موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    مصر تستعد لوظائف المستقبل    تتراجع الآن أسعار الذهب اليوم فى السودان وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 8 مايو 2024    اعرف تحديث أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 8 مايو 2024    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    برلماني: الحوار الوطني وضع خريطة استثمارية في مصر للجميع    تراجع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 8 مايو 2024    قبل بداية الصيف.. طرق لخفض استهلاك الأجهزة الكهربائية    «الألماني للسياحة»: توقعات بزيادة الليالي السياحية خلال بطولة يورو لكرة القدم يوليو المقبل    تأجيل محاكمة ترامب بقضية احتفاظه بوثائق سرية لأجل غير مسمى    غارات إسرائيلية على عدة بلدات جنوب لبنان    العاهل الأردني: سيطرة إسرائيل على معبر رفح ستفاقم الكارثة الإنسانية في غزة    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    أبطال فيديو إنقاذ جرحى مجمع ناصر الطبي تحت نيران الاحتلال يروون تفاصيل الواقعة    كيف صنعت إسرائيل أسطورتها بعد تحطيمها في حرب 73؟.. عزت إبراهيم يوضح    المصري يتمسك بالمشاركة الأفريقية حال اعتماد ترتيب الدور الأول    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    تفاصيل زيادة الحضور الجماهيري بالمباريات المحلية والأفريقية    جريشة: ركلتي جزاء الأهلي ضد الاتحاد صحيحتين    الحديدي: كولر «كلمة السر» في فوز الأهلي برباعية أمام الاتحاد السكندري    آنسات الأهلي يهزم الزمالك في بطولة الجمهورية للكرة الطائرة    هل نقترب من فجر عيد الأضحى في العراق؟ تحليل موعد أول أيام العيد لعام 2024    مصدر أمني يكشف تفاصيل إطلاق النار على رجل أعمال كندي بالإسكندرية    ارتفاع درجات الحرارة.. والأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تؤثر على حالة الطقس الساعات المقبلة (تفاصيل)    ضبط تاجر مخدرات ونجله وبحوزتهما 2000 جرام حشيش في قنا    زاهي حواس: عبد الناصر والسادات أهديا قطعًا أثرية إلى بعض الرؤساء حول العالم    الأبراج التي تتوافق مع برج العذراء في الصداقة    ياسمين عبد العزيز: فيلم "الدادة دودي" لما نزل كسر الدنيا    معجبة بتفاصيله.. سلمى الشماع تشيد بمسلسل "الحشاشين"    ياسمين عبدالعزيز تكشف حادثًا خطيرًا تعرضت له لأول مرة.. ما القصة؟    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    الكرخ: نرفض عقوبة صالح جمعة القاسية.. وسلكنا الطرق القانونية لاسترداد حقوقنا    طبيب الأهلي يكشف تفاصيل إصابة الثنائي ربيعة وكوكا    سليمان جودة: بن غفير وسموتريتش طالبا نتنياهو باجتياح رفح ويهددانه بإسقاطه    عزت إبراهيم: الجماعات اليهودية وسعت نفوذها قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي    أسامة كمال يشيد بدور الشيخ إبراهيم العرجاني ويترحم على نجله الشهيد وسيم    ياسمين عبد العزيز: النية الكويسة هي اللي بتخلي الشغل ينجح    اليوم.. ذكرى رحيل فارس السينما الفنان أحمد مظهر    اليوم، تطبيق المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال بجميع المحافظات    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    الشعب الجمهوري بالشرقية يكرم النماذج المتميزة في صناعة وزراعة البردي    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في تجربة رائد التشكيل اليمني الراحل هاشم علي
نشر في صوت البلد يوم 01 - 12 - 2017

تفتك الحرب، غالبا، بكل شيء جميل، حتى إحياء مناسبات تذكّرية لم يعد ممكنا في اليمن في ظل تداعيات الصراع… فها هي الذكرى الثامنة لرحيل رائد التشكيل اليمني هاشم علي (1945 2009) تمرّ، كما العام الماضي، بصمت؛ لتقتصر على لفيف من المبدعين أحيوها افتراضيا عبر منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، فجددوا من خلالها، تسليط الضوء على بعض ملامح تجربة الراحل في التأسيس الحقيقي لحركة تشكيلية يمنية، عبر مسيرة يكفي هاشم منها أنه انتصر فيها لمعركة فن التشكيل في مواجهة ثقافة مُجتمعية إقصائية لم تكن قد اعترفت بهذا الفن بعد.
