"فتح": نتنياهو يُطيل أمد الحرب للهروب من الاستحقاقات السياسية.. ويضحي بالأسرى    قفزا في الترعة.. ضبط متهمين بسرقة الدراجات البخارية وتجارة المخدرات بسوهاج    بطولة وفداء.. عامل مزلقان للسكة الحديد ببني سويف ينقذ حياة شاب من الموت المحقق تحت قضبان قطار    السفير حسام زكي: التحركات الإسرائيلية في غزة مرفوضة وتعيدنا إلى ما قبل 2005    توتر إقليمي متصاعد: تصريحات ترامب وهجوم صاروخي على تل أبيب    تطور جديد في مستقبل دوناروما.. وكيله يظهر في مانشستر سيتي    إبراهيم نور الدين يقدم برنامج «كورة مصر» على الفضائية المصرية    رابطة الأندية تعلن تعديل مواعيد وملاعب 7 مباريات في الدوري    اليوم الأول بدوري القسم الثاني.. تعادل كفر الزيات والسكة الحديد والإنتاج يحسمها بثنائية    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 22-8-2025 بعد آخر انخفاض    بالمجاميع.. مواعيد اختبارات الهيئة والقبول بمدارس التمريض في مطروح (تفاصيل)    «أغسطس يُسدل الستار على الموجات الحارة».. مفاجأة بشأن حالة الطقس الأسبوع المقبل    "الخريطة الزمنية كاملة" موعد بدء الدراسة 2025 – 2026 في مصر    مطرب الراب ناصر يغنى النصيب بفقرته فى مهرجان العلمين    رضوى الشربيني تعلق على عودة حسام حبيب ل شيرين عبدالوهاب: «يا ألف خسارة»    منها الإقلاع عن التدخين.. 10 نصائح للحفاظ على صحة عينيك مع تقدمك فى العمر (تعرف عليها)    ترامب يعلن موعد قرعة كأس العالم 2026 في أمريكا    الخارجية الفلسطينية: استباحة الاحتلال والمستوطنين للضفة الغربية انتهاك صارخ وتكريس لمخططات التهويد والضم    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل    كندا تتراجع عن الرسوم الجمركية العقابية على السلع الأمريكية    خسارة سيدات الطائرة أمام صاحب الأرض ببطولة العالم بتايلاند    رواية مختلقة.. وزارة الداخلية تكشف حقيقة تعدي شخص على جارته    موعد إجازة المولد النبوي 2025 للقطاعين الحكومي والخاص (رسميًا)    ثورة جديدة بتطوير المناهج «2»    الوادي الجديد تطلق منصة إلكترونية للترويج السياحي والحرف اليدوية    صراع الخير والشر في عرض مدينة الأحلام بالمهرجان الختامي لشرائح ونوادي مسرح الطفل    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    مدرب توتنهام: لا مكان لمن لا يريد ارتداء شعارنا    مستقبل الدور الفرنسي في إفريقيا بين الشراكة والقطيعة    لغة لا تساوى وزنها علفًا    بعد مداهمة وكر التسول.. حملات مكثفة لغلق فتحات الكباري بالجيزة| صور    «التنظيم والإدارة» يعلن توقف الامتحانات بمركز تقييم القدرات.. لهذا السبب    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محمود فوزي: الحكومة جادة في تطبيق قانون الإيجار القديم وحماية الفئات الضعيفة    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    المجاعة تهدد نصف مليون في غزة.. كيف يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل؟    نجاح عملية دقيقة لاستئصال ورم بالمخ وقاع الجمجمة بمستشفى العامرية العام بالإسكندرية    عميد طب القصر العيني يتابع جاهزية البنية التحتية استعدادًا لانطلاق العام الدراسي    لمرضى السكري - اعتاد على تناول زبدة الفول السوداني في هذا التوقيت    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    "درويش" يحقق قفزة كبيرة ويتخطى 20 مليون جنيه في 9 أيام    الكشف الطبى على 276 مريضا من أهالى قرى البنجر فى قافلة مجانية بالإسكندرية    المقاومة العراقية تطالب بالانسحاب الحقيقي للقوات الأمريكية من العراق    بالأرقام.. الأمن الاقتصادي يضبط آلاف القضايا خلال 24 ساعة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    وزير الثقافة يستقبل وفد الموهوبين ببرنامج «اكتشاف الأبطال» من قرى «حياة كريمة»    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    الاقتصاد المصرى يتعافى    الداخلية تكشف تفاصيل اقتحام منزل والتعدي على أسرة بالغربية    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطر.. إجبار دول المنطقة على خيار المقاطعة
نشر في صوت البلد يوم 17 - 06 - 2017

رغم أن الأزمة الراهنة بين قطر من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر من جهة أخرى ليست الأولى في تاريخ دول الخليج العربي، إلاّ أنها الأقوى من حيث صرامة قرار المقاطعة والأعمق من حيث تبعاته.
