اليوم.. «محامين المنيا» تعلن الإضراب عن محاكم الاستئناف رفضًا لرسوم التقاضي    سعر الذهب في مصر اليوم الخميس 8-5-2025 مع بداية التعاملات    بحضور نواب البرلمان.. «الاتحاد» ينظم حلقة نقاشية موسعة حول الإيجار القديم| صور    الرئيس السوري يوجه رسالة شكر ل ماكرون.. ماذا قال له؟    إعلام إسرائيلي: تل أبيب وواشنطن تسعيان لإقناع الأمم المتحدة بالمشاركة في خطة إسرائيل لغزة    تفاصيل إطلاق كوريا الشمالية عدة صواريخ اتجاه بحر الشرق    حادث دهس واشتعال نيران وعنف، احتفالات باريس سان جيرمان تنقلب إلى فوضى (فيديو)    ميدو يكشف موقف الزمالك حال عدم تطبيق عقوبة الأهلي كاملة    إكرامي: عصام الحضري جامد على نفسه.. ومكنش يقدر يقعدني    شوبير يوجه رسالة بشأن قرارات لجنة التظلمات المنتظرة الخاصة بمباراة الأهلي والزمالك    تفاصيل خطة التعليم الجديدة لعام 2025/2026.. مواعيد الدراسة وتطوير المناهج وتوسيع التعليم الفني    «التعليم» تحسم مصير الطلاب المتغيبين عن امتحانات أولى وثانية ثانوي.. امتحان تكميلي رسمي خلال الثانوية العامة    خبى عليا وعرض نفسه للخطر، المخرج خالد يوسف يكشف عن مشهد لا ينسي ل خالد صالح (فيديو)    مواعيد وقنوات عرض مسلسل «المؤسس عثمان» الحلقة ال 191 (تفاصيل)    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    ارتفاع الأسهم الأمريكية في يوم متقلب بعد تحذيرات مجلس الاحتياط من التضخم والبطالة    رئيس باكستان: يمكن لروسيا لعب دور مهم لإنهاء الصدام مع الهند    هدنة روسيا أحادية الجانب تدخل حيز التنفيذ    قاض أمريكي يمنع ترحيل مهاجرين إلى ليبيا دون منحهم فرصة للطعن القضائي    "اغتيال معنوي لأبناء النادي".. كيف تعامل نجوم الزمالك مع اختيار أيمن الرمادي؟    محمد ياسين يكتب: وعمل إيه فينا الترند!    الدولار ب50.59 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 8-5-2025    وزارة التموين تكشف موعد التحول للدعم النقدي    بنك التنمية الجديد يدرس تمويل مشروعات في مصر    قبل ضياع مستقبله، تطور يغير مجرى قضية واقعة اعتداء معلم على طفلة داخل مدرسة بالدقهلية    معتدل والعظمى في القاهرة 34.. حالة الطقس اليوم    نشرة حوادث القليوبية| شاب يشرع في قتل شقيقته بسبب السحر.. ونفوق 12 رأس ماشية في حريق    السفارة المصرية بالتشيك تقيم حفل استقبال رسمي للبابا تواضروس    مستشار الرئيس الفلسطيني يرد على الخلاف بين محمود عباس وشيخ الأزهر    إطلاق موقع «بوصلة» مشروع تخرج طلاب قسم الإعلام الإلكتروني ب «إعلام جنوب الوادي»    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالمنيا    خبر في الجول - أشرف داري يشارك في جزء من تدريبات الأهلي الجماعية    إعلام حكومة غزة: نرفض مخططات الاحتلال إنشاء مخيمات عزل قسري    نقيب المحامين: زيادة رسوم التقاضي مخالفة للدستور ومجلس النواب صاحب القرار    بوسي شلبي ردًا على ورثة محمود عبدالعزيز: المرحوم لم يخالف الشريعة الإسلامية أو القانون    أسفر عن إصابة 17 شخصاً.. التفاصيل الكاملة لحادث الطريق الدائري بالسلام    لا حاجة للتخدير.. باحثة توضح استخدامات الليزر في علاجات الأسنان المختلفة    مدير مستشفى بأسوان يكشف تفاصيل محاولة التعدي على الأطباء والتمريض - صور    واقعة تلميذ حدائق القبة.. 