يُقرُّ نُقاد بريادية هاشم التشكيلية يمنيا، فيما هذا الفنان لم يكن مُفتتح التجربة التشكيلية هناك، وهو ما نفهمهُ جيدا مع عدم كتابة ودراسة تاريخ التشكيل اليمني الحديث حتى اللحظة، وهو أمر طبيعي لحداثة عهد المجتمع بهذا الفن بمدارسه الأكاديمية، بالإضافة إلى تأخر وجود فن التشكيل ضمن مساقات التعليم الجامعي اليمنية إلى ما قبل عقد ونصف العقد تقريبا، وبالتالي وعلى الرغم من وجود إشارات ومعلومات عن بدايات تشكيلية يمنية في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، خاصة في عدن/ جنوب، إلا أنه لم تُعرف محطة تأسيسيه واضحة المعلومات والملامح كالمحطة التي ظهرت فيها تجربة هاشم، بما حققته في ستينيات القرن الماضي… ففي ذلك العقد كان هاشم قد افتتح أول معارضه الشخصية عام 1967 في مدنية تعز/جنوب. وانطلاقا من قراءة واعية لتلك البدايات وخصوصية تجربة صاحبها في علاقته بلوحته من جانب وعلاقته بتعزيز حضور فن التشكيل عموما في المجتمع من جانب آخر، تجلى هاشم في نظر دارسي ومتناولي التشكيل اليمني بمثابة فاتحة كتاب حركة تشكيلية ما زالت تتطور في مواجهة معوقات ما زالت كثيرة هناك.
أوّل معرض
عاش هاشم حياة قاسية منذ مولده عام 1945 فاضطر، عقب وفاة والده عام 1955، لترك فصول التعليم النظامي بحثا عن لقمة العيش وتعليم نفسه ذاتيا. انتقل من حضرموت (شرق اليمن) إلى أبين (وسط) ومن ثم إلى عدن (جنوب) وهناك ظهرت وتشكّلت معالم هوايته، وبدأ طريقه صوب الاحتراف في رحلة تطوير موهبته ذاتيا، وقد منحته إجادة اللغة الإنكليزية إمكانية الاطلاع على أفكار وتجارب الآخر، وجديد الحضارة الغربية في قراءة موازية لم تتوقف لتراث وجديد النتاج الفكري العربي؛ مستوعبا متغيرات المجتمع والعالم، ومن خلالها تشكل وعيه وإدراكه الفلسفي للجمال الإنساني، وهي القراءات التي أنضَجتْ رؤاه الفنية، وتأثرتْ بها علاقته بنصوصه البصرية التي قدّمها في مئات اللوحات، بل هي لوحات كثيرة تتجاوز بعددها ما قدمه في 18 معرضا شخصيا وعشرات المشاركات المحلية والدولية على امتداد تجربته منذ تنظميه أوّل معرض تشكيلي شخصي في ما عرف بالشطر الشمالي من اليمن في مدينة تعز، وهي المدينة التي انتقل إليها عام 1963 واستقر فيها حتى وفاته في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 عن 64 سنة أمضى خمسين سنة منها في رحاب الفن.
أوّل مرسم يمنيّ
كانت تطلعات هاشم أكبر من أن يطوّر لوحته ويعزز حضوره؛ إذ كان مهموما بالتوازي مع تجربته التشكيلية الشخصية، بالتأسيس لحضور فن التشكيل في بلاده؛ فافتتح مرسمه لتدريس الفن التشكيلي عام 1970. ظل يلتحق بالمرسم عددٌ من الشباب المتطلعين من عدة أجيال، الذين تخرجوا فيه ليواصل بعضهم دراساته الأكاديمية في هذا المجال… ومنهم مَن يمثلون اليوم نجوما في الصف الثاني في المحترف التشكيلي اليمني، ولهذا كان (أبو التشكيليين اليمنيين) لقبا جديرا بهاشم. لقد امتزجت عظمة الفنان والإنسان والأب في ريادته للحركة وأبويته الفنية للتشكيليين اليمنيين؛ ولهذا نجد معنى أبويته يتجاوز دلالات معنى الصنمية في علاقة الأجيال الإبداعية ببعضها؛ وهو ما كان منه خلال حياته واستمر بعد وفاته، بدليل أننا لا نجد اثنين في المحترف اليمني يختلفان على هذه الأبوية؛ التي عكسها بوضوح في مرسمه بأبوابه التي بقيت مفتوحة لمرتاديه من جميع أنحاء اليمن؛ فكان أول محترف يمنيّ لتعليم الفن التشكيلي.
