أسعار النفط تحقق المكاسب الأسبوعية الثانية على التوالي    الصليب الأحمر: مقذوفات من العيار الثقيل سقطت بالقرب من مقرنا غربي رفح الفلسطينية    مصر ترحب بإعلان أرمينيا اعترافها بدولة فلسطين    الخارجية الكويتية تحذر مواطنيها من التوجه إلى لبنان بسبب التطورات الأمنية في المنطقة    أيمن الرقب: اعتراف أرمينيا الرسمي بفلسطين انتصار معنوي لدماء شعبنا    البنتاجون يؤكد السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية لضرب الأراضي الروسية    يورو 2024| فرنسا وهولندا يكتفيان بنقطة من مباراة تكتيكية    ملخص ونتيجة مباراة فرنسا ضد هولندا في يورو 2024    ملخص وأهداف جميع مباريات الجمعة في يورو 2024    عين على اليورو.. مواجهة سلبية بين هولندا وفرنسا (تحليل بالفيديو)    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    مصدر أمني يكشف حقيقة انتحار أحد نزلاء السجون    شيرين شحاتة: سعيدة بتأهل روايتي للقائمة الطويلة لجائزة طه حسين    نقيب المهن التمثيلية: شطبنا أسماء أشخاص مارسوا التطبيع مع إسرائيل    يورو 2024، كانتي يحصد جائزة رجل مباراة هولندا ضد فرنسا    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت 22 - 6 - 2024    وفاة والدة الأسطورة بيليه عن عمر 101 عاما    قتيلان إثر إطلاق نار في آركنسو الأمريكية    تنسيق الثانوية العامة 2024 محافظة الجيزة والأوراق المطلوبة (توقعات بالزيادة)    بيان الكنيسة الأرثوذكسية ضد كاهن قبطي ينهي الجدل حول أنشطته.. بماذا رد وكيل مطرانية المنيا؟    سباق إيران الانتخابى.. قضايا المرأة والمجتمع والتراشق اللفظى بين المرشحين أبرز ملامح المناظرة الثالثة.. المرشح الإصلاحى يرفض العنف ضد الإيرانيات لإجبارهن على الحجاب.. وانتقادات لسياسة الحجب على الإنترنت    عمرو أديب يهاجم الزمالك بسبب رفض خوض مباراة الأهلي: «منتهى العبث»    إمام عاشور يحقق حلم فتاة وأهلها من ذوى الهمم ويهديها التيشيرت.. فيديو    إعلام إسرائيلى: الجيش يقترب من اتخاذ قرار بشأن عملية رفح الفلسطينية    أستاذ علوم سياسية: مصر والأردن لهما حساسة تجاه القضية الفلسطينية    محافظ الغربية يتابع استمرار حملات تشجير وتجميل المدن    بدءا من الأحد، مواعيد جديدة للقطار الكهربائي الخفيف والمترو    نقيب الأطباء البيطريين يعلن فتح باب تلقي طلبات الإعانات الأحد المقبل    بكري يطالب رئيس الوزراء بتوضيح أسباب أزمة وفاة مئات الحجاج المصريين    على هامش زيارته لموسكو.. رئيس تنشيط السياحة يعقد عددًا من جلسات العمل    فيديو.. مصطفى بكري بعد وفاة حجاج مصريين: لو دمنا رخيص سيبونا    مصطفى كامل يتألق في أولى حفلاته بالعلمين    إعلام إسرائيلى: مسئولون أمنيون أعربوا عن مخاوفهم من هجوم لحزب الله    بعد وصول وفيات الحجاج إلى 49.. الرئيس التونسي يقيل وزير الشؤون الدينية    بالأحمر.. هدى الإتربي تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها من فرنسا | فيديو    «وصفات صيفية».. جيلي الفواكه بطبقة الحليب المكثف المحلي    مركز البابا أثناسيوس الرسولي بالمنيا ينظم اللقاء السنوي الثالث    أفتتاح مسجد العتيق بالقرية الثانية بيوسف الصديق بالفيوم بعد الإحلال والتجديد    أزهري يوضح أضلاع السعادة في الإسلام -(فيديو)    قانون لحل مشاكل الممولين    افتح الكاميرا وانتظر السجن.. عقوبة التقاط صور لأشخاص دون إذنهم    المفتي يستعرض عددًا من أدلة عدم نجاسة الكلب.. شاهد التفاصيل    التصريح بدفن جثة شخص لقي مصرعه أسفل عجلات القطار بقليوب    الأرز الأبيض.. هل يرفع احتمالات الإصابة بداء السكر؟    