مؤتمر مستقبل وطن | الفنان أحمد فؤاد سليم: "الرئيس بيثق فينا ولازم نكون قد الثقة"    مياه الفيوم تُجري استطلاع رأي للمواطنين بعزب منشأة بني عثمان بسنورس    بين دعوات الاتحاد العالمي وواقع النظام المصري: السيسي ليس بوابة لغزة بل حارِسٌ للحصار    بريطانيا: سنعترف بدولة فلسطين في سبتمبر إذا لم تُنه إسرائيل حربها على غزة    خالد بوطيب ينفي اقترابه من الانتقال إلى الوداد المغربي    لويس دياز يوقّع عقود انتقاله إلى بايرن ميونخ    تفتيش وتحرير محاضر.. وكيل تموين الإسكندرية يقود حملات على السلاسل التجارية    رئيس جامعة القاهرة يهنئ أساتذة الجامعة الفائزين بجوائز الدولة النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية    أمين الفتوى: الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد فى هذه الحالة    أمين الفتوى: تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر ذنب يستوجب التوبة والقضاء    ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    تقرير: برشلونة يصدر قميصا خاصا ل الكلاسيكو بذكريات ثلاثية 2005    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    إكسترا نيوز ترصد تفاصيل وصول مساعدات مصرية إلى غزة ضمن قافلة "زاد العزة"    الغزو الصينى قادم لا محالة.. عن قطاع السيارات أتحدث    لطلاب مدارس STEM.. تعرف على جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة 2025    حريق بمركز للطب النفسي في الأقصر بدون معرفة الأسباب.. صورة    جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 الدور الثاني (نظام قديم)    الحوثيون يحتجزون 10 أفراد من طاقم سفينة أغرقوها قبالة سواحل اليمن كانت متجهة لميناء إيلات    هآرتس تهاجم نتنياهو: ماكرون أصاب الهدف وإسرائيل ستجد نفسها في عزلة دولية    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    تجديد حبس 12 متهما في مشاجرة بسبب شقة بالسلام    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    نقابة الموسيقيين تكشف تفاصيل التحقيق مع محمود الليثي ورضا البحراوي |خاص    من عبق الحضارة إلى إبداع المستقبل| فعاليات تبهر الأطفال في «القومي للحضارة»    أحمد التهامي يكشف كواليس العمل مع عادل إمام ويشاركنا رحلته الفنية|خاص    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة وشركة روش مصر لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    لماذا يتصدر الليمون قائمة الفاكهة الأكثر صحة عالميا؟    ماء المخلل.. هل هو مفيد؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    رئيس الوزراء يستعرض خطة إحياء واستدامة الحرف اليدوية حتى 2030    انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. 8 محظورات خلال فترة الصمت الانتخابي    جولة مفاجئة لمحافظ الدقهلية للوقوف على أعمال تطوير شارع الجلاء بالمنصورة    «الإسعاف»: نقل أكثر من 4 آلاف طفل مبتسر على أجهزة تنفس صناعي خلال النصف الأول من 2025    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    موعد مرتبات شهر أغسطس.. جدول زيادة الأجور للمعلمين (توقيت صرف المتأخرات)    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" ما وراء التلال" تراجيديا عاطفية ومشاكل رومانية موروثة
نشر في صوت البلد يوم 28 - 12 - 2016

المخرج الروماني كريستيان مونجيو لا يسرف في الشرح، ويميل إلى التقشف والتكثيف مع وجود نوع من الغضب البارد، ويستخدم كاميرته كمشرط لتصور هذا الفضاء المعتم حيث تفوح روائح القهر والبؤس والتسلط.
"كرستيان مونجيو" صاحب تجربة سينمائية ساحرة وسبق حصوله على السعفة الذهبية عن فيلمه الشهير "4 أشهر، 3 أسابيع ويومان" وفيلمه الأخير "باكالوريا" حاصل على جائزة أفضل إخراج في الدورة 69 لمهرجان كان السينمائي الأخير، وكل فيلم يستحق أن نتوقف معه ولكننا سنخصص هذه الوقفة مع فيلم "ما وراء التلال" 2012 ونتمنى أن نعطي بعض الومضات ونناقش بعض العناصر المهمة لفهم هذا السينمائي الرائع.