7 علامات شائعة قد تشير لإصابة طفلك بمرض السكري    عودة أكرم وغياب الساعي.. قائمة الأهلي لمباراة المصري بالدوري    تحرك جديد من المحامين بشأن أزمة الرسوم القضائية - تفاصيل    رسميًا خلال أيام.. موعد صرف مرتبات شهر مايو 2025 بعد قرار وزارة المالية (احسب قبضك)    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    «لعبة الحبّار».. يقترب من النهاية    أحد أبطال منتخب الجودو: الحفاظ على لقب بطولة إفريقيا أصعب من تحقيقه    حدث بالفن| عزاء حماة محمد السبكي وأزمة بين أسرة محمود عبدالعزيز وطليقته    تفاصيل اعتداء معلم على تلميذه في مدرسة نبروه وتعليم الدقهلية يتخذ قرارات عاجلة    بلاغ للنائب العام يتهم الفنانة جوري بكر بازدراء الأديان    سحب 116 عينة من 42 محطة وقود للتأكد من عدم «غش البنزين»    بيولي ل في الجول: الإقصاء الآسيوي كان مؤلما.. وأتحمل مسؤولية ما حدث أمام الاتحاد    "الرعاية الصحية": تقديم الخدمة ل 6 مليون مواطن عن منظومة التأمين الصحي الشامل    أخبار × 24 ساعة.. التموين: شوادر لتوفير الخراف الحية واللحوم بدءا من 20 مايو    صحة الشرقية تحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بالمستشفيات    عمرو الورداني يقدّم روشتة نبوية لتوسعة الخُلق والتخلص من العصبية    المحامين": النقاش لا يزال مفتوحًا مع الدولة بشأن رسوم التقاضي    أمين الفتوى: مفهوم الحجاب يشمل الرجل وليس مقصورًا على المرأة فقط    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفارابى.. «الفليسوف المارق»
نشر في فيتو يوم 23 - 01 - 2016

يوصف الفارابى بأنه فيلسوف ذو مكانة رفيعة في تاريخ الفلسفة الإسلامية، اهتم بعلوم شتى في الحياة ولقب ب "المعلم الثانى" بعد أرسطو الملقب بالمعلم الأول، وهو ما يؤكد مكانته في تاريخ الفكر الفلسفى فهو ثانى الفلاسفة المسلمين بعد الكندى، إنه محمد بن محمد بن طرخان الشهير ب "الفارابي" نسبة إلى مدينة فاراب التركية التي ولد وشب فيها ودرس على أراضيها قبل أن يغادر إلى بغداد لمتابعة تحصيله العلمى، ثم تجول بعد ذلك في أرجاء الإمبراطورية البيزنطية، ليحضر إلى مصر قبل أن يعود في الأخير إلى سوريا ليستقر فيها حتى وفاته عام 950م عن عمر ناهز الثمانين، وصلى عليه سيف الدولة، سلطان الشام آنذاك، مع أربع من خواصه.
درس الفارابى المنطق في البداية على يد عدد من العلماء المسيحيين، وحظى خلال العصر الوسيط بتقدير عال من قبل فلاسفة كبار أمثال تلميذه ابن سينا في المشرق الإسلامى، وابن رشد في المغرب الإسلامى، نظرًا لتاريخه الحافل بالعطاء الفكرى والإنسانى الذي أثرى فيه الفارابى الإنسانية بثروة فكرية هائلة ومجموعة من المؤلفات المهمة التي قدرها مؤرخو العلوم بأكثر من مائتى مؤلف في المنطق والفلسفة وفن الشعر وكذلك في الأخلاق والسياسة وعلم النفس والموسيقى، حيث يُعد هو المبتكر الأول لآلة "القانون"، ووضع تصنيفًا للعلوم في كتابه "إحصاء العلوم وترتيبها والتعريف بأغراضها"، وبالرغم من هذه الإسهامات البارزة في مختلف مجالات العلم والفكر والفن فإن أبا نصر قد اتهم في دينه شأنه شأن عدد من الفلاسفة في عصره أو من تسلموا الراية من بعده.
