واحد من أبويها أن يكسبها إلى صفه، وبات وجودها ساحة معركة بين وجهتي نظر عالميتين، ومتنافستين». فما تم طرحه إذن من فكرة، جعلت الكاتبة منها محورا رئيسا للرواية، والعقدة الأساسية فيها غير كافٍ، ودليلا كبيرا على فقدان القدرة على خلق فكرة أقوى، تضع فيها بطلة الرواية، وتسعى من خلالها إلى خلق ظروف مختلفة، سلبية وإيجابية، تعترض سبيلها كمفهوم بدائي لفكرة العقدة في العمل الأدبي، لتخرج لنا في النهاية بحل مقنع ومعقول، فتلك الهالة الكبيرة التي رسمتها بكلماتها عن هذا الموضوع نفسه، باعثة على عدم الرضا بالمشكلة التي قامت بطرحها، لأن كلماتها تحمل الكثير من التهويل والمبالغة مثل (هبط الدين هبوط النيزك فجوة كبيرة معسكران متظاهران ساحة معركة وجهتا نظر عالميتان ومتنافستان). فمن غير المعقول أن تصل الأمور بأي أسرة، وتبلغ ما بلغته من تلك الهالة التي وضعتها بكلماتها، والصورة التي وضعتها فيها الكاتبة، وكأنّ الجوّ الأسري البسيط، كأي أسرة تعيش حياة عادية في تركيا، يصبح ميدانا لمعركة تدور رحاها بين جدران المنزل الصغير، وتطال أسلحتها كل من في المنزل، وتؤثر فيهم، لدرجة خلق الشقاق، التناحر والفوضى. وهي في ذلك، تأخذنا بشكل متقصد إلى إسطنبول نفسها، المقسمة إلى طرفين رئيسين، اسطنبول التركية المحافظة والمتدينة، وإسطنبول الأوروبية المفتوحة الأجواء، والمتحررة، وما يحصل بينهما من خلاف وشقاق يوازي ما يحصل في جو الأسرة نفسها، مع أننا لم نشهد في الواقع التركي نفسه تلك الأزمات الدينية الكبيرة إلا من جهة ولاة الأمر نفسهم، لأن الأمور كلها تكون موجهة سياسيا، فإذا كان ولي الأمر والسلطان متدينا، ويشجع على ذلك، فالمجتمع يميل نحو الوجهة نفسها، عمليا. فلماذا خلق ذلك الحاجز الوهمي، والشرخ الكبير بين ظهراني أسرة، وفي أجوائها، ما من سبب لذلك إلا لإيهام القارئ، ووضعه في تصور بوجود معضلة كبيرة في المجتمع، وأسرة البطلة واحدة من تلك الأسر التي تعاني منها، وهي معضلة وعقدة تحول دون العيش بسعادة بهدوء، وبحاجة إلى التوقف عندها، والبحث عن الحل، لدرجة أن الأسرة صارت (معسكرين متناحرين)، كما أشارت، وهذا ليس إلا عملا لإشعال، وإيقاد العاطفة لدى القارئ، للتفاعل مع أجواء الرواية، بشكل مبالغ فيه. البناء الروائي أقحمت الكاتبة مقاطع وفصولا في الرواية بشكل أساء إلى بنية العمل الروائي، وهيكلية الرواية نفسها، فجاءت كبناء آيل للسقوط في أي لحظة، غير مترابطة الأحداث والوقائع، لدرجة أننا يمكن حذف فقرات من الفصول، أو أبوابا منها، بدون أن يُلاحظ أي تغيير يصيب ذلك البناء، فقد جاء الشكل والمضمون غير منسجمين مع بعضهما، ومن الأمثلة التي يمكن أن ترد على ذلك من الفصول المهمة (المظلومون الراقصة الشرقية طائر السيسكين صفحة بيضاء المفكرة)، وقامت الروائية بطرح موضوع الرواية بشكل مباشر، وعاجز عن التأثير. ومن المآخذ والملاحظات التي يمكن الإشارة إليها في صلب الرواية، وفصولها، عدم توافق عناوين الفصول مع المحتوى، فكان العنوان أحيانا في وادٍ، والمحتوى يدور في وادٍ آخر، ومن الأمثلة على ذلك، الفصول (العداءة صياد السمك الشاعر الصامت)، والفصل الأول (حقيبة اليد)، فصل يبلغ عدد صفحاته ست عشرة صفحة، لا يتحدث إلا عن قيادتها للسيارة برفقة ابنتها، وعن التدخين فقط، وبقية السرد في المقطع، والحوار حتى اتجه اتجاهات مختلفة، خارجة عن المضمون والمحتوى الأساسي، فلم يفد في شيء، بل جاء مقحما، وزائدا عن حاجة النص.