جامعة سيناء تعلن فتح باب القبول لطلاب الثانوية العامة وما يعادلها بفرعي القنطرة والعريش    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    الرقابة النووية: لا مؤشرات على أي تغير أو زيادة في الخلفية الإشعاعية داخل مصر    توريد 225 ألف طن قمح للشون والصوامع بكفر الشيخ    1.2 مليار دولار حصيلة بيع وشراء الدولار «الإنتربنك» بين البنوك المصرية خلال 3 أيام    إزالة حالة بناء مخالفة في المهد بشارع الشيخ مبارك شمال مدينة الأقصر    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    نتنياهو يعقد اجتماعا سريا للكابينيت في ملجأ تحت الأرض    إعلام عبرى: توقعات إسرائيلية بهجوم إيرانى على تل أبيب خلال ساعات    الهلال السعودي يواصل محاولاته لضم أوسيمين وسط منافسة أوروبية معقدة    بريطانيا تنفي تقديم الدعم لإسرائيل في الهجوم على إيران    بوجبا يقترب من الانضمام إلى الدوري الفرنسي    تأجيل محاكمة 3 متهمين في حادث وفاة لاعب الكاراتيه بالإسكندرية ل28 يونيو للنطق بالحكم    من اليوتيوب إلى التلفزيون.. صناع المحتوى "الأهلاوية" يخطفون الأنظار قبل مونديال الأندية    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    الزمالك يفكر في استعادة مهاجمه السابق    لتفقد المنشآت الرياضية.. وزير الشباب يزور جامعة الإسكندرية- صور    إخماد حريق التهم أشجار داخل منطقة بيانكي العجمي في الإسكندرية    رعاية استثنائية وتنظيم مشرف.. رسائل شكر لحجاج بعثة العلاقات الإنسانية    الليلة.. عرض الحلقة الأولى من مسلسل فات الميعاد على قناة dmc    إيرادات الجمعة.. "المشروع X" يحافظ على الصدارة و"سيكو سيكو" الأخير    ب"فستان جريء".. أحدث ظهور ل ميرنا جميل والجمهور يغازلها (صور)    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    طيبة ووحيدة.. 4 أبراج طيبة جدا لكن ليس لديهم أصدقاء    «الصحة» تُصدر تحذيرات وقائية تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    جامعة جنوب الوادي تشارك في الملتقى العلمي الثاني لوحدة البرامج المهنية بأسيوط    والد طفلة البحيرة: استجابة رئيس الوزراء لعلاج ابنتى أعادت لنا الحياة    إزالة 60 حالة تعد على مساحة 37 ألف م2 وتنظيم حملة لإزالة الإشغالات بأسوان    إعلام عبرى: نقل طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى أثينا مع بدء هجوم إيران    بعد توصية ميدو.. أزمة في الزمالك بسبب طارق حامد (خاص)    فايز فرحات: مفاوضات إيران وإسرائيل تواجه أزمة والمواجهة أنهت "حروب الوكالة"    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    فضل صيام أول أيام العام الهجري الجديد    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    ثقافة الإسماعيلية تنفذ أنشطة متنوعة لتعزيز الوعي البيئي وتنمية مهارات النشء    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    " وزير الطاقة الأميركي " يراقب أي تطورات محتملة للتوترات علي إمدادات النفط العالمية    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    إحالة عامل بتهمة هتك عرض 3 أطفال بمدينة نصر للجنايات    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صنعاء القديمة في المنجز التشكيلي اليمني
نشر في صوت البلد يوم 23 - 08 - 2017

يكاد سحر جمال مدينة صنعاء القديمة، لا يتجاوز روح التاريخ، ونبض الفن، روح التأريخ الذي مازال يشارك سكانها حياتهم، بل هو أول منْ يستقبلك ويمد يديه إليك مصافحاً بمجرد ولوجك إليها، فيقدِمك لأهلها ويقف بك على شرفات ثقافتها، لتكتشفْ أن مصدر سحرها هو الفن، الذي مازال ينبض في معمارها وثقافة سكانها.