تستمد الأزمة هذه التعقيدات من كون القرار بالمقاطعة جاء نتيجة تراكم سياسات سنوات طويلة، وليس وليد اللحظة التي تدخلت فيها قطر في دول الربيع العربي ل”دعم الديمقراطية” كما تدعي الدوحة. بسبب هذه التراكمات تعقد الوضع.
وإذا كانت أزمة سحب السفراء في سنة 2014 دامت 9 أشهر، فإن هذه الأزمة مرشحة لتدوم أكثر إذا ما استمر تعنت قطر وتمسكها بسياستها التي تجاوزت حدود الطموح المشروع لكل دولة إلى إثارة الفتنة وتهديد أمن واستقرار دول الجوار والعالم.
ويشير المراقبون إلى أن سياسات قطر كانت معروفة وواضحة خصوصا محاولاتها إزعاج المملكة العربية السعودية، التي فضلت على مدار السنوات الماضية اتباع سبل الحوار والمحافظة على تماسك مجلس التعاون الخليجي والحرص على النظر إلى قطر باعتبارها شقيقة صغرى متهورة ستعود إلى نطاقها الخليجي. لكن، طالت طريق هذه العودة القطرية وكبر طموح الشقيقة الصغرى لينتهي الأمر بها إلى عزلة مع جوارها.
أزمة التسعينات
ذكرت صحيفة واشنطن تايمز أن قطر حرصت منذ تسعينات القرن الماضي على أن تكون مصدر إزعاج دائم لجارتها السعودية، في مسعى منها إلى إيجاد موطئ قدم على الساحة الدولية. ويدعم هذا التوجه الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، بواشنطن، ديفيد أندرو وينبرغ، الذي يرى أن الأزمة الحالية، التي وصفها البعض بالمفاجئة، حدثت نتيجة لذلك التاريخ الطويل من التوتر في العلاقات بين تلك الدول وقطر.
ويعود وينبرغ بالأزمة إلى العام تحديدا 1990، حين تباينت وجهات النظر بين قطر والسعودية حول اثنين من أخطر القوى في المنطقة، وهما إيران وجماعة الإخوان المسلمين.
وعندما احتلت القوات العراقية بقيادة صدام حسين الكويت في عام 1990، أثارت تلك الخطوة مخاوف باقي الدول الخليجية. وأرغمت كل منها على اتخاذ مسارات متباينة. كما تعرضت الرياض لضغوط من قبل رجال الدين المحليين التابعين لجماعة الإخوان المسلمين الذين طالبوا الرياض ببعض التنازلات السياسية، بما في ذلك إنهاء ترتيبات المملكة مع الجيش الأميركي. وأدى ذلك إلى إنهاء السعوديين من طرفهم علاقاتهم الجيدة التي كانت تربطهم بجماعة الإخوان المسلمين.
وفي المقابل، اتخذت قطر مسارا منفصلا، حيث رأى القطريون في ورقة الإخوان فرصة لجذبهم صوبها وتمكينهم لتستفيد منهم الدوحة في مخططاتها الخارجية لاحقا. ومنذ ذلك الحين أصبحت قطر أقوى مؤيد للإخوان المسلمين في المنطقة.
وفي عام 1995، قاد ولي عهد قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني انقلابا أبيض على والده، واستولى على الحكم أثناء قضاء الأخير عطلته في أوروبا. ومنذ ذلك الوقت زادت النزعة القطرية العدائية التي توّجها الشيخ حمد سنة 1996 بإطلاق قناة الجزيرة.
ومن خلال البحث عن الفضائح والتشهير بأنظمة الحكم العربية الأخرى، استطاعت قطر أن تبني قوتها من خلال قناة الجزيرة، وقدمت فرصة لا مثيل لها للإخوان المسلمين من خلال الاستضافات المتكررة في برامج البث المباشر لبعض الإسلاميين المتطرفين.
