وزير التموين: الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية آمن    الرئيس السيسي يطلق النسخة الخامسة من أسبوع إعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين الكونغو الديموقراطية وحركة M23    حبس طرفي مشاجرة نشبت بينهما بسبب معاكسة فتاة في المطرية    «الداخلية» تقرر السماح ل 106 مواطنًا مصريًا بالحصول على جنسيات أجنبية    عاجل- طوارئ بغرف عمليات المرور تحسبًا لسقوط أمطار على الطرق السريعة    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    المجمع الطبى للقوات المسلحة بكوبرى القبة يستضيف خبيرا عالميا فى جراحة المسالك البولية    دراسة حديثة تكشف أسرار تدفق الدم لمصابي كوفيد طويل الأمد    وزير الثقافة يزور طلاب أسوان المصابين في حادث طريق إسنا للاطمئنان على حالتهم    الري: التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء أحد أدوات التعامل مستقبلا مع محدودية المياه وتحقيق الأمن الغذائي    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    بنين تعتمد تعديلات دستورية تشمل إنشاء مجلس الشيوخ وتمديد الولاية الرئاسية    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى المرج    للاطمئنان عليهم.. وزير الثقافة يزور طلاب أسوان المصابين في حادث طريق إسنا    متي ينضم محمد صلاح لمعسكر الفراعنة قبل أمم أفريقيا ؟ ليفربول يحدد الموعد    اليوم .. بدء القيد بالنقابة العامة لأطباء الأسنان لخريجى الكليات دفعة 2024    أسعار الدواجن والبيض اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    سعر الدولار الأمريكي اليوم الأحد 16نوفمبر 2025    110 جنيهات زيادة في أسعار الذهب محلياً خلال أسبوع    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    الأرصاد الجوية : الطقس اليوم مائل للبرودة وشبورة وأمطار والعظمى بالقاهرة 25 والصغرى 17    ضبط شخصين تعديا بالضرب بالشوم على شاب في الشارع بالمنيا    فرص عمل فى مشروع الضبعة النووية بمرتبات تصل ل45 ألف جنيه    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    مادورو: المناورات العسكرية الأمريكية مع ترينيداد وتوباجو غير مسئولة    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    البث المباشر لمباراة نيجيريا والكونغو الديمقراطية.. قمة نارية لحسم بطاقة الملحق العالمي لمونديال 2026    نجم مسلسل "الهيبة" السوري يعتنق الديانة المسيحية (فيديو)    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    «حماة الوطن» يعقد مؤتمرًا حاشدًا بالإسماعيلية لدعم مرشحيه    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    استقرار أسعار اللحوم في الأسواق المصرية اليوم الأحد    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    القصة أخدت بُعد ديني، حفل محمد عبد الجبار في ذي قار يثير جدلا بالعراق (فيديو)    حبس المتهم بسرقة المتاجر في النزهة    أدم محمد صبري: والدي رفض دخولنا نادي الزمالك ب "الواسطة".. وهذه وصيته لنا    "دولة التلاوة".. برنامج قرآني يتصدر الترند ويُحيي أصالة الصوت المصري    يومًا للتضامن.. شهادات صادمة تكشف حجم الانتهاكات في الفاشر    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    محمود حسن تريزيجيه: الانضباط والاحترام أساس تكوين شخصية لاعب الأهلي    الدفاع الروسية: إسقاط 36 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مناطق    أهلي جدة يبدأ خطوات الحفاظ على ميندي وتجديد العقد    فيران توريس بعد دخوله نادي العظماء: الطموح لا يتوقف مع الماتادور    ليفربول يحسم موقفه النهائي من بيع سوبوسلاي    "ضد الإبادة".. ظهور حمدان والنبريص والدباغ في خسارة فلسطين أمام الباسك    عمرو أديب بعد حادث أحمد سعد: واخد عين.. حوادثنا قاتلة رغم الطفرة غير الطبيعية في الطرق    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    (كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    مؤتمر جماهيري حاشد ل"الجبهة الوطنية " غدا بستاد القاهرة لدعم مرشحيه بانتخابات النواب    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العربي في سرديات أميركا اللاتينية .. صورة غائبة عن أدبنا العربي
نشر في صوت البلد يوم 04 - 09 - 2017

ينطلق كتاب "صورة العربي في سرديات أميركا اللاتينية" للباحث ريجوبيرتو إرنانديث باريديس، بترجمة أحمد عبداللطيف ومراجعة علي المنوفي، الصادر عن دار كلمة في العاصمة الإماراتية أبوظبي، من حقيقة ثابتة أكَّدها باحثو الأكرونولوجيا، مفادها أن "تاريخ البشرية هو تاريخ الهجرات، إنه تأكيد صالح لكل الدّول، ولكلّ دولة على حدة في هذا الكوكب"، ليبدأ المؤلف وضع اللبنات الأولى للقدوم العربي إلى الأميركيَّتين بوصف كوبا هي المحطة الأولى التي يعبرها هذا الهاربُ من صراعات تطحن الشرق الأوسط، صراعاتٌ وجد لها الآخرُ مخرجاً بعيداً عن معاني الحرب فكانت إشعارات المجاعة التي ضربت لبنان عقب السيطرة العثمانية واحدة من أكثر المبرّرات التي قدَّمت للوجود العربي الذي بدأ بالأرياف على شكل باعة متجوِّلين أو أطباء حملوا أسماء عربية ولُقِّبوا بالأتراك.
