افتتاح مسجدين بمركزي مغاغة وأبوقرقاص في المنيا    انطلاق قافلة دعوية كبرى للواعظات بأوقاف الفيوم.. صور    «التموين» تنتهي من صرف مقررات أغسطس بنسبة 85% و المنافذ تعمل الجمعة    «التخطيط» تصدر تقريرًا بمناسبة مرور 70 عامًا على العلاقات المشتركة مع «جايكا»    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    دون سابق إنذار.. بند مهم في قانون الإيجار القديم 2025 يُنهي عقدك ويُخسرك منزلك فجأة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المغربي دور الاتحاد الأفريقي في معالجة قضايا القارة    الخارجية الفلسطينية: الاحتلال استخدم التجويع كسلاح حرب في قطاع غزة    عضو بالعمل الأهلي الفلسطيني: غزة تموت جوعًا.. و50% من السكان لا يحصلون على وجبة يوميًا    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام لايبزج في افتتاح الدوري الألماني.. والقنوات المجانية الناقلة    ضبط 4 أطنان دقيق مدعم داخل المخابز السياحية بالمخالفة للقانون    الثقب الأسود في الجيزة.. إجراءات عاجلة لمنع استغلال الفتحات أسفل الكباري والمحاور    ضبط 400 قضية مخدرات وتنفيذ 83 ألف حكم قضائي خلال يوم    7 ملايين جنيه حصيلة قضايا الاتجار غير المشروع في العملات    ضبط ورشة بها 196 قطعة سلاح في الشرابية    وزير الثقافة يشهد عروض قطاعات الوزارة ضمن فعاليات «ليالينا في العلمين»    علاء زينهم: لسنا أسيادًا على أحد..والفنان مهمته إسعاد جمهوره    بعد 25 عامًا من الصمت.. رحلة استعادة الكنوز الأثرية من أعماق البحر    هيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية تحصل على الاعتماد المؤسسي من المجلس العربي    تسجيل مركز قصر العيني للأبحاث السريرية KCCR بالمجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الإكلينيكية    وكيل وزارة الأوقاف بأسيوط يؤدى صلاة الجمعة بمسجد الموحدين بديروط    ناشئو وناشئات الطائرة يتوجهون إلى تونس بحثًا عن التتويج الإفريقي    زيادة طفيفة لمؤشر البورصة هذا الأسبوع    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    *لليوم الثاني.. خدمة Premium الجديدة بقطارات السكة الحديد "كاملة العدد"    دعمًا للأجيال الواعدة.. حماة الوطن يكرم أبطال «UC Math» في دمياط    توتر متصاعد في غزة مع تهديدات إسرائيلية ب "فتح أبواب الجحيم"    «الأرصاد» تكشف حالة طقس غدًا السبت |إنفوجراف    انقلاب سيارة ربع نقل على طريق أسيوط الصحراوي يصيب 6 أشخاص بالفيوم    عائلات المحتجزين: ندعو لوقفة احتجاجية قبالة مقر نتنياهو    زيلينسكي: صمدنا 1276 يوما من الحرب أمام روسيا للحصول على استقلالنا    زلزال بقوة 7.5 درجة يضرب ممر دريك بين أمريكا الجنوبية والقارة القطبية    أميرة أديب تنضم إلى وارنر ميوزيك وتقدم أغنيتها الجديدة "تصبيرة"    مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يعلن لجنة تحكيم الدورة ال32    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بماليزيا.. أحمد كريمة يوضح الرأي الشرعي    «التسامح والرضا».. وصفة للسعادة تدوم مدى الحياة    أول قرار من فيريرا بعد فوز الزمالك على مودرن سبورت    محمود ناجي يدير مباراة السنغال وأوغندا في ربع نهائي أمم افريقيا للمحليين    تهيئة نفسية وروتين منظم.. نصائح هامة للأطفال قبل العودة إلى المدارس    وكيل صحة القليوبية يتابع مع مديري المستشفيات توافر الأدوية    أستاذ بالأزهر: مبدأ "ضل رجل ولا ضل حيطة" ضيّع حياة كثير من البنات    نيوكاسل يطارد المهاجم النرويجي ستراند لارسن.. وولفرهامبتون في معركة للحفاظ على نجم الهجوم    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    قائد الجيش الإيراني: لن ننتظر إذن أحد لحماية أمننا ومستعدون لرد قاسي على أي اعتداء    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 22 أغسطس 2025    «زي النهارده» في 22 أغسطس 1948.. استشهاد البطل أحمد عبدالعزيز    كيف يتصدى مركز الطوارئ بالوكالة الذرية لأخطر التهديدات النووية والإشعاعية؟    