تفتك الحرب، غالبا، بكل شيء جميل، حتى إحياء مناسبات تذكّرية لم يعد ممكنا في اليمن في ظل تداعيات الصراع… فها هي الذكرى الثامنة لرحيل رائد التشكيل اليمني هاشم علي (1945 2009) تمرّ، كما العام الماضي، بصمت؛ لتقتصر على لفيف من المبدعين أحيوها افتراضيا عبر منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، فجددوا من خلالها، تسليط الضوء على بعض ملامح تجربة الراحل في التأسيس الحقيقي لحركة تشكيلية يمنية، عبر مسيرة يكفي هاشم منها أنه انتصر فيها لمعركة فن التشكيل في مواجهة ثقافة مُجتمعية إقصائية لم تكن قد اعترفت بهذا الفن بعد. يُقرُّ نُقاد بريادية هاشم التشكيلية يمنيا، فيما هذا الفنان لم يكن مُفتتح التجربة التشكيلية هناك، وهو ما نفهمهُ جيدا مع عدم كتابة ودراسة تاريخ التشكيل اليمني الحديث حتى اللحظة، وهو أمر طبيعي لحداثة عهد المجتمع بهذا الفن بمدارسه الأكاديمية، بالإضافة إلى تأخر وجود فن التشكيل ضمن مساقات التعليم الجامعي اليمنية إلى ما قبل عقد ونصف العقد تقريبا، وبالتالي وعلى الرغم من وجود إشارات ومعلومات عن بدايات تشكيلية يمنية في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، خاصة في عدن/ جنوب، إلا أنه لم تُعرف محطة تأسيسيه واضحة المعلومات والملامح كالمحطة التي ظهرت فيها تجربة هاشم، بما حققته في ستينيات القرن الماضي… ففي ذلك العقد كان هاشم قد افتتح أول معارضه الشخصية عام 1967 في مدنية تعز/جنوب. وانطلاقا من قراءة واعية لتلك البدايات وخصوصية تجربة صاحبها في علاقته بلوحته من جانب وعلاقته بتعزيز حضور فن التشكيل عموما في المجتمع من جانب آخر، تجلى هاشم في نظر دارسي ومتناولي التشكيل اليمني بمثابة فاتحة كتاب حركة تشكيلية ما زالت تتطور في مواجهة معوقات ما زالت كثيرة هناك. أوّل معرض عاش هاشم حياة قاسية منذ مولده عام 1945 فاضطر، عقب وفاة والده عام 1955، لترك فصول التعليم النظامي بحثا عن لقمة العيش وتعليم نفسه ذاتيا. انتقل من حضرموت (شرق اليمن) إلى أبين (وسط) ومن ثم إلى عدن (جنوب) وهناك ظهرت وتشكّلت معالم هوايته، وبدأ طريقه صوب الاحتراف في رحلة تطوير موهبته ذاتيا، وقد منحته إجادة اللغة الإنكليزية إمكانية الاطلاع على أفكار وتجارب الآخر، وجديد الحضارة الغربية في قراءة موازية لم تتوقف لتراث وجديد النتاج الفكري العربي؛ مستوعبا متغيرات المجتمع والعالم، ومن خلالها تشكل وعيه وإدراكه الفلسفي للجمال الإنساني، وهي القراءات التي أنضَجتْ رؤاه الفنية، وتأثرتْ بها علاقته بنصوصه البصرية التي قدّمها في مئات اللوحات، بل هي لوحات كثيرة تتجاوز بعددها ما قدمه في 18 معرضا شخصيا وعشرات المشاركات المحلية والدولية على امتداد تجربته منذ تنظميه أوّل معرض تشكيلي شخصي في ما عرف بالشطر الشمالي من اليمن في مدينة تعز، وهي المدينة التي انتقل إليها عام 1963 واستقر فيها حتى وفاته في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 عن 64 سنة أمضى خمسين سنة منها في رحاب الفن. أوّل مرسم يمنيّ كانت تطلعات هاشم أكبر من أن يطوّر لوحته ويعزز حضوره؛ إذ كان مهموما بالتوازي مع تجربته التشكيلية الشخصية، بالتأسيس لحضور فن التشكيل في بلاده؛ فافتتح مرسمه لتدريس الفن التشكيلي عام 1970. ظل