استقرار الريال السعودي أمام الجنيه المصري وسط زيادة الطلب خلال موسم العمرة    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 14 نوفمبر    45 دقيقة متوسط التأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 14 نوفمبر 2025    الدفاع الروسية: إسقاط 216 مسيرة أوكرانية خلال الليل    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة منتخب مصر الثاني ضد الجزائر.. والموعد    مصرع محمد صبري لاعب نادي الزمالك السابق في حادث مروع بالتجمع الخامس    حكام مباراتي مصر أمام الجزائر وديا ضمن استعدادات كأس العرب    «مفيش إدارة بتدير ولا تخطيط».. نجم الزمالك السابق يفتح النار على مجلس لبيب    وليد صلاح الدين يكشف سبب غضبه قبل السوبر (فيديو)    داخل مقبرة، الأمن الفيدرالي الروسي يحبط محاولة اغتيال أحد كبار المسؤولين الروس    بإطلالة جريئة.. مي القاضي تثير الجدل في أحدث ظهور    قطع الكهرباء لمدة 5 ساعات غدًا السبت عن عدة مناطق في 3 محافظات    محافظ الإسكندرية يكلف التنفيذيين ب «التواجد الميداني» لمواجهة تقلبات الطقس    المالية: هدفنا الالتزام الطوعي بالضرائب وأوقفنا مؤقتًا حملات التهرب مع علمنا بالمخالفين    نانسي عجرم عن أغنية أنا مصري وأبويا مصري: استقبلوني كنجمة كبيرة ورصيدي أغنيتان فقررت رد التحية    رئيس مؤتمر «تبرع حياة مصر»: نُنظم حملات توعية لتثقيف المواطنين بالتبرع بالأعضاء    رئيس كوريا الجنوبية: اتفقنا مع الولايات المتحدة على بناء غواصة نووية    كمال الدين رضا يكتب: حق مصر    حماية المستهلك: ضبط 11.5 طن لحوم فاسدة يُعاد تصنيعها قبل وصولها للمواطن منذ بداية نوفمبر    الجزائر.. اندلاع 17 حريقا في عدة ولايات    برشلونة ينهي آخر تدريباته بغياب 17 لاعبًا!    الدبلوماسي والسياسي مروان طوباس: «قوة الاستقرار الدولية» وصاية جديدة على فلسطين    تامر عبدالحميد: الأهلي كان الأفضل في السوبر.. وبيزيرا وإسماعيل وربيع أفضل صفقات الزمالك    حجر رشيد.. رمز الهوية المصرية المسلوب في المتحف البريطاني    ميسي يحمل قميص "إلتشي".. ما علاقته بمالك النادي؟    خبر حقيقي.. مؤلف «كارثة طبيعية» يكشف سبب فكرة العمل    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    السيطرة على حريق شب داخل سيارة ملاكي أعلى كورنيش المعادي    طوارئ بالبحيرة لمواجهة سوء حالة الطقس وسقوط الأمطار الغزيرة.. فيديو وصور    كلماتها مؤثرة، محمد رمضان يحول نصائح والده إلى أغنية بمشاركة المطرب إليا (فيديو)    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    شاب ينهي حياته غرقاً بمياه ترعة العلمين الجديدة بكفر الدوار بالبحيرة    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    ابتلاع طفل لخاتم معدنى بالبحيرة يثير الجدل على مواقع التواصل.. اعرف التفاصيل    أمراض بكتيرية حولت مسار التاريخ الأوروبي: تحليل الحمض النووي يكشف أسباب كارثة جيش نابليون في روسيا    المركز الأفريقى لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي ل«مرض السكر»    محافظ بورسعيد يبحث استعدادات إجراء انتخابات مجلس النواب 2025    أول تعليق من «الأطباء» على واقعة إصابة طبيب بطلق ناري خلال مشاركته في قافلة طبية بقنا    نتنياهو يربط التعامل مع أحمد الشرع بهذا الشرط    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    جيش الاحتلال يستهدف جنوب شرقي دير البلح بإطلاق نيران