«عاشور»: مباحثات لإنشاء تحالف للجامعات الروسية في مصر    محافظ الشرقية يُهنئ رئيس الجمهورية بحلول عيد الأضحى المبارك    وزير الري يوجه برفع درجة الاستعداد وتفعيل غرف الطوارئ بالمحافظات خلال العيد    بعد انخفاض كبير.. سعر الذهب العالمي يحقق أول مكسب أسبوعي    التخطيط: 6 مليارات جنيه لتنفيذ 175 مشروعًا بالبحر الأحمر    بحث سُبل التعاون في مجال التعليم العالي مع بيلاروسيا    بوتين: الأراضي التي سيطرنا عليها بأوكرانيا هي جزء من روسيا إلى الأبد    الصحف العالمية اليوم.. الجمهوريون فى الكونجرس يحتفلون بعيد ميلاد ترامب.. القبض على 8 أشخاص فى أمريكا على علاقة بداعش.. واشنطن تدرس تفكيك رصيف المساعدات البحرى لغزة.. وموقف محرج لبايدن فى الG7 وميلونى تنقذه    الجيش الإسرائيلي: اعتراض 11 طائرة معادية انطلقت من لبنان    بوتين: تجميد الأصول الروسية في الغرب «سرقة»    تعرف على قائمة منتخب الطائرة الشاطئية المشارك في بطولة إفريقيا بالمغرب    وسام أبو علي يغيب عن قمة الأهلي والزمالك    التفاصيل الكاملة ل حريق منطقة الزرايب بالبراجيل    خلال 24 ساعة.. تحرير 135 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق    حج 2024| الصحة السعودية: 93 ألف حاج استفادوا من الخدمات الصحية خلال الأيام الأولى    في يوم التروية.. ربة منزل تنهي حياة نجل زوجها بالقناطر الخيرية    تفاصيل إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق في الهرم    27 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد    في عيد الأضحى.. 4 أفلام جديدة بسينما الشعب في 18 محافظة بسعر مخفض    "المسرح التجريبي" يكرم "بانوراما برشا" الحائز على جائزة العين الذهبية بمهرجان كان    دعاء لأهل فلسطين في يوم التروية.. «اللهم انصرهم وثبت أقدامهم»    بمصلى خاص للسيدات.. 257 ساحة ل صلاة عيد الأضحى بالقاهرة    مقام سيدنا إبراهيم والحجر الأسود في الفيلم الوثائقي «أيام الله الحج»    يلقيها الشيخ بندر بليلة.. خطبة الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة (بث مباشر)    فحص 694 مواطنا في قافلة متكاملة بجامعة المنوفية    «بالطشة ولا الصلصة».. طريقة عمل الفشة بمذاق شهي لعيد الأضحى    تبدأ من 220 جنيها| تعرف على أسعار اللحوم الحمراء بمنافذ التموين    مهرجان المسرح التجريبي يكرم فريق بانوراما برشا الفائز بالعين الذهبية في كان    «العمل» يناقش آليات تنفيذ إعلان المبادئ للمُنشآت مُتعدِّدة الجنسيَّة بجنيف    تشكيل ألمانيا المتوقع ضد اسكتلندا في افتتاح كأس الأمم الأوربية 2024    سيدة تتهي حياتها بسبب خلافات أسرية بالمنيا    تفاصيل ضبط أخطر تشكيل عصابى تخصص فى النصب الإلكترونى بالشرقية    إزالة مخالفات بناء بمدن 6 أكتوبر والشروق والشيخ زايد وبنى سويف الجديدة    وزير الإسكان: جار إجراء التجارب لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح    الكشف على 902 مواطن في قافلة طبية مجانية بدشنا ضمن «حياة كريمة»    جامعة قناة السويس تنظم تدريبًا لتأهيل طلابها لسوق العمل    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    الحجاج يرتدون ملابس الإحرام اليوم.. والبعثة الرسمية: حجاجنا بخير    الأغذية