الفيلم تدور أغلب مشاهده في في دير أرثودوكسي معزول خلف التلال حيث يسكن فيه راهب رجل دين يسمونه الأب وعدد من الراهبات، الحياة قاسية في هذا الدير الذي يشكو من قلة الموارد المالية ولذلك الكل يعمل بنشاط أعمالا دنيوية مرهقة في ظروف غير عادية فلا توجد كهرباء ولا تدفئة ولا وسائل ترفيه، كما أن هناك صلوات كثيرة وطقوس وواجبات دينية مرهقة ولكن الهدف تنقية الروح والتقرب من ملكوت الرب وهزيمة الشيطان بحسب وجهة نظر القس.
يبدأ الفيلم مع فويتشينا وهي شابة مترهبنة ومن سكان الدير وهنا تستقبل صديقتها آلينا التي تربت معها في دار للأيتام ثم سافرت للعمل في ألمانيا وتعود لزيارة صديقتها وحبيبتها فويتشينا ولديها رغبة أن تأخذها للعيش معها في ألمانيا، الفتاة المتدينة تصدم صديقتها أنها تحب الله حبا كبيرا وتفضله على كل شيء وأن قلبها مشغول بحب الخالق ولكنها تحب صديقتها بطريقة أخرى.
وهكذا منذ الوهلة الأولى تشعر آلينا بالغيرة من الرب وكذلك الراهب حيث تشعر أنه يسيطر على حبيبتها ونجح في محو حبهما، تحاول هذه العاشقة الدفاع واسترجاع حبيبتها إلى حضنها ومن أجل ذلك سندخل في نقاشات مطولة حول الدين ومعنى الإيمان وأحاديث كثيرة عن الشيطان ولكن موضوع الحب سيظل من الأساسيات المهمة.
آلينا مستعدة لأي تضحية من أجل أن تعود إليها صديقتها جسدا وقلبا وروحا ورغم أنها ليست مقتعة بالدين ولا الراهب الذي يقال إنه يتحدث مع ملاك وقريب من الملكوت الرباني، هي لا تصدق ولا تحب كل هذا، ولكن بعد رفض الأب السماح لصديقاتها بالسفر معها وتهديدها أن خروجها من هذا الدير يعني السير بخطوات في طريق الشيطان، آلينا لا تستطيع العيش من دون صديقتها وتريد تحريرها والذهاب بعيدا إلى ألمانيا أو في أي مكان آخر، في أي مكان، ولكن معا.
فويتشينا لم تعد قادرة منح صديقتها تلك المداعبات وتتهرب كون الرب في قلبها وليس امرأة أخرى ولا رجل، هنا العاطفة ضد العاطفة، تنفجر آلينا تصاب بصدمة نفسية وعصبية، تخضع للعلاج ثم تعود إلى الدير وتعلن أنها ستتخلى عن السفر وتترهبن.
كريستيان مونجيو يصور بالفعل عناد امرأة شابة لإنقاذ حبيبتها، لكن سوء الحظ أو الشر يكون العائق ويتحول هذا الجهد لمواجهة خطرة وتكون النتائج كارثية.
آلينا تحاول وتيأس من مخاطبة عقل وعاطفة صديقتها المخدرة بالدين وخرافات الكاهن والذي يشك في هذه الزيارة ويبدو قاسيا وينظر بسوداوية إلى العالم خارج هذا الدير، بعد رجوع آلينا من المستشفى وقرارها بالترهبن، هنا تكتشف قسوة هذه التعاليم ولا يبدو الكاهن مقتنعا بها، تتطور المنعطفات مع ثورة آلينا ضد الكاهن الأب وتشكيكها في المقدسات ويكون رد الفعل عنيفا حيث يتم ربطها بالحبال وتكميم فمها وحبسها وتجويعها بدعو أنها ممسوسة من الشيطان وتستمر هذه العذابات وتؤدي لموتها.
يصور لنا الفيلم هذا الكاهن صاحب السلطات المطلقة في هذا الدير وهو يأمر رعاياه بكل ما يجب القيام به ومجرد التفكير أو مناقشته يعتبر كفرا، ساكنات هذا الدير يعشن في عزلة وجهل، ونرى حالة من الشك والرفض يكبر لدى فويتشينا مع كل يوم تزداد عذابات صديقتها وبعد موت الصديقة يأتي اليقين بزيف هذا الواقع وقبحه ولذلك تخلع فويتشينا اللباس الديني، وتشهد خلال تحقيق الشرطة ضد الكاهن سقوط قداساته وتكشفت لديها الحقائق متأخرة بعد فقدانها الحب والحبيبة.
