قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    بعد انخفاض عيار 21.. سعر الذهب اليوم الأحد 9-11-2025 في الصاغة (آخر تحديث)    «البيطريين» تشيد بجهود «الخدمات البيطرية» في السيطرة على العترة الجديدة من الحمى القلاعية    الإحصاء: 6.7 % ارتفاع قيمة الصادرات خلال شهر أغسطس 2025    حملة توعوية بيطرية مكثفة لدعم صغار المربين بالبحيرة    قبل صرف معاشات ديسمبر.. التأمينات الاجتماعية تتيح تعديل جهة صرف المعاش    أكبر أزمة نزوح فى العالم.. الأمم المتحدة:نزوح أكثر من 12 مليون شخص بالسودان    وزارة التموين تطلق قافلة مساعدات جديدة لقطاع غزة    إنتر ميلان يستضيف لاتسيو وعينه على صدارة الدوري الإيطالي    «السعيد يلعب على حساب أي حد».. شوبير يكشف مفاتيح الزمالك للفوز على الأهلي    «أمن المنافذ»: ضبط 3354 مخالفة مرورية وتنفيذ 347 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    حالة الطقس.. الأرصاد تكشف أعلى درجات حرارة متوقعة بالقاهرة والمحافظات    موعد امتحانات منتصف العام الدراسى بالجامعات والمعاهد العليا    الداخلية تضبط 337 قضية مخدرات و150 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    النائب على عبد الونيس: المتحف المصرى أيقونة حضارية تؤكد عبقرية المصريين    «الجراند بول» في قصر عابدين.. كل ما تريد معرفة عن حفل الأمراء والنبلاء (التذاكر تبدأ ب1500 يورو)    العالم بطريقته    مصطفى نصر.. كيف روى حكايات الإسكندرية بين التاريخ والتسجيل؟    طريقة عمل سلطة البطاطس بالزبادي.. لمسة من البساطة والابتكار    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في الجيزة وكفر الشيخ    الخارجية الروسية: موسكو لن تنجر وراء استفزازات بروكسل في قضية التأشيرات    تقديرًا لأمانته.. مدرسة بقنا تكرم تلميذًا أعاد «انسيال ذهب» لمعلمته    وزير الداخلية يأذن ل 22 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    مواعيد مباريات اليوم.. قمة مان سيتي مع ليفربول ورايو فاليكانو أمام الريال ونهائي السوبر المصري بين الأهلي والزمالك    عمرو الحديدي: الأهلي يفتقد إمام عاشور قبل نهائي السوبر    باستثمارات قطرية وإماراتية: الساحل الشمالى الغربى «ريفيرا مصر»    أسعار الخضار والفاكهة بأسواق كفر الشيخ اليوم    انتخابات مجلس النواب وحلم الديمقراطية!    محافظ بني سويف: حياد تام وتيسيرات شاملة في انتخابات مجلس النواب 2025    اليوم.. نظر محاكمة 213 متهما بخلية النزهة    انقلاب فى نيويورك    في زيارة تاريخية.. الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض منذ 80 عامًا    الأمم المتحدة: أزمة نزوح غير مسبوقة في السودان.. وتصاعد العنف في الفاشر    غارة من مسيرة إسرائيلية على محيط بلدة الصوانة جنوبي لبنان    لأول مرة فى تاريخ ألمانيا.. تامر حسنى يشعل الاجواء فى ستاد يايلا أرينا الألمانى بحضور 30 ألف شخص    «المتحف المصرى الكبير» أقوى من «الجاهلية»    القاهرة السينمائى يحلق بكبرياء على جناحى اتفاق السلام والمتحف الكبير    شعلة حب لا تنطفئ.. ما هي الأبراج المتوافقة في الزواج والعلاقات العاطفية؟    