ولهذا ماتزال، هذه المدينة، مصدر إلهامٍ لكثير من المبدعين، خاصة التشكيليين اليمنيين، الذين مازالوا شغوفين باكتشافها، منذ جيل الرواد وحتى جيل الشباب، لدرجة تكاد الأعمال التشكيلية المرتبطة بهذه المدينة توثق لمراحل تطور هذا الفن في اليمن، على اختلاف أجياله ومدارسه في علاقته ببيئته المحلية، كما تقدم لنا أسماء تشكيلية في كل مرحلة، في سياق (كشف تجريبي متبادل) مازال يتدفق من لوحة هذه المدينة، التي تعد من أقدم مدن العالم (العامرة بالحياة)، ومدرجة ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي لدى منظمة «اليونيسكو».
تجارب فردية
على صعيد علاقة التشكيل اليمني بالتراث وثقافة المكان، تمثل صنعاء القديمة واحدة من أهم عناوين هذه العلاقة، وهي العلاقة التي حظيت فيها هيئات هذه المدينة المعمارية والإنسانية والثقافية باحتفاء تشكيلي محلي منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي تقريباً، أي منذ ظهور التشكيل اليمني الحديث، وهي البدايات التي ارتبطت في جزءٍ مهم منها بالمعالجة الفنية التشكيلية لموضوع التراث، وهي المعالجة التي يمكن القول إنها عبرت عن تجاوز أبرز فناني جيل الرواد والجيل التالي، مأزق الاستلاب، وما يعرف بغوايات الحداثة، حيث تحققوا مع (الاستلهام) القائم على الوعي الحضاري بالهوية والفن العربي والإسلامي عموماً، وهو الوعي الذي يستنطق بواسطته الفنان خبايا الجمال في علاقة الإنسان بالمكان.
تجلى ذلك التميز لدى جميع أجيال المحترف اليمني وبمستويات متفاوتة بدءاً من جيل الرواد، وقد تميز كثيراً، ضمن هذا الجيل، عبدالجبار نعمان، الذي يعد من أوائل الفنانين الذين اشتغلوا على هذه المدينة، ونفذ جداريات لمناظر منها، ومازالت تعلق بعض لوحاته وجدارياته هذه في عددٍ من كبريات مؤسسات الدولة والمنظمات الدولية في صنعاء. ويحسب لهذا الفنان الواقعي أنه أخرج هذه الأعمال في مرحلة لم يكن المجتمع اليمني قد اعترف بالفن التشكيلي. ومثلت مناظر معمار هذه المدينة ثيمة سياسية في اللوحات المعبرة عن وحدة البلاد، فكانت تضم منظراً معمارياً من المدينة القديمة في صنعاء رمزاً يختزل شمال اليمن يتداخل معه منظر من صهاريج عدن أو مدينة شبام حضرموت أو قصر سيئون رمزاً يختزل جنوب اليمن. وتميزت أعمال نعمان برؤيته البصرية المختلفة التي تطورت لاحقاً إلى (واقعية تعبيرية حديثة) من خلال لوحة تتداخل سطوح مناظرها المعمارية والإنسانية بتفاصيلها الثقافية، وفق سيمفونية لونية يجيد عزف بهجتها، بما يستنطق الرؤية التي يستشعرها في باطن المنظور، بالإضافة إلى أعمال نعمان جاءت أعمال الفنان فؤاد الفتيح، الذي ينتمي إلى الجيل المؤسس، ومثلت تجربة الفتيح واحدة من أهم التجارب التشكيلية التجريدية، التي ربطتها علاقة استثنائية بالمدينة، خاصة ثقافتها الحياتية وخلفيتها التاريخية، وتميزت تجربته برسم مناظر من حياة الناس وهيئاتهم في نص بصري ممهور بتفاصيل رمزية من الثقافة المحلية والتاريخية اليمنية القديمة، بالإضافة إلى مواد من البيئة نفسها، ومن خلال هذا الفنان وتعبيراً عن شغفه بهذا المكان، فقد شهدت المدينة القديمة بدايات متفائلة لعمل تشكيلي شبه مؤسسي، متمثلاً في افتتاح مركز وطني للفنون في سمسرة (خان) المنصور وسط المدينة، إلا أنه، ونتيجة لمعوقات كثيرة، تعثر نشاطه.