العالمي: موسم الأمطار يعرقل تقديم الدعم بالسودان    «غرفة أزمات مركزية».. خطة وزارة الصحة لتأمين احتفالات عيد الأضحى وعودة الحجاج    إجراء مهم من «هيئة الدواء» للتعامل مع نواقص الأدوية خلال عيد الأضحى    الجيش الأمريكى يعلن تدمير قاربى دورية وزورق مسير تابعة للحوثيين    كاميرا القاهرة الإخبارية تنقل صورة حية لطواف الحجاج حول الكعبة.. فيديو    «لن نراعيه»| رئيس وكالة مكافحة المنشطات يُفجر مفاجأة جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي    أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 14-6-2024 في قنا    صفارات الإنذار تدوي في كريات شمونة بسهل الحولة والجليل الأعلى شمالي إسرائيل    للمسافرين.. تعرف على مواعيد القطارات خلال عيد الأضحى    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكائه في مباراة سموحة وبيراميدز    إنبي: زياد كمال بين أفضل لاعبي خط الوسط في مصر.. ولا أتوقع تواجده في الأولمبياد    تنسيق مدارس البترول 2024 بعد مرحلة الإعدادية (الشروط والأماكن)    باسل عادل: لم أدع إلى 25 يناير على الرغم من مشاركتي بها    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    سموحة يرد على أنباء التعاقد مع ثنائي الأهلي    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 14 يونيو: انتبه لخطواتك    مودرن فيوتشر يكشف حقيقة انتقال جوناثان نجويم للأهلي    مستقبلي كان هيضيع واتفضحت في الجرايد، علي الحجار يروي أسوأ أزمة واجهها بسبب سميحة أيوب (فيديو)    خطة فلسطينية لليوم التالي لوقف الحرب في غزة    يورو 2024| أصغر اللاعبين سنًا في بطولة الأمم الأوروبية.. «يامال» 16 عامًا يتصدر الترتيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغورية.. عشقها نجيب محفوظ وسكنها فؤاد نجم
نشر في صوت البلد يوم 23 - 12 - 2017

عندما يُذكر شارع الغورية أو حي الغورية، تقفز إلى الذاكرة سيرة الأديب الكبير نجيب محفوظ، وثلاثيته الرائعة "السكرية" و "قصر الشوق" و "بين القصرين"، والست "أمينة" زوجة "سي السيد"، التي أطلت من مشربيتها على أهل شارع الغورية، والأغنية الشهيرة للمطرب المصري الراحل محمد قنديل "يا رايحين الغورية"، ومن أشهر من سكن الحي الشاعر أحمد فؤاد نجم، ففي "سكة حوش قدم" المتفرعة من الغورية، خرجت في السبعينيات إبداعات نجم والشيخ إمام، ومن أشهر مَنْ شنق على بوابتها "طومان باي".
ويقع حي الغورية، وهو أحد أشهر الأحياء المصرية القديمة في منطقة الأزهر، وهو الحي الوحيد من بين أحياء القاهرة القديمة الذي استطاع المحافظة على تراثه وهويته من العصر المملوكي وحتى الآن، ويضم الحي العديد من الحارات الشهيرة، مثل حارة "العقادين" وحارة "الفحامين" و"التربيعة"، التي تعرض المنسوجات والعطور والحلي والأعشاب والأنتيكات.
وشارع الغورية يبدو كأنه متحف مفتوح للتاريخ، فعلى جانبيه توجد عشرات المساجد الأثرية، والمدارس القديمة والأسبلة، وحي الغورية الذي يشكّل امتداداً لشارع المعز لدين الله، يضم مجمعاً ضخماً للآثار الإسلامية من العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي، ويحتفظ بطابعه الأثري الفريد، ففيه باب الفتوح وجامع الأقمر وتكية السلحدار والمدرسة الكاملية.