النصر يستعيد نجمه قبل نهائي السوبر    محمد رمضان يستفز جمهوره في مصر ب فيديو جديد: «غيرانين وأنا عاذرهم»    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    إحالة أوراق المتهم بقتل أطفاله الأربعة في القنطرة غرب إلى مفتي الجمهورية    لاعب الأهلي الأسبق: ديانج لا غنى عنه.. وبن رمضان الصفقة الأفضل    جولة مفاجئة لوكيل مستشفى الفيوم العام لضمان جودة الخدمات الطبية.. صور    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جوائز
نشر في صوت البلد يوم 08 - 04 - 2017

تبدو لي تلك الأرقام التي تعلنها إدارات الجوائز الأدبية العربية، كل عام عن عدد المشاركين في الدورات السنوية لتلك الجوائز، خاصة الرواية، غريبة فعلا، وتدل في الغالب على ما ذكرته من قبل عن التحول الكبير لعدد ليس هينا، من الذين يقرأون الكتب الأدبية، إلى كتاب، لن يتكاسلوا عن الركض في مضمار الجوائز، عسى ولعل أن يحصدوا جائزة.
جائزة الحي الثقافي – كتارا، في قطر، هي الجائزة الأضخم الآن، وتبدو «بوكر متعددة»، حيث يحصل خمسة من الفائزين على قيمة البوكر نفسها، وامتيازاتها أيضا من حيث الترويج، والترجمة للغتين رئيستين، هما الإنكليزية والفرنسية، مع دعم سنوي للفائزين، واستضافتهم في أغلب الأنشطة الحية التي تقيمها مؤسسة الحي الثقافي، إضافة لجائزة المخطوطات التي هي أيضا قيمة، وتحمل سمات جائزة الأعمال المنشورة نفسها، في ما عدا القيمة المادية، حيث يحصل الفائزون الخمسة على ثلاثين ألف دولار لكل منهم. كل هذه معلومات معروفة، يتداولها الكتاب وغير الكتاب، وتبدو نقاط جذب متوهجة لكل من كتب قبل عصر الجوائز، وما زال يكتب حتى الآن، رغم كل إحباط قد يكون حدث، ومن ابتدأ يكتب في عصر الجوائز، حيث الأدب، ليس قاحلا تماما، من الناحية النظرية، ويمكن أن يأتي بشيء من المال أيضا، وهناك شيء مهم، وهو أن كتارا لا تعلن قوائم مرحلية أبدا، ولن يعلن في يوم من الأيام، أن كاتبا ضخما متألقا، دخل قائمة وخرج منها، وهذا ليس عيبا ولا مشكلة، في الحقيقة، لأن الجوائز عادة لا تنظر إلى الكاتب وظلاله وتوهجه، وإنما إلى النصوص المتقدمة، إن كانت جيدة فعلا، بحسب رأي من يتولون التحكيم، أو لا تستحق. لكنه رغم ذلك قد يترك أثرا سلبيا ما لدى الكاتب، كما يحدث حين يخرج اللامعون من سباقات الجوائز الأخرى، ويظلون مهمومين، يتكئون على عبارات قرائهم وهي تصفهم بتلك العبارة المألوفة، في تلك المواقف: أنت أكبر من الجائزة.
إذن كتارا، ليس فيها من هو أكبر ومن هو أصغر، ومن يتساوى في الحجم مع الجائزة، وإنما ذلك اليوم الذي يخطر فيه كل فائز، بنبأ فوزه، ويستعد ليذهب إلى منبع جائزته، لذلك تجد عدد الأعمال المقدمة لجائزة كتارا تتزايد في كل عام، ويظهر في الدرب أشخاص ما كانوا يعملون كتابا أصلا، ولا طرأت الكتابة على بالهم إلا حين أصبحت سكتها خضراء، قد تأتي بالحصاد، كما يعود شيوخ انزووا منذ زمن إلى الدرب بأقدام كتابية جديدة، وبالطبع لن يتوقف الشعراء عند قصائد معقدة، ما عادت تهم أحدا في هذه الأيام، ولا النقاد سيكتبون الدراسات المطولة، في مدح النصوص أو ذمها، ولكن ثمة وقت سيخصص لكتابة الرواية، وستركض تلك الرواية، في سكة الجوائز، خاصة جائزة كتارا، الساترة، والمميزة التي إن جادت، فهو عائد محترم، بلا شك.