مدير الحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب: لقاء الجمعة تربوي وتثقيفي    في حال التصالح، هل يعرض إمام عاشور على النيابة في واقعة المول بالشيخ زايد؟    مطاي تنفذ مبادرة خفض الأسعار للسلع الغذائية في منافذ متحركة وثابتة    الداخلية تحرر 169 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق خلال 24 ساعة    وزير الأوقاف: تعزيز قوة الأوطان من صميم مقاصد الأديان    «قوة الأوطان» موضوع خطبة الجمعة المقبلة    وكيل صحة الشرقية يتفقد سير العمل بمستشفى الصدر بالزقازيق    بعد الإطاحة به من المنافسة.. خيبة أمل تصيب صناع الفن بعد تذيل أهل الكهف الإيرادات    ارتفع عالميًا.. سعر الذهب اليوم الجمعة 21 يونيو 2024 وعيار 21 الآن للبيع والشراء    استشاري نفسي يقدم روشتة للتخلص من اكتئاب الإجازة    أمين الفتوى محذرا من ظلم المرأة في المواريث: إثم كبير    وزير الإسكان: جار إنشاء الطريق الإقليمى الشرقى حول مدينة أسوان وتوسعة وتطوير كورنيش النيل الجديد    الحرارة تصل ل47 درجة.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تفاصيل)    عاجل - "قطار بسرعة الصاروخ".. مواعيد وأسعار قطارات تالجو اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحرام" لهنري بركات.. حين يصبح جسد المرأة رمزا للمجتمع!
نشر في صوت البلد يوم 28 - 01 - 2018

«الشيطان كتفني، الشيطان كتفني»… هكذا تحاول عزيزة (فاتن حمامة)، الشخصية المحورية في فيلم «الحرام» (1965) لهنري بركات فهم لحظة استسلمت فيها لما يريد جسدها الظامئ، لحظة ملتبسة تماما تحمل في طياتها كل المفاهيم الاجتماعية التي تغرس في عقل المرأة غرسا عن أن جسدها عورة، عن أن جسدها رمز لمفهوم «الشرف»، ليس شرفها وحسب، ولكن شرف المجتمع بأسره، عن أن جسدها حرام، وعن أن الجنس واشتهاءه عيب وحرام ودنس.
هي لحظة يزيد من التباسها أنها لحظة انتهاك واغتصاب أيضا، أيمكن أن تكون عزيزة راغبة فيمن استباح جسدها؟ أترى كانت رغبة جسدها المحروم المتعطش الظامئ حقا، أقوى من قدرتها على مقاومة الجسد العفي الفتي الذي اغتصبها؟ ربما يمكننا القول إن اللحظة كانت مزيجا من الرغبة والرفض، من الاحتياج والاجتياح، من الاشتهاء والمقاومة. لم يكن استسلام عزيزة لذلك الجسد الفائر الرجولة ضعفا، بقدر ما كان تعبيرا عن حرمان جسد مكبوت مغلول، جسد تكبله قواعد العيب والحرام في المجتمع.
كي نفهم هذه اللحظة علينا أن نفهم عزيزة أولا، وأن نعي الإطار الاجتماعي المحيط بها. عزيزة امرأة شابة جميلة، امرأة نرى في لمحات يسيرة أنها تحب أن تدلل وتحب أن تعنى بمظهرها، امرأة تعرف أن لها قواما جميلا تحب أن تزينه لزوجها بثياب تبدي بعض حسنه.
ولكن عزيزة حكم عليها أن تتخلى عن أنوثتها، وعن رغباتها لتصبح عصب الدار ورب البيت وجالب القوت والدخل للأسرة. يصبح لزاما على عزيزة أن تنسى أنها امرأة لتعمل في الأرض لتسد رمق الأفواه التي ستموت جوعا إذا لم تعمل هي. لا رجل في حياة عزيزة، بالمفهوم الجسدي الجنسي ولا بالمفهوم الاجتماعي، كالعائل جالب الرزق. أصيب زوجها المزارع بالأجرة بالبلهارسيا، وأصبح غير قادر على العمل. يصبح زوجها معتمدا عليها تماما، ويتوارى في غياهب مرضه، وتتقبل عزيزة المسؤولية وتحملها بجلد وقوة. تصبح عزيزة هي السند والعضد والوتد، تصبح مصدر القوت للزوج والطفلين، وتنسى تحت حملها الثقيل أنها امرأة لها جسد ورغبات.