تظل الكاميرا التي هي بمثابة المشرط الذي يختار لنا ما يريده من هذا الفضاء البارد والمعتم، هذا العالم حيث يفوح البؤس والتسلط، المخرج لا يسرف في الشرح، ويميل إلى التقشف والتكثيف مع وجود نوع من الغضب البارد، نواجه نفاق السلطة (الدينية والسياسية والاجتماعية) الراهبات غارقات في الخرافات ويبدو أن هذه حالة عامة في جميع أنحاء رومانيا، الجميع يقتنع أن الفتاة ممسوسة وبالاتفاق مع أخ شبه أحمق يمارس الكاهن طقوسه ويقرأ الصلوات بهدف طرد الشيطان وقبول هذه الطقوس واقتناع الجميع بها يعني أن المجتمع مغيب تماما ويعيش الخرافة ويستمتع بها، رغم أن الجميع يصلي ويتعبد ويحصل على بركات الكاهن إلا أن تعابير الوجوه تعكس حالة من الخوف وليس السعادة، يستخدم الكاهن الخوف ويزرعه في نفوس رعيته ومع الخوف تزيد قوته وهيمنته وقداساته.
صور لنا المخرج ببراعة العلاقة بين المرأتين وكان الأداء التمثيلي للممثلتين صادقا ومدهشا ويستحق جائزة التمثيل في مهرجان كان 2012، عرض لنا الفيلم معركة شرسة بين الحب وسلطة دينية لا تعترف بمثل هذه المشاعر وكل تعاليمها تنصب في تعليم الفرد قهر نفسه والتخلي عن الذات لصالح الكهنوت الديني الذي يُحرم مناقشته أو معارضته ورغم فظاعة ما حدث، فالكاهن لم يحزن أو يعترف بخطئه ويعتبر موتها قدرا وليس سوء تقدير منه كونه يرى نفسه منزها وقديسا.
"ما وراء التلال": لكريستيان مونجيو ليس فيلما عن خرافة طرد المس الشيطاني والأرواح الشريرة في رومانيا، هو يقدم شهادة وعرض لبعض المشاكل الموروثة من الماضي الشيوعي، ويميل إلى عرضها في أساليب تميل إلى اللامعقول، الواقع في رومانيا معقد وكارثي لأسباب اقتصادية واجتماعية ووجود فوارق طبقية مما جعل البؤس حالة شبه عامة.
"ما وراء التلال" لم ينسحب من الشواغل الاجتماعية كون الفقر واليتم دفع بالفتاة فويتشينا إلى هذا الدير وليست القناعة والإيمان، في هذا الدير نتعايش مع العزلة والمناظر الطبيعية الثلجية، وجود الشيطان والهستيريا وصلوات وطقوس لطرد الأرواح الشريرة هذه الخلطة في فيلم روائي طويل هو الثالث للمخرج كريستيان مونجيو فيلم نسمع الكثير من الأصوات كأننا في حالة رعب. حاول المخرج أن يقتحم هذا المجتمع الديني ويزرع فيه التمرد، آلينا نجحت في زعزع استقرار النظام الداخل للدير، كانت شجاعة ورائعة ودفعت حياتها ثمن هذه الثورة.
في حديث صحفي مع صحيفة لموند الفرنسية، كشف المخرج أن مرجع الفيلم يستند إلى حادثة حقيقية وقعت 2005 في دير أرذوكسي، وكان هناك كاهن يمارس طقوس طرد الأرواح وقتل إحدى ضحاياه ولكن الفيلم لم يقف مقيدا ليحكي هذه القصة وتوسع ليتعمق في هموم المجتمع من خلال هذه النماذج ويعطي للبؤس مساحة مهمة وخصوصا أن المأساة تأتي بسب اليُتم والحرمان وظاهرة رمي الأطفال موجودة في رومانيا، كما أن البطولة في هذا الفيلم تكون للحب.
المخرج الروماني كريستيان مونجيو لا يسرف في الشرح، ويميل إلى التقشف والتكثيف مع وجود نوع من الغضب البارد، ويستخدم كاميرته كمشرط لتصور هذا الفضاء المعتم حيث تفوح روائح القهر والبؤس والتسلط.
