5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدراما التلفزيونية بين تحضير التاريخ وتأريخ الحاضر
نشر في صوت البلد يوم 27 - 11 - 2016

يرى د. حسن عطية أستاذ الدراما ونظريات النقد بأكاديمية الفنون أن الدراما المرئية تقوم على