حياة في اللون
استقرت لوحة هاشم في المنحى الواقعي، وفي فضاء الواقعية تطورت لوحته وتجاوز فيها ضوابط وقيود تقاليدها الكلاسيكية والتصويرية والانطباعية والتعبيرية، لدرجة يمكن أن نقول إنها لوحة تتجاوز التنميط الواقعي حتى لو حاولنا تأطيرها على مستوى علاقة الفنان بالموضوع (العين) أو الذات (العقل) أو الألوان والخامات. كانت موهبة هاشم تستند إلى خلفية فطرية واضحة، بالإضافة إلى رؤية بصرية متلازمة مع قضية وموقف أراد لمشروعه الفني أن يتحمل مسؤولية الاشتغال عليه، وإيصاله عبر نصوصه بصرية ذات علاقة كبيرة بالإنسان وجوهره الحقيقي وحركاته المعبرة عن ذلك الجوهر؛ ولهذا وعلى الرغم من أن هاشم كان فنانا بالفطرة، إلا أن نصوصه البصرية كانت تتجاوز المقاييس والضوابط الأكاديمية، ما يوحي بأنه كان على علم بتلك المقاييس والضوابط وأراد أن يتجاوزها بوعي كامل، وهو ما لا نستغربه في لوحته، لاسيما مع قراءاته المتنوعة والمتواصلة، وإنسانيته العالية والمتدفقة وشعوره المتعاظم بالمسؤولية تجاه المحيط (الإنسان والبيئة المحلية) وربما قد نقول إن لوحته كانت بذلك تتجاوز وعي وإدراك المدرسة الواقعية بوظيفة الفن في علاقته بالجوهر الإنساني لجمال الواقع بباطنه الجمالي، وهو ما تمكن منه هاشم في مراحل متقدمة وصولا إلى لوحة نابضة بالحياة، خاصة تلك اللوحات التي اشتغل فيها على مناظر يمنية تقليدية لأشكال إنسانية استنطق مضامينها الجمالية حتى كأنك تشعر بحركات شخوصها وتسمع أصواتهم وتتموج مع رقصاتهم، وتقرأ حكاياتهم من خلال تلك الروح اللونية التي تنبض في كل تلك السطوح.
استطاع هاشم أن ينقل ما استشعره في الواقع إلى لوحته، وبث فيها روحا نجدها تدب في المكونات ونشعر بها في التفاصيل اللونية المحتشدة، وهي تُحيل الكُتل إلى مسرح تتطور فيه الأحداث، بديناميكية ضربات الفرشاة واهتزازات اللون، وتصل إلى مستويات تنضح فيها هرمونية اللوحة، مُعلنة بلوغ الحالة الوجدانية أسمى حالاتها…
وهنا يتجلى أبرز ملمح من ملامح خصوصية لوحة هذا الفنان التي تأتي مفعمة بانفعالات وأحاسيس وإيحاءات وتحولات وتفاصيل ورموز الخ، تفتح قراءتها على آفاق تتعدد فيها مستويات الإدراك والفهم والإحساس لتناسب مع مستويات متفاوتة للقراءة.. وقبل هذا وذاك تتجدد حيواتها كتجربة خاصة لصورة تشكيلية نابضة لا تتراجع قيمتها ولا تفقد فرادتها.
ما سبق من طرح يمكن إعادة تشريحه تقنيا على صعيد علاقة الفنان باختيار المناظر وتركيب الألوان واستخدام الفرشاة وبناء السطوح، حتى تخلُّق الروح في الشكل، وهو ما ستطول معه القراءة؛ لنكتفي بهذا الإشارة الاحتفائية لهذه اللوحة في ذكرى رحيل صاحبها.