وفي عام 2002 استدعت السعودية سفيرها لدى قطر بعد ظهور معارض سعودي على قناة الجزيرة القطرية انتقد الأسرة الحاكمة في السعودية. وخلال تلك الفترة، ضاعفت قطر من سياستها الخارجية المستقلة، وقدمت دعما سياسيا وحتى اقتصاديا لإيران والعديد من وكلائها، مثل حماس وحزب الله ونظام الأسد في سوريا. في الوقت نفسه، أصبحت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية أكثر تقليدية بعد أن تعرضت بين العامين 2003 و2006 لموجة من الهجمات الدامية التي شنها تنظيم القاعدة.
ويشير وينبرغ إلى أن الفرصة سنحت أمام قطر حينما قررت واشنطن أن تبحث عن موقع بديل “للمركز المشترك للعمليات الجوية والفضائية”، ونقلت مقر هذه القاعدة الجوية المهمة في عام 2003 من الأراضي السعودية إلى قاعدة العُديد في قطر. وأعطت تلك القاعدة الدوحة قدرا من الحصانة ضد الضغوط الأميركية، وقللت إلى حد كبير من اعتماد قطر على أي من جيرانها الخليجيين للدفاع.
بحلول عامي 2007 و2008، قامت الدوحة بإصلاح علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية، مع ظهور احتمال توجيه الولايات المتحدة ضربة ضد البرنامج النووي الإيراني والذي سيؤدي حتما إلى محاولة انتقام إيران من القوات الأميركية في قطر. وكنتيجة لذلك، خففت قناة الجزيرة من حدة انتقاداتها للمملكة العربية السعودية، وعاد السفير السعودي إلى قطر مرة أخرى.
فور اندلاع ثورات الربيع العربي في العام 2011، ألقت قطر ثقلها الكامل ودعمها لمختلف حركات الإخوان المسلمين، في محاولة لتحدي النظام القائم، مما أدى إلى إفساد العلاقات بين الرياض والدوحة مرة أخرى. وفي مارس 2014 قامت الدول الثلاث السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من الدوحة.
واستمرت تلك الأزمة الخليجية لعدة شهور حتى استسلمت قطر عندما واجهت تهديدا بالمقاطعة البرية والجوية من قبل السعودية. وأغلقت الجزيرة فرع القناة في مصر.
لكن، لم تف قطر بتعهداتها، وواصلت التحريض ولم تنه دعمها للإسلاميين والمتشددين. وهذا ما نوهت إليه كل من السعودية والبحرين والإمارات في تصريحاتها فور قطع علاقاتها مع قطر.
وكما يشير الباحث في معهد كارنغي بيري كاماك، إذا ما كانت أسباب أزمات 2014 و2017 مُتشابهة، فإن السياقات الإقليمية ليست كذلك. فحين سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها في العام 2014، كان عمر العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز 89 سنة ويعاني من المرض. كما كان ثمة شعور في كل من الخليج والغرب بأن تميم بن حمد، أمير قطر، (33 سنة) وتسنلم العرش مؤخرا، ربما يكون أقل عنادا من والده، لكن اليوم، السعوديون هم الذين لديهم قيادة شابة ديناميكية.
التناقض الأميركي
بعد أيام قليلة من إعلان المقاطعة، اتخذت الأزمة بعدا إقليميا ودوليا بدخول بعض الدول على خط الوساطة، كل وفق أجندته دون أن يطرحوا حلولا تتعرض للأسباب التي قادت إلى التصعيد.
سجلت الكويت نشاطا دبلوماسيا ملحوظا منذ أول يوم من أيام الأزمة. لكن وفيما تمتلك الكويت كل مبررات الوساطة وهي الأقرب والأقدر على رأب الصدع، تدخلت جهات أخرى، من بينها تركيا، لتصب الزيت على النار وفق المراقبين، الذين يرون أن قلق أردوغان من أن تفتح ملفاته مع الإسلاميين وراء اختياره لغة التصعيد وتحريض قطر.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة حل الأزمات بالحوار والسبل الدبلوماسية. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء، إنه سيتصل مجددا بمسؤولي كل من المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، لبحث الأزمة الخليجية.
وأضاف ماكرون، خلال مؤتمر صحافي عقده مشترك في المغرب الأربعاء، في زيارة “عمل وصداقة” “حول الوضع الراهن والمتوتّر في الخليج، أكّدنا مجددا أنا والملك محمد السادس، رؤيتنا المشتركة التي تفضّل استقرار المنطقة (الخليج) من جهة، ومكافحة الإرهاب وجميع أشكال تمويله من جهة أخرى”.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس أوفد وزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة إلى الكويت والسعودية والإمارات في إطار جولة وساطة يقوم بها المغرب لحل الأزمة الخليجية.