العرب في كوبا
العرب في كوبا تحديداً، أو الدول التي كانت منفذاً وطريقاً إلى أميركا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عاشوا بهوية عربية وبأوراق تركية عثمانية وبلقبٍ أطلقه عليهم السكان الأصليون للبلاد، فكانوا "العربُ الأتراكُ الموريون"، فتصوِّر أعمال كوبا الأدبية العربي على اقتضاب بوصفه التاجر القادر على بيع كل شيء، حاملاً صرَّته، ماشياً في الأرياف البعيدة ضمن ذهنيَّتِه المُرصَّعة بحكايا ألف ليلة وليلة والعالم الساحر للشرق.
يقدِّم المترجم رؤية المؤلف في بحثه عن تأكيدات حرص الرواية الكوبية على ذِكر انتماءات العرب الواصلين حديثاً إلى البلاد، إنها انتماءات إثنية دينية، فمعظمهم من المسيحيين القادمين بالمئات من سوريا ولبنان وغيرها إلى جانب عدد من المسلمين، وهؤلاء بجمعِهِم استطاعوا تحويل محالِّهم التجارية إلى مراكز اجتماع وثِقَل حقيقي في المجتمعات الجديدة، وهذا ما سهَّل عملية اندماجهم بعد أن اشتغل أبناؤهم بالسياسة.
ماركيز والعرب
بعد كوبا يسوق التقصي - على حد تعبير الكاتب - في البحث لمعرفة الينابيع التي منها استلهم غابرييل غارسيا ماركيز الشخصيات الشرقية ليدخلها لعالمه الأسطوري، إلى سيرته الذاتية التي يصف فيها السيل المهاجر الذي أغرق أراكاتاكا، القرية التي ولد فيها الروائي وعاش فيها حتى الثامنة، فروايات ماركيز التي أشارت إلى المهاجر العربي هي "ساعة نحس"، "الكولونيل لا يجد من يكاتِبه"، "مئة عام من العزلة"، "سرد أحداث موت معلن".
حضور العربي لم يقتصر على سرديات أميركا اللاتينية فقط بل تعداه إلى الشعر حيث يتناول الكتاب إبداع الشاعر والصحافي والباحث الكولومبي ذي الأصول السورية خورخي جارثيا أوستا الذي لم يكتب أعمالا سردية توضح بصمة الهجرة العربية في كولومبيا بل ترك ديواناً شعرياً يشكل في حد ذاته - بحسب المؤلف - وثيقة ذات مذاق سردي كما تشير قصائده إلى أبطال كانوا على سفر لاعودة منه إلى منطقة الكاريبي الكولومبي.
صورة العربي عند غابرييل غارسيا ماركيز تحضر بوجود السوري موسى، فهو تاجرٌ عربي يعيش في روايات ماركيز بوصفه عربياً يحمل لغته الأم التي بدأ النسيان يتسرّب إليها، التجارة هي مصدر عيشه وهي مركز انطلاق علاقاتِه مع الآخرين، في ذات الوقت هذا البطل العربي يحمل صفات العرب في الشجاعة والتأمل والبحث عن الحياة والرزق، وهم أيضاً عند ماركيز قطاع حيوي يحظى بالتقدير والاحترام بفضل نشاطهم التجاري واشتغال الجيل الثاني منهم بالسياسة ووصولهم إلى مناصب رفيعة بالدول التي استوطنوها.