النجومية
على ما كانت عليه مكانته وشهرته لم يجن هاشم من الفن مالا يوازي ما وصلت إليه نجوميته لاحقا، بل عاش بسيطا، حتى أنه مات بسبب وباء كان يمكن إنقاذه من بين براثنه. لقد وهب حياته كلها للفن، بينما الفن لم يعطه ما يمنح أسرته عيشا يسيرا، لدرجة كان أولاده، خلال حياته، على علاقة سلبية بالفن التشكيلي، الذي كان يأخذ معظم أوقات أبيهم، وهو ما أبعده عن مساعدتهم على ترتيب أولويات وعيهم الفني. ويتذكر كاتب السطور ما قاله هاشم في مقابلة نادرة أجراها معه قبل وفاته، وفيها اعترف بأنه كان أبا فاشلا في علاقته بأبنائه جراء انشغاله بالفن عنهم، معتبرا ذلك هو السبب في جعلهم جميعا على علاقة سلبية بالتشكيل وبالفن عموما. ومثل هذه الصراحة لا تصدر إلا عن إنسان وفنان شفيف في علاقته الصادقة بالحياة والجمال من حوله؛ وهو ما يؤكد ما كان عليه من وعي عال بماهية الجمال الحقيقي وصدق خالص في الاشتغال على الواقع من منظور انساني، وفق رؤية استطاعت لوحته، من خلالها، أن تعكس جمال الواقع في علاقته بالشكل والجوهر وبالذات والمجموع في آن.
كان هاشم علي قد ساهم عام 1986 في تأسيس جمعية التشكيليين اليمنيين، وانتخب رئيسا لها، كما ساهم في تأسيس نقابة التشكيليين اليمنيين عام 1997 وحاز وسام صنعاء الذهبي من الدرجة الأولى، ووسام الدولة للآداب والفنون من الدرجة الأولى عام 1989، وفي عام 2001 حاز الدرع التكريمية لمؤسسة السعيد للثقافة والعلوم.
تفتك الحرب، غالبا، بكل شيء جميل، حتى إحياء مناسبات تذكّرية لم يعد ممكنا في اليمن في ظل تداعيات الصراع… فها هي الذكرى الثامنة لرحيل رائد التشكيل اليمني هاشم علي (1945 2009) تمرّ، كما العام الماضي، بصمت؛ لتقتصر على لفيف من المبدعين أحيوها افتراضيا عبر منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، فجددوا من خلالها، تسليط الضوء على بعض ملامح تجربة الراحل في التأسيس الحقيقي لحركة تشكيلية يمنية، عبر مسيرة يكفي هاشم منها أنه انتصر فيها لمعركة فن التشكيل في مواجهة ثقافة مُجتمعية إقصائية لم تكن قد اعترفت بهذا الفن بعد.
يُقرُّ نُقاد بريادية هاشم التشكيلية يمنيا، فيما هذا الفنان لم يكن مُفتتح التجربة التشكيلية هناك، وهو ما نفهمهُ جيدا مع عدم كتابة ودراسة تاريخ التشكيل اليمني الحديث حتى اللحظة، وهو أمر طبيعي لحداثة عهد المجتمع بهذا الفن بمدارسه الأكاديمية، بالإضافة إلى تأخر وجود فن التشكيل ضمن مساقات التعليم الجامعي اليمنية إلى ما قبل عقد ونصف العقد تقريبا، وبالتالي وعلى الرغم من وجود إشارات ومعلومات عن بدايات تشكيلية يمنية في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، خاصة في عدن/ جنوب، إلا أنه لم تُعرف محطة تأسيسيه واضحة المعلومات والملامح كالمحطة التي ظهرت فيها تجربة هاشم، بما حققته في ستينيات القرن الماضي… ففي ذلك العقد كان هاشم قد افتتح أول معارضه الشخصية عام 1967 في مدنية تعز/جنوب. وانطلاقا من قراءة واعية لتلك البدايات وخصوصية تجربة صاحبها في علاقته بلوحته من جانب وعلاقته بتعزيز حضور فن التشكيل عموما في المجتمع من جانب آخر، تجلى هاشم في نظر دارسي ومتناولي التشكيل اليمني بمثابة فاتحة كتاب حركة تشكيلية ما زالت تتطور في مواجهة معوقات ما زالت كثيرة هناك.