الأرقام التي تعلن بالفعل صادمة، وتزداد الصدمة، حين تعبر بأروقة معارض الكتب، وتحس بالحيرة من ألوان الأغلفة، والأسماء البراقة والغريبة لأعمال روائية، صدرت كلها في وقت واحد، ولا تعرف لمن تقرأ، أو كيف تقرأ، أو تعثر أصلا على صوت رائع، أضاعه ذلك التكدس الغريب.
أود أن أقول بأنني من مشجعي الكتابة، أي أنني أؤمن بأن لكل شخص قصة يود أن يرويها ويشارك بها أصدقاءه وأحبابه، والقراء إن عثر على قراء، وكثير من القصص العظيمة، نشأت من وجود دوافع لكتابتها، مثل أن يكتب سجين ما، قضى عقوبة طويلة، تجربته في السجن، وتكتب زوجته، تجربتها في انتظار سجين قد يخرج عاديا، مألوفا كما دخل، وقد يخرج بمئة عقدة، بلا حل. كأن يكتب سياسي مخضرم، مذكراته بنفس إبداعي، ربما يستعين فيه بكاتب روائي أو محرر مقتدر، كما يحدث في الغرب، وحتى أن تكتب ربة بيت عادية، مكابداتها في كل ما يخص البيت من تعب وشقاء، ومعروف أن مهنة ربة البيت، واحدة من أروع المهن، لكنها منهكة.
وقد قيل في حيثيات منح الكاتبة الألمانية الرومانية: هيرتا ميلر، جائزة نوبل في الأدب، أن لديها قصة عن الديكتاتورية، كان لا بد أن تكتبها، وكتبتها، الفرق هنا أن الذي يكتب في الغرب، يقرأ أولا، يقرأ كل ما يستطيع أن يحصل عليه من معرفة، وبالتالي حين يكتب، لا تبدو كتابته، خرقاء، أو بعيدة عن القواعد، أو كارثة، بينما من يسمعون بالجوائز، ويظنون الدرب أخضر، وسالكا، ويكتبون، لا يعون أصلا أن هناك إبداعا، له مبرراته، وليس مسألة عشوائية. نعم بإمكان كل من أراد أن يكتب قصته التي تربكه، ويود كتابتها، فقط ليستدل على طريقة كتابتها، ويفعل، ولا تكون المسألة سباقا محموما من أجل جائزة.
ودائما ما تقفز إلى ذهني بعض الأعمال الروائية التي كتبت في عصر ما قبل الجوائز، أو العصر الذهبي للكتابة، وكان عصرا طويلا امتد ربما منذ عرف العرب كيف يكتبون الرواية، إلى الألفية الجديدة، حين بدأت إشارات الجوائز، تظهر، أتذكر «الياطر» لحنا مينا، وعلاقة البحار بالبحر، و«يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق الحكيم، وكم كانت بديعة في كل شيء، وممتعة، أتذكر «البوسطجي» ليحيى حقي، وجمال الحكاية والتشويق، وأتذكر «فساد الأمكنة»، لصبري موسى، إحدى أجمل ما كتب في الأدب العربي، عالم غريب سحري في جبل الدرهيب، ونيقولا الساحر في بنيان شخصيته، والكثير من الزخم الجميل، بلا أي جائزة، أو نظرة إلى جائزة.
بالنسبة لورش الكتابة، أي تلك التي يشرف عليها كتاب قدامى، وينضم إليها كتاب يودون الكتابة بإلحاح، بغض النظر عن مسألة العمر، أنا أعتقد أنها من الحلول الجيدة لمسألة عشوائية الكتابة، ففيها توجيه لأعمال تستحق القراءة، ويمكن أن تفيد، وفيها تأكيد على قواعد الكتابة الإبداعية، وفيها تهذيب للنص الذي يقدمه المشارك، وأعتقد لو امتد نشاط تلك الورش، وأصبحت شكلا معتمدا من أشكال التعليم، لحصلنا على كتاب مقتدرين، يعرفون كيف يكتبون قصصهم التي تربكهم، وبحاجة لأن يكتبوها، فليست هيرتا ميلر كما ذكرت سابقا، تملك قصة، ولكن الدنيا كلها تملك قصصا، ربما تشبه قصة هيرتا، من حيث أنها قصة ألم في عهد ديكتاتوري، وربما قصص عن الفقر والجوع، والحرب والتشرد، والضياع، وعدم الوصول إلى أي نقطة آمنة للحياة.