حاول الفارابى جاهدًا التوفيق بين الفلسفة والدين وبين العقل والنقل في اختصار على أساس عقلى، ولعل نظرية النبوة التي ذهب إليها الفارابى في كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة) هي أبرز مظاهر محاولات هذا التوفيق، والتي يذهب فيها إلى أن الوحى يكون لمن حل العقل الفعال في قوتيه الناطقة والمتخيلة، ويجعل هذه القوى من خصائص النبوة التي تؤثر في العالم الخارجى فتكون بذلك المعجزات، ويسوى من خلال هذه النظرية في الرتبة بين الفلاسفة والأنبياء من حيث الأخذ عن العقل الفعال، ثم يقدم الفلاسفة على الأنبياء، نسب إليه أنه قال إن النبوة مكتسبة وأنها تعتمد في الأساس على قوة التخيل، وهو ما يعنى أنه في حالة وجود شخص يمتلك قوة تخيل يمكنه أن يكون نبيًا، بما يفيد استمرار وجود أنبياء إلى قيام الساعة، وفى هذا تناقض مع عقيدة ختم النبوة بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم، فضلًا عن اعتقاد الفارابى بعدم اصطفاء الله تعالى لأنبيائه ورسله، وهو ما يُخالف ما جاء به الدين الإسلامى وما أكده القرآن، ولقد انتقلت هذه النظرية إلى عدد من تلاميذ الفارابى من الفلاسفة مثل ابن سينا، وفى هذا الصدد استعرض كتاب (خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء) مجموعة من الأفكار التي تناقش قول الفارابى إن النبوة مكتسبة وتعتمد على قوة التخيل التي يكتسبها المرء بالمجاهدات والرياضات، وذلك من خلال واقع الأنبياء وحياتهم، وضرب مثالًا للنبى عيسى عليه السلام الذي جعله الله نبيًا وهو ما زال في المهد صبيًا، أي أنه لم يكن يمتلك قوة مخيلة في هذا العمر حتى يمكنه اكتساب النبوة، بما يؤكد أن النبوة اصطفاء كما قال عز وجل «الله يصطفى من الملائكة رسلًا ومن الناس إن الله سميع بصير» وينفى ما ذكرته نظرية الفارابى حول النبوة.
صراع مع «الغزالى»
كان للإمام الغزالى صراع حامى الوطيس مع الفلاسفة، فقد أصدر الإمام أبو حامد الغزالى مؤلفه (مقاصد الفلاسفة) ليُظهر من خلاله إلمامه بفلسفة أفلاطون وأرسطو وأتباعهم الفارابى وابن سينا، وكان هدفه من هذا المؤلف ينحصر في تبيان أخطائهم وضلال مذاهبهم التي تبحث فيما وراء الطبيعة، ثم قرر الغزالى شن هجوم شرس على الفلاسفة اليونانيين "سقراط وأفلاطون وأرسطو" وأتباعهم من الفلاسفة المسلمين الذين كانوا يعتقدون –من وجهة نظره- في أنفسهم التميز عن النظراء بالذكاء والفطنة ويرفضون وظائف الإسلام ويحقرون من شعائر الدين ويستهينون بعبادات الشرع وحدوده، فقرر إصدار كتاب (تهافت الفلاسفة)، في القرن الحادى عشر، والذي حدد فيه الغزالى عشرين مسألة يشكك من خلالها في أفكار الفلاسفة وبراهينهم، وتدور 16 مسألة حول الإلهيات التي تبحث في المسائل الغيبية مثل قدم العالم وأزليته، مسألة الخلود، وذات الله وصفاته والعلم بالجزئيات والكليات، أما الأربع مسائل الأخرى فتدور حول الطبيعيات مثل جوهرية النفس واستقلالها وحشر الأجساد.
3 مسائل
نقد الغزالى الفلاسفة في كتابه بقسوة لا تخلو من السب واللعن، وصلت في كثير من المواقع إلى حد تكفير كل من الفارابى وابن سينا لأنهما السبب في تلويث عقول المسلمين بأفكار أفلاطون وأرسطو الوثنية، فضلًا عن تكفير إياهم بسبب ثلاث مسائل من العشرين لمخالفتها آراء وأفكار جموع المسلمين حولها، أولى هذه المسائل هي أن الأجسام لا تُحشر وأن المُثاب والمُعاقب هي الروح المجردة وأن العقوبات روحانية لا جسمانية، واعتبر الغزالى أن إنكار الفلاسفة وقوع عقوبات جسمانية بالرغم من إثباتهم العقوبات الروحانية مناف للشريعة، وبالتالى فاعتبرهم كفروا فيما نطقوا به، أما المسألة الثانية التي تم تكفيرهم فيها قولهم إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات وهو ما يراه الغزالى كفرًا صريحًا، والمسألة الثالثة هي قولهم بقدم العالم وأزليته وهى مسائل يرى الغزالى أنها لا تلائم الإسلام ولم يذهب إليها أحد من المسلمين، كما أنه حكم بالبدعة في 17 مسألة أخرى طرحها الفلاسفة، منها الوجود والماهية في الذات الإلهية، والعلم بالكليات، اللوح المحفوظ ونفوس السماوات، مسألة فناء النفوس البشرية.
