عودة انقطاع الكهرباء في مناطق بالجيزة وخروج كابل محطة محولات جزيرة الذهب عن الخدمة    هآرتس: ترامب يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لضم أجزاء من غزة    200 مليون دولار، ليفربول يجهز عرضا خرافيا لحسم صفقة مهاجم نيوكاسل    رابطة الأندية: بدء عقوبة "سب الدين والعنصرية" فى الدوري بالموسم الجديد    السيسي يوجه بتوفير الرعاية الصحية اللازمة والاهتمام الطبي الفوري للكابتن حسن شحاتة    المعمل الجنائي يعاين حريق شقة في المريوطية    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    الكشف الطبي على 540 مواطنًا بقرية جلبانة ضمن القافلة الطبية لجامعة الإسماعيلية    بمناسبة اليوم العالمي.. التهاب الكبد خطر صامت يمكن تفاديه    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    سميرة صدقي: عبلة كامل أفضل فنانة قدمت دور المرأة الشعبية    بدء الدراسة بجامعة الأقصر الأهلية.. رئيس الجامعة والمحافظ يعلنان تفاصيل البرامج الدراسية بالكليات الأربع    «ما تراه ليس كما يبدو».. شيري عادل تستعد لتصوير حكاية "ديجافو"    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    علاج الحموضة بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    الداخلية: لا توجد تجمعات بالمحافظات والإخوان وراء هذه الشائعات    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    أمانة الشؤون القانونية المركزية ب"مستقبل وطن" تبحث مع أمنائها بالمحافظات الاستعدادات لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    هندسة المنوفية الأولى عالميًا في المحاكاة بمسابقة Formula Student UK 2025    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    السفارة الأمريكية: كتائب حزب الله تقف وراء اقتحام مبنى حكومي ببغداد    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    12 راحلا عن الأهلي في الانتقالات الصيفية    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    تصعيد خطير ضد الوجود المسيحي بفلسطين.. مستوطنون يعتدون على دير للروم الأرثوذكس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    منال عوض تتابع ملفات وزارة البيئة وتبحث تطوير منظومة إدارة المخلفات    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    إطلاق حملة لتعقيم وتطعيم الكلاب الضالة بمدينة العاشر من رمضان (صور)    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشكيلية اليمنيّة آمنة النصيري: اللوحة موقف جمالي وفلسفي
نشر في صوت البلد يوم 21 - 01 - 2018

فنانة مُغامِرة وتجاربها قد تكون جريئة على مستوى كل لوحة، التشكيلية والناقدة والأكاديمية اليمنية «آمنة النصيري»، التي تنتمي للصف الثاني في المحترف اليمني، ونظَّمت، حتى الآن، 16 معرضاً شخصياً، وتعمل أستاذة مساعدة لعلم الجمال في جامعة صنعاء. هنا حوار «القدس العربي» معها ..
- المتأمل في تجربتك يلاحظ أنك أمسكت بأسلوبك مبكراً؛ إلام تعزين ذلك؟
أعتقد أن الأمر نتيجة بحث دائم، على المستويين المعرفي والممارسة، حيث أن العملية الإبداعية تستلزم الكثير من التجريب والاشتغال على الذات، بالإضافة إلى التراكم المعرفي، الذي لا يعتبر ترفاً للفنان وإنما ضرورة، ومع ذلك أجد نفسي ما زلت في مرحلة البحث والاكتشاف ولا أظنني قد وجدت ما أبحث عنه.