تبدو لي تلك الأرقام التي تعلنها إدارات الجوائز الأدبية العربية، كل عام عن عدد المشاركين في الدورات السنوية لتلك الجوائز، خاصة الرواية، غريبة فعلا، وتدل في الغالب على ما ذكرته من قبل عن التحول الكبير لعدد ليس هينا، من الذين يقرأون الكتب الأدبية، إلى كتاب، لن يتكاسلوا عن الركض في مضمار الجوائز، عسى ولعل أن يحصدوا جائزة.
جائزة الحي الثقافي – كتارا، في قطر، هي الجائزة الأضخم الآن، وتبدو «بوكر متعددة»، حيث يحصل خمسة من الفائزين على قيمة البوكر نفسها، وامتيازاتها أيضا من حيث الترويج، والترجمة للغتين رئيستين، هما الإنكليزية والفرنسية، مع دعم سنوي للفائزين، واستضافتهم في أغلب الأنشطة الحية التي تقيمها مؤسسة الحي الثقافي، إضافة لجائزة المخطوطات التي هي أيضا قيمة، وتحمل سمات جائزة الأعمال المنشورة نفسها، في ما عدا القيمة المادية، حيث يحصل الفائزون الخمسة على ثلاثين ألف دولار لكل منهم. كل هذه معلومات معروفة، يتداولها الكتاب وغير الكتاب، وتبدو نقاط جذب متوهجة لكل من كتب قبل عصر الجوائز، وما زال يكتب حتى الآن، رغم كل إحباط قد يكون حدث، ومن ابتدأ يكتب في عصر الجوائز، حيث الأدب، ليس قاحلا تماما، من الناحية النظرية، ويمكن أن يأتي بشيء من المال أيضا، وهناك شيء مهم، وهو أن كتارا لا تعلن قوائم مرحلية أبدا، ولن يعلن في يوم من الأيام، أن كاتبا ضخما متألقا، دخل قائمة وخرج منها، وهذا ليس عيبا ولا مشكلة، في الحقيقة، لأن الجوائز عادة لا تنظر إلى الكاتب وظلاله وتوهجه، وإنما إلى النصوص المتقدمة، إن كانت جيدة فعلا، بحسب رأي من يتولون التحكيم، أو لا تستحق. لكنه رغم ذلك قد يترك أثرا سلبيا ما لدى الكاتب، كما يحدث حين يخرج اللامعون من سباقات الجوائز الأخرى، ويظلون مهمومين، يتكئون على عبارات قرائهم وهي تصفهم بتلك العبارة المألوفة، في تلك المواقف: أنت أكبر من الجائزة.
إذن كتارا، ليس فيها من هو أكبر ومن هو أصغر، ومن يتساوى في الحجم مع الجائزة، وإنما ذلك اليوم الذي يخطر فيه كل فائز، بنبأ فوزه، ويستعد ليذهب إلى منبع جائزته، لذلك تجد عدد الأعمال المقدمة لجائزة كتارا تتزايد في كل عام، ويظهر في الدرب أشخاص ما كانوا يعملون كتابا أصلا، ولا طرأت الكتابة على بالهم إلا حين أصبحت سكتها خضراء، قد تأتي بالحصاد، كما يعود شيوخ انزووا منذ زمن إلى الدرب بأقدام كتابية جديدة، وبالطبع لن يتوقف الشعراء عند قصائد معقدة، ما عادت تهم أحدا في هذه الأيام، ولا النقاد سيكتبون الدراسات المطولة، في مدح النصوص أو ذمها، ولكن ثمة وقت سيخصص لكتابة الرواية، وستركض تلك الرواية، في سكة الجوائز، خاصة جائزة كتارا، الساترة، والمميزة التي إن جادت، فهو عائد محترم، بلا شك.