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 9-11-2025 في محافظة قنا    اختطاف ثلاثة مصريين على يد تنظيم القاعدة في مالي    عميد المعهد القومي للأورام: قدمنا خدمة إضافية لنحو 32 ألف مريض 2024    اختتام فعاليات مؤتمر المعهد القومي للأورام "مستقبل بلا سرطان"    «المعاهد التعليمية» تدخل أحدث طرق علاج السكتة الدماغية بمستشفياتها    فيديو.. الصحة: آليات التحقيق في شكاوى الأخطاء الطبية تطمئن الطبيب أو المريض    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 9 نوفمبر    أحمد جعفر: تريزيجيه اكتر لاعب سيقلق دفاع الزمالك وليس زيزو وبن شرقي    التقارير الفنية أمام النيابة.. تطورات في قضية أطفال اللبيني    حبس وغرامة.. نقيب الأطباء يكشف عقوبة التجاوز والتعدي على الطبيب في القانون الجديد (فيديو)    «معي في قائمة المنتخب».. حلمي طولان يفاجئ لاعب الأهلي قبل ساعات من السوبر    إخلاء سبيل ضابط شرطة كويتي وآخر متهمين بالتحرش بفتاة على كورنيش النيل    رئيس «النيابة الإدارية» يشارك في مؤتمر الاتحاد العربي للقضاء الإداري    كورنيليا ريختر أول أسقفة في تاريخ الكنيسة الإنجيلية بالنمسا    أرتيتا بعد التعادل مع سندرلاند: لا أريد الشكوى من أي شيء    «عدد كتب الغيب 3».. خالد الجندي: الله قد يغير في اللوح المحفوظ    أمين الفتوى: صلاة المرأة بملابس البيت صحيحة بشرط    بث مباشر مباراة نيوم والنصر اليوم في دوري روشن السعودي 2025-2026.. القنوات الناقلة وطرق مشاهدة اللقاء عبر الإنترنت    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 8-11-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشكيلية اليمنيّة آمنة النصيري: اللوحة موقف جمالي وفلسفي
نشر في صوت البلد يوم 21 - 01 - 2018

فنانة مُغامِرة وتجاربها قد تكون جريئة على مستوى كل لوحة، التشكيلية والناقدة والأكاديمية اليمنية «آمنة النصيري»، التي تنتمي للصف الثاني في المحترف اليمني، ونظَّمت، حتى الآن، 16 معرضاً شخصياً، وتعمل أستاذة مساعدة لعلم الجمال في جامعة صنعاء. هنا حوار «القدس العربي» معها ..
- المتأمل في تجربتك يلاحظ أنك أمسكت بأسلوبك مبكراً؛ إلام تعزين ذلك؟
أعتقد أن الأمر نتيجة بحث دائم، على المستويين المعرفي والممارسة، حيث أن العملية الإبداعية تستلزم الكثير من التجريب والاشتغال على الذات، بالإضافة إلى التراكم المعرفي، الذي لا يعتبر ترفاً للفنان وإنما ضرورة، ومع ذلك أجد نفسي ما زلت في مرحلة البحث والاكتشاف ولا أظنني قد وجدت ما أبحث عنه.