وفي الوقت الذي مازالت الدول الأوروبية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تتحسب لأي تبعات تتعلق باستثمارات قطر لديها، تصرفت دول أخرى على الطريقة التي دعا إليها زعيم حزب المحافظين الأسترالي، كوري برناردي، حين قال “لماذا نسمح لقطر بحماية أمنها الغذائي عندما تقوض أمننا القومي؟”، وذلك في إشارة إلى الشركة القطرية حصاد أستراليا، التي تملك الأراضي الزراعية الرئيسية، مطالبا بضرورة إجبارها على البيع، وأعلن البنك المركزي لتايلاند أن صناديق الاستثمارات الخارجية التايلاندية في قطر قد تعود للوطن إذا انتهى أجلها.
وأكدت واشنطن على ضرورة الحوار لحل الأزمة، إلا أن موقفها شابه التناقض. ويقول مراقبون أميركيون إن غياب الزعامة الأميركية فتح الباب لتنشط الدبلوماسية الإقليمية في محاولة التوسط لحل الأزمة. ويمثل الموقف الأميركي من الأزمة المشتعلة بين دول عربية وقطر علامة استفهام، بعد أن اظهرت تصريحات المسؤولين الأميركيين تناقضا واضحا.
ويشير مراقبون إلى أن كفة الولايات المتحدة تميل إلى دول الخليج المقاطعة لقطر. ويقول بيري كاماك إنه نظرا إلى حالة الوهن النسبي التي تعتري قطر، ستكون عاصفة التغريدات التي أطلقها ترامب حاسمة على الأرجح في تحديد مآلات الأمور. ومع أن القيادة المركزية الأميركية، التي تتولّى تنفيذ وتنسيق معظم عملياتها الجوية الإقليمية، من ضمنها تلك الموجّهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، في قاعدة العُديد الجوية في قطر، أعلنت الاثنين أنها “لا تعتزم نقل مقرّها في قطر”، إلا أن تصريحات ترامب تُلمح حتما إلى إمكانية تغيير موقع التمركز العسكري الأميركي.
رغم أن الأزمة الراهنة بين قطر من جهة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر من جهة أخرى ليست الأولى في تاريخ دول الخليج العربي، إلاّ أنها الأقوى من حيث صرامة قرار المقاطعة والأعمق من حيث تبعاته.
تستمد الأزمة هذه التعقيدات من كون القرار بالمقاطعة جاء نتيجة تراكم سياسات سنوات طويلة، وليس وليد اللحظة التي تدخلت فيها قطر في دول الربيع العربي ل”دعم الديمقراطية” كما تدعي الدوحة. بسبب هذه التراكمات تعقد الوضع.
وإذا كانت أزمة سحب السفراء في سنة 2014 دامت 9 أشهر، فإن هذه الأزمة مرشحة لتدوم أكثر إذا ما استمر تعنت قطر وتمسكها بسياستها التي تجاوزت حدود الطموح المشروع لكل دولة إلى إثارة الفتنة وتهديد أمن واستقرار دول الجوار والعالم.
ويشير المراقبون إلى أن سياسات قطر كانت معروفة وواضحة خصوصا محاولاتها إزعاج المملكة العربية السعودية، التي فضلت على مدار السنوات الماضية اتباع سبل الحوار والمحافظة على تماسك مجلس التعاون الخليجي والحرص على النظر إلى قطر باعتبارها شقيقة صغرى متهورة ستعود إلى نطاقها الخليجي. لكن، طالت طريق هذه العودة القطرية وكبر طموح الشقيقة الصغرى لينتهي الأمر بها إلى عزلة مع جوارها.
أزمة التسعينات
ذكرت صحيفة واشنطن تايمز أن قطر حرصت منذ تسعينات القرن الماضي على أن تكون مصدر إزعاج دائم لجارتها السعودية، في مسعى منها إلى إيجاد موطئ قدم على الساحة الدولية. ويدعم هذا التوجه الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، بواشنطن، ديفيد أندرو وينبرغ، الذي يرى أن الأزمة الحالية، التي وصفها البعض بالمفاجئة، حدثت نتيجة لذلك التاريخ الطويل من التوتر في العلاقات بين تلك الدول وقطر.
