يحتوي هذا الكتاب "في الفلسفة الإسلامية.. دراسة ونقد" للباحث د. جمال رجب سيدبي على عدة دراسات تدور حول الفلسفة الإسلامية، حاولت إلقاء الضوء على بعض القضايا الكبرى التي تتصل بمجال الفلسفة الإسلامية بمعناها الشامل بقصد سبر غورها والوصول إلى كنهها، وذلك بتحليل أفكار شخصيات كبار مثل شخصية الملا صدر الدين الشيرازي وابن سينا وابن رشد وأبوحامد الغزالي ومسكويه وأبو البركات البغدادي، وكلها لها أثرها البالغ في محيط الفلسفة الإسلامية. الكتاب الذي خصصت كل فصوله لمناقشة أفكار هؤلاء الفلاسفة وصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة سعى - وفقا للباحث - للتأكيد على خصوصية التصور الإسلامي وتميزه عن التصورات الأخرى، فالفكرة في محيط حضارتها تختلف في دلالاتها عندما تنقل إلى حضارة أخرى، وهذا ما حدث مع الفلاسفة المسلمين الذين استوعبوا فلسفة الإغريق، وأضافوا إليها وأبدعوا من بنات أفكارهم وهذا ما دل على شيء فإنما يدل على عبقرية الحضارة الإسلامية وتميزها عن الحضارات السابقة. أثبت د. سيدبي في نقاشه لأفكار صدر الدين الشيرازي أصالة التفكير عند الشيرازي وقال "رغم أننا حاولنا أن نشير إلى مصادر فلسفته المختلفة، من تأثره بالمشائية وخاصة المتعلقة بنظرية الوجود، وكذلك تأثره بأفلاطون والأفلاطونية المحدثة خاصة المتعلقة بالنظرة الإشراقية، وكذلك تأثره بالفارابي وابن سينا والسهروردي ومحي الدين بن عربي والنسق الشيعي في مقولات الإمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة، وكذلك توظيفه لآيات القرآن الكريم وأحاديث السنة، إلا أنه قد أفرز نسقا فريدا على غير مثال سابق يدل على جودة سبك الأفكار عند فيلسوفنا". وأضاف أن الشيرازي عالج مشكلة النبوة على ضوء المنهج الفلسفي متأثرا بالفارابي وابن سينا، ولاحظ أنه كان حريصا على التفرقة بين مقام النبوة والفيلسوف "النبوة وهبية تعتمد على اصطفاء الله واختياره لمن يراه أهلا لرسالته، لذلك فهو يعتمد في المعرفة على الوحي بخلاف الذي يعتمد على العقل، مع الأخذ في الاعتبار أن الشيرازي يؤكد على أن كمال عقل النبي أساس لتلقي الوحي وإن افترق عن الفيلسوف في مخيلته كوسيلة للاتصال بالعالم العلوي. وفي معالجته لموضوع المدينة الفاضلة وصلتها بالنبي والفيلسوف، انتهى سيدبي إلى أن النبي والفيلسوف لهما القدرة على الاتصال بالعالم العلوي، فالأول يتصل بالعقل الفعال، وهنا تلتقي نظرية المعرفة مع مفهوم الاتصال لتحقيق السعادة للإنسان، ويعتمد الفيلسوف على منهج التأمل العقلي أو منهج البرهان بخلاف منهج العرفان عند النبي، فالنبي قد مر بنفس المراحل التي مر بها الفيلسوف، إلا أن الله قد حباه قوة المخيلة يستطيع من خلالها معرفة ما هو كائن وما سيكون في اليقظة وفي المنام، ومن ثم فالنبي له القدرة على الاتصال العلوي وهنا يتفرد النبي في رأي الشيرازي بهذه القوة النفسانية الروحانية عن الفيلسوف وكلاهما يصلح لأن يكون رئيسا للمدينة الفاضلة. وفي قراءته لنظرية الوسط الأخلاقي بين مسكويه والغزالي رأى سيدبي أن مسكويه والغزالي يؤكدان على الربط بين النظر والعمل في