كثيف وسط غزة    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    نانسي عجرم ل منى الشاذلي: اتعلمت استمتع بكل لحظة في شغلي ومع عيلتي    تفاصيل محاكمة المتهمين بالتنمر على الطفل جان رامز على مواقع التواصل    التفاصيل الكاملة لمشروع جنة مصر وسكن مصر.. فيديو    الإمارات تعلن نتائج تحقيقات تهريب العتاد العسكري إلى السودان    أذكار المساء يوم الجمعة – حصنك من الشر والهم والضيق    اليوم.. أوقاف الفيوم تفتتح مسجد"الرحمة"بمركز سنورس    مصرع 3 أشخاص وإصابة 4 في حادث تصادم سيارتين بالكيلو 17 غرب العريش    «اقفلوا الشبابيك» .. تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار رعدية ورياح هابطة    القانون يحدد شروطا للتدريس بالمدارس الفنية.. تعرف عليها    4 أبراج «بيجيلهم اكتئاب الشتاء».. حسّاسون يتأثرون بشدة من البرد ويحتاجون للدفء العاطفي    "الصحة" تنظم جلسة لمناقشة تطبيق التحول الأخضر في المستشفيات وإدارة المخلفات الطبية    الشيخ خالد الجندي: كل لحظة انتظار للصلاة تُكتب في ميزانك وتجعلك من القانتين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شخوص الروايات الحديثة ليسوا أبطالا بل كائنات غبية ومهزوزة
نشر في صوت البلد يوم 24 - 07 - 2016

يُناقش الأستاذ الجامعي جيسي ماتز أستاذ اللغة الإنكليزية في كتابه «تطور الرواية الحديثة» بترجمة الأديبة والمترجمة العراقية لطفيّة الدليميّ، في ثمانية فصول هي مكونات الكتاب، لماذا وكيف لبست الرواية لبوس الحداثة؟ وهو يرى أن هذا الكتاب يمكن عدّه مقدمة لأشكال الرواية الحديثة والوظائف التي تنهض بها، إلى جانب مساءلة الدوافع والتقنيات والمعضلات والتطور المرتبط بالرواية الحديثة.
تخوم غير مسبوقة
كتاب «تطور الرواية الحديثة» الصادر حديثا عن دار المدى 2016، وقد صدر عام 2004 عن دار نشر بلاكويل بعنوان الرواية الحديثة مقدمة قصيرة، هو بمثابة مُساءلة للرواية الحديثة ووضعها في سياق التاريخ الطبيعي لتطورها، واستكشاف موقعها وتأثيراتها المحدثة في تأريخ الأفكار.
جميع فصول المؤلف بداية من المقدمة التي استفاضت فيها المترجمة عن الدوافع وراء الاهتمام بالرواية الآن، تنزع إلى قراءة تاريخ أفكار الرواية، واشتغالاتها المعاصرة، إذ يربط الكاتب بين الحداثة التي شهدها العصر والسّمة التي اتسمت بها الرواية ولازمتها في مسيرتها، فالرواية الحديثة من وجهة نظره هي التي أحدثت قطيعة مع الماضي وجعلت من نفسها شكلا جديدا، كما سعت إلى تمهيد الطريق أمام الحداثة المستقبليّة.
يبدأ الكتاب بتعريف إجرائي للرواية الحديثة باعتبارها العمل الذي يسعى في طلب موضوع جديد رغبة لعدم الانكفاء في مواجهة متطلبات الحداثة، ولكن لا يمكن أن توصف الرواية بأنّها حديثة إلا بالقدرة على التعامل مع المعضلات والإمكانيات الملازمة للحداثة؛ الأعاجيب التقنية، الفوضى الاجتماعية، الأحجيات السايكولوجية، نمط التغيّر وأيضا مواجهة الحداثة بأشكال تجريبية غير مطروقة في الكتابة، بالإضافة إلى وقفات وصفية صغيرة للغايات التي ابتغاها الروائيون المحدثون الأوائل، ثم تحديد الروايات التي ينطبق عليها وصف الرواية الحديثة، مع ذكر بعض الأمثلة، ثم يعقب هذا بتساؤلات ونقودات، ثم يتتبع التطورات التي صاحبت الرواية الحديثة منذ بداياتها المبكرة، وكيف طوحت التطورات المتأخرة ببعض الروايات في الوقت الذي ارتقت فيه بروايات أخرى، وكيف تطورت الرواية لتستحيل إلى الشكل الذي صارت عليه في أيامنا.