يلتحق بالمرسم عددٌ من الشباب المتطلعين من عدة أجيال، الذين تخرجوا فيه ليواصل بعضهم دراساته الأكاديمية في هذا المجال… ومنهم مَن يمثلون اليوم نجوما في الصف الثاني في المحترف التشكيلي اليمني، ولهذا كان (أبو التشكيليين اليمنيين) لقبا جديرا بهاشم. لقد امتزجت عظمة الفنان والإنسان والأب في ريادته للحركة وأبويته الفنية للتشكيليين اليمنيين؛ ولهذا نجد معنى أبويته يتجاوز دلالات معنى الصنمية في علاقة الأجيال الإبداعية ببعضها؛ وهو ما كان منه خلال حياته واستمر بعد وفاته، بدليل أننا لا نجد اثنين في المحترف اليمني يختلفان على هذه الأبوية؛ التي عكسها بوضوح في مرسمه بأبوابه التي بقيت مفتوحة لمرتاديه من جميع أنحاء اليمن؛ فكان أول محترف يمنيّ لتعليم الفن التشكيلي. حياة في اللون استقرت لوحة هاشم في المنحى الواقعي، وفي فضاء الواقعية تطورت لوحته وتجاوز فيها ضوابط وقيود تقاليدها الكلاسيكية والتصويرية والانطباعية والتعبيرية، لدرجة يمكن أن نقول إنها لوحة تتجاوز التنميط الواقعي حتى لو حاولنا تأطيرها على مستوى علاقة الفنان بالموضوع (العين) أو الذات (العقل) أو الألوان والخامات. كانت موهبة هاشم تستند إلى خلفية فطرية واضحة، بالإضافة إلى رؤية بصرية متلازمة مع قضية وموقف أراد لمشروعه الفني أن يتحمل مسؤولية الاشتغال عليه، وإيصاله عبر نصوصه بصرية ذات علاقة كبيرة بالإنسان وجوهره الحقيقي وحركاته المعبرة عن ذلك الجوهر؛ ولهذا وعلى الرغم من أن هاشم كان فنانا بالفطرة، إلا أن نصوصه البصرية كانت تتجاوز المقاييس والضوابط الأكاديمية، ما يوحي بأنه كان على علم بتلك المقاييس والضوابط وأراد أن يتجاوزها بوعي كامل، وهو ما لا نستغربه في لوحته، لاسيما مع قراءاته المتنوعة والمتواصلة، وإنسانيته العالية والمتدفقة وشعوره المتعاظم بالمسؤولية تجاه المحيط (الإنسان والبيئة المحلية) وربما قد نقول إن لوحته كانت بذلك تتجاوز وعي وإدراك المدرسة الواقعية بوظيفة الفن في علاقته بالجوهر الإنساني لجمال الواقع بباطنه الجمالي، وهو ما تمكن منه هاشم في مراحل متقدمة وصولا إلى لوحة نابضة بالحياة، خاصة تلك اللوحات التي اشتغل فيها على مناظر يمنية تقليدية لأشكال إنسانية استنطق مضامينها الجمالية حتى كأنك تشعر بحركات شخوصها وتسمع أصواتهم وتتموج مع رقصاتهم، وتقرأ حكاياتهم من خلال تلك الروح اللونية التي تنبض في كل تلك السطوح. استطاع هاشم أن ينقل ما استشعره في الواقع إلى لوحته، وبث فيها روحا نجدها تدب في المكونات ونشعر بها في التفاصيل اللونية المحتشدة، وهي تُحيل الكُتل إلى مسرح تتطور فيه الأحداث، بديناميكية ضربات الفرشاة واهتزازات اللون، وتصل إلى مستويات تنضح فيها هرمونية اللوحة، مُعلنة بلوغ الحالة الوجدانية أسمى حالاتها… وهنا يتجلى أبرز ملمح من ملامح خصوصية لوحة هذا الفنان التي تأتي مفعمة بانفعالات وأحاسيس وإيحاءات وتحولات وتفاصيل ورموز الخ، تفتح قراءتها على آفاق تتعدد فيها مستويات الإدراك والفهم والإحساس لتناسب مع مستويات متفاوتة للقراءة.. وقبل هذا وذاك تتجدد حيواتها كتجربة خاصة لصورة تشكيلية نابضة لا تتراجع قيمتها ولا تفقد فرادتها. ما سبق من طرح يمكن إعادة تشريحه تقنيا على صعيد علاقة الفنان باختيار المناظر وتركيب الألوان