نسقهما الخلقي، والأخلاق في رأيهما ليست مجرد دعوة نظرية إلى اتباع السلوك الفاضل بل إنها في حقيقتهما فعل خلقي. وأضاف "يؤكد مسكويه والغزالي على أن السعادة هي نتيجة طبيعية للفضيلة ومن ثم فإن السعادة الحقيقية عند مسكويه هي مجاوزة المحسوس إلى العالم الملائكي أو أن الحكيم هو الذي توفر خطة من الحكمة فهو مقيم بروحانيته بين الملأ الأعلى يستمد منه لطائف الحكمة، ورغم عقلانية مسكويه إلا أننا وجدنا الروح الصوفية تتوج مذهبه الخلقي وتخفف من غلوائه ومتابعته كثيرا لأرسطو، ويتفق الغزالي مع سلفه في أن السعادة الحقيقية هي مجاوزة المحسوس وبالقرب من الله الذي يتحقق بتهذيب الخلق وترويض النفس وينكشف النور الجلي ويظهر معدن الإنسان الحقيقي وجوهره الروحاني". يمثل البعد النقدي عند ابن رشد بعدا مهما في فلسفته وليس أدل على هذا من محاولته في كتابه "تهافت التهافت" للرد على الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة"، هذا البعد كان محور تحليل د. سيدبي في دراسته الثالثة "موقف ابن رشد النقدي من مشكلتي العالم والعلم الإلهي عند ابن سينا والغزالي" والتي خلص فيها إلى عدة نتائج منها أن البعد النقدي عند ابن رشد بعدا مهما في فكره وأنه يتمتع بعقلية نقدية تتسم بالقدرة على الموازنة والترجيح والتحليل. وقال "إن ابن رشد كان أكثر أصالة من سلفه الغزالي في محاولته النقدية، لأن الغزالي ذهب إلى تكفير الفلاسفة وخاصة بصدد مشكلة قدم العالم والعلم الإلهي، وفي نفس الوقت نجد الغزالي يؤمن بالتأويل كأداة منهجية، ولو وظف الغزالي هذه الأداة في معالجته لهذه المشكلات لكان أكثر اتساقا في موقفه، ولكن يبدو أنه في بعض مؤلفاته كانت تحكمه ظروف خاصة وأيديولوجية معينة وهذا ما نزعمه من جانبنا". وأكد أن الغزالي كمتكلم أشعري انطلق من منطق كلامي في النهج والتفكير في حين أن ابن رشد كفيلسوف انطلق من منطق عقلاني في النهج والتفكير ومن ثم ترتب على ذلك اختلاف النتائج والغايات عند كل منهما. كان ابن رشد موفقا في معالجته لمشكلة العلم الإلهي، إذ نجده يقدم لنا رؤية تقترب من روح السلف وخاصة عندما يقيم تفريقه بين العلم الإلهي والعلم البشري لأن علم الله غير مجانس لعلمنا، ومن منطق نقده لقياس الغائب على الشاهد يقدم لنا رأيا وسطا لا ينكر علم الله الجزئي ولا الكلي بطريقة توفيقية تدل على أصالة ابن رشد في معالجة القضايا والمشكلات. وفي ختام تحليله لأفكار الطبيب والفيلسوف أبو البركات البغدادي "هبة الله بن ملكا" الذي جمع بين البعد العلمي والفلسفي مثل سلفه ابن سينا، قال سيدبي "إن ابن ملكا يمثل مدرسة قائمة بذاتها ولكنه مع ذلك تأثر بالمشائية في أشياء وعارضها في أشياء أخرى، ولا نستطيع القول إنه كان معارضا للمشائية على طول الخط بقدر ما كان يأخذ ما يتفق مع مذهبه الفكري بل أستطيع القول إن ابن ملكا استطاع أن يقيم بناء فكريا على أنقاض مشائية وأفلاطونية، إلا أنه في نهاية المطاف نجح في أن يفرز لنا مذهبا متسقا ينم عن صاحب المعتبر، اعتبر واختير، وكان فتفردا ومبدعا في آرائه وأفكاره، ولعل معالجته لإشكالية الخلق خير صدق على ما