لا يمكن دراسة صورة العربي في أدب أميركا اللاتينية دون الوقوف طويلاً أمام "سانتياغو نصار" العربي الذي استحضره ماركيز في رائعته "سرد أحداث موت معلن"، فماركيز رغم حرصه على تقديم المكوّن العربي إلا أنه قدَّمه ضمن بنية تشير إليه على أنه ليس غريباً فهو ابن الأرض الأميركية اللاتينية أيضاً.
إنتاج مختلف
يستعرض كتاب "صورة العربي في أميركا اللاتينية" تجربة "العرب في أرض الكاكاو" من خلال اللبنانيين والسوريين في روايات جورجي أمادو من خلال روايات "سان جورجي ابن الهوس"، "تيتا دل لوس أجرستس"، "السيدة فلور وزوجاها"، "محل المعجزات"، "توكايا العظيمة"، "غابرييلا والمسمار والقرفة".
أيضاً يتناول الكتاب الحضور العربي الكبير والفعال في الأرجنتين من خلال صورة الوافد المتحدث بالعربية إلى الأجندة السردية، فيتناول البحث الأعمال الأكثر شهرة في السرد الأرجنتيني لمؤلفين مثل خورخي لويس بورخس، أدولفو بيوي كاسارس، ليوبولدو مارشال، أبيلاردو كاستييو، وكان لا بد من استعراض الشخصية العربية في نموذج "رياض حلبي" صانع الماء المقدس عند التشيلية "إيزابيل اللندي" التي عاشت سنوات من حياتها في دمشق وبيروت.
في أحد فصولِه يتناول الكتاب "الإنتاج الأدبي لأبناء المهاجرين، الحالة التشيلية والكولومبية والمكسيكية، والمهاجرون الفلسطينيون في الخيال السردي التشيلي"، يتحدث المؤلف في إشاراته عن سبعة وثلاثين كاتباً من أصول عربية، فقد طُرحت كتابة الهجرة هذه، كما ينقل الكاتب، التي طورها عدد كبير من التشيليين من جذور عربية، السرد من خلال فكرة الاقتلاع من الجذور والتهميش والتبنّي والتداخل والاندماج، فموضوعات هذه السرديات بحسب الباحثة ماريا أولجا ساماميه يمكن تأويلها في ترميم التشريع الأدبي فيما يخص قضية الهوية، فمثَّلت روايات الهجرة العربية هذه نتيجة الاتصال المستمر بين أفرادٍ من ثقافات مختلفة، ويستعرض لتوضيح هذا الاتجاه من الكتابة، إصدارين لكاتِبَين مُنحدِرَين من أصول عربية فلسطينية، هما والتر غريب صاحب رواية "المسافر ذو البساط السحري".
صورة غائبة عن الأدب العربي
والرواية التي تتناول الهجرة الفلسطينية تحت عنوان "المغترب بعينين لامعَتين" لخايمي هالس، بينما كان النموذج العربي لسرديات كولومبيا هو الروائي المنحَدِر من أجداد لبنانيين لويس فياض من خلال روايته "أقرباء إستر"، ومن المكسيك يستحضر المؤلف مجموعة من الكُتَّاب أمثال هيكتور آزار، باربارا جاكوبس، كارلوس مارتينيث أسد حيث مثَّل هؤلاء نموذجا للتغيير الذي أحدثته مغامرة هجرة الأسلاف في النثر السردي المكسيكي، ليقتصر بالدراسة على رواية كارلوس مارتينيث أسد التي تمثِّل رحلة إلى مركز الماضي من خلال حكاية عائلية في رواية حملت اسم "في الصيف، الأرض" التي أراد بها مؤلفها إثارة القضية المركزية التي تشغل باله في الحاجة لمعرفة نفسه من خلال حياة وأصول أجداده.
حضور الشعر
حضور العربي لم يقتصر على سرديات أميركا اللاتينية فقط بل تعداه إلى الشعر حيث يتناول الكتاب إبداع الشاعر والصحافي والباحث الكولومبي ذي الأصول السورية خورخي جارثيا أوستا الذي لم يكتب أعمالاً سردية توضح بصمة الهجرة العربية في كولومبيا، بل ترك ديواناً شعرياً يشكل في حد ذاته - بحسب المؤلف - وثيقة ذات مذاق سردي كما تشير قصائده إلى أبطال كانوا على سفر لا عودة منه إلى منطقة الكاريبي الكولومبي، فيتناول الكتاب ديوان "المملكة الخطأ" بالتحليل من خلال قصائده التي يضعها الباحث في ارتباط وثيق مع موضوع الهجرة، سأقتبِس هذه القصيدة من الكتاب لتعطينا فكرة واضحة عن الشعر الذي كتَبَه شعراء قدِموا من أصول عربية:
"وأنت يا صغيري/ يا كائناً من ذهب/عندما ستشرع في البحث عن مصيرك/عندما ستغني للماء بين يديك/عندما تتجرَّع أسباب السفر/سنعودُ/ لنلتقي/ ربما بعد ألفَي عامٍ/حينَ لن أكون إلياس، أباكَ/ بل بريقٌ تبخَّر في الغياب/استغِل هذه الأنهار الوحشية حيث القمر/كما في رام الله/ طعامٌ للغريب".