جماعة فنية
تواصل الاشتغال التشكيلي على المدينة القديمة من خلال تجارب فردية حتى بداية الألفية الثالثة، وهي الألفية التي كانت قد شهدت تبلور تجارب جيل ما بعد الرواد، الذين كان بعضهم قد عاد بعد أن أكملوا دراساتهم الاكاديمية في الخارج، خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ومن هؤلاء من سحرتهم هذه المدينة وشغفوا بها أيضاً، وهو الشغف الذي عبر عن نفسه في إعلان أربعة منهم: آمنة النصيري، طلال النجار، مظهر نزار، وريما قاسم، تأسيس (جماعة الفن المعاصر)، وافتتاح مرسمهم في أحد بيوت هذه المدينة العتيقة، وبالتزامن مع افتتاح (اتليه صنعاء) الخاص بهذه الجماعة افتتح أحد أعضائها، وهو مظهر نزار، معرضاً دائماً لأعماله ولبيع بطاقات سياحية للوحات مناظر المدينة، بجانب مدخل المدينة الرئيس والمعروف بباب اليمن. وبعد نحو عشر سنوات من عملها، انفضت الجماعة وأغلق الأتليه والمعرض الكائن عند بوابتها، إلا أن تجربة (جماعة الفن المعاصر) مثلت تطوراً في علاقة التشكيل اليمني بهذه المدينة، إذ وفرت قرباً كبيراً في علاقة الفنان بالمكان، فأصبح الفنان يومياً داخل المدينة، ويرسم في أجوائها، كما استطاع بعض أعضائها إنجاز عدد كبير من الأعمال عنها، ومنهم الفنان طلال النجار الذي انطلق بمشروع خاص به لإعادة اكتشاف هوية هذه المدينة تشكيلياً، من خلال أعماله سواءً الواقعية التي بالقلم الرصاص، والتي اكتشف من خلالها جمال بؤس وجوه وهيئات المعمرين من سكانها وزوارها، أو من خلال لوحاته التجريدية اللونية التي استنطق بواسطتها مفردات الهوية الخاصة بهذه المدينة، كجزء من الهوية العربية الإسلامية لبلاده. وفي السياق ذاته لا يمكن تجاوز الأعمال الواقعية للفنان مظهر نزار، التي استطاع من خلالها إعادة تقديم المدينة بعين مختلفة، خاصة المعمار بتفاصيله الزخرفية الخاصة والمكانية العامة، التي ينجزها بمهارة ذكية تساعده علاقته المتميزة بتقنية الألوان المائية.
بيت الفن
على الرغم من تورط بعض فناني الجيل الأول والثاني وما تلاهما، في الأعمال السياحية في علاقتهم بهذه المدينة، إلا أن بعضهم استدرك وتراجع ومضى في طريقه الواعي للتوفيق بين بصمة تجربته ورؤيته وحاجته لإنجاز أعمال تمثل إضافة نوعية للتجربة والمحترف، وفي الوقت ذاته تلقى رواجاً سياحياً، في ظل ما كانت تلقاه هذه المناظر من طلب متزايد من قبل السياح والأجانب قبل الحرب، وهذا الطلب السياحي لهذه الأعمال مثّل واحداً من أسباب تشجيع كثير من الفنانين الشباب لاحقاً للارتباط واقعياً بهذه المدينة في أعمالهم، بل إن بعضهم لم يستطع تجاوز مأزق النقل الفوتوغرافي في علاقته الواقعية بها.