"كرستيان مونجيو" صاحب تجربة سينمائية ساحرة وسبق حصوله على السعفة الذهبية عن فيلمه الشهير "4 أشهر، 3 أسابيع ويومان" وفيلمه الأخير "باكالوريا" حاصل على جائزة أفضل إخراج في الدورة 69 لمهرجان كان السينمائي الأخير، وكل فيلم يستحق أن نتوقف معه ولكننا سنخصص هذه الوقفة مع فيلم "ما وراء التلال" 2012 ونتمنى أن نعطي بعض الومضات ونناقش بعض العناصر المهمة لفهم هذا السينمائي الرائع.
الفيلم تدور أغلب مشاهده في في دير أرثودوكسي معزول خلف التلال حيث يسكن فيه راهب رجل دين يسمونه الأب وعدد من الراهبات، الحياة قاسية في هذا الدير الذي يشكو من قلة الموارد المالية ولذلك الكل يعمل بنشاط أعمالا دنيوية مرهقة في ظروف غير عادية فلا توجد كهرباء ولا تدفئة ولا وسائل ترفيه، كما أن هناك صلوات كثيرة وطقوس وواجبات دينية مرهقة ولكن الهدف تنقية الروح والتقرب من ملكوت الرب وهزيمة الشيطان بحسب وجهة نظر القس.
يبدأ الفيلم مع فويتشينا وهي شابة مترهبنة ومن سكان الدير وهنا تستقبل صديقتها آلينا التي تربت معها في دار للأيتام ثم سافرت للعمل في ألمانيا وتعود لزيارة صديقتها وحبيبتها فويتشينا ولديها رغبة أن تأخذها للعيش معها في ألمانيا، الفتاة المتدينة تصدم صديقتها أنها تحب الله حبا كبيرا وتفضله على كل شيء وأن قلبها مشغول بحب الخالق ولكنها تحب صديقتها بطريقة أخرى.
وهكذا منذ الوهلة الأولى تشعر آلينا بالغيرة من الرب وكذلك الراهب حيث تشعر أنه يسيطر على حبيبتها ونجح في محو حبهما، تحاول هذه العاشقة الدفاع واسترجاع حبيبتها إلى حضنها ومن أجل ذلك سندخل في نقاشات مطولة حول الدين ومعنى الإيمان وأحاديث كثيرة عن الشيطان ولكن موضوع الحب سيظل من الأساسيات المهمة.
آلينا مستعدة لأي تضحية من أجل أن تعود إليها صديقتها جسدا وقلبا وروحا ورغم أنها ليست مقتعة بالدين ولا الراهب الذي يقال إنه يتحدث مع ملاك وقريب من الملكوت الرباني، هي لا تصدق ولا تحب كل هذا، ولكن بعد رفض الأب السماح لصديقاتها بالسفر معها وتهديدها أن خروجها من هذا الدير يعني السير بخطوات في طريق الشيطان، آلينا لا تستطيع العيش من دون صديقتها وتريد تحريرها والذهاب بعيدا إلى ألمانيا أو في أي مكان آخر، في أي مكان، ولكن معا.
فويتشينا لم تعد قادرة منح صديقتها تلك المداعبات وتتهرب كون الرب في قلبها وليس امرأة أخرى ولا رجل، هنا العاطفة ضد العاطفة، تنفجر آلينا تصاب بصدمة نفسية وعصبية، تخضع للعلاج ثم تعود إلى الدير وتعلن أنها ستتخلى عن السفر وتترهبن.
كريستيان مونجيو يصور بالفعل عناد امرأة شابة لإنقاذ حبيبتها، لكن سوء الحظ أو الشر يكون العائق ويتحول هذا الجهد لمواجهة خطرة وتكون النتائج كارثية.
آلينا تحاول وتيأس من مخاطبة عقل وعاطفة صديقتها المخدرة بالدين وخرافات الكاهن والذي يشك في هذه الزيارة ويبدو قاسيا وينظر بسوداوية إلى العالم خارج هذا الدير، بعد رجوع آلينا من المستشفى وقرارها بالترهبن، هنا تكتشف قسوة هذه التعاليم ولا يبدو الكاهن مقتنعا بها، تتطور المنعطفات مع ثورة آلينا ضد الكاهن الأب وتشكيكها في المقدسات ويكون رد الفعل عنيفا حيث يتم ربطها بالحبال وتكميم فمها وحبسها وتجويعها بدعو أنها ممسوسة من الشيطان وتستمر هذه العذابات وتؤدي لموتها.