وفي قصيدة أخرى تحت اسم "الخروج، في الطريق من دمشق إلى بيروت 1887"، يقول الشاعر:
"يا رؤوف، ارحل، ثمَّة عالم آخر/خلف هذا البحر الهائل/ثمَّة جبال متراصة/ ثمَّة سموات مقدَّسة بأناشيد المجد/وأراضٍ لم يعد للعزلة فيها مكان".
في ديوان "المملكة الخطأ" كما يقول مؤلف "صورة العربي في سرديات أميركا اللاتينية" يكتب الشاعر جارثيا أوستا عن جده الحرفي الدمشقي وجدته اللذين وصلا وأقاما في "البايي دي سينو" في بدايات القرن العشرين، وأنجبا سلالة كبيرة، فالشاعر يكتب لأرض أسلافه السوريين، لتلك الذكرى التي تستمر وتعيش بداخله بشكل ما يُدركه هو جيداً.
إن كتاب "صورة العربي في سرديات أميركا اللاتينية" الصادر عن دار كلمة في أبوظبي بحث حيوي يتناول صورةً غائبة عن أدبنا العربي ويؤسس بدوره لأبحاث قادمة ستفتحُ بابها الهجرات العربية خلال السنوات المقبلة، لنتوقف طويلاً أمام إنتاج أبناء اللاجئين اليوم، كما توقفنا أمام الأدب الذي أنتجته "الدياسبورا" التي عاشها ويعيشها آباؤهم اليوم.
.....
كاتب من سوريا
ينطلق كتاب "صورة العربي في سرديات أميركا اللاتينية" للباحث ريجوبيرتو إرنانديث باريديس، بترجمة أحمد عبداللطيف ومراجعة علي المنوفي، الصادر عن دار كلمة في العاصمة الإماراتية أبوظبي، من حقيقة ثابتة أكَّدها باحثو الأكرونولوجيا، مفادها أن "تاريخ البشرية هو تاريخ الهجرات، إنه تأكيد صالح لكل الدّول، ولكلّ دولة على حدة في هذا الكوكب"، ليبدأ المؤلف وضع اللبنات الأولى للقدوم العربي إلى الأميركيَّتين بوصف كوبا هي المحطة الأولى التي يعبرها هذا الهاربُ من صراعات تطحن الشرق الأوسط، صراعاتٌ وجد لها الآخرُ مخرجاً بعيداً عن معاني الحرب فكانت إشعارات المجاعة التي ضربت لبنان عقب السيطرة العثمانية واحدة من أكثر المبرّرات التي قدَّمت للوجود العربي الذي بدأ بالأرياف على شكل باعة متجوِّلين أو أطباء حملوا أسماء عربية ولُقِّبوا بالأتراك.
العرب في كوبا
العرب في كوبا تحديداً، أو الدول التي كانت منفذاً وطريقاً إلى أميركا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عاشوا بهوية عربية وبأوراق تركية عثمانية وبلقبٍ أطلقه عليهم السكان الأصليون للبلاد، فكانوا "العربُ الأتراكُ الموريون"، فتصوِّر أعمال كوبا الأدبية العربي على اقتضاب بوصفه التاجر القادر على بيع كل شيء، حاملاً صرَّته، ماشياً في الأرياف البعيدة ضمن ذهنيَّتِه المُرصَّعة بحكايا ألف ليلة وليلة والعالم الساحر للشرق.
يقدِّم المترجم رؤية المؤلف في بحثه عن تأكيدات حرص الرواية الكوبية على ذِكر انتماءات العرب الواصلين حديثاً إلى البلاد، إنها انتماءات إثنية دينية، فمعظمهم من المسيحيين القادمين بالمئات من سوريا ولبنان وغيرها إلى جانب عدد من المسلمين، وهؤلاء بجمعِهِم استطاعوا تحويل محالِّهم التجارية إلى مراكز اجتماع وثِقَل حقيقي في المجتمعات الجديدة، وهذا ما سهَّل عملية اندماجهم بعد أن اشتغل أبناؤهم بالسياسة.