علاقة جيلي الوسط والشباب من التشكيليين اليمنيين بهذه المدينة على فرديتها، باستثناء مشروع (بيت فن صنعاء)، يمكن القول إنها جاءت أكبر وأوسع من تجارب الأجيال السابقة، لأسباب متعلقة بالعدد الكبير لفناني هذين الجيلين غير المتخرجين من أكاديميات فنية في معظمهم، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يرتبط معظمهم بالواقعية ويستقر فيها كمدرسة، حيث مثلت هذه المدينة منهلاً لأعمال كثيرة في هذا الاتجاه، إلا أن معظم أعمالهم تلك، لم تتجاوز، للأسف، سطوح المنظر، فيما استطاع بعضهم، بعد سنوات من التجريب والاحتكاك والقراءة والاطلاع، من النفاذ، بمسافات متفاوتة، إلى روح المنظر والتعامل الرؤيوي البصري مع العناصر والمعاني، وقبل ذاك مع الخامات والأدوات.. ومن أحدث التجارب التي تمثل إضافة جديدة لعلاقة التشكيل بهذه المدينة تبرز تجربة الفنان محمد صوفان ولوحته الخاصة بمناظر المطر، التي تمثل خلاصة مرحلة تجريبية قطعها الفنان في علاقته الواقعية بهذه المدينة، اكتشف من خلالها بصمة خاصة فأمعن في قراءتها وتطويرها وصولاً إلى لوحة جديدة تؤكد استمرار تطور شغف التشكيل اليمني في علاقته بالمكان من خلال هذه المدينة الساحرة.
يكاد سحر جمال مدينة صنعاء القديمة، لا يتجاوز روح التاريخ، ونبض الفن، روح التأريخ الذي مازال يشارك سكانها حياتهم، بل هو أول منْ يستقبلك ويمد يديه إليك مصافحاً بمجرد ولوجك إليها، فيقدِمك لأهلها ويقف بك على شرفات ثقافتها، لتكتشفْ أن مصدر سحرها هو الفن، الذي مازال ينبض في معمارها وثقافة سكانها.
ولهذا ماتزال، هذه المدينة، مصدر إلهامٍ لكثير من المبدعين، خاصة التشكيليين اليمنيين، الذين مازالوا شغوفين باكتشافها، منذ جيل الرواد وحتى جيل الشباب، لدرجة تكاد الأعمال التشكيلية المرتبطة بهذه المدينة توثق لمراحل تطور هذا الفن في اليمن، على اختلاف أجياله ومدارسه في علاقته ببيئته المحلية، كما تقدم لنا أسماء تشكيلية في كل مرحلة، في سياق (كشف تجريبي متبادل) مازال يتدفق من لوحة هذه المدينة، التي تعد من أقدم مدن العالم (العامرة بالحياة)، ومدرجة ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي لدى منظمة «اليونيسكو».
تجارب فردية
على صعيد علاقة التشكيل اليمني بالتراث وثقافة المكان، تمثل صنعاء القديمة واحدة من أهم عناوين هذه العلاقة، وهي العلاقة التي حظيت فيها هيئات هذه المدينة المعمارية والإنسانية والثقافية باحتفاء تشكيلي محلي منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي تقريباً، أي منذ ظهور التشكيل اليمني الحديث، وهي البدايات التي ارتبطت في جزءٍ مهم منها بالمعالجة الفنية التشكيلية لموضوع التراث، وهي المعالجة التي يمكن القول إنها عبرت عن تجاوز أبرز فناني جيل الرواد والجيل التالي، مأزق الاستلاب، وما يعرف بغوايات الحداثة، حيث تحققوا مع (الاستلهام) القائم على الوعي الحضاري بالهوية والفن العربي والإسلامي عموماً، وهو الوعي الذي يستنطق بواسطته الفنان خبايا الجمال في علاقة الإنسان بالمكان.