التجربة الإبداعية
- التجربة النقدية أم الأكاديمية هي ما حددت علاقتك بالتجريدية؟
كما ذكرت هي عملية بحث متصلة؛ بحث تقني وآخر معرفي، كما أن متابعة تجارب المحامل التشكيلية العربية والدولية مهم جداً. الفنان لا يمكن أن يتطور بمعزل عن متغيرات الحياة الفنية أو مختلف المعطيات. كل خبرة تصبح مُهِمّة في التجربة الإبداعية مهما قل شأنها، وكل معرفة تضيف للفنان، وما دُمتْ قد تطرقت في سؤالك حول ما إذا أفدت من الممارسة النقدية؛ أوافقك الرأي بأن النقد أفادني في عملي التشكيلي إنما بشكل غير مباشر؛ فالكتابة النقدية تستلزم تراكما معرفيا كبيرا، وجهدا مضنيا على المستوى الفكري؛ فهي ليست مقصورة على الإلمام بأبجديات النص البصري ومدارسه الفنية، بل تتعداه إلى امتلاك معارف متعددة في التاريخ والسياسة والفلسفة والدين والأدب الخ. وكل هذا يتجسد، أيضاً، بصورة غير مباشرة داخل اللوحة؛ فنص الفنان في النهاية موقف جمالي وفلسفي من الكون، يحمل رؤى فكرية لا محدودة. أما الحضور المباشر لآمنة الناقدة أثناء الاشتغال على اللوحة فأنا لا أستشعره، إذ أن العمل على أي تجربة يتطلب مني، كما هو لدى أي فنان آخر، استغراقا تاما داخل جو النص؛ وبالتالي لا حضور سوى للفنانة أثناء ذلك. ربما بعد الانتهاء من العمل أنظر إليه بعين الناقد، وأستطيع تقييمه. من جهة أخرى أنا على ثقة بأن العمل الفني في عمومه هو نتاج تراكم معارف ورؤى وتصورات وشحنات سيكولوجية، وذلك يعني أنه حتى في اللاشعور تكمن كل الخبرات المتوفر عليها الفنان، ولا يتم تمثيلها في علاقات مباشرة بطبيعة الحال. أما الممارسة الأكاديمية فذلك شأن آخر؛ هو عمل يحتاج إلى حضور ذهني، والتزام صارم بالزمن، وجهد كبير مع الطلاب. ربما أفاد الأكاديمي هنا من الفنان وليس العكس؛ بمعنى أن عملي الإبداعي يجعلني أكثر استيعاباً لأفكار طلابي من الجيل الشاب، وأكثر مرونة في تقبل حرية الاختلاف، كما يبعدني عن جمود القوانين الأكاديمية، والصورة النمطية للأستاذ.
- في معرضك الأخير قبل الحرب عبّرت بجرأة عن القمع وأهمية المقاومة، أما زال يشغلك هذا الموضوع أم تجاوزته تحت تأثير الحرب؟
ثيمة القمع سواء كان ذاتياً نمارسه نحن على ذواتنا، أو خارجياً بفعل عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية أو غير ذلك، تظل موضوعاً مهما وقائماً في كل الأزمنة، هو ليس مرتبطاً بمرحلة فقط ، وإنما صَاحب ويصاحب الوجود البشري، والدفاع عن القيم الإنسانية هو أحد المهام النبيلة والضرورية؛ لهذا لا أظنني سأتوقف مستقبلاً عن متابعة هذه الثيمة في لوحاتي، حتى إن اختلفت المعالجة الفنية، وكلما أشتد العنف تشتد حاجتنا للأصوات التي تنزع لعالم أكثر إنسانية، لكنني رغم ذلك لا أبرمج نفسي كفنانة للاشتغال بشكل ملزم داخل هذا الموضوع؛ فالفن ليس نتاجا عقلانيا؛ لذا أعمل ضمن مزاجي الفني، قد أجدني أرسم موضوعات تثير البهجة والتفاؤل، وهذا يحدث كثيراً بدون تبريرات أو توصيفات، كما أنني أؤمن بأن وظيفة النص البصري في الدرجة الأولى هي خلق حالة جمالية، حتى إن كان المضمون على النقيض من ذلك.
- تحرصين عبر لوحاتك على طرح التساؤلات المثيرة للقلق، ما مرجعية ذلك؟
هذه هي وظيفة الفن المعاصر التي اختلفت كلية عن الأزمنة الماضية؛ فلم تعد وظيفة الفنان أن يصوغ موضوعاً مكتملاً، ذلك أنه يغلق النص ويلغي العلاقة المفترضة بينه وبين المتلقي، فالإجابات هي النهايات، وعلى عكسها الأسئلة. وظيفة الفنان اليوم إيقاظ الناس، سواء من خلال القيم الجمالية أو المضمون. العمل الفني فعل خلاق وأثر جمالي شديد التأثير. لم يعد النص البصري توثيقا لصورة الخارج ليس إلا، أو تكريسا دعائيا أو شعاراتيا، بل هو طرح جمالي متجدد لا يكف عن إثارة الأسئلة ذات الأبعاد المختلفة، بدءاً بتصوراتنا عن الفن والجمال وانتهاء بكل ما يشغلنا في الحياة والوجود، وكذلك أسئلة الغامض والمجهول.