التجربة الإبداعية
- التجربة النقدية أم الأكاديمية هي ما حددت علاقتك بالتجريدية؟
كما ذكرت هي عملية بحث متصلة؛ بحث تقني وآخر معرفي، كما أن متابعة تجارب المحامل التشكيلية العربية والدولية مهم جداً. الفنان لا يمكن أن يتطور بمعزل عن متغيرات الحياة الفنية أو مختلف المعطيات. كل خبرة تصبح مُهِمّة في التجربة الإبداعية مهما قل شأنها، وكل معرفة تضيف للفنان، وما دُمتْ قد تطرقت في سؤالك حول ما إذا أفدت من الممارسة النقدية؛ أوافقك الرأي بأن النقد أفادني في عملي التشكيلي إنما بشكل غير مباشر؛ فالكتابة النقدية تستلزم تراكما معرفيا كبيرا، وجهدا مضنيا على المستوى الفكري؛ فهي ليست مقصورة على الإلمام بأبجديات النص البصري ومدارسه الفنية، بل تتعداه إلى امتلاك معارف متعددة في التاريخ والسياسة والفلسفة والدين والأدب الخ. وكل هذا يتجسد، أيضاً، بصورة غير مباشرة داخل اللوحة؛ فنص الفنان في النهاية موقف جمالي وفلسفي من الكون، يحمل رؤى فكرية لا محدودة. أما الحضور المباشر لآمنة الناقدة أثناء الاشتغال على اللوحة فأنا لا أستشعره، إذ أن العمل على أي تجربة يتطلب مني، كما هو لدى أي فنان آخر، استغراقا تاما داخل جو النص؛ وبالتالي لا حضور سوى للفنانة أثناء ذلك. ربما بعد الانتهاء من العمل أنظر إليه بعين الناقد، وأستطيع تقييمه. من جهة أخرى أنا على ثقة بأن العمل الفني في عمومه هو نتاج تراكم معارف ورؤى وتصورات وشحنات سيكولوجية، وذلك يعني أنه حتى في اللاشعور تكمن كل الخبرات المتوفر عليها الفنان، ولا يتم تمثيلها في علاقات مباشرة بطبيعة الحال. أما الممارسة الأكاديمية فذلك شأن آخر؛ هو عمل يحتاج إلى حضور ذهني، والتزام صارم بالزمن، وجهد كبير مع الطلاب. ربما أفاد الأكاديمي هنا من الفنان وليس العكس؛ بمعنى أن عملي الإبداعي يجعلني أكثر استيعاباً لأفكار طلابي من الجيل الشاب، وأكثر مرونة في تقبل حرية الاختلاف، كما يبعدني عن جمود القوانين الأكاديمية، والصورة النمطية للأستاذ.
- في معرضك الأخير قبل الحرب عبّرت بجرأة عن القمع وأهمية المقاومة، أما زال يشغلك هذا الموضوع أم تجاوزته تحت تأثير الحرب؟
ثيمة القمع سواء كان ذاتياً نمارسه نحن على ذواتنا، أو خارجياً بفعل عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية أو غير ذلك، تظل موضوعاً مهما وقائماً في كل الأزمنة، هو ليس مرتبطاً بمرحلة فقط ، وإنما صَاحب ويصاحب الوجود البشري، والدفاع عن القيم الإنسانية هو أحد المهام النبيلة والضرورية؛ لهذا لا أظنني سأتوقف مستقبلاً عن متابعة هذه الثيمة في لوحاتي، حتى إن اختلفت المعالجة الفنية، وكلما أشتد العنف تشتد حاجتنا للأصوات التي تنزع لعالم أكثر إنسانية، لكنني رغم ذلك لا أبرمج نفسي كفنانة للاشتغال بشكل ملزم داخل هذا الموضوع؛ فالفن ليس نتاجا عقلانيا؛ لذا أعمل ضمن مزاجي الفني، قد أجدني أرسم موضوعات تثير البهجة والتفاؤل، وهذا يحدث كثيراً بدون تبريرات أو توصيفات، كما أنني أؤمن بأن وظيفة النص البصري في الدرجة الأولى هي خلق حالة جمالية، حتى إن كان المضمون على النقيض من ذلك.