يُحدِّدُ الكاتب هدفه مِن الكتاب بأنّه يسعى إلى أن يجعل منه خارطة تؤشر للقرّاء الشغوفين ما ينبغي عليهم استكشافه بالكثير من التدقيق. ويُفرد جيسي مارتز مساحة قصيرة وموجزة في الفصل الأوّل الذي جاء بعنوان الرواية الجديدة في حدود عام 1914، يبحث فيها عن تاريخ الرواية الحديثة.
ويرجع الفضل للمؤلف جيمس جويس لسبر الأغوار العميقة لشخصياته الروائية، ويتأسّس الفصل الثاني على أسئلة كبرى خلقتها الحداثة التي صارت عليها الرواية بتمردها على الواقع السّائد الذي تمردت عليه الرواية الجديدة، بعد أن كانت الرواية شكلا مُحاكيا للواقع، فتضاعفت الحبكة، ويشير المؤلف هنا إلى اختفاء الروايات ذات النهايات السعيدة أو المأساوية.
في الفصل الثالث يتعقب الكاتب التغيرات التي جرت على الرواية، ويرى أن الشخصيات من أهم العناصر الروائية التي أصابتها التغيرات وفقا لتغير المفهوم الطارئ على الواقع، حيث وضع الروائيون الشخصية وسط فيض من الطوفان المتدفق لشعورهم بأهمية استكشاف القوى المؤسّسة للصورة الذاتية، الملاحظة المهمة أن الشخصية في الرواية الحديثة لا تُبدي أيّ سمة بطولية، بل هي الأسوأ من الشخصيات العادية وأقل جمالا وأقلّ إنجازا وأقل ذكاء، ومن حيث شيوع حسّ اللامسؤولية، أو العنف المصحوب بالغطرسة لدى الرجال.
خارطة للقراء
يُفنِّد المؤلف في الفصل الرابع المُعضلات الجديدة، وجميعها متعلقة بالتقنيات الخاصة التي تجعل السّرد يكسر أفقية الزمن، وهنا يركّز على الزمن ومقولاته التي جعلت الروائيين الحداثيين يميلون إلى تغيير طبيعة المكان بذات الطريقة التي غيرت من طبيعة الزمان. وإن كان يرجع طبيعة هذه التغيرات إلى الحياة المدينية التي جاءت بطائفة جديدة من العلاقات الشخصية المتداخلة.
السِّمة اللافتة أن الرواية الحديثة غدت شكلا مكانيا، كما يسود الاغتراب الذي يجعل الشخصيات الروائية تميل إلى الشعور بأنها مطرودة من الأمكنة التي تتحرك فيها. لكن لا يخفى أن الجهد المبذول لتجذير الرواية في تفاصيل الحياة اليومية والواقعية ساهم في جعلها أكثر قدرة على الاستجابة للحياة في مناطق من العالم كان يُظنُّ على الدوام أنها بعيدة وهامشية. وقد مكّن التجريبُ الجماليُّ الروايةَ الحديثةَ من بلوغ تخوم غير مسبوقة في العالم الواقعي.
وبعد مراجعات للتجربة الجمالية والانشغالات الموضوعية للرواية الحديثة ينتهي المؤلف في الفصل السادس إلى مُساءلة الحداثة، خاصّة بعدما شوّهت الحرب العالمية الثانية معنى الحداثة حتى بدت الحضارة كذبة كبيرة.
العجيب في وسط هذه الحالة من السلبية والرفض، أن الكتُّاب حافظوا على إيمانهم بأن الفن يمكن أن يخلق أعمالا تعوض الخسارات التي لحقت بالبشرية، لكن هذه القناعة لم تدم مع نشوب الحرب العالمية الثانية، فقد جعلت الأعمال الوحشية الفن يبدو كتعويض أخرق لا يعتد به، وهو ما جعل البعض يفكّر بأن الحرب العالمية الثانية وضعت نهاية للرواية الحديثة! خاصة بعد الأسئلة التي طرحت من قبل وشملت الاعتراف بأن النوع التجريبي الذي انتهجته الرواية الحديثة لا يستحق تكاليف أعبائها.