الأسئلة الوجودية
- المعاناة حاضرة في معظم لوحاتك؛ هل هي تعبير عن قناعاتك بأن الفن لا بد أن يكون إنسانياً؟
نعم أنا أصوّر أعمالي وفق قناعاتي، وربما أن التركيز على الهم الإنساني في معارضي الأخيرة التي أخذت منحى تقنياً مختلفاً بين الفن المفاهيمي والتعبيرية والتصوير الفوتوغرافي، ناتجا عن الاستغراق في الأسئلة الوجودية والموضوعات الفلسفية بحكم الاشتغال في تدريس الفلسفة، بالإضافة إلى اهتمامي الشخصي بالبعد الإنساني وبطبيعة المعاناة في مجتمعاتنا العربية. كل ذلك يجعل الإنسان موضوعا رئيسيا في أعمالي. نعم أحاول أن أدافع عن القيم الإنسانية في الفن، خاصة أن الفنون تعاني في العالم المعاصر من هجمة شرسة من قِبل ما نسميها بفنون السوق، وأن العنف أصبح شرطاً أساسياً لرواج كثير من الأعمال الفنية. قد تكون الظاهرة أقل حدة في مجال التشكيل، ولكنها ليست بعيدة كلية عنه، وفي تاريخ الفن نجد أن الفنون ارتبطت بنزعات سياسية ذات طابع عنيف، وحاولت أن تكرس شعاراتها. على سبيل المثال ارتباط فناني المستقبلية في ألمانيا بالنازية، وإن كان هذا يثير سؤالاً آخر حول خطورة التوظيف المباشر للفن في السياسة. وبالطبع أحاول تجسيد المضامين بدون إغفال النواحي الفنية والتقنية والقيم الجمالية التي هي أساس العمل من وجهة نظري. باختصار حدود الفن في معالجة أي موضوع مهما كانت أهميته هو الفن نفسه، حيث يجب ألا يتصدر المضمون القيم الفنية، كي لا يفسد النص؛ فنحن في الفن نبحث عن الفن قبل كل شيء.
- هل لم يعد من المجدي التعامل مع الواقعية في الوقت الراهن، إذ تجاوزها الوعي الفني والثقافي العالمي؟
الواقعية مكرّسة في المجتمعات العربية ومنها اليمن؛ لأنها ما زالت قادرة على جذب انتباه العدد الأكبر من فئات الجمهور، ويجب عدم إغفال أن هناك تيارات واقعية ما زالت تحظى بشعبية في العالم مثل الواقعية المفرطة، لكنها لا تتصدر المشهد التشكيلي العالمي، الذي أصبح مهجوساً بالتجدد والبحث التقني وتطوير صورة الفن التشكيلي، وتماماً مثلما حدث في كل الآداب والفنون الأخرى طغت على التشكيل اتجاهات الحداثة وما بعد الحداثة. صار العالم يتحدث بلغات فنية متعددة وملائمة للمجتمع الكوني المعاصر، وفي هذا المشهد تراجعت اللغات أو المدارس التقليدية كالكلاسيكية والواقعية وإن لم تختف تماما. ويمكن فهم هذه المسألة بشكل أوضح في العالم العربي بالعودة إلى الشعر، فالقصيدة العمودية تراجعت كثيراً لصالح الأشكال الجديدة والمعاصرة من الشعر.