الأرقام التي تعلن بالفعل صادمة، وتزداد الصدمة، حين تعبر بأروقة معارض الكتب، وتحس بالحيرة من ألوان الأغلفة، والأسماء البراقة والغريبة لأعمال روائية، صدرت كلها في وقت واحد، ولا تعرف لمن تقرأ، أو كيف تقرأ، أو تعثر أصلا على صوت رائع، أضاعه ذلك التكدس الغريب.
أود أن أقول بأنني من مشجعي الكتابة، أي أنني أؤمن بأن لكل شخص قصة يود أن يرويها ويشارك بها أصدقاءه وأحبابه، والقراء إن عثر على قراء، وكثير من القصص العظيمة، نشأت من وجود دوافع لكتابتها، مثل أن يكتب سجين ما، قضى عقوبة طويلة، تجربته في السجن، وتكتب زوجته، تجربتها في انتظار سجين قد يخرج عاديا، مألوفا كما دخل، وقد يخرج بمئة عقدة، بلا حل. كأن يكتب سياسي مخضرم، مذكراته بنفس إبداعي، ربما يستعين فيه بكاتب روائي أو محرر مقتدر، كما يحدث في الغرب، وحتى أن تكتب ربة بيت عادية، مكابداتها في كل ما يخص البيت من تعب وشقاء، ومعروف أن مهنة ربة البيت، واحدة من أروع المهن، لكنها منهكة.
وقد قيل في حيثيات منح الكاتبة الألمانية الرومانية: هيرتا ميلر، جائزة نوبل في الأدب، أن لديها قصة عن الديكتاتورية، كان لا بد أن تكتبها، وكتبتها، الفرق هنا أن الذي يكتب في الغرب، يقرأ أولا، يقرأ كل ما يستطيع أن يحصل عليه من معرفة، وبالتالي حين يكتب، لا تبدو كتابته، خرقاء، أو بعيدة عن القواعد، أو كارثة، بينما من يسمعون بالجوائز، ويظنون الدرب أخضر، وسالكا، ويكتبون، لا يعون أصلا أن هناك إبداعا، له مبرراته، وليس مسألة عشوائية. نعم بإمكان كل من أراد أن يكتب قصته التي تربكه، ويود كتابتها، فقط ليستدل على طريقة كتابتها، ويفعل، ولا تكون المسألة سباقا محموما من أجل جائزة.
ودائما ما تقفز إلى ذهني بعض الأعمال الروائية التي كتبت في عصر ما قبل الجوائز، أو العصر الذهبي للكتابة، وكان عصرا طويلا امتد ربما منذ عرف العرب كيف يكتبون الرواية، إلى الألفية الجديدة، حين بدأت إشارات الجوائز، تظهر، أتذكر «الياطر» لحنا مينا، وعلاقة البحار بالبحر، و«يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق الحكيم، وكم كانت بديعة في كل شيء، وممتعة، أتذكر «البوسطجي» ليحيى حقي، وجمال الحكاية والتشويق، وأتذكر «فساد الأمكنة»، لصبري موسى، إحدى أجمل ما كتب في الأدب العربي، عالم غريب سحري في جبل الدرهيب، ونيقولا الساحر في بنيان شخصيته، والكثير من الزخم الجميل، بلا أي جائزة، أو نظرة إلى جائزة.
بالنسبة لورش الكتابة، أي تلك التي يشرف عليها كتاب قدامى، وينضم إليها كتاب يودون الكتابة بإلحاح، بغض النظر عن مسألة العمر، أنا أعتقد أنها من الحلول الجيدة لمسألة عشوائية الكتابة، ففيها توجيه لأعمال تستحق القراءة، ويمكن أن تفيد، وفيها تأكيد على قواعد الكتابة الإبداعية، وفيها تهذيب للنص الذي يقدمه المشارك، وأعتقد لو امتد نشاط تلك الورش، وأصبحت شكلا معتمدا من أشكال التعليم، لحصلنا على كتاب مقتدرين، يعرفون كيف يكتبون قصصهم التي تربكهم، وبحاجة لأن يكتبوها، فليست هيرتا ميلر كما ذكرت سابقا، تملك قصة، ولكن الدنيا كلها تملك قصصا، ربما تشبه قصة هيرتا، من حيث أنها قصة ألم في عهد ديكتاتوري، وربما قصص عن الفقر والجوع، والحرب والتشرد، والضياع، وعدم الوصول إلى أي نقطة آمنة للحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.