جماليات العمارة
وسُميت الغورية بهذا الاسم، نسبة إلى مؤسسها السلطان قنصوه الغوري، آخر سلاطين المماليك قبل خمسة قرون، وتحديداً في عام 1501م، والذي لقي مصرعه في موقعة "مرج دابق" شمال مدينة حلب، في صراعه مع السلطان سليم الأول العثماني عام 1516م، إثر خيانة قائد ميمنة جيشه "خاير بك".
ورغم تديُّن السلطان الغوري، إلا أنه عُرف عنه حبه الشديد للفن والأدب والشعر والطرب والسمر، واتسع عشقه ليشمل فنون العمارة المختلفة وجمالياتها، فأنشأ المدرسة المعلقة التي تقع عند تقاطع شارع الغورية مع شارع الأزهر، والتي أسّسها عام 1503م، ويدرس فيها المذاهب الفقهية الأربعة، ويوجد بالمدرسة صحن واسع تُقام فيه الصلوات، ويوجد أسفلها حوانيت تم تأجيرها بغرض الإنفاق عليها، كما يوجد في مواجهة المدرسة قاعة للاجتماعات، وسبيل يعلوه كُتَّاب لتحفيظ القرآن، بالإضافة لضريح أعده السلطان الغوري لنفسه، غير أنه دفن في الشام عقب خسارته في موقعة "مرج دابق" الشهيرة، ويضم الحي مسجد "الفكهاني" الذي أسّسه الخليفة الفاطمي "الظافر" عام 594 هجرية، وقد عُرف بهذا الاسم، نسبة لوقوعه في سوق الفاكهة إبان العصر المملوكي.
تقول كتب التاريخ: إن فترة حكم السلطان قنصوه الغوري، كانت واحدة من أهم الفترات الحاسمة في تاريخ القاهرة، وكان من الممكن جداً أن يكون الغوري أحد حُكَّام مصر العظام، لكن لسوء حظه، ترسبت في فترته كل مساوئ العصر المملوكي المتداعي.
وكالة الغوري
وقد اشتهرت الغورية بنظام الوكالات في البيع والشراء منذ إنشائها، وأشهر هذه الوكالات وكالة الغوري، وهي أحد أهم المنشآت المعمارية التي شيّدها السلطان الغوري، والتي مازالت تحتفظ بطابعها المعماري الأصلي، وهي عُبارة عن صحن كبير وحوله محلات مُتراصة في أربعة طوابق، كانت مُخصصة لاستقبال التُجَّار ببضائعهم، وكان بها مكان للدواب ومخازن للمحاصيل وأماكن لمبيت التُجَّار الوافدين.
تتكوّن وكالة الغوري من ثلاثة طوابق، الأول والثالث منها للسكن، والأوسط مُخصص للخدمات، وأما المرافق فتم تخصيصها لعرض وتبادُل السلع التي يجلبها التُجَّار معهم، ونظراً لزيادة أعداد التُجَّار الوافدين، زيدت أدوار الوكالة لأربعة أدوار بنظام القصور القديمة، حتى وصل عددها إلى 500 مجهزة للإقامة، وقد اتخذها محمد علي باشا وأسرته مقراً لهم.
وفي عام 1958م، قدّم د. ثروت عكاشة مشروعاً ثقافياً وحضارياً، لاستغلال الوكالة كمقر لإحياء الحرف التقليدية، ومرسم للفنانين والكُتَّاب والأثريين، ومقر لوزارة الثقافة والإعلام عام 1960م، حتى تقرّر تحويلها لمركز الحرفيين المهرة، ونشر الوعي الثقافي والسياحي بين العارضين والسُيَّاح وعامة الجمهور، من خلال معارض الحرفيين التي عُرض فيها الأواني النحاسية وصناعة الخيام، والخزف والزجاج المعشّق والصدف داخل مصر وخارجها.
وبرغم نجاح تلك المعارض، إلا أنها توقفت فجأة؛ مما أدى لهجرة الحرفيين للعمل بالوكالة والورش، نتيجة إغراء تُجَّار خان الخليلي لهم بالمادة، وتُرك المبنى مهجوراً لفترة طويلة مقصداً لكل عابر وطامع من السبعينات وحتى أوائل التسعينات، بسبب التغيُّر في التوجُّهات الثقافية.