أوّل معرض
عاش هاشم حياة قاسية منذ مولده عام 1945 فاضطر، عقب وفاة والده عام 1955، لترك فصول التعليم النظامي بحثا عن لقمة العيش وتعليم نفسه ذاتيا. انتقل من حضرموت (شرق اليمن) إلى أبين (وسط) ومن ثم إلى عدن (جنوب) وهناك ظهرت وتشكّلت معالم هوايته، وبدأ طريقه صوب الاحتراف في رحلة تطوير موهبته ذاتيا، وقد منحته إجادة اللغة الإنكليزية إمكانية الاطلاع على أفكار وتجارب الآخر، وجديد الحضارة الغربية في قراءة موازية لم تتوقف لتراث وجديد النتاج الفكري العربي؛ مستوعبا متغيرات المجتمع والعالم، ومن خلالها تشكل وعيه وإدراكه الفلسفي للجمال الإنساني، وهي القراءات التي أنضَجتْ رؤاه الفنية، وتأثرتْ بها علاقته بنصوصه البصرية التي قدّمها في مئات اللوحات، بل هي لوحات كثيرة تتجاوز بعددها ما قدمه في 18 معرضا شخصيا وعشرات المشاركات المحلية والدولية على امتداد تجربته منذ تنظميه أوّل معرض تشكيلي شخصي في ما عرف بالشطر الشمالي من اليمن في مدينة تعز، وهي المدينة التي انتقل إليها عام 1963 واستقر فيها حتى وفاته في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 عن 64 سنة أمضى خمسين سنة منها في رحاب الفن.
أوّل مرسم يمنيّ
كانت تطلعات هاشم أكبر من أن يطوّر لوحته ويعزز حضوره؛ إذ كان مهموما بالتوازي مع تجربته التشكيلية الشخصية، بالتأسيس لحضور فن التشكيل في بلاده؛ فافتتح مرسمه لتدريس الفن التشكيلي عام 1970. ظل يلتحق بالمرسم عددٌ من الشباب المتطلعين من عدة أجيال، الذين تخرجوا فيه ليواصل بعضهم دراساته الأكاديمية في هذا المجال… ومنهم مَن يمثلون اليوم نجوما في الصف الثاني في المحترف التشكيلي اليمني، ولهذا كان (أبو التشكيليين اليمنيين) لقبا جديرا بهاشم. لقد امتزجت عظمة الفنان والإنسان والأب في ريادته للحركة وأبويته الفنية للتشكيليين اليمنيين؛ ولهذا نجد معنى أبويته يتجاوز دلالات معنى الصنمية في علاقة الأجيال الإبداعية ببعضها؛ وهو ما كان منه خلال حياته واستمر بعد وفاته، بدليل أننا لا نجد اثنين في المحترف اليمني يختلفان على هذه الأبوية؛ التي عكسها بوضوح في مرسمه بأبوابه التي بقيت مفتوحة لمرتاديه من جميع أنحاء اليمن؛ فكان أول محترف يمنيّ لتعليم الفن التشكيلي.
حياة في اللون
استقرت لوحة هاشم في المنحى الواقعي، وفي فضاء الواقعية تطورت لوحته وتجاوز فيها ضوابط وقيود تقاليدها الكلاسيكية والتصويرية والانطباعية والتعبيرية، لدرجة يمكن أن نقول إنها لوحة تتجاوز التنميط الواقعي حتى لو حاولنا تأطيرها على مستوى علاقة الفنان بالموضوع (العين) أو الذات (العقل) أو الألوان والخامات. كانت موهبة هاشم تستند إلى خلفية فطرية واضحة، بالإضافة إلى رؤية بصرية متلازمة مع قضية وموقف أراد لمشروعه الفني أن يتحمل مسؤولية الاشتغال عليه، وإيصاله عبر نصوصه بصرية ذات علاقة كبيرة بالإنسان وجوهره الحقيقي وحركاته المعبرة عن ذلك الجوهر؛ ولهذا وعلى الرغم من أن هاشم كان فنانا بالفطرة، إلا أن نصوصه البصرية كانت تتجاوز المقاييس والضوابط الأكاديمية، ما يوحي بأنه كان على علم بتلك المقاييس والضوابط وأراد أن يتجاوزها بوعي كامل، وهو ما لا نستغربه في لوحته، لاسيما مع قراءاته المتنوعة والمتواصلة، وإنسانيته العالية والمتدفقة وشعوره المتعاظم بالمسؤولية تجاه المحيط (الإنسان والبيئة المحلية) وربما قد نقول إن لوحته كانت بذلك تتجاوز وعي وإدراك المدرسة الواقعية بوظيفة الفن في علاقته بالجوهر الإنساني لجمال الواقع بباطنه الجمالي، وهو ما تمكن منه هاشم في مراحل متقدمة وصولا إلى لوحة نابضة بالحياة، خاصة تلك اللوحات التي اشتغل فيها على مناظر يمنية تقليدية لأشكال إنسانية استنطق مضامينها الجمالية حتى كأنك تشعر بحركات شخوصها وتسمع أصواتهم وتتموج مع رقصاتهم، وتقرأ حكاياتهم من خلال تلك الروح اللونية التي تنبض في كل تلك السطوح.