ويعود وينبرغ بالأزمة إلى العام تحديدا 1990، حين تباينت وجهات النظر بين قطر والسعودية حول اثنين من أخطر القوى في المنطقة، وهما إيران وجماعة الإخوان المسلمين.
وعندما احتلت القوات العراقية بقيادة صدام حسين الكويت في عام 1990، أثارت تلك الخطوة مخاوف باقي الدول الخليجية. وأرغمت كل منها على اتخاذ مسارات متباينة. كما تعرضت الرياض لضغوط من قبل رجال الدين المحليين التابعين لجماعة الإخوان المسلمين الذين طالبوا الرياض ببعض التنازلات السياسية، بما في ذلك إنهاء ترتيبات المملكة مع الجيش الأميركي. وأدى ذلك إلى إنهاء السعوديين من طرفهم علاقاتهم الجيدة التي كانت تربطهم بجماعة الإخوان المسلمين.
وفي المقابل، اتخذت قطر مسارا منفصلا، حيث رأى القطريون في ورقة الإخوان فرصة لجذبهم صوبها وتمكينهم لتستفيد منهم الدوحة في مخططاتها الخارجية لاحقا. ومنذ ذلك الحين أصبحت قطر أقوى مؤيد للإخوان المسلمين في المنطقة.
وفي عام 1995، قاد ولي عهد قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني انقلابا أبيض على والده، واستولى على الحكم أثناء قضاء الأخير عطلته في أوروبا. ومنذ ذلك الوقت زادت النزعة القطرية العدائية التي توّجها الشيخ حمد سنة 1996 بإطلاق قناة الجزيرة.
ومن خلال البحث عن الفضائح والتشهير بأنظمة الحكم العربية الأخرى، استطاعت قطر أن تبني قوتها من خلال قناة الجزيرة، وقدمت فرصة لا مثيل لها للإخوان المسلمين من خلال الاستضافات المتكررة في برامج البث المباشر لبعض الإسلاميين المتطرفين.
وفي عام 2002 استدعت السعودية سفيرها لدى قطر بعد ظهور معارض سعودي على قناة الجزيرة القطرية انتقد الأسرة الحاكمة في السعودية. وخلال تلك الفترة، ضاعفت قطر من سياستها الخارجية المستقلة، وقدمت دعما سياسيا وحتى اقتصاديا لإيران والعديد من وكلائها، مثل حماس وحزب الله ونظام الأسد في سوريا. في الوقت نفسه، أصبحت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية أكثر تقليدية بعد أن تعرضت بين العامين 2003 و2006 لموجة من الهجمات الدامية التي شنها تنظيم القاعدة.
ويشير وينبرغ إلى أن الفرصة سنحت أمام قطر حينما قررت واشنطن أن تبحث عن موقع بديل “للمركز المشترك للعمليات الجوية والفضائية”، ونقلت مقر هذه القاعدة الجوية المهمة في عام 2003 من الأراضي السعودية إلى قاعدة العُديد في قطر. وأعطت تلك القاعدة الدوحة قدرا من الحصانة ضد الضغوط الأميركية، وقللت إلى حد كبير من اعتماد قطر على أي من جيرانها الخليجيين للدفاع.
بحلول عامي 2007 و2008، قامت الدوحة بإصلاح علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية، مع ظهور احتمال توجيه الولايات المتحدة ضربة ضد البرنامج النووي الإيراني والذي سيؤدي حتما إلى محاولة انتقام إيران من القوات الأميركية في قطر. وكنتيجة لذلك، خففت قناة الجزيرة من حدة انتقاداتها للمملكة العربية السعودية، وعاد السفير السعودي إلى قطر مرة أخرى.
فور اندلاع ثورات الربيع العربي في العام 2011، ألقت قطر ثقلها الكامل ودعمها لمختلف حركات الإخوان المسلمين، في محاولة لتحدي النظام القائم، مما أدى إلى إفساد العلاقات بين الرياض والدوحة مرة أخرى. وفي مارس 2014 قامت الدول الثلاث السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من الدوحة.
واستمرت تلك الأزمة الخليجية لعدة شهور حتى استسلمت قطر عندما واجهت تهديدا بالمقاطعة البرية والجوية من قبل السعودية. وأغلقت الجزيرة فرع القناة في مصر.