- هل تطور الحركة التشكيلية في اليمن انعكاس لما يشهده المجتمع من تغيير وتطور؟
بالتأكيد الحركة الثقافية ككل أسبق من التجربة التشكيلية المحلية، لكن ما حدث بعد ذلك أن الحركة التشكيلية في اليمن استمرت في الإنتاج وتزايد أعداد الفنانين بشكل ملحوظ، حتى صار النشاط التشكيلي ظاهرة. هكذا كان الوضع في ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم ظهرت أجيال شابة من الفنانين الشباب من التسعينيات وحتى اليوم، ساعد في ظهورها افتتاح كلية الفنون في جامعة الحُديدة، وأقسام التربية الفنية في جامعات يمنية أخرى، كذلك لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تطوير معارف وقدرات الشباب الفنية، لكن مع الأسف ومع كل هذا العدد من الفنانين لم تساعدهم الظروف العامة لليمن على ممارسة نشاطهم بالقدر المطلوب، من ذلك تردي الوضع الاقتصادي من سنوات طويلة، وغياب المقتني المحلي، وافتقاد البلد إلى صالات عرض خاصة، ثم تلاحق الأزمات السياسية والحرب، كل ذلك ساهم في عزلة النشاط التشكيلي عن العالم، وفي محدوديته .
فنانة مُغامِرة وتجاربها قد تكون جريئة على مستوى كل لوحة، التشكيلية والناقدة والأكاديمية اليمنية «آمنة النصيري»، التي تنتمي للصف الثاني في المحترف اليمني، ونظَّمت، حتى الآن، 16 معرضاً شخصياً، وتعمل أستاذة مساعدة لعلم الجمال في جامعة صنعاء. هنا حوار «القدس العربي» معها ..
- المتأمل في تجربتك يلاحظ أنك أمسكت بأسلوبك مبكراً؛ إلام تعزين ذلك؟
أعتقد أن الأمر نتيجة بحث دائم، على المستويين المعرفي والممارسة، حيث أن العملية الإبداعية تستلزم الكثير من التجريب والاشتغال على الذات، بالإضافة إلى التراكم المعرفي، الذي لا يعتبر ترفاً للفنان وإنما ضرورة، ومع ذلك أجد نفسي ما زلت في مرحلة البحث والاكتشاف ولا أظنني قد وجدت ما أبحث عنه.
التجربة الإبداعية
- التجربة النقدية أم الأكاديمية هي ما حددت علاقتك بالتجريدية؟
كما ذكرت هي عملية بحث متصلة؛ بحث تقني وآخر معرفي، كما أن متابعة تجارب المحامل التشكيلية العربية والدولية مهم جداً. الفنان لا يمكن أن يتطور بمعزل عن متغيرات الحياة الفنية أو مختلف المعطيات. كل خبرة تصبح مُهِمّة في التجربة الإبداعية مهما قل شأنها، وكل معرفة تضيف للفنان، وما دُمتْ قد تطرقت في سؤالك حول ما إذا أفدت من الممارسة النقدية؛ أوافقك الرأي بأن النقد أفادني في عملي التشكيلي إنما بشكل غير مباشر؛ فالكتابة النقدية تستلزم تراكما معرفيا كبيرا، وجهدا مضنيا على المستوى الفكري؛ فهي ليست مقصورة على الإلمام بأبجديات النص البصري ومدارسه الفنية، بل تتعداه إلى امتلاك معارف متعددة في التاريخ والسياسة والفلسفة والدين والأدب الخ. وكل هذا يتجسد، أيضاً، بصورة غير مباشرة داخل اللوحة؛ فنص الفنان في النهاية موقف جمالي وفلسفي من الكون، يحمل رؤى فكرية لا محدودة. أما الحضور المباشر لآمنة الناقدة أثناء الاشتغال على اللوحة فأنا لا أستشعره، إذ أن العمل على أي تجربة يتطلب مني، كما هو لدى أي فنان آخر، استغراقا تاما داخل جو النص؛ وبالتالي لا حضور سوى للفنانة أثناء ذلك. ربما بعد الانتهاء من العمل أنظر إليه بعين الناقد، وأستطيع تقييمه. من جهة أخرى أنا على ثقة بأن العمل الفني في عمومه هو نتاج تراكم معارف ورؤى وتصورات وشحنات سيكولوجية، وذلك يعني أنه حتى في اللاشعور تكمن كل الخبرات المتوفر عليها الفنان، ولا يتم تمثيلها في علاقات مباشرة بطبيعة الحال. أما الممارسة الأكاديمية فذلك شأن آخر؛ هو عمل يحتاج إلى حضور ذهني، والتزام صارم بالزمن، وجهد كبير مع الطلاب. ربما أفاد الأكاديمي هنا من الفنان وليس العكس؛ بمعنى أن عملي الإبداعي يجعلني أكثر استيعاباً لأفكار طلابي من الجيل الشاب، وأكثر مرونة في تقبل حرية الاختلاف، كما يبعدني عن جمود القوانين الأكاديمية، والصورة النمطية للأستاذ.