ماركيز والعرب
بعد كوبا يسوق التقصي - على حد تعبير الكاتب - في البحث لمعرفة الينابيع التي منها استلهم غابرييل غارسيا ماركيز الشخصيات الشرقية ليدخلها لعالمه الأسطوري، إلى سيرته الذاتية التي يصف فيها السيل المهاجر الذي أغرق أراكاتاكا، القرية التي ولد فيها الروائي وعاش فيها حتى الثامنة، فروايات ماركيز التي أشارت إلى المهاجر العربي هي "ساعة نحس"، "الكولونيل لا يجد من يكاتِبه"، "مئة عام من العزلة"، "سرد أحداث موت معلن".
حضور العربي لم يقتصر على سرديات أميركا اللاتينية فقط بل تعداه إلى الشعر حيث يتناول الكتاب إبداع الشاعر والصحافي والباحث الكولومبي ذي الأصول السورية خورخي جارثيا أوستا الذي لم يكتب أعمالا سردية توضح بصمة الهجرة العربية في كولومبيا بل ترك ديواناً شعرياً يشكل في حد ذاته - بحسب المؤلف - وثيقة ذات مذاق سردي كما تشير قصائده إلى أبطال كانوا على سفر لاعودة منه إلى منطقة الكاريبي الكولومبي.
صورة العربي عند غابرييل غارسيا ماركيز تحضر بوجود السوري موسى، فهو تاجرٌ عربي يعيش في روايات ماركيز بوصفه عربياً يحمل لغته الأم التي بدأ النسيان يتسرّب إليها، التجارة هي مصدر عيشه وهي مركز انطلاق علاقاتِه مع الآخرين، في ذات الوقت هذا البطل العربي يحمل صفات العرب في الشجاعة والتأمل والبحث عن الحياة والرزق، وهم أيضاً عند ماركيز قطاع حيوي يحظى بالتقدير والاحترام بفضل نشاطهم التجاري واشتغال الجيل الثاني منهم بالسياسة ووصولهم إلى مناصب رفيعة بالدول التي استوطنوها.
لا يمكن دراسة صورة العربي في أدب أميركا اللاتينية دون الوقوف طويلاً أمام "سانتياغو نصار" العربي الذي استحضره ماركيز في رائعته "سرد أحداث موت معلن"، فماركيز رغم حرصه على تقديم المكوّن العربي إلا أنه قدَّمه ضمن بنية تشير إليه على أنه ليس غريباً فهو ابن الأرض الأميركية اللاتينية أيضاً.
إنتاج مختلف
يستعرض كتاب "صورة العربي في أميركا اللاتينية" تجربة "العرب في أرض الكاكاو" من خلال اللبنانيين والسوريين في روايات جورجي أمادو من خلال روايات "سان جورجي ابن الهوس"، "تيتا دل لوس أجرستس"، "السيدة فلور وزوجاها"، "محل المعجزات"، "توكايا العظيمة"، "غابرييلا والمسمار والقرفة".
أيضاً يتناول الكتاب الحضور العربي الكبير والفعال في الأرجنتين من خلال صورة الوافد المتحدث بالعربية إلى الأجندة السردية، فيتناول البحث الأعمال الأكثر شهرة في السرد الأرجنتيني لمؤلفين مثل خورخي لويس بورخس، أدولفو بيوي كاسارس، ليوبولدو مارشال، أبيلاردو كاستييو، وكان لا بد من استعراض الشخصية العربية في نموذج "رياض حلبي" صانع الماء المقدس عند التشيلية "إيزابيل اللندي" التي عاشت سنوات من حياتها في دمشق وبيروت.
في أحد فصولِه يتناول الكتاب "الإنتاج الأدبي لأبناء المهاجرين، الحالة التشيلية والكولومبية والمكسيكية، والمهاجرون الفلسطينيون في الخيال السردي التشيلي"، يتحدث المؤلف في إشاراته عن سبعة وثلاثين كاتباً من أصول عربية، فقد طُرحت كتابة الهجرة هذه، كما ينقل الكاتب، التي طورها عدد كبير من التشيليين من جذور عربية، السرد من خلال فكرة الاقتلاع من الجذور والتهميش والتبنّي والتداخل والاندماج، فموضوعات هذه السرديات بحسب الباحثة ماريا أولجا ساماميه يمكن تأويلها في ترميم التشريع الأدبي فيما يخص قضية الهوية، فمثَّلت روايات الهجرة العربية هذه نتيجة الاتصال المستمر بين أفرادٍ من ثقافات مختلفة، ويستعرض لتوضيح هذا الاتجاه من الكتابة، إصدارين لكاتِبَين مُنحدِرَين من أصول عربية فلسطينية، هما والتر غريب صاحب رواية "المسافر ذو البساط السحري".