لكن، لم تف قطر بتعهداتها، وواصلت التحريض ولم تنه دعمها للإسلاميين والمتشددين. وهذا ما نوهت إليه كل من السعودية والبحرين والإمارات في تصريحاتها فور قطع علاقاتها مع قطر.
وكما يشير الباحث في معهد كارنغي بيري كاماك، إذا ما كانت أسباب أزمات 2014 و2017 مُتشابهة، فإن السياقات الإقليمية ليست كذلك. فحين سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها في العام 2014، كان عمر العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز 89 سنة ويعاني من المرض. كما كان ثمة شعور في كل من الخليج والغرب بأن تميم بن حمد، أمير قطر، (33 سنة) وتسنلم العرش مؤخرا، ربما يكون أقل عنادا من والده، لكن اليوم، السعوديون هم الذين لديهم قيادة شابة ديناميكية.
التناقض الأميركي
بعد أيام قليلة من إعلان المقاطعة، اتخذت الأزمة بعدا إقليميا ودوليا بدخول بعض الدول على خط الوساطة، كل وفق أجندته دون أن يطرحوا حلولا تتعرض للأسباب التي قادت إلى التصعيد.
سجلت الكويت نشاطا دبلوماسيا ملحوظا منذ أول يوم من أيام الأزمة. لكن وفيما تمتلك الكويت كل مبررات الوساطة وهي الأقرب والأقدر على رأب الصدع، تدخلت جهات أخرى، من بينها تركيا، لتصب الزيت على النار وفق المراقبين، الذين يرون أن قلق أردوغان من أن تفتح ملفاته مع الإسلاميين وراء اختياره لغة التصعيد وتحريض قطر.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة حل الأزمات بالحوار والسبل الدبلوماسية. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء، إنه سيتصل مجددا بمسؤولي كل من المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر، لبحث الأزمة الخليجية.
وأضاف ماكرون، خلال مؤتمر صحافي عقده مشترك في المغرب الأربعاء، في زيارة “عمل وصداقة” “حول الوضع الراهن والمتوتّر في الخليج، أكّدنا مجددا أنا والملك محمد السادس، رؤيتنا المشتركة التي تفضّل استقرار المنطقة (الخليج) من جهة، ومكافحة الإرهاب وجميع أشكال تمويله من جهة أخرى”.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس أوفد وزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة إلى الكويت والسعودية والإمارات في إطار جولة وساطة يقوم بها المغرب لحل الأزمة الخليجية.
وفي الوقت الذي مازالت الدول الأوروبية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تتحسب لأي تبعات تتعلق باستثمارات قطر لديها، تصرفت دول أخرى على الطريقة التي دعا إليها زعيم حزب المحافظين الأسترالي، كوري برناردي، حين قال “لماذا نسمح لقطر بحماية أمنها الغذائي عندما تقوض أمننا القومي؟”، وذلك في إشارة إلى الشركة القطرية حصاد أستراليا، التي تملك الأراضي الزراعية الرئيسية، مطالبا بضرورة إجبارها على البيع، وأعلن البنك المركزي لتايلاند أن صناديق الاستثمارات الخارجية التايلاندية في قطر قد تعود للوطن إذا انتهى أجلها.
وأكدت واشنطن على ضرورة الحوار لحل الأزمة، إلا أن موقفها شابه التناقض. ويقول مراقبون أميركيون إن غياب الزعامة الأميركية فتح الباب لتنشط الدبلوماسية الإقليمية في محاولة التوسط لحل الأزمة. ويمثل الموقف الأميركي من الأزمة المشتعلة بين دول عربية وقطر علامة استفهام، بعد أن اظهرت تصريحات المسؤولين الأميركيين تناقضا واضحا.
ويشير مراقبون إلى أن كفة الولايات المتحدة تميل إلى دول الخليج المقاطعة لقطر. ويقول بيري كاماك إنه نظرا إلى حالة الوهن النسبي التي تعتري قطر، ستكون عاصفة التغريدات التي أطلقها ترامب حاسمة على الأرجح في تحديد مآلات الأمور. ومع أن القيادة المركزية الأميركية، التي تتولّى تنفيذ وتنسيق معظم عملياتها الجوية الإقليمية، من ضمنها تلك الموجّهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، في قاعدة العُديد الجوية في قطر، أعلنت الاثنين أنها “لا تعتزم نقل مقرّها في قطر”، إلا أن تصريحات ترامب تُلمح حتما إلى إمكانية تغيير موقع التمركز العسكري الأميركي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.