- في معرضك الأخير قبل الحرب عبّرت بجرأة عن القمع وأهمية المقاومة، أما زال يشغلك هذا الموضوع أم تجاوزته تحت تأثير الحرب؟
ثيمة القمع سواء كان ذاتياً نمارسه نحن على ذواتنا، أو خارجياً بفعل عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية أو غير ذلك، تظل موضوعاً مهما وقائماً في كل الأزمنة، هو ليس مرتبطاً بمرحلة فقط ، وإنما صَاحب ويصاحب الوجود البشري، والدفاع عن القيم الإنسانية هو أحد المهام النبيلة والضرورية؛ لهذا لا أظنني سأتوقف مستقبلاً عن متابعة هذه الثيمة في لوحاتي، حتى إن اختلفت المعالجة الفنية، وكلما أشتد العنف تشتد حاجتنا للأصوات التي تنزع لعالم أكثر إنسانية، لكنني رغم ذلك لا أبرمج نفسي كفنانة للاشتغال بشكل ملزم داخل هذا الموضوع؛ فالفن ليس نتاجا عقلانيا؛ لذا أعمل ضمن مزاجي الفني، قد أجدني أرسم موضوعات تثير البهجة والتفاؤل، وهذا يحدث كثيراً بدون تبريرات أو توصيفات، كما أنني أؤمن بأن وظيفة النص البصري في الدرجة الأولى هي خلق حالة جمالية، حتى إن كان المضمون على النقيض من ذلك.
- تحرصين عبر لوحاتك على طرح التساؤلات المثيرة للقلق، ما مرجعية ذلك؟
هذه هي وظيفة الفن المعاصر التي اختلفت كلية عن الأزمنة الماضية؛ فلم تعد وظيفة الفنان أن يصوغ موضوعاً مكتملاً، ذلك أنه يغلق النص ويلغي العلاقة المفترضة بينه وبين المتلقي، فالإجابات هي النهايات، وعلى عكسها الأسئلة. وظيفة الفنان اليوم إيقاظ الناس، سواء من خلال القيم الجمالية أو المضمون. العمل الفني فعل خلاق وأثر جمالي شديد التأثير. لم يعد النص البصري توثيقا لصورة الخارج ليس إلا، أو تكريسا دعائيا أو شعاراتيا، بل هو طرح جمالي متجدد لا يكف عن إثارة الأسئلة ذات الأبعاد المختلفة، بدءاً بتصوراتنا عن الفن والجمال وانتهاء بكل ما يشغلنا في الحياة والوجود، وكذلك أسئلة الغامض والمجهول.