يُقرُّ المؤلف بأن الرواية الحديثة لم تطوّر وسائلها الضرورية واللازمة للحصول على استجابة مُقنعة وكاملة تجاه الحداثة. فالروائيون كانوا يبتغون محاكاة كاملة للواقع. ومن الانتقادات التي وجهت إلى الرواية الحديثة إغراقها في الذاتية وهناك مَن يرى أن الرواية الحديثة كان عليها أن تصبح أكثر تجريبية مما كانت عليه.
يوقف الكاتب الفصل السّابع على التجديدات ما بعد الحداثية. ويشير إلى أن أدب النضوب كان علامة وَسَمَتِ النزعة ما بعد الحداثية، فرولان بارث يرى أن هذه النزعة أصابت الرواية الحديثة في مقتل وأذنت بنهايتها بعد أن سلبتها ميزاتها الأساسية.
وقد سادت هذه الحقبة ما بعد الحداثية عندما فقد الناس إيمانهم بالمثاليات السابقة، كما غابت السرديات الكبرى التي تعايش معها الناس. ومع التساؤلات التي ُطرحت عمّا تبقى للرواية الحديثة في ظل شيوع النزعة ما بعد الحداثية؟ إلا أنها تمكنت من الاستجابة لهذه النزعة عبر الطرق الأربعة: التسلية والمحاكاة الساخرة والانعكاس والانكماش.
في مرحلة الحداثة ما بعد الكولونياليّة، يجمع الكثيرون بما في ذلك إدوارد سعيد على أنه لا يمكن إغفال الطريقة التي ساهمت بها الثقافة الطَّرفية (الهامش) في إغناء أشكال الرواية الحديثة بصورة بعيدا عن هيمنة المركز الكولونيالي، والعكس صحيح أيضا حيث ساهمت الأشكال الجديدة من الرواية الحديثة في إغناء الثقافات المنبعثة الطامحة إلى الارتقاء عبر مدها بالقدرة على تخييل الإمكانيات الجديدة وإعادة النظر في لغة القمع التي سادت في الحقب الكولونيالية.
كما لعبت هذه الأشكال أدورا فعّالة شديدة الخصوبة في الارتقاء الثقافي لعصر ما بعد الكولونيالية. لكن من المفيد الإشارة كما يقول المؤلف إلى التذكير بأن الرواية الحديثة ساهمت في تفكيك الهينمة الكولونيالية الثقافية من خلال الأساليب التي توظف فيها أنماطا لم يعتدها القرّاء، وتعددية الأصوات والاهتمامات الوقتية المزاحة، ومساءلة العلاقة بين الفرد ومجتمعه وكشف النقاب عن المفترضات المُسبقة بشأن العلاقة مع السلطة.
يُناقش الأستاذ الجامعي جيسي ماتز أستاذ اللغة الإنكليزية في كتابه «تطور الرواية الحديثة» بترجمة الأديبة والمترجمة العراقية لطفيّة الدليميّ، في ثمانية فصول هي مكونات الكتاب، لماذا وكيف لبست الرواية لبوس الحداثة؟ وهو يرى أن هذا الكتاب يمكن عدّه مقدمة لأشكال الرواية الحديثة والوظائف التي تنهض بها، إلى جانب مساءلة الدوافع والتقنيات والمعضلات والتطور المرتبط بالرواية الحديثة.
تخوم غير مسبوقة
كتاب «تطور الرواية الحديثة» الصادر حديثا عن دار المدى 2016، وقد صدر عام 2004 عن دار نشر بلاكويل بعنوان الرواية الحديثة مقدمة قصيرة، هو بمثابة مُساءلة للرواية الحديثة ووضعها في سياق التاريخ الطبيعي لتطورها، واستكشاف موقعها وتأثيراتها المحدثة في تأريخ الأفكار.
جميع فصول المؤلف بداية من المقدمة التي استفاضت فيها المترجمة عن الدوافع وراء الاهتمام بالرواية الآن، تنزع إلى قراءة تاريخ أفكار الرواية، واشتغالاتها المعاصرة، إذ يربط الكاتب بين الحداثة التي شهدها العصر والسّمة التي اتسمت بها الرواية ولازمتها في مسيرتها، فالرواية الحديثة من وجهة نظره هي التي أحدثت قطيعة مع الماضي وجعلت من نفسها شكلا جديدا، كما سعت إلى تمهيد الطريق أمام الحداثة المستقبليّة.