تعاني عزيزة شظف العيش وتقسو عليها الحياة أيما قسوة، ولكنها لا تسلم من كل الأطر الاجتماعية والأخلاقية التي تدينها وتندد بها، فمع بدايات الفيلم يأتينا صوت الراوي الذي يؤطر صوته أحداث الفيلم (صوت حسين رياض) ليعلن بصرامة القاضي والجلاد أن الفيلم هو «الحرام: قصة خاطئة مصرية». ينبهنا الراوي منذ البداية إلى منظور أخلاقي لعزيزة، منظور يحكم ولا يفهم أو يتفهم. ورغم تفهم الفيلم في سرديته وأحداثه ورؤيته لعزيزة وتعاطفه الشديد مع محنتها وألمها، إلا أننا نحسب أن صوت الراوي المنذر المهدد المصدر للأحكام هو الهفوة ونقطة الضعف الوحيدة في فيلم نعده من العلامات الفارقة في السينما المصرية والعربية.
الحرام والخطيئة
الحرام وفقا للراوي لم يكن الفقر وشظف العيش، لم يكن المرض بدون وجود المال للعلاج، لم يكن القيل والقال، لم يكن طبقية المجتمع البغيضة التي تجعل حتى من الفقر مراتب، فهناك الفقير المعدم كعزيزة الذي يضطر للعمل في الترحيلة والانتقال من بلاده البعيدة للحصول على القوت، وهناك الفقير الأيسر حالا الذي يبقى في بلدته وسط عائلته. والحرام والخطيئة من منظور الراوي لم يكونا قتل «الضنا»، أو اضطرار عزيزة لإخراس صوت بكائه خوفا من المجتمع. الحرام كما رآه الراوي كان عزيزة ذاتها، عزيزة التي وصمها بالخطيئة ولم يرحمها
حتى عزيزة ذاتها لم تكن رحيمة بذاتها وكانت جلادا لنفسها. نراها تصم ذاتها بالخطيئة وتحكم على نفسها بأنها مدنسة، ففي حوارها مع الذات ومع الإله في لحظة تخلو فيها إلى نفسها، وهي تحاول إجهاض حملها تقول: «انت عالم بالحال. أنا عارفة اللي باعمله حرام، لكن جوزي عيان والخلق كلها عارفة. أموت نفسي واستريح، بس ده حرام. وهو يعني اللي باعمله ده هو اللي مش حرام!
هو انا عملت إيه بس! الشيطان كتفني. الشيطان كتفني». الحرام كل الحرام هو قيم المجتمع التي تجبر المرأة على تجريم ذاتها، التي تنسي المرأة أنها بشر وجسد ولحم ودم له رغبات، التي تجعل المرأة تنظر فيها إلى احتياجها لجسد فتي على أنه جريمة لا غفران لها، جريمة لا تأتي في وجود شيطان «يكتف» ويسلب الإرادة.
شعور عزيزة بالخطيئة والدنس وعقابها لنفسها لا ينتهيان. نرى قامتها التي كانت ممشوقة قد تهدلت، نرى رأسها المرفوع ليلة عرسها قد انحنى ونظرتها الباسمة الجريئة قد انكسرت. بعد الألوان الزاهية في بداية الزواج نراها متشحة بالسواد الفضفاض الذي يواري حملها. نراها تقسو على جسدها وتحمله ما لا طاقة له به، فتقيد بطنها الحبلى بالأربطة التي تخفي حملها. حتى ألم المخاض تتحلمه بجلد بمفردها وبدون عون. عقاب جسدي تفرضه على نفسها وألم وتمزق نفسي، وخوف من العار والفضيحة يدفعانها إلى كتم صرخات الوليد ليكون موته ذروة عذابات نفسية تنتهي بها إلى الرحيل في ريعان الشباب.