- تحرصين عبر لوحاتك على طرح التساؤلات المثيرة للقلق، ما مرجعية ذلك؟
هذه هي وظيفة الفن المعاصر التي اختلفت كلية عن الأزمنة الماضية؛ فلم تعد وظيفة الفنان أن يصوغ موضوعاً مكتملاً، ذلك أنه يغلق النص ويلغي العلاقة المفترضة بينه وبين المتلقي، فالإجابات هي النهايات، وعلى عكسها الأسئلة. وظيفة الفنان اليوم إيقاظ الناس، سواء من خلال القيم الجمالية أو المضمون. العمل الفني فعل خلاق وأثر جمالي شديد التأثير. لم يعد النص البصري توثيقا لصورة الخارج ليس إلا، أو تكريسا دعائيا أو شعاراتيا، بل هو طرح جمالي متجدد لا يكف عن إثارة الأسئلة ذات الأبعاد المختلفة، بدءاً بتصوراتنا عن الفن والجمال وانتهاء بكل ما يشغلنا في الحياة والوجود، وكذلك أسئلة الغامض والمجهول.
الأسئلة الوجودية
- المعاناة حاضرة في معظم لوحاتك؛ هل هي تعبير عن قناعاتك بأن الفن لا بد أن يكون إنسانياً؟
نعم أنا أصوّر أعمالي وفق قناعاتي، وربما أن التركيز على الهم الإنساني في معارضي الأخيرة التي أخذت منحى تقنياً مختلفاً بين الفن المفاهيمي والتعبيرية والتصوير الفوتوغرافي، ناتجا عن الاستغراق في الأسئلة الوجودية والموضوعات الفلسفية بحكم الاشتغال في تدريس الفلسفة، بالإضافة إلى اهتمامي الشخصي بالبعد الإنساني وبطبيعة المعاناة في مجتمعاتنا العربية. كل ذلك يجعل الإنسان موضوعا رئيسيا في أعمالي. نعم أحاول أن أدافع عن القيم الإنسانية في الفن، خاصة أن الفنون تعاني في العالم المعاصر من هجمة شرسة من قِبل ما نسميها بفنون السوق، وأن العنف أصبح شرطاً أساسياً لرواج كثير من الأعمال الفنية. قد تكون الظاهرة أقل حدة في مجال التشكيل، ولكنها ليست بعيدة كلية عنه، وفي تاريخ الفن نجد أن الفنون ارتبطت بنزعات سياسية ذات طابع عنيف، وحاولت أن تكرس شعاراتها. على سبيل المثال ارتباط فناني المستقبلية في ألمانيا بالنازية، وإن كان هذا يثير سؤالاً آخر حول خطورة التوظيف المباشر للفن في السياسة. وبالطبع أحاول تجسيد المضامين بدون إغفال النواحي الفنية والتقنية والقيم الجمالية التي هي أساس العمل من وجهة نظري. باختصار حدود الفن في معالجة أي موضوع مهما كانت أهميته هو الفن نفسه، حيث يجب ألا يتصدر المضمون القيم الفنية، كي لا يفسد النص؛ فنحن في الفن نبحث عن الفن قبل كل شيء.
- هل لم يعد من المجدي التعامل مع الواقعية في الوقت الراهن، إذ تجاوزها الوعي الفني والثقافي العالمي؟
الواقعية مكرّسة في المجتمعات العربية ومنها اليمن؛ لأنها ما زالت قادرة على جذب انتباه العدد الأكبر من فئات الجمهور، ويجب عدم إغفال أن هناك تيارات واقعية ما زالت تحظى بشعبية في العالم مثل الواقعية المفرطة، لكنها لا تتصدر المشهد التشكيلي العالمي، الذي أصبح مهجوساً بالتجدد والبحث التقني وتطوير صورة الفن التشكيلي، وتماماً مثلما حدث في كل الآداب والفنون الأخرى طغت على التشكيل اتجاهات الحداثة وما بعد الحداثة. صار العالم يتحدث بلغات فنية متعددة وملائمة للمجتمع الكوني المعاصر، وفي هذا المشهد تراجعت اللغات أو المدارس التقليدية كالكلاسيكية والواقعية وإن لم تختف تماما. ويمكن فهم هذه المسألة بشكل أوضح في العالم العربي بالعودة إلى الشعر، فالقصيدة العمودية تراجعت كثيراً لصالح الأشكال الجديدة والمعاصرة من الشعر.