واستخدام الفرشاة وبناء السطوح، حتى تخلُّق الروح في الشكل، وهو ما ستطول معه القراءة؛ لنكتفي بهذا الإشارة الاحتفائية لهذه اللوحة في ذكرى رحيل صاحبها. النجومية على ما كانت عليه مكانته وشهرته لم يجن هاشم من الفن مالا يوازي ما وصلت إليه نجوميته لاحقا، بل عاش بسيطا، حتى أنه مات بسبب وباء كان يمكن إنقاذه من بين براثنه. لقد وهب حياته كلها للفن، بينما الفن لم يعطه ما يمنح أسرته عيشا يسيرا، لدرجة كان أولاده، خلال حياته، على علاقة سلبية بالفن التشكيلي، الذي كان يأخذ معظم أوقات أبيهم، وهو ما أبعده عن مساعدتهم على ترتيب أولويات وعيهم الفني. ويتذكر كاتب السطور ما قاله هاشم في مقابلة نادرة أجراها معه قبل وفاته، وفيها اعترف بأنه كان أبا فاشلا في علاقته بأبنائه جراء انشغاله بالفن عنهم، معتبرا ذلك هو السبب في جعلهم جميعا على علاقة سلبية بالتشكيل وبالفن عموما. ومثل هذه الصراحة لا تصدر إلا عن إنسان وفنان شفيف في علاقته الصادقة بالحياة والجمال من حوله؛ وهو ما يؤكد ما كان عليه من وعي عال بماهية الجمال الحقيقي وصدق خالص في الاشتغال على الواقع من منظور انساني، وفق رؤية استطاعت لوحته، من خلالها، أن تعكس جمال الواقع في علاقته بالشكل والجوهر وبالذات والمجموع في آن. كان هاشم علي قد ساهم عام 1986 في تأسيس جمعية التشكيليين اليمنيين، وانتخب رئيسا لها، كما ساهم في تأسيس نقابة التشكيليين اليمنيين عام 1997 وحاز وسام صنعاء الذهبي من الدرجة الأولى، ووسام الدولة للآداب والفنون من الدرجة الأولى عام 1989، وفي عام 2001 حاز الدرع التكريمية لمؤسسة السعيد للثقافة والعلوم. تفتك الحرب، غالبا، بكل شيء جميل، حتى إحياء مناسبات تذكّرية لم يعد ممكنا في اليمن في ظل تداعيات الصراع… فها هي الذكرى الثامنة لرحيل رائد التشكيل اليمني هاشم علي (1945 2009) تمرّ، كما العام الماضي، بصمت؛ لتقتصر على لفيف من المبدعين أحيوها افتراضيا عبر منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، فجددوا من خلالها، تسليط الضوء على بعض ملامح تجربة الراحل في التأسيس الحقيقي لحركة تشكيلية يمنية، عبر مسيرة يكفي هاشم منها أنه انتصر فيها لمعركة فن التشكيل في مواجهة ثقافة مُجتمعية إقصائية لم تكن قد اعترفت بهذا الفن بعد. يُقرُّ نُقاد بريادية هاشم التشكيلية يمنيا، فيما هذا الفنان لم يكن مُفتتح التجربة التشكيلية هناك، وهو ما نفهمهُ جيدا مع عدم كتابة ودراسة تاريخ التشكيل اليمني الحديث حتى اللحظة، وهو أمر طبيعي لحداثة عهد المجتمع بهذا الفن بمدارسه الأكاديمية، بالإضافة إلى تأخر وجود فن التشكيل ضمن مساقات التعليم الجامعي اليمنية إلى ما قبل عقد ونصف العقد تقريبا، وبالتالي وعلى الرغم من وجود إشارات ومعلومات عن بدايات تشكيلية يمنية في أواخر النصف الأول من القرن العشرين، خاصة في عدن/ جنوب، إلا أنه لم تُعرف محطة تأسيسيه واضحة المعلومات والملامح كالمحطة التي ظهرت فيها تجربة هاشم، بما حققته في ستينيات القرن الماضي… ففي ذلك العقد كان هاشم قد افتتح أول معارضه الشخصية عام 1967 في مدنية تعز/جنوب. وانطلاقا من قراءة واعية لتلك البدايات وخصوصية تجربة صاحبها في علاقته بلوحته من جانب وعلاقته بتعزيز حضور فن التشكيل عموما في المجتمع من