الأسئلة الوجودية
- المعاناة حاضرة في معظم لوحاتك؛ هل هي تعبير عن قناعاتك بأن الفن لا بد أن يكون إنسانياً؟
نعم أنا أصوّر أعمالي وفق قناعاتي، وربما أن التركيز على الهم الإنساني في معارضي الأخيرة التي أخذت منحى تقنياً مختلفاً بين الفن المفاهيمي والتعبيرية والتصوير الفوتوغرافي، ناتجا عن الاستغراق في الأسئلة الوجودية والموضوعات الفلسفية بحكم الاشتغال في تدريس الفلسفة، بالإضافة إلى اهتمامي الشخصي بالبعد الإنساني وبطبيعة المعاناة في مجتمعاتنا العربية. كل ذلك يجعل الإنسان موضوعا رئيسيا في أعمالي. نعم أحاول أن أدافع عن القيم الإنسانية في الفن، خاصة أن الفنون تعاني في العالم المعاصر من هجمة شرسة من قِبل ما نسميها بفنون السوق، وأن العنف أصبح شرطاً أساسياً لرواج كثير من الأعمال الفنية. قد تكون الظاهرة أقل حدة في مجال التشكيل، ولكنها ليست بعيدة كلية عنه، وفي تاريخ الفن نجد أن الفنون ارتبطت بنزعات سياسية ذات طابع عنيف، وحاولت أن تكرس شعاراتها. على سبيل المثال ارتباط فناني المستقبلية في ألمانيا بالنازية، وإن كان هذا يثير سؤالاً آخر حول خطورة التوظيف المباشر للفن في السياسة. وبالطبع أحاول تجسيد المضامين بدون إغفال النواحي الفنية والتقنية والقيم الجمالية التي هي أساس العمل من وجهة نظري. باختصار حدود الفن في معالجة أي موضوع مهما كانت أهميته هو الفن نفسه، حيث يجب ألا يتصدر المضمون القيم الفنية، كي لا يفسد النص؛ فنحن في الفن نبحث عن الفن قبل كل شيء.
- هل لم يعد من المجدي التعامل مع الواقعية في الوقت الراهن، إذ تجاوزها الوعي الفني والثقافي العالمي؟
الواقعية مكرّسة في المجتمعات العربية ومنها اليمن؛ لأنها ما زالت قادرة على جذب انتباه العدد الأكبر من فئات الجمهور، ويجب عدم إغفال أن هناك تيارات واقعية ما زالت تحظى بشعبية في العالم مثل الواقعية المفرطة، لكنها لا تتصدر المشهد التشكيلي العالمي، الذي أصبح مهجوساً بالتجدد والبحث التقني وتطوير صورة الفن التشكيلي، وتماماً مثلما حدث في كل الآداب والفنون الأخرى طغت على التشكيل اتجاهات الحداثة وما بعد الحداثة. صار العالم يتحدث بلغات فنية متعددة وملائمة للمجتمع الكوني المعاصر، وفي هذا المشهد تراجعت اللغات أو المدارس التقليدية كالكلاسيكية والواقعية وإن لم تختف تماما. ويمكن فهم هذه المسألة بشكل أوضح في العالم العربي بالعودة إلى الشعر، فالقصيدة العمودية تراجعت كثيراً لصالح الأشكال الجديدة والمعاصرة من الشعر.
- هل تطور الحركة التشكيلية في اليمن انعكاس لما يشهده المجتمع من تغيير وتطور؟
بالتأكيد الحركة الثقافية ككل أسبق من التجربة التشكيلية المحلية، لكن ما حدث بعد ذلك أن الحركة التشكيلية في اليمن استمرت في الإنتاج وتزايد أعداد الفنانين بشكل ملحوظ، حتى صار النشاط التشكيلي ظاهرة. هكذا كان الوضع في ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم ظهرت أجيال شابة من الفنانين الشباب من التسعينيات وحتى اليوم، ساعد في ظهورها افتتاح كلية الفنون في جامعة الحُديدة، وأقسام التربية الفنية في جامعات يمنية أخرى، كذلك لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تطوير معارف وقدرات الشباب الفنية، لكن مع الأسف ومع كل هذا العدد من الفنانين لم تساعدهم الظروف العامة لليمن على ممارسة نشاطهم بالقدر المطلوب، من ذلك تردي الوضع الاقتصادي من سنوات طويلة، وغياب المقتني المحلي، وافتقاد البلد إلى صالات عرض خاصة، ثم تلاحق الأزمات السياسية والحرب، كل ذلك ساهم في عزلة النشاط التشكيلي عن العالم، وفي محدوديته .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.