استطاع هاشم أن ينقل ما استشعره في الواقع إلى لوحته، وبث فيها روحا نجدها تدب في المكونات ونشعر بها في التفاصيل اللونية المحتشدة، وهي تُحيل الكُتل إلى مسرح تتطور فيه الأحداث، بديناميكية ضربات الفرشاة واهتزازات اللون، وتصل إلى مستويات تنضح فيها هرمونية اللوحة، مُعلنة بلوغ الحالة الوجدانية أسمى حالاتها…
وهنا يتجلى أبرز ملمح من ملامح خصوصية لوحة هذا الفنان التي تأتي مفعمة بانفعالات وأحاسيس وإيحاءات وتحولات وتفاصيل ورموز الخ، تفتح قراءتها على آفاق تتعدد فيها مستويات الإدراك والفهم والإحساس لتناسب مع مستويات متفاوتة للقراءة.. وقبل هذا وذاك تتجدد حيواتها كتجربة خاصة لصورة تشكيلية نابضة لا تتراجع قيمتها ولا تفقد فرادتها.
ما سبق من طرح يمكن إعادة تشريحه تقنيا على صعيد علاقة الفنان باختيار المناظر وتركيب الألوان واستخدام الفرشاة وبناء السطوح، حتى تخلُّق الروح في الشكل، وهو ما ستطول معه القراءة؛ لنكتفي بهذا الإشارة الاحتفائية لهذه اللوحة في ذكرى رحيل صاحبها.
النجومية
على ما كانت عليه مكانته وشهرته لم يجن هاشم من الفن مالا يوازي ما وصلت إليه نجوميته لاحقا، بل عاش بسيطا، حتى أنه مات بسبب وباء كان يمكن إنقاذه من بين براثنه. لقد وهب حياته كلها للفن، بينما الفن لم يعطه ما يمنح أسرته عيشا يسيرا، لدرجة كان أولاده، خلال حياته، على علاقة سلبية بالفن التشكيلي، الذي كان يأخذ معظم أوقات أبيهم، وهو ما أبعده عن مساعدتهم على ترتيب أولويات وعيهم الفني. ويتذكر كاتب السطور ما قاله هاشم في مقابلة نادرة أجراها معه قبل وفاته، وفيها اعترف بأنه كان أبا فاشلا في علاقته بأبنائه جراء انشغاله بالفن عنهم، معتبرا ذلك هو السبب في جعلهم جميعا على علاقة سلبية بالتشكيل وبالفن عموما. ومثل هذه الصراحة لا تصدر إلا عن إنسان وفنان شفيف في علاقته الصادقة بالحياة والجمال من حوله؛ وهو ما يؤكد ما كان عليه من وعي عال بماهية الجمال الحقيقي وصدق خالص في الاشتغال على الواقع من منظور انساني، وفق رؤية استطاعت لوحته، من خلالها، أن تعكس جمال الواقع في علاقته بالشكل والجوهر وبالذات والمجموع في آن.
كان هاشم علي قد ساهم عام 1986 في تأسيس جمعية التشكيليين اليمنيين، وانتخب رئيسا لها، كما ساهم في تأسيس نقابة التشكيليين اليمنيين عام 1997 وحاز وسام صنعاء الذهبي من الدرجة الأولى، ووسام الدولة للآداب والفنون من الدرجة الأولى عام 1989، وفي عام 2001 حاز الدرع التكريمية لمؤسسة السعيد للثقافة والعلوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.