وبهذا العمل وجه الغزالى ضربة عنيفة للفلسفة في المشرق العربى استمرت لأكثر من ثمانية عقود من الزمن، وطوال هذه الفترة الزمنية لم يتمكن أحد من مفكرى وفلاسفة الإسلام من الرد على كتاب الغزالى، بل أخذت الفلسفة في الانكماش التدريجى وتراجع الاحترام الاجتماعى للمشتغلين فيها، حتى جاء القاضى ابن رشد ليزيل الغبن عن الفلسفة ويعيد إليها اعتبارها، ويرفع التكفير عن الفارابى وابن سينا، ويرد على الغزالى جميع حججه من خلال كتابه (تهافت التهافت) الصادر في القرن الثانى عشر الميلادي، فرد ابن رشد على المسائل العشرين ودحض حجج الغزالى وهاجمه هجومًا حادًا ووصف برهانه بالضعف وحجته بالركاكة، كما أنه رفض فكرة التحريم بقراءة الفلسفة اليونانية وذلك لإيمانه بأن الاطلاع على علوم الأوائل هو واجب بالشرع، فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه، كما أنه كان يرى أن تكفير الغزالى للفارابى وابن سينا ليس بالأمر القطعى وليس صحيحًا، ويشير ابن رشد أيضًا إلى أن الغزالى قد أخطأ بحق الفلاسفة فيما نسب إليهم من اتهامات.
تكفيره
استمر الحكم بكفر الفارابى ومن تبعه من الفلاسفة بعد وفاة الغزالى بسنوات طوال، فقد جاء من بعده ابن تيمية في القرن الثالث عشر ليكون امتدادًا للغزالى في تكفيره للفلاسفة، واستمر تحريم الكثير من العلماء المسلمين لعلم المنطق، في مقدمة هؤلاء العلماء النووى والسيوطى وابن نجيم وابن القيم، تلميذ ابن تيمية، الذي اتهم أرسطو بأنه كان يدعو إلى الكفر بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، متهمًا من سار على نهجه، ومن يعظمونه فوق ما يعظم به الأنبياء ويسمونه بالمعلم الأول، ب "الملاحدة"، واصفًا ابا نصر الفارابى بأنه المعلم الثانى للملاحدة، وهو الذي وضع لهم التعاليم الصوتية ووسع الحديث في صناعة المنطق وبسطها وشرح فلسفة أرسطو وهذبها وبالغ في ذلك، وأكد ابن القيم أن الفارابى كان على طريق أرسطو من الكفر بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، مُشيرًا إلى أن الفارابى وأتباعه يعتبرون الزندقة والإلحاد شرطًا من شروط الفضيلة، واعتبر أن الشيطان تلاعب بهم كتلاعب الصبية بالكرة وبأنهم أناس لا مبدأ عندهم ولا معاد ولا صانع ولا نبوة ولا كتب نزلت من السماء تكلم بها الإله، ولا يؤمنون بالملائكة التي تنزلت بالوحى من الله تعالى غير أن كثيرين ينفون تلك التهم عن الفارابى ويرون أن منتقديه بالغوا في تكفيره.
المصادر:
◌ محسن مهدي، الفارابى وتأسيس الفلسفة الإسلامية السياسية، ترجمة: وداد الحاج حسن، بيروت: دار الفارابى، 2009.
◌ عماد الدين الجبورى، دراسات في المنطق والفلسفة، 2014.
◌ ابن قيم الجوزية، إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان، دار علم الفوائد.
◌ ابن العماد شهاب الدين أبى الفلاح، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، المجلد الرابع، دار ابن كثير للنشر، 1989.
◌ الصادق بن محمد بن إبراهيم، خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء، سلسلة الرسائل الجامعية، الرياض: مكتبة الرشيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.