جانب آخر، تجلى هاشم في نظر دارسي ومتناولي التشكيل اليمني بمثابة فاتحة كتاب حركة تشكيلية ما زالت تتطور في مواجهة معوقات ما زالت كثيرة هناك. أوّل معرض عاش هاشم حياة قاسية منذ مولده عام 1945 فاضطر، عقب وفاة والده عام 1955، لترك فصول التعليم النظامي بحثا عن لقمة العيش وتعليم نفسه ذاتيا. انتقل من حضرموت (شرق اليمن) إلى أبين (وسط) ومن ثم إلى عدن (جنوب) وهناك ظهرت وتشكّلت معالم هوايته، وبدأ طريقه صوب الاحتراف في رحلة تطوير موهبته ذاتيا، وقد منحته إجادة اللغة الإنكليزية إمكانية الاطلاع على أفكار وتجارب الآخر، وجديد الحضارة الغربية في قراءة موازية لم تتوقف لتراث وجديد النتاج الفكري العربي؛ مستوعبا متغيرات المجتمع والعالم، ومن خلالها تشكل وعيه وإدراكه الفلسفي للجمال الإنساني، وهي القراءات التي أنضَجتْ رؤاه الفنية، وتأثرتْ بها علاقته بنصوصه البصرية التي قدّمها في مئات اللوحات، بل هي لوحات كثيرة تتجاوز بعددها ما قدمه في 18 معرضا شخصيا وعشرات المشاركات المحلية والدولية على امتداد تجربته منذ تنظميه أوّل معرض تشكيلي شخصي في ما عرف بالشطر الشمالي من اليمن في مدينة تعز، وهي المدينة التي انتقل إليها عام 1963 واستقر فيها حتى وفاته في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 عن 64 سنة أمضى خمسين سنة منها في رحاب الفن. أوّل مرسم يمنيّ كانت تطلعات هاشم أكبر من أن يطوّر لوحته ويعزز حضوره؛ إذ كان مهموما بالتوازي مع تجربته التشكيلية الشخصية، بالتأسيس لحضور فن التشكيل في بلاده؛ فافتتح مرسمه لتدريس الفن التشكيلي عام 1970. ظل يلتحق بالمرسم عددٌ من الشباب المتطلعين من عدة أجيال، الذين تخرجوا فيه ليواصل بعضهم دراساته الأكاديمية في هذا المجال… ومنهم مَن يمثلون اليوم نجوما في الصف الثاني في المحترف التشكيلي اليمني، ولهذا كان (أبو التشكيليين اليمنيين) لقبا جديرا بهاشم. لقد امتزجت عظمة الفنان والإنسان والأب في ريادته للحركة وأبويته الفنية للتشكيليين اليمنيين؛ ولهذا نجد معنى أبويته يتجاوز دلالات معنى الصنمية في علاقة الأجيال الإبداعية ببعضها؛ وهو ما كان منه خلال حياته واستمر بعد وفاته، بدليل أننا لا نجد اثنين في المحترف اليمني يختلفان على هذه الأبوية؛ التي عكسها بوضوح في مرسمه بأبوابه التي بقيت مفتوحة لمرتاديه من جميع أنحاء اليمن؛ فكان أول محترف يمنيّ لتعليم الفن التشكيلي. حياة في اللون استقرت لوحة هاشم في المنحى الواقعي، وفي فضاء الواقعية تطورت لوحته وتجاوز فيها ضوابط وقيود تقاليدها الكلاسيكية والتصويرية والانطباعية والتعبيرية، لدرجة يمكن أن نقول إنها لوحة تتجاوز التنميط الواقعي حتى لو حاولنا تأطيرها على مستوى علاقة الفنان بالموضوع (العين) أو الذات (العقل) أو الألوان والخامات. كانت موهبة هاشم تستند إلى خلفية فطرية واضحة، بالإضافة إلى رؤية بصرية متلازمة مع قضية وموقف أراد لمشروعه الفني أن يتحمل مسؤولية الاشتغال عليه، وإيصاله عبر نصوصه بصرية ذات علاقة كبيرة بالإنسان وجوهره الحقيقي وحركاته المعبرة عن ذلك الجوهر؛ ولهذا وعلى الرغم من أن هاشم كان فنانا بالفطرة، إلا أن نصوصه البصرية كانت تتجاوز المقاييس والضوابط الأكاديمية، ما يوحي بأنه كان على علم بتلك المقاييس