- هل تطور الحركة التشكيلية في اليمن انعكاس لما يشهده المجتمع من تغيير وتطور؟
بالتأكيد الحركة الثقافية ككل أسبق من التجربة التشكيلية المحلية، لكن ما حدث بعد ذلك أن الحركة التشكيلية في اليمن استمرت في الإنتاج وتزايد أعداد الفنانين بشكل ملحوظ، حتى صار النشاط التشكيلي ظاهرة. هكذا كان الوضع في ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم ظهرت أجيال شابة من الفنانين الشباب من التسعينيات وحتى اليوم، ساعد في ظهورها افتتاح كلية الفنون في جامعة الحُديدة، وأقسام التربية الفنية في جامعات يمنية أخرى، كذلك لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تطوير معارف وقدرات الشباب الفنية، لكن مع الأسف ومع كل هذا العدد من الفنانين لم تساعدهم الظروف العامة لليمن على ممارسة نشاطهم بالقدر المطلوب، من ذلك تردي الوضع الاقتصادي من سنوات طويلة، وغياب المقتني المحلي، وافتقاد البلد إلى صالات عرض خاصة، ثم تلاحق الأزمات السياسية والحرب، كل ذلك ساهم في عزلة النشاط التشكيلي عن العالم، وفي محدوديته .
فنانة مُغامِرة وتجاربها قد تكون جريئة على مستوى كل لوحة، التشكيلية والناقدة والأكاديمية اليمنية «آمنة النصيري»، التي تنتمي للصف الثاني في المحترف اليمني، ونظَّمت، حتى الآن، 16 معرضاً شخصياً، وتعمل أستاذة مساعدة لعلم الجمال في جامعة صنعاء. هنا حوار «القدس العربي» معها ..
- المتأمل في تجربتك يلاحظ أنك أمسكت بأسلوبك مبكراً؛ إلام تعزين ذلك؟
أعتقد أن الأمر نتيجة بحث دائم، على المستويين المعرفي والممارسة، حيث أن العملية الإبداعية تستلزم الكثير من التجريب والاشتغال على الذات، بالإضافة إلى التراكم المعرفي، الذي لا يعتبر ترفاً للفنان وإنما ضرورة، ومع ذلك أجد نفسي ما زلت في مرحلة البحث والاكتشاف ولا أظنني قد وجدت ما أبحث عنه.
التجربة الإبداعية
- التجربة النقدية أم الأكاديمية هي ما حددت علاقتك بالتجريدية؟
كما ذكرت هي عملية بحث متصلة؛ بحث تقني وآخر معرفي، كما أن متابعة تجارب المحامل التشكيلية العربية والدولية مهم جداً. الفنان لا يمكن أن يتطور بمعزل عن متغيرات الحياة الفنية أو مختلف المعطيات. كل خبرة تصبح مُهِمّة في التجربة الإبداعية مهما قل شأنها، وكل معرفة تضيف للفنان، وما دُمتْ قد تطرقت في سؤالك حول ما إذا أفدت من الممارسة النقدية؛ أوافقك الرأي بأن النقد أفادني في عملي التشكيلي إنما بشكل غير مباشر؛ فالكتابة النقدية تستلزم تراكما معرفيا كبيرا، وجهدا مضنيا على المستوى الفكري؛ فهي ليست مقصورة على الإلمام بأبجديات النص البصري ومدارسه الفنية، بل تتعداه إلى امتلاك معارف متعددة في التاريخ والسياسة والفلسفة والدين والأدب الخ. وكل هذا يتجسد، أيضاً، بصورة غير مباشرة داخل اللوحة؛ فنص الفنان في النهاية موقف جمالي وفلسفي من الكون، يحمل رؤى فكرية لا محدودة. أما الحضور المباشر لآمنة الناقدة أثناء الاشتغال على اللوحة فأنا لا أستشعره، إذ أن العمل على أي تجربة يتطلب مني، كما هو لدى أي فنان آخر، استغراقا تاما داخل جو النص؛ وبالتالي لا حضور سوى للفنانة أثناء ذلك. ربما بعد الانتهاء من العمل أنظر إليه بعين الناقد، وأستطيع تقييمه. من جهة أخرى أنا على ثقة بأن العمل الفني في عمومه هو نتاج تراكم معارف ورؤى وتصورات وشحنات سيكولوجية، وذلك يعني أنه حتى في اللاشعور تكمن كل الخبرات المتوفر عليها الفنان، ولا يتم تمثيلها في علاقات مباشرة بطبيعة الحال. أما الممارسة الأكاديمية فذلك شأن آخر؛ هو عمل يحتاج إلى حضور ذهني، والتزام صارم بالزمن، وجهد كبير مع الطلاب. ربما أفاد الأكاديمي هنا من الفنان وليس العكس؛ بمعنى أن عملي الإبداعي يجعلني أكثر استيعاباً لأفكار طلابي من الجيل الشاب، وأكثر مرونة في تقبل حرية الاختلاف، كما يبعدني عن جمود القوانين الأكاديمية، والصورة النمطية للأستاذ.