وبإنشاء الإدارة العامة للمراكز الفنية، وتبنيها للمشروع الثقافي والحضاري المتكامل للنهوض بالحرف التقليدية، دبت الحياة مرة أخرى في الوكالة، وقد عاش الفنانون التشكيليون والحرفيون أربعين عاماً في خدمة الفن والإبداع، مثل النقش على آنية النحاس المطعمة بالفضة والصواني، والصناديق الخشبية المطعمة بالصدف، والنقش على الزجاج المعشّق بالحصى، وعلى قطع الأثاث العربي وزخارف الخيام، ومشغولات الحلي الفضية، والأزياء التقليدية المطرزة والأواني الخزفية، وذلك على عدد عشرة أقسام، إلا أن دوام الحال من المحال، فقد قرّرت اللجنة العُليا لتطوير القاهرة الفاطمية إخلاء المبنى، خاصة بعد ضغوط من الأثريين لإخراجهم من المبنى حفاظاً عليه.
المنازل المملوكية
أما مسجد الغوري، فيضم في رحابه الوكالة وحماماً ومنزلاً ومقعداً وسبيلاً ومدرسة، وقبة تقف كلها شامخة مزهوة، وكأن الصحوة المعمارية التي قام بها السلطان الغوري، بمثابة صحوة الموت المملوكي، كون النشاط المعماري المكثف سُرعان ما انتهى برحيله، وزوال دولة المماليك إلى الأبد.
وفي الغورية أيضاً، أشهر محلات الملابس وباعة العطور، وهناك أيضاً قاعات المنازل المملوكية مثل قاعة الدرديري، وكذلك بعض الآثار العثمانية، منها منزل جمال الدين ذهبي شاهبندر تُجَّار مصر في ذلك العصر، وهو من الآثار النادرة من العصر العثماني، ووكالة السكرية، وكانت تحتكر السكر سنوات طويلة، إلى جانب المكسرات وياميش رمضان.
وفي المقابل، يوجد باب زويلة الذي شُنق عليه "طومان باي"، وأنشأ هذا الباب الضخم الوزير بدر الجمالي، وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في القرن الخامس الهجري، وسماه "زويلة"، نسبة إلى قبيلة زويل، إحدى قبائل البربر التي جاءت مع جيش جوهر الصقلي، قائد جيش الفاطميين الذي فتح مصر، ويتشكّل هذا البناء من بوابة عظيمة بارتفاع 25 متراً، وعرض كل ضلع فيها 4.82 متراً، وعلى جانبيها برجان عظيمان مقوسان من عند القاعدة، وفي أعلى البرجين حجرة تطل على مدخل البوابة للمُراقبة، وفي أعلى كل برج من البرجين ثلاث فتحات، أغلب الظن أنها كانت تُستخدم في الحروب، ويتكئ على البرجين مئذنتا مسجد المؤيد الملاصق للبوابة الضخمة.
عندما يُذكر شارع الغورية أو حي الغورية، تقفز إلى الذاكرة سيرة الأديب الكبير نجيب محفوظ، وثلاثيته الرائعة "السكرية" و "قصر الشوق" و "بين القصرين"، والست "أمينة" زوجة "سي السيد"، التي أطلت من مشربيتها على أهل شارع الغورية، والأغنية الشهيرة للمطرب المصري الراحل محمد قنديل "يا رايحين الغورية"، ومن أشهر من سكن الحي الشاعر أحمد فؤاد نجم، ففي "سكة حوش قدم" المتفرعة من الغورية، خرجت في السبعينيات إبداعات نجم والشيخ إمام، ومن أشهر مَنْ شنق على بوابتها "طومان باي".