والضوابط وأراد أن يتجاوزها بوعي كامل، وهو ما لا نستغربه في لوحته، لاسيما مع قراءاته المتنوعة والمتواصلة، وإنسانيته العالية والمتدفقة وشعوره المتعاظم بالمسؤولية تجاه المحيط (الإنسان والبيئة المحلية) وربما قد نقول إن لوحته كانت بذلك تتجاوز وعي وإدراك المدرسة الواقعية بوظيفة الفن في علاقته بالجوهر الإنساني لجمال الواقع بباطنه الجمالي، وهو ما تمكن منه هاشم في مراحل متقدمة وصولا إلى لوحة نابضة بالحياة، خاصة تلك اللوحات التي اشتغل فيها على مناظر يمنية تقليدية لأشكال إنسانية استنطق مضامينها الجمالية حتى كأنك تشعر بحركات شخوصها وتسمع أصواتهم وتتموج مع رقصاتهم، وتقرأ حكاياتهم من خلال تلك الروح اللونية التي تنبض في كل تلك السطوح. استطاع هاشم أن ينقل ما استشعره في الواقع إلى لوحته، وبث فيها روحا نجدها تدب في المكونات ونشعر بها في التفاصيل اللونية المحتشدة، وهي تُحيل الكُتل إلى مسرح تتطور فيه الأحداث، بديناميكية ضربات الفرشاة واهتزازات اللون، وتصل إلى مستويات تنضح فيها هرمونية اللوحة، مُعلنة بلوغ الحالة الوجدانية أسمى حالاتها… وهنا يتجلى أبرز ملمح من ملامح خصوصية لوحة هذا الفنان التي تأتي مفعمة بانفعالات وأحاسيس وإيحاءات وتحولات وتفاصيل ورموز الخ، تفتح قراءتها على آفاق تتعدد فيها مستويات الإدراك والفهم والإحساس لتناسب مع مستويات متفاوتة للقراءة.. وقبل هذا وذاك تتجدد حيواتها كتجربة خاصة لصورة تشكيلية نابضة لا تتراجع قيمتها ولا تفقد فرادتها. ما سبق من طرح يمكن إعادة تشريحه تقنيا على صعيد علاقة الفنان باختيار المناظر وتركيب الألوان واستخدام الفرشاة وبناء السطوح، حتى تخلُّق الروح في الشكل، وهو ما ستطول معه القراءة؛ لنكتفي بهذا الإشارة الاحتفائية لهذه اللوحة في ذكرى رحيل صاحبها. النجومية على ما كانت عليه مكانته وشهرته لم يجن هاشم من الفن مالا يوازي ما وصلت إليه نجوميته لاحقا، بل عاش بسيطا، حتى أنه مات بسبب وباء كان يمكن إنقاذه من بين براثنه. لقد وهب حياته كلها للفن، بينما الفن لم يعطه ما يمنح أسرته عيشا يسيرا، لدرجة كان أولاده، خلال حياته، على علاقة سلبية بالفن التشكيلي، الذي كان يأخذ معظم أوقات أبيهم، وهو ما أبعده عن مساعدتهم على ترتيب أولويات وعيهم الفني. ويتذكر كاتب السطور ما قاله هاشم في مقابلة نادرة أجراها معه قبل وفاته، وفيها اعترف بأنه كان أبا فاشلا في علاقته بأبنائه جراء انشغاله بالفن عنهم، معتبرا ذلك هو السبب في جعلهم جميعا على علاقة سلبية بالتشكيل وبالفن عموما. ومثل هذه الصراحة لا تصدر إلا عن إنسان وفنان شفيف في علاقته الصادقة بالحياة والجمال من حوله؛ وهو ما يؤكد ما كان عليه من وعي عال بماهية الجمال الحقيقي وصدق خالص في الاشتغال على الواقع من منظور انساني، وفق رؤية استطاعت لوحته، من خلالها، أن تعكس جمال الواقع في علاقته بالشكل والجوهر وبالذات والمجموع في آن. كان هاشم علي قد ساهم عام 1986 في تأسيس جمعية التشكيليين اليمنيين، وانتخب رئيسا لها، كما ساهم في تأسيس نقابة التشكيليين اليمنيين عام 1997 وحاز وسام صنعاء الذهبي من الدرجة الأولى، ووسام الدولة للآداب والفنون من الدرجة الأولى عام 1989، وفي عام 2001 حاز الدرع التكريمية لمؤسسة السعيد للثقافة والعلوم.