- في معرضك الأخير قبل الحرب عبّرت بجرأة عن القمع وأهمية المقاومة، أما زال يشغلك هذا الموضوع أم تجاوزته تحت تأثير الحرب؟
ثيمة القمع سواء كان ذاتياً نمارسه نحن على ذواتنا، أو خارجياً بفعل عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية أو غير ذلك، تظل موضوعاً مهما وقائماً في كل الأزمنة، هو ليس مرتبطاً بمرحلة فقط ، وإنما صَاحب ويصاحب الوجود البشري، والدفاع عن القيم الإنسانية هو أحد المهام النبيلة والضرورية؛ لهذا لا أظنني سأتوقف مستقبلاً عن متابعة هذه الثيمة في لوحاتي، حتى إن اختلفت المعالجة الفنية، وكلما أشتد العنف تشتد حاجتنا للأصوات التي تنزع لعالم أكثر إنسانية، لكنني رغم ذلك لا أبرمج نفسي كفنانة للاشتغال بشكل ملزم داخل هذا الموضوع؛ فالفن ليس نتاجا عقلانيا؛ لذا أعمل ضمن مزاجي الفني، قد أجدني أرسم موضوعات تثير البهجة والتفاؤل، وهذا يحدث كثيراً بدون تبريرات أو توصيفات، كما أنني أؤمن بأن وظيفة النص البصري في الدرجة الأولى هي خلق حالة جمالية، حتى إن كان المضمون على النقيض من ذلك.
- تحرصين عبر لوحاتك على طرح التساؤلات المثيرة للقلق، ما مرجعية ذلك؟
هذه هي وظيفة الفن المعاصر التي اختلفت كلية عن الأزمنة الماضية؛ فلم تعد وظيفة الفنان أن يصوغ موضوعاً مكتملاً، ذلك أنه يغلق النص ويلغي العلاقة المفترضة بينه وبين المتلقي، فالإجابات هي النهايات، وعلى عكسها الأسئلة. وظيفة الفنان اليوم إيقاظ الناس، سواء من خلال القيم الجمالية أو المضمون. العمل الفني فعل خلاق وأثر جمالي شديد التأثير. لم يعد النص البصري توثيقا لصورة الخارج ليس إلا، أو تكريسا دعائيا أو شعاراتيا، بل هو طرح جمالي متجدد لا يكف عن إثارة الأسئلة ذات الأبعاد المختلفة، بدءاً بتصوراتنا عن الفن والجمال وانتهاء بكل ما يشغلنا في الحياة والوجود، وكذلك أسئلة الغامض والمجهول.