صورة غائبة عن الأدب العربي
والرواية التي تتناول الهجرة الفلسطينية تحت عنوان "المغترب بعينين لامعَتين" لخايمي هالس، بينما كان النموذج العربي لسرديات كولومبيا هو الروائي المنحَدِر من أجداد لبنانيين لويس فياض من خلال روايته "أقرباء إستر"، ومن المكسيك يستحضر المؤلف مجموعة من الكُتَّاب أمثال هيكتور آزار، باربارا جاكوبس، كارلوس مارتينيث أسد حيث مثَّل هؤلاء نموذجا للتغيير الذي أحدثته مغامرة هجرة الأسلاف في النثر السردي المكسيكي، ليقتصر بالدراسة على رواية كارلوس مارتينيث أسد التي تمثِّل رحلة إلى مركز الماضي من خلال حكاية عائلية في رواية حملت اسم "في الصيف، الأرض" التي أراد بها مؤلفها إثارة القضية المركزية التي تشغل باله في الحاجة لمعرفة نفسه من خلال حياة وأصول أجداده.
حضور الشعر
حضور العربي لم يقتصر على سرديات أميركا اللاتينية فقط بل تعداه إلى الشعر حيث يتناول الكتاب إبداع الشاعر والصحافي والباحث الكولومبي ذي الأصول السورية خورخي جارثيا أوستا الذي لم يكتب أعمالاً سردية توضح بصمة الهجرة العربية في كولومبيا، بل ترك ديواناً شعرياً يشكل في حد ذاته - بحسب المؤلف - وثيقة ذات مذاق سردي كما تشير قصائده إلى أبطال كانوا على سفر لا عودة منه إلى منطقة الكاريبي الكولومبي، فيتناول الكتاب ديوان "المملكة الخطأ" بالتحليل من خلال قصائده التي يضعها الباحث في ارتباط وثيق مع موضوع الهجرة، سأقتبِس هذه القصيدة من الكتاب لتعطينا فكرة واضحة عن الشعر الذي كتَبَه شعراء قدِموا من أصول عربية:
"وأنت يا صغيري/ يا كائناً من ذهب/عندما ستشرع في البحث عن مصيرك/عندما ستغني للماء بين يديك/عندما تتجرَّع أسباب السفر/سنعودُ/ لنلتقي/ ربما بعد ألفَي عامٍ/حينَ لن أكون إلياس، أباكَ/ بل بريقٌ تبخَّر في الغياب/استغِل هذه الأنهار الوحشية حيث القمر/كما في رام الله/ طعامٌ للغريب".
وفي قصيدة أخرى تحت اسم "الخروج، في الطريق من دمشق إلى بيروت 1887"، يقول الشاعر:
"يا رؤوف، ارحل، ثمَّة عالم آخر/خلف هذا البحر الهائل/ثمَّة جبال متراصة/ ثمَّة سموات مقدَّسة بأناشيد المجد/وأراضٍ لم يعد للعزلة فيها مكان".
في ديوان "المملكة الخطأ" كما يقول مؤلف "صورة العربي في سرديات أميركا اللاتينية" يكتب الشاعر جارثيا أوستا عن جده الحرفي الدمشقي وجدته اللذين وصلا وأقاما في "البايي دي سينو" في بدايات القرن العشرين، وأنجبا سلالة كبيرة، فالشاعر يكتب لأرض أسلافه السوريين، لتلك الذكرى التي تستمر وتعيش بداخله بشكل ما يُدركه هو جيداً.
إن كتاب "صورة العربي في سرديات أميركا اللاتينية" الصادر عن دار كلمة في أبوظبي بحث حيوي يتناول صورةً غائبة عن أدبنا العربي ويؤسس بدوره لأبحاث قادمة ستفتحُ بابها الهجرات العربية خلال السنوات المقبلة، لنتوقف طويلاً أمام إنتاج أبناء اللاجئين اليوم، كما توقفنا أمام الأدب الذي أنتجته "الدياسبورا" التي عاشها ويعيشها آباؤهم اليوم.
.....
كاتب من سوريا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.