ويقع حي الغورية، وهو أحد أشهر الأحياء المصرية القديمة في منطقة الأزهر، وهو الحي الوحيد من بين أحياء القاهرة القديمة الذي استطاع المحافظة على تراثه وهويته من العصر المملوكي وحتى الآن، ويضم الحي العديد من الحارات الشهيرة، مثل حارة "العقادين" وحارة "الفحامين" و"التربيعة"، التي تعرض المنسوجات والعطور والحلي والأعشاب والأنتيكات.
وشارع الغورية يبدو كأنه متحف مفتوح للتاريخ، فعلى جانبيه توجد عشرات المساجد الأثرية، والمدارس القديمة والأسبلة، وحي الغورية الذي يشكّل امتداداً لشارع المعز لدين الله، يضم مجمعاً ضخماً للآثار الإسلامية من العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي، ويحتفظ بطابعه الأثري الفريد، ففيه باب الفتوح وجامع الأقمر وتكية السلحدار والمدرسة الكاملية.
جماليات العمارة
وسُميت الغورية بهذا الاسم، نسبة إلى مؤسسها السلطان قنصوه الغوري، آخر سلاطين المماليك قبل خمسة قرون، وتحديداً في عام 1501م، والذي لقي مصرعه في موقعة "مرج دابق" شمال مدينة حلب، في صراعه مع السلطان سليم الأول العثماني عام 1516م، إثر خيانة قائد ميمنة جيشه "خاير بك".
ورغم تديُّن السلطان الغوري، إلا أنه عُرف عنه حبه الشديد للفن والأدب والشعر والطرب والسمر، واتسع عشقه ليشمل فنون العمارة المختلفة وجمالياتها، فأنشأ المدرسة المعلقة التي تقع عند تقاطع شارع الغورية مع شارع الأزهر، والتي أسّسها عام 1503م، ويدرس فيها المذاهب الفقهية الأربعة، ويوجد بالمدرسة صحن واسع تُقام فيه الصلوات، ويوجد أسفلها حوانيت تم تأجيرها بغرض الإنفاق عليها، كما يوجد في مواجهة المدرسة قاعة للاجتماعات، وسبيل يعلوه كُتَّاب لتحفيظ القرآن، بالإضافة لضريح أعده السلطان الغوري لنفسه، غير أنه دفن في الشام عقب خسارته في موقعة "مرج دابق" الشهيرة، ويضم الحي مسجد "الفكهاني" الذي أسّسه الخليفة الفاطمي "الظافر" عام 594 هجرية، وقد عُرف بهذا الاسم، نسبة لوقوعه في سوق الفاكهة إبان العصر المملوكي.
تقول كتب التاريخ: إن فترة حكم السلطان قنصوه الغوري، كانت واحدة من أهم الفترات الحاسمة في تاريخ القاهرة، وكان من الممكن جداً أن يكون الغوري أحد حُكَّام مصر العظام، لكن لسوء حظه، ترسبت في فترته كل مساوئ العصر المملوكي المتداعي.
وكالة الغوري
وقد اشتهرت الغورية بنظام الوكالات في البيع والشراء منذ إنشائها، وأشهر هذه الوكالات وكالة الغوري، وهي أحد أهم المنشآت المعمارية التي شيّدها السلطان الغوري، والتي مازالت تحتفظ بطابعها المعماري الأصلي، وهي عُبارة عن صحن كبير وحوله محلات مُتراصة في أربعة طوابق، كانت مُخصصة لاستقبال التُجَّار ببضائعهم، وكان بها مكان للدواب ومخازن للمحاصيل وأماكن لمبيت التُجَّار الوافدين.
تتكوّن وكالة الغوري من ثلاثة طوابق، الأول والثالث منها للسكن، والأوسط مُخصص للخدمات، وأما المرافق فتم تخصيصها لعرض وتبادُل السلع التي يجلبها التُجَّار معهم، ونظراً لزيادة أعداد التُجَّار الوافدين، زيدت أدوار الوكالة لأربعة أدوار بنظام القصور القديمة، حتى وصل عددها إلى 500 مجهزة للإقامة، وقد اتخذها محمد علي باشا وأسرته مقراً لهم.