الأسئلة الوجودية
- المعاناة حاضرة في معظم لوحاتك؛ هل هي تعبير عن قناعاتك بأن الفن لا بد أن يكون إنسانياً؟
نعم أنا أصوّر أعمالي وفق قناعاتي، وربما أن التركيز على الهم الإنساني في معارضي الأخيرة التي أخذت منحى تقنياً مختلفاً بين الفن المفاهيمي والتعبيرية والتصوير الفوتوغرافي، ناتجا عن الاستغراق في الأسئلة الوجودية والموضوعات الفلسفية بحكم الاشتغال في تدريس الفلسفة، بالإضافة إلى اهتمامي الشخصي بالبعد الإنساني وبطبيعة المعاناة في مجتمعاتنا العربية. كل ذلك يجعل الإنسان موضوعا رئيسيا في أعمالي. نعم أحاول أن أدافع عن القيم الإنسانية في الفن، خاصة أن الفنون تعاني في العالم المعاصر من هجمة شرسة من قِبل ما نسميها بفنون السوق، وأن العنف أصبح شرطاً أساسياً لرواج كثير من الأعمال الفنية. قد تكون الظاهرة أقل حدة في مجال التشكيل، ولكنها ليست بعيدة كلية عنه، وفي تاريخ الفن نجد أن الفنون ارتبطت بنزعات سياسية ذات طابع عنيف، وحاولت أن تكرس شعاراتها. على سبيل المثال ارتباط فناني المستقبلية في ألمانيا بالنازية، وإن كان هذا يثير سؤالاً آخر حول خطورة التوظيف المباشر للفن في السياسة. وبالطبع أحاول تجسيد المضامين بدون إغفال النواحي الفنية والتقنية والقيم الجمالية التي هي أساس العمل من وجهة نظري. باختصار حدود الفن في معالجة أي موضوع مهما كانت أهميته هو الفن نفسه، حيث يجب ألا يتصدر المضمون القيم الفنية، كي لا يفسد النص؛ فنحن في الفن نبحث عن الفن قبل كل شيء.
- هل لم يعد من المجدي التعامل مع الواقعية في الوقت الراهن، إذ تجاوزها الوعي الفني والثقافي العالمي؟
الواقعية مكرّسة في المجتمعات العربية ومنها اليمن؛ لأنها ما زالت قادرة على جذب انتباه العدد الأكبر من فئات الجمهور، ويجب عدم إغفال أن هناك تيارات واقعية ما زالت تحظى بشعبية في العالم مثل الواقعية المفرطة، لكنها لا تتصدر المشهد التشكيلي العالمي، الذي أصبح مهجوساً بالتجدد والبحث التقني وتطوير صورة الفن التشكيلي، وتماماً مثلما حدث في كل الآداب والفنون الأخرى طغت على التشكيل اتجاهات الحداثة وما بعد الحداثة. صار العالم يتحدث بلغات فنية متعددة وملائمة للمجتمع الكوني المعاصر، وفي هذا المشهد تراجعت اللغات أو المدارس التقليدية كالكلاسيكية والواقعية وإن لم تختف تماما. ويمكن فهم هذه المسألة بشكل أوضح في العالم العربي بالعودة إلى الشعر، فالقصيدة العمودية تراجعت كثيراً لصالح الأشكال الجديدة والمعاصرة من الشعر.
- هل تطور الحركة التشكيلية في اليمن انعكاس لما يشهده المجتمع من تغيير وتطور؟
بالتأكيد الحركة الثقافية ككل أسبق من التجربة التشكيلية المحلية، لكن ما حدث بعد ذلك أن الحركة التشكيلية في اليمن استمرت في الإنتاج وتزايد أعداد الفنانين بشكل ملحوظ، حتى صار النشاط التشكيلي ظاهرة. هكذا كان الوضع في ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم ظهرت أجيال شابة من الفنانين الشباب من التسعينيات وحتى اليوم، ساعد في ظهورها افتتاح كلية الفنون في جامعة الحُديدة، وأقسام التربية الفنية في جامعات يمنية أخرى، كذلك لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تطوير معارف وقدرات الشباب الفنية، لكن مع الأسف ومع كل هذا العدد من الفنانين لم تساعدهم الظروف العامة لليمن على ممارسة نشاطهم بالقدر المطلوب، من ذلك تردي الوضع الاقتصادي من سنوات طويلة، وغياب المقتني المحلي، وافتقاد البلد إلى صالات عرض خاصة، ثم تلاحق الأزمات السياسية والحرب، كل ذلك ساهم في عزلة النشاط التشكيلي عن العالم، وفي محدوديته .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.