ندعي. يحتوي هذا الكتاب "في الفلسفة الإسلامية.. دراسة ونقد" للباحث د. جمال رجب سيدبي على عدة دراسات تدور حول الفلسفة الإسلامية، حاولت إلقاء الضوء على بعض القضايا الكبرى التي تتصل بمجال الفلسفة الإسلامية بمعناها الشامل بقصد سبر غورها والوصول إلى كنهها، وذلك بتحليل أفكار شخصيات كبار مثل شخصية الملا صدر الدين الشيرازي وابن سينا وابن رشد وأبوحامد الغزالي ومسكويه وأبو البركات البغدادي، وكلها لها أثرها البالغ في محيط الفلسفة الإسلامية. الكتاب الذي خصصت كل فصوله لمناقشة أفكار هؤلاء الفلاسفة وصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة سعى - وفقا للباحث - للتأكيد على خصوصية التصور الإسلامي وتميزه عن التصورات الأخرى، فالفكرة في محيط حضارتها تختلف في دلالاتها عندما تنقل إلى حضارة أخرى، وهذا ما حدث مع الفلاسفة المسلمين الذين استوعبوا فلسفة الإغريق، وأضافوا إليها وأبدعوا من بنات أفكارهم وهذا ما دل على شيء فإنما يدل على عبقرية الحضارة الإسلامية وتميزها عن الحضارات السابقة. أثبت د. سيدبي في نقاشه لأفكار صدر الدين الشيرازي أصالة التفكير عند الشيرازي وقال "رغم أننا حاولنا أن نشير إلى مصادر فلسفته المختلفة، من تأثره بالمشائية وخاصة المتعلقة بنظرية الوجود، وكذلك تأثره بأفلاطون والأفلاطونية المحدثة خاصة المتعلقة بالنظرة الإشراقية، وكذلك تأثره بالفارابي وابن سينا والسهروردي ومحي الدين بن عربي والنسق الشيعي في مقولات الإمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة، وكذلك توظيفه لآيات القرآن الكريم وأحاديث السنة، إلا أنه قد أفرز نسقا فريدا على غير مثال سابق يدل على جودة سبك الأفكار عند فيلسوفنا". وأضاف أن الشيرازي عالج مشكلة النبوة على ضوء المنهج الفلسفي متأثرا بالفارابي وابن سينا، ولاحظ أنه كان حريصا على التفرقة بين مقام النبوة والفيلسوف "النبوة وهبية تعتمد على اصطفاء الله واختياره لمن يراه أهلا لرسالته، لذلك فهو يعتمد في المعرفة على الوحي بخلاف الذي يعتمد على العقل، مع الأخذ في الاعتبار أن الشيرازي يؤكد على أن كمال عقل النبي أساس لتلقي الوحي وإن افترق عن الفيلسوف في مخيلته كوسيلة للاتصال بالعالم العلوي. وفي معالجته لموضوع المدينة الفاضلة وصلتها بالنبي والفيلسوف، انتهى سيدبي إلى أن النبي والفيلسوف لهما القدرة على الاتصال بالعالم العلوي، فالأول يتصل بالعقل الفعال، وهنا تلتقي نظرية المعرفة مع مفهوم الاتصال لتحقيق السعادة للإنسان، ويعتمد الفيلسوف على منهج التأمل العقلي أو منهج البرهان بخلاف منهج العرفان عند النبي، فالنبي قد مر بنفس المراحل التي مر بها الفيلسوف، إلا أن الله قد حباه قوة المخيلة يستطيع من خلالها معرفة ما هو كائن وما سيكون في اليقظة وفي المنام، ومن ثم فالنبي له القدرة على الاتصال العلوي وهنا يتفرد النبي في رأي الشيرازي بهذه القوة النفسانية الروحانية عن الفيلسوف وكلاهما يصلح لأن يكون رئيسا للمدينة الفاضلة. وفي قراءته لنظرية الوسط الأخلاقي بين مسكويه والغزالي رأى سيدبي أن مسكويه والغزالي يؤكدان على الربط بين النظر والعمل في