يبدأ الكتاب بتعريف إجرائي للرواية الحديثة باعتبارها العمل الذي يسعى في طلب موضوع جديد رغبة لعدم الانكفاء في مواجهة متطلبات الحداثة، ولكن لا يمكن أن توصف الرواية بأنّها حديثة إلا بالقدرة على التعامل مع المعضلات والإمكانيات الملازمة للحداثة؛ الأعاجيب التقنية، الفوضى الاجتماعية، الأحجيات السايكولوجية، نمط التغيّر وأيضا مواجهة الحداثة بأشكال تجريبية غير مطروقة في الكتابة، بالإضافة إلى وقفات وصفية صغيرة للغايات التي ابتغاها الروائيون المحدثون الأوائل، ثم تحديد الروايات التي ينطبق عليها وصف الرواية الحديثة، مع ذكر بعض الأمثلة، ثم يعقب هذا بتساؤلات ونقودات، ثم يتتبع التطورات التي صاحبت الرواية الحديثة منذ بداياتها المبكرة، وكيف طوحت التطورات المتأخرة ببعض الروايات في الوقت الذي ارتقت فيه بروايات أخرى، وكيف تطورت الرواية لتستحيل إلى الشكل الذي صارت عليه في أيامنا.
يُحدِّدُ الكاتب هدفه مِن الكتاب بأنّه يسعى إلى أن يجعل منه خارطة تؤشر للقرّاء الشغوفين ما ينبغي عليهم استكشافه بالكثير من التدقيق. ويُفرد جيسي مارتز مساحة قصيرة وموجزة في الفصل الأوّل الذي جاء بعنوان الرواية الجديدة في حدود عام 1914، يبحث فيها عن تاريخ الرواية الحديثة.
ويرجع الفضل للمؤلف جيمس جويس لسبر الأغوار العميقة لشخصياته الروائية، ويتأسّس الفصل الثاني على أسئلة كبرى خلقتها الحداثة التي صارت عليها الرواية بتمردها على الواقع السّائد الذي تمردت عليه الرواية الجديدة، بعد أن كانت الرواية شكلا مُحاكيا للواقع، فتضاعفت الحبكة، ويشير المؤلف هنا إلى اختفاء الروايات ذات النهايات السعيدة أو المأساوية.
في الفصل الثالث يتعقب الكاتب التغيرات التي جرت على الرواية، ويرى أن الشخصيات من أهم العناصر الروائية التي أصابتها التغيرات وفقا لتغير المفهوم الطارئ على الواقع، حيث وضع الروائيون الشخصية وسط فيض من الطوفان المتدفق لشعورهم بأهمية استكشاف القوى المؤسّسة للصورة الذاتية، الملاحظة المهمة أن الشخصية في الرواية الحديثة لا تُبدي أيّ سمة بطولية، بل هي الأسوأ من الشخصيات العادية وأقل جمالا وأقلّ إنجازا وأقل ذكاء، ومن حيث شيوع حسّ اللامسؤولية، أو العنف المصحوب بالغطرسة لدى الرجال.
خارطة للقراء
يُفنِّد المؤلف في الفصل الرابع المُعضلات الجديدة، وجميعها متعلقة بالتقنيات الخاصة التي تجعل السّرد يكسر أفقية الزمن، وهنا يركّز على الزمن ومقولاته التي جعلت الروائيين الحداثيين يميلون إلى تغيير طبيعة المكان بذات الطريقة التي غيرت من طبيعة الزمان. وإن كان يرجع طبيعة هذه التغيرات إلى الحياة المدينية التي جاءت بطائفة جديدة من العلاقات الشخصية المتداخلة.