تجلى ذلك التميز لدى جميع أجيال المحترف اليمني وبمستويات متفاوتة بدءاً من جيل الرواد، وقد تميز كثيراً، ضمن هذا الجيل، عبدالجبار نعمان، الذي يعد من أوائل الفنانين الذين اشتغلوا على هذه المدينة، ونفذ جداريات لمناظر منها، ومازالت تعلق بعض لوحاته وجدارياته هذه في عددٍ من كبريات مؤسسات الدولة والمنظمات الدولية في صنعاء. ويحسب لهذا الفنان الواقعي أنه أخرج هذه الأعمال في مرحلة لم يكن المجتمع اليمني قد اعترف بالفن التشكيلي. ومثلت مناظر معمار هذه المدينة ثيمة سياسية في اللوحات المعبرة عن وحدة البلاد، فكانت تضم منظراً معمارياً من المدينة القديمة في صنعاء رمزاً يختزل شمال اليمن يتداخل معه منظر من صهاريج عدن أو مدينة شبام حضرموت أو قصر سيئون رمزاً يختزل جنوب اليمن. وتميزت أعمال نعمان برؤيته البصرية المختلفة التي تطورت لاحقاً إلى (واقعية تعبيرية حديثة) من خلال لوحة تتداخل سطوح مناظرها المعمارية والإنسانية بتفاصيلها الثقافية، وفق سيمفونية لونية يجيد عزف بهجتها، بما يستنطق الرؤية التي يستشعرها في باطن المنظور، بالإضافة إلى أعمال نعمان جاءت أعمال الفنان فؤاد الفتيح، الذي ينتمي إلى الجيل المؤسس، ومثلت تجربة الفتيح واحدة من أهم التجارب التشكيلية التجريدية، التي ربطتها علاقة استثنائية بالمدينة، خاصة ثقافتها الحياتية وخلفيتها التاريخية، وتميزت تجربته برسم مناظر من حياة الناس وهيئاتهم في نص بصري ممهور بتفاصيل رمزية من الثقافة المحلية والتاريخية اليمنية القديمة، بالإضافة إلى مواد من البيئة نفسها، ومن خلال هذا الفنان وتعبيراً عن شغفه بهذا المكان، فقد شهدت المدينة القديمة بدايات متفائلة لعمل تشكيلي شبه مؤسسي، متمثلاً في افتتاح مركز وطني للفنون في سمسرة (خان) المنصور وسط المدينة، إلا أنه، ونتيجة لمعوقات كثيرة، تعثر نشاطه.