في «الحرام»، الذي كتب له السيناريو سعد الدين وهبة مقتبسا إياه عن رواية يوسف إدريس بالعنوان نفسه، تقدم فاتن حمامة أداء نحسبه من أفضل الأدوار في السينما العربية قاطبة. أداء بليغا بدون مبالغة، أداء تعتمد فيه فاتن حمامة على الالتفاتة والنظرة وتعبير الجسد لتجسد ما يعتمل في نفس عزيزة.
تقول نظرتها إلى جسد محمد ابن قمرين الفتى القوي وهو يضرب الأرض بفأسه لاستخراج ثمر البطاطا التي اشتهاها زوجها العليل الكثير الكثير. نظرات نلمح فيها كل المشاعر المتضاربة التي تمور بداخلها. علنا لا نبالغ إن قلنا إن فاتن حمامة هي من يحمل الثقل النفسي للفيلم وتأثيره البالغ على عاتقها في أداء قل أن تجود به السينما العربية.
«الشيطان كتفني، الشيطان كتفني»… هكذا تحاول عزيزة (فاتن حمامة)، الشخصية المحورية في فيلم «الحرام» (1965) لهنري بركات فهم لحظة استسلمت فيها لما يريد جسدها الظامئ، لحظة ملتبسة تماما تحمل في طياتها كل المفاهيم الاجتماعية التي تغرس في عقل المرأة غرسا عن أن جسدها عورة، عن أن جسدها رمز لمفهوم «الشرف»، ليس شرفها وحسب، ولكن شرف المجتمع بأسره، عن أن جسدها حرام، وعن أن الجنس واشتهاءه عيب وحرام ودنس.
هي لحظة يزيد من التباسها أنها لحظة انتهاك واغتصاب أيضا، أيمكن أن تكون عزيزة راغبة فيمن استباح جسدها؟ أترى كانت رغبة جسدها المحروم المتعطش الظامئ حقا، أقوى من قدرتها على مقاومة الجسد العفي الفتي الذي اغتصبها؟ ربما يمكننا القول إن اللحظة كانت مزيجا من الرغبة والرفض، من الاحتياج والاجتياح، من الاشتهاء والمقاومة. لم يكن استسلام عزيزة لذلك الجسد الفائر الرجولة ضعفا، بقدر ما كان تعبيرا عن حرمان جسد مكبوت مغلول، جسد تكبله قواعد العيب والحرام في المجتمع.
كي نفهم هذه اللحظة علينا أن نفهم عزيزة أولا، وأن نعي الإطار الاجتماعي المحيط بها. عزيزة امرأة شابة جميلة، امرأة نرى في لمحات يسيرة أنها تحب أن تدلل وتحب أن تعنى بمظهرها، امرأة تعرف أن لها قواما جميلا تحب أن تزينه لزوجها بثياب تبدي بعض حسنه.
ولكن عزيزة حكم عليها أن تتخلى عن أنوثتها، وعن رغباتها لتصبح عصب الدار ورب البيت وجالب القوت والدخل للأسرة. يصبح لزاما على عزيزة أن تنسى أنها امرأة لتعمل في الأرض لتسد رمق الأفواه التي ستموت جوعا إذا لم تعمل هي. لا رجل في حياة عزيزة، بالمفهوم الجسدي الجنسي ولا بالمفهوم الاجتماعي، كالعائل جالب الرزق. أصيب زوجها المزارع بالأجرة بالبلهارسيا، وأصبح غير قادر على العمل. يصبح زوجها معتمدا عليها تماما، ويتوارى في غياهب مرضه، وتتقبل عزيزة المسؤولية وتحملها بجلد وقوة. تصبح عزيزة هي السند والعضد والوتد، تصبح مصدر القوت للزوج والطفلين، وتنسى تحت حملها الثقيل أنها امرأة لها جسد ورغبات.