وفي عام 1958م، قدّم د. ثروت عكاشة مشروعاً ثقافياً وحضارياً، لاستغلال الوكالة كمقر لإحياء الحرف التقليدية، ومرسم للفنانين والكُتَّاب والأثريين، ومقر لوزارة الثقافة والإعلام عام 1960م، حتى تقرّر تحويلها لمركز الحرفيين المهرة، ونشر الوعي الثقافي والسياحي بين العارضين والسُيَّاح وعامة الجمهور، من خلال معارض الحرفيين التي عُرض فيها الأواني النحاسية وصناعة الخيام، والخزف والزجاج المعشّق والصدف داخل مصر وخارجها.
وبرغم نجاح تلك المعارض، إلا أنها توقفت فجأة؛ مما أدى لهجرة الحرفيين للعمل بالوكالة والورش، نتيجة إغراء تُجَّار خان الخليلي لهم بالمادة، وتُرك المبنى مهجوراً لفترة طويلة مقصداً لكل عابر وطامع من السبعينات وحتى أوائل التسعينات، بسبب التغيُّر في التوجُّهات الثقافية.
وبإنشاء الإدارة العامة للمراكز الفنية، وتبنيها للمشروع الثقافي والحضاري المتكامل للنهوض بالحرف التقليدية، دبت الحياة مرة أخرى في الوكالة، وقد عاش الفنانون التشكيليون والحرفيون أربعين عاماً في خدمة الفن والإبداع، مثل النقش على آنية النحاس المطعمة بالفضة والصواني، والصناديق الخشبية المطعمة بالصدف، والنقش على الزجاج المعشّق بالحصى، وعلى قطع الأثاث العربي وزخارف الخيام، ومشغولات الحلي الفضية، والأزياء التقليدية المطرزة والأواني الخزفية، وذلك على عدد عشرة أقسام، إلا أن دوام الحال من المحال، فقد قرّرت اللجنة العُليا لتطوير القاهرة الفاطمية إخلاء المبنى، خاصة بعد ضغوط من الأثريين لإخراجهم من المبنى حفاظاً عليه.
المنازل المملوكية
أما مسجد الغوري، فيضم في رحابه الوكالة وحماماً ومنزلاً ومقعداً وسبيلاً ومدرسة، وقبة تقف كلها شامخة مزهوة، وكأن الصحوة المعمارية التي قام بها السلطان الغوري، بمثابة صحوة الموت المملوكي، كون النشاط المعماري المكثف سُرعان ما انتهى برحيله، وزوال دولة المماليك إلى الأبد.
وفي الغورية أيضاً، أشهر محلات الملابس وباعة العطور، وهناك أيضاً قاعات المنازل المملوكية مثل قاعة الدرديري، وكذلك بعض الآثار العثمانية، منها منزل جمال الدين ذهبي شاهبندر تُجَّار مصر في ذلك العصر، وهو من الآثار النادرة من العصر العثماني، ووكالة السكرية، وكانت تحتكر السكر سنوات طويلة، إلى جانب المكسرات وياميش رمضان.
وفي المقابل، يوجد باب زويلة الذي شُنق عليه "طومان باي"، وأنشأ هذا الباب الضخم الوزير بدر الجمالي، وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في القرن الخامس الهجري، وسماه "زويلة"، نسبة إلى قبيلة زويل، إحدى قبائل البربر التي جاءت مع جيش جوهر الصقلي، قائد جيش الفاطميين الذي فتح مصر، ويتشكّل هذا البناء من بوابة عظيمة بارتفاع 25 متراً، وعرض كل ضلع فيها 4.82 متراً، وعلى جانبيها برجان عظيمان مقوسان من عند القاعدة، وفي أعلى البرجين حجرة تطل على مدخل البوابة للمُراقبة، وفي أعلى كل برج من البرجين ثلاث فتحات، أغلب الظن أنها كانت تُستخدم في الحروب، ويتكئ على البرجين مئذنتا مسجد المؤيد الملاصق للبوابة الضخمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.