جماعة فنية
تواصل الاشتغال التشكيلي على المدينة القديمة من خلال تجارب فردية حتى بداية الألفية الثالثة، وهي الألفية التي كانت قد شهدت تبلور تجارب جيل ما بعد الرواد، الذين كان بعضهم قد عاد بعد أن أكملوا دراساتهم الاكاديمية في الخارج، خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ومن هؤلاء من سحرتهم هذه المدينة وشغفوا بها أيضاً، وهو الشغف الذي عبر عن نفسه في إعلان أربعة منهم: آمنة النصيري، طلال النجار، مظهر نزار، وريما قاسم، تأسيس (جماعة الفن المعاصر)، وافتتاح مرسمهم في أحد بيوت هذه المدينة العتيقة، وبالتزامن مع افتتاح (اتليه صنعاء) الخاص بهذه الجماعة افتتح أحد أعضائها، وهو مظهر نزار، معرضاً دائماً لأعماله ولبيع بطاقات سياحية للوحات مناظر المدينة، بجانب مدخل المدينة الرئيس والمعروف بباب اليمن. وبعد نحو عشر سنوات من عملها، انفضت الجماعة وأغلق الأتليه والمعرض الكائن عند بوابتها، إلا أن تجربة (جماعة الفن المعاصر) مثلت تطوراً في علاقة التشكيل اليمني بهذه المدينة، إذ وفرت قرباً كبيراً في علاقة الفنان بالمكان، فأصبح الفنان يومياً داخل المدينة، ويرسم في أجوائها، كما استطاع بعض أعضائها إنجاز عدد كبير من الأعمال عنها، ومنهم الفنان طلال النجار الذي انطلق بمشروع خاص به لإعادة اكتشاف هوية هذه المدينة تشكيلياً، من خلال أعماله سواءً الواقعية التي بالقلم الرصاص، والتي اكتشف من خلالها جمال بؤس وجوه وهيئات المعمرين من سكانها وزوارها، أو من خلال لوحاته التجريدية اللونية التي استنطق بواسطتها مفردات الهوية الخاصة بهذه المدينة، كجزء من الهوية العربية الإسلامية لبلاده. وفي السياق ذاته لا يمكن تجاوز الأعمال الواقعية للفنان مظهر نزار، التي استطاع من خلالها إعادة تقديم المدينة بعين مختلفة، خاصة المعمار بتفاصيله الزخرفية الخاصة والمكانية العامة، التي ينجزها بمهارة ذكية تساعده علاقته المتميزة بتقنية الألوان المائية.
بيت الفن
على الرغم من تورط بعض فناني الجيل الأول والثاني وما تلاهما، في الأعمال السياحية في علاقتهم بهذه المدينة، إلا أن بعضهم استدرك وتراجع ومضى في طريقه الواعي للتوفيق بين بصمة تجربته ورؤيته وحاجته لإنجاز أعمال تمثل إضافة نوعية للتجربة والمحترف، وفي الوقت ذاته تلقى رواجاً سياحياً، في ظل ما كانت تلقاه هذه المناظر من طلب متزايد من قبل السياح والأجانب قبل الحرب، وهذا الطلب السياحي لهذه الأعمال مثّل واحداً من أسباب تشجيع كثير من الفنانين الشباب لاحقاً للارتباط واقعياً بهذه المدينة في أعمالهم، بل إن بعضهم لم يستطع تجاوز مأزق النقل الفوتوغرافي في علاقته الواقعية بها.
علاقة جيلي الوسط والشباب من التشكيليين اليمنيين بهذه المدينة على فرديتها، باستثناء مشروع (بيت فن صنعاء)، يمكن القول إنها جاءت أكبر وأوسع من تجارب الأجيال السابقة، لأسباب متعلقة بالعدد الكبير لفناني هذين الجيلين غير المتخرجين من أكاديميات فنية في معظمهم، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يرتبط معظمهم بالواقعية ويستقر فيها كمدرسة، حيث مثلت هذه المدينة منهلاً لأعمال كثيرة في هذا الاتجاه، إلا أن معظم أعمالهم تلك، لم تتجاوز، للأسف، سطوح المنظر، فيما استطاع بعضهم، بعد سنوات من التجريب والاحتكاك والقراءة والاطلاع، من النفاذ، بمسافات متفاوتة، إلى روح المنظر والتعامل الرؤيوي البصري مع العناصر والمعاني، وقبل ذاك مع الخامات والأدوات.. ومن أحدث التجارب التي تمثل إضافة جديدة لعلاقة التشكيل بهذه المدينة تبرز تجربة الفنان محمد صوفان ولوحته الخاصة بمناظر المطر، التي تمثل خلاصة مرحلة تجريبية قطعها الفنان في علاقته الواقعية بهذه المدينة، اكتشف من خلالها بصمة خاصة فأمعن في قراءتها وتطويرها وصولاً إلى لوحة جديدة تؤكد استمرار تطور شغف التشكيل اليمني في علاقته بالمكان من خلال هذه المدينة الساحرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.