السِّمة اللافتة أن الرواية الحديثة غدت شكلا مكانيا، كما يسود الاغتراب الذي يجعل الشخصيات الروائية تميل إلى الشعور بأنها مطرودة من الأمكنة التي تتحرك فيها. لكن لا يخفى أن الجهد المبذول لتجذير الرواية في تفاصيل الحياة اليومية والواقعية ساهم في جعلها أكثر قدرة على الاستجابة للحياة في مناطق من العالم كان يُظنُّ على الدوام أنها بعيدة وهامشية. وقد مكّن التجريبُ الجماليُّ الروايةَ الحديثةَ من بلوغ تخوم غير مسبوقة في العالم الواقعي.
وبعد مراجعات للتجربة الجمالية والانشغالات الموضوعية للرواية الحديثة ينتهي المؤلف في الفصل السادس إلى مُساءلة الحداثة، خاصّة بعدما شوّهت الحرب العالمية الثانية معنى الحداثة حتى بدت الحضارة كذبة كبيرة.
العجيب في وسط هذه الحالة من السلبية والرفض، أن الكتُّاب حافظوا على إيمانهم بأن الفن يمكن أن يخلق أعمالا تعوض الخسارات التي لحقت بالبشرية، لكن هذه القناعة لم تدم مع نشوب الحرب العالمية الثانية، فقد جعلت الأعمال الوحشية الفن يبدو كتعويض أخرق لا يعتد به، وهو ما جعل البعض يفكّر بأن الحرب العالمية الثانية وضعت نهاية للرواية الحديثة! خاصة بعد الأسئلة التي طرحت من قبل وشملت الاعتراف بأن النوع التجريبي الذي انتهجته الرواية الحديثة لا يستحق تكاليف أعبائها.
يُقرُّ المؤلف بأن الرواية الحديثة لم تطوّر وسائلها الضرورية واللازمة للحصول على استجابة مُقنعة وكاملة تجاه الحداثة. فالروائيون كانوا يبتغون محاكاة كاملة للواقع. ومن الانتقادات التي وجهت إلى الرواية الحديثة إغراقها في الذاتية وهناك مَن يرى أن الرواية الحديثة كان عليها أن تصبح أكثر تجريبية مما كانت عليه.
يوقف الكاتب الفصل السّابع على التجديدات ما بعد الحداثية. ويشير إلى أن أدب النضوب كان علامة وَسَمَتِ النزعة ما بعد الحداثية، فرولان بارث يرى أن هذه النزعة أصابت الرواية الحديثة في مقتل وأذنت بنهايتها بعد أن سلبتها ميزاتها الأساسية.
وقد سادت هذه الحقبة ما بعد الحداثية عندما فقد الناس إيمانهم بالمثاليات السابقة، كما غابت السرديات الكبرى التي تعايش معها الناس. ومع التساؤلات التي ُطرحت عمّا تبقى للرواية الحديثة في ظل شيوع النزعة ما بعد الحداثية؟ إلا أنها تمكنت من الاستجابة لهذه النزعة عبر الطرق الأربعة: التسلية والمحاكاة الساخرة والانعكاس والانكماش.
في مرحلة الحداثة ما بعد الكولونياليّة، يجمع الكثيرون بما في ذلك إدوارد سعيد على أنه لا يمكن إغفال الطريقة التي ساهمت بها الثقافة الطَّرفية (الهامش) في إغناء أشكال الرواية الحديثة بصورة بعيدا عن هيمنة المركز الكولونيالي، والعكس صحيح أيضا حيث ساهمت الأشكال الجديدة من الرواية الحديثة في إغناء الثقافات المنبعثة الطامحة إلى الارتقاء عبر مدها بالقدرة على تخييل الإمكانيات الجديدة وإعادة النظر في لغة القمع التي سادت في الحقب الكولونيالية.
كما لعبت هذه الأشكال أدورا فعّالة شديدة الخصوبة في الارتقاء الثقافي لعصر ما بعد الكولونيالية. لكن من المفيد الإشارة كما يقول المؤلف إلى التذكير بأن الرواية الحديثة ساهمت في تفكيك الهينمة الكولونيالية الثقافية من خلال الأساليب التي توظف فيها أنماطا لم يعتدها القرّاء، وتعددية الأصوات والاهتمامات الوقتية المزاحة، ومساءلة العلاقة بين الفرد ومجتمعه وكشف النقاب عن المفترضات المُسبقة بشأن العلاقة مع السلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.