تعاني عزيزة شظف العيش وتقسو عليها الحياة أيما قسوة، ولكنها لا تسلم من كل الأطر الاجتماعية والأخلاقية التي تدينها وتندد بها، فمع بدايات الفيلم يأتينا صوت الراوي الذي يؤطر صوته أحداث الفيلم (صوت حسين رياض) ليعلن بصرامة القاضي والجلاد أن الفيلم هو «الحرام: قصة خاطئة مصرية». ينبهنا الراوي منذ البداية إلى منظور أخلاقي لعزيزة، منظور يحكم ولا يفهم أو يتفهم. ورغم تفهم الفيلم في سرديته وأحداثه ورؤيته لعزيزة وتعاطفه الشديد مع محنتها وألمها، إلا أننا نحسب أن صوت الراوي المنذر المهدد المصدر للأحكام هو الهفوة ونقطة الضعف الوحيدة في فيلم نعده من العلامات الفارقة في السينما المصرية والعربية.
الحرام والخطيئة
الحرام وفقا للراوي لم يكن الفقر وشظف العيش، لم يكن المرض بدون وجود المال للعلاج، لم يكن القيل والقال، لم يكن طبقية المجتمع البغيضة التي تجعل حتى من الفقر مراتب، فهناك الفقير المعدم كعزيزة الذي يضطر للعمل في الترحيلة والانتقال من بلاده البعيدة للحصول على القوت، وهناك الفقير الأيسر حالا الذي يبقى في بلدته وسط عائلته. والحرام والخطيئة من منظور الراوي لم يكونا قتل «الضنا»، أو اضطرار عزيزة لإخراس صوت بكائه خوفا من المجتمع. الحرام كما رآه الراوي كان عزيزة ذاتها، عزيزة التي وصمها بالخطيئة ولم يرحمها
حتى عزيزة ذاتها لم تكن رحيمة بذاتها وكانت جلادا لنفسها. نراها تصم ذاتها بالخطيئة وتحكم على نفسها بأنها مدنسة، ففي حوارها مع الذات ومع الإله في لحظة تخلو فيها إلى نفسها، وهي تحاول إجهاض حملها تقول: «انت عالم بالحال. أنا عارفة اللي باعمله حرام، لكن جوزي عيان والخلق كلها عارفة. أموت نفسي واستريح، بس ده حرام. وهو يعني اللي باعمله ده هو اللي مش حرام!
هو انا عملت إيه بس! الشيطان كتفني. الشيطان كتفني». الحرام كل الحرام هو قيم المجتمع التي تجبر المرأة على تجريم ذاتها، التي تنسي المرأة أنها بشر وجسد ولحم ودم له رغبات، التي تجعل المرأة تنظر فيها إلى احتياجها لجسد فتي على أنه جريمة لا غفران لها، جريمة لا تأتي في وجود شيطان «يكتف» ويسلب الإرادة.
شعور عزيزة بالخطيئة والدنس وعقابها لنفسها لا ينتهيان. نرى قامتها التي كانت ممشوقة قد تهدلت، نرى رأسها المرفوع ليلة عرسها قد انحنى ونظرتها الباسمة الجريئة قد انكسرت. بعد الألوان الزاهية في بداية الزواج نراها متشحة بالسواد الفضفاض الذي يواري حملها. نراها تقسو على جسدها وتحمله ما لا طاقة له به، فتقيد بطنها الحبلى بالأربطة التي تخفي حملها. حتى ألم المخاض تتحلمه بجلد بمفردها وبدون عون. عقاب جسدي تفرضه على نفسها وألم وتمزق نفسي، وخوف من العار والفضيحة يدفعانها إلى كتم صرخات الوليد ليكون موته ذروة عذابات نفسية تنتهي بها إلى الرحيل في ريعان الشباب.
في «الحرام»، الذي كتب له السيناريو سعد الدين وهبة مقتبسا إياه عن رواية يوسف إدريس بالعنوان نفسه، تقدم فاتن حمامة أداء نحسبه من أفضل الأدوار في السينما العربية قاطبة. أداء بليغا بدون مبالغة، أداء تعتمد فيه فاتن حمامة على الالتفاتة والنظرة وتعبير الجسد لتجسد ما يعتمل في نفس عزيزة.
تقول نظرتها إلى جسد محمد ابن قمرين الفتى القوي وهو يضرب الأرض بفأسه لاستخراج ثمر البطاطا التي اشتهاها زوجها العليل الكثير الكثير. نظرات نلمح فيها كل المشاعر المتضاربة التي تمور بداخلها. علنا لا نبالغ إن قلنا إن فاتن حمامة هي من يحمل الثقل النفسي للفيلم وتأثيره البالغ على عاتقها في أداء قل أن تجود به السينما العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.