يصور لنا الفيلم هذا الكاهن صاحب السلطات المطلقة في هذا الدير وهو يأمر رعاياه بكل ما يجب القيام به ومجرد التفكير أو مناقشته يعتبر كفرا، ساكنات هذا الدير يعشن في عزلة وجهل، ونرى حالة من الشك والرفض يكبر لدى فويتشينا مع كل يوم تزداد عذابات صديقتها وبعد موت الصديقة يأتي اليقين بزيف هذا الواقع وقبحه ولذلك تخلع فويتشينا اللباس الديني، وتشهد خلال تحقيق الشرطة ضد الكاهن سقوط قداساته وتكشفت لديها الحقائق متأخرة بعد فقدانها الحب والحبيبة.
تظل الكاميرا التي هي بمثابة المشرط الذي يختار لنا ما يريده من هذا الفضاء البارد والمعتم، هذا العالم حيث يفوح البؤس والتسلط، المخرج لا يسرف في الشرح، ويميل إلى التقشف والتكثيف مع وجود نوع من الغضب البارد، نواجه نفاق السلطة (الدينية والسياسية والاجتماعية) الراهبات غارقات في الخرافات ويبدو أن هذه حالة عامة في جميع أنحاء رومانيا، الجميع يقتنع أن الفتاة ممسوسة وبالاتفاق مع أخ شبه أحمق يمارس الكاهن طقوسه ويقرأ الصلوات بهدف طرد الشيطان وقبول هذه الطقوس واقتناع الجميع بها يعني أن المجتمع مغيب تماما ويعيش الخرافة ويستمتع بها، رغم أن الجميع يصلي ويتعبد ويحصل على بركات الكاهن إلا أن تعابير الوجوه تعكس حالة من الخوف وليس السعادة، يستخدم الكاهن الخوف ويزرعه في نفوس رعيته ومع الخوف تزيد قوته وهيمنته وقداساته.
صور لنا المخرج ببراعة العلاقة بين المرأتين وكان الأداء التمثيلي للممثلتين صادقا ومدهشا ويستحق جائزة التمثيل في مهرجان كان 2012، عرض لنا الفيلم معركة شرسة بين الحب وسلطة دينية لا تعترف بمثل هذه المشاعر وكل تعاليمها تنصب في تعليم الفرد قهر نفسه والتخلي عن الذات لصالح الكهنوت الديني الذي يُحرم مناقشته أو معارضته ورغم فظاعة ما حدث، فالكاهن لم يحزن أو يعترف بخطئه ويعتبر موتها قدرا وليس سوء تقدير منه كونه يرى نفسه منزها وقديسا.
"ما وراء التلال": لكريستيان مونجيو ليس فيلما عن خرافة طرد المس الشيطاني والأرواح الشريرة في رومانيا، هو يقدم شهادة وعرض لبعض المشاكل الموروثة من الماضي الشيوعي، ويميل إلى عرضها في أساليب تميل إلى اللامعقول، الواقع في رومانيا معقد وكارثي لأسباب اقتصادية واجتماعية ووجود فوارق طبقية مما جعل البؤس حالة شبه عامة.
"ما وراء التلال" لم ينسحب من الشواغل الاجتماعية كون الفقر واليتم دفع بالفتاة فويتشينا إلى هذا الدير وليست القناعة والإيمان، في هذا الدير نتعايش مع العزلة والمناظر الطبيعية الثلجية، وجود الشيطان والهستيريا وصلوات وطقوس لطرد الأرواح الشريرة هذه الخلطة في فيلم روائي طويل هو الثالث للمخرج كريستيان مونجيو فيلم نسمع الكثير من الأصوات كأننا في حالة رعب. حاول المخرج أن يقتحم هذا المجتمع الديني ويزرع فيه التمرد، آلينا نجحت في زعزع استقرار النظام الداخل للدير، كانت شجاعة ورائعة ودفعت حياتها ثمن هذه الثورة.
في حديث صحفي مع صحيفة لموند الفرنسية، كشف المخرج أن مرجع الفيلم يستند إلى حادثة حقيقية وقعت 2005 في دير أرذوكسي، وكان هناك كاهن يمارس طقوس طرد الأرواح وقتل إحدى ضحاياه ولكن الفيلم لم يقف مقيدا ليحكي هذه القصة وتوسع ليتعمق في هموم المجتمع من خلال هذه النماذج ويعطي للبؤس مساحة مهمة وخصوصا أن المأساة تأتي بسب اليُتم والحرمان وظاهرة رمي الأطفال موجودة في رومانيا، كما أن البطولة في هذا الفيلم تكون للحب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.