نسقهما الخلقي، والأخلاق في رأيهما ليست مجرد دعوة نظرية إلى اتباع السلوك الفاضل بل إنها في حقيقتهما فعل خلقي. وأضاف "يؤكد مسكويه والغزالي على أن السعادة هي نتيجة طبيعية للفضيلة ومن ثم فإن السعادة الحقيقية عند مسكويه هي مجاوزة المحسوس إلى العالم الملائكي أو أن الحكيم هو الذي توفر خطة من الحكمة فهو مقيم بروحانيته بين الملأ الأعلى يستمد منه لطائف الحكمة، ورغم عقلانية مسكويه إلا أننا وجدنا الروح الصوفية تتوج مذهبه الخلقي وتخفف من غلوائه ومتابعته كثيرا لأرسطو، ويتفق الغزالي مع سلفه في أن السعادة الحقيقية هي مجاوزة المحسوس وبالقرب من الله الذي يتحقق بتهذيب الخلق وترويض النفس وينكشف النور الجلي ويظهر معدن الإنسان الحقيقي وجوهره الروحاني". يمثل البعد النقدي عند ابن رشد بعدا مهما في فلسفته وليس أدل على هذا من محاولته في كتابه "تهافت التهافت" للرد على الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة"، هذا البعد كان محور تحليل د. سيدبي في دراسته الثالثة "موقف ابن رشد النقدي من مشكلتي العالم والعلم الإلهي عند ابن سينا والغزالي" والتي خلص فيها إلى عدة نتائج منها أن البعد النقدي عند ابن رشد بعدا مهما في فكره وأنه يتمتع بعقلية نقدية تتسم بالقدرة على الموازنة والترجيح والتحليل. وقال "إن ابن رشد كان أكثر أصالة من سلفه الغزالي في محاولته النقدية، لأن الغزالي ذهب إلى تكفير الفلاسفة وخاصة بصدد مشكلة قدم العالم والعلم الإلهي، وفي نفس الوقت نجد الغزالي يؤمن بالتأويل كأداة منهجية، ولو وظف الغزالي هذه الأداة في معالجته لهذه المشكلات لكان أكثر اتساقا في موقفه، ولكن يبدو أنه في بعض مؤلفاته كانت تحكمه ظروف خاصة وأيديولوجية معينة وهذا ما نزعمه من جانبنا". وأكد أن الغزالي كمتكلم أشعري انطلق من منطق كلامي في النهج والتفكير في حين أن ابن رشد كفيلسوف انطلق من منطق عقلاني في النهج والتفكير ومن ثم ترتب على ذلك اختلاف النتائج والغايات عند كل منهما. كان ابن رشد موفقا في معالجته لمشكلة العلم الإلهي، إذ نجده يقدم لنا رؤية تقترب من روح السلف وخاصة عندما يقيم تفريقه بين العلم الإلهي والعلم البشري لأن علم الله غير مجانس لعلمنا، ومن منطق نقده لقياس الغائب على الشاهد يقدم لنا رأيا وسطا لا ينكر علم الله الجزئي ولا الكلي بطريقة توفيقية تدل على أصالة ابن رشد في معالجة القضايا والمشكلات. وفي ختام تحليله لأفكار الطبيب والفيلسوف أبو البركات البغدادي "هبة الله بن ملكا" الذي جمع بين البعد العلمي والفلسفي مثل سلفه ابن سينا، قال سيدبي "إن ابن ملكا يمثل مدرسة قائمة بذاتها ولكنه مع ذلك تأثر بالمشائية في أشياء وعارضها في أشياء أخرى، ولا نستطيع القول إنه كان معارضا للمشائية على طول الخط بقدر ما كان يأخذ ما يتفق مع مذهبه الفكري بل أستطيع القول إن ابن ملكا استطاع أن يقيم بناء فكريا على أنقاض مشائية وأفلاطونية، إلا أنه في نهاية المطاف نجح في أن يفرز لنا مذهبا متسقا ينم عن صاحب المعتبر، اعتبر واختير، وكان فتفردا ومبدعا في آرائه وأفكاره، ولعل معالجته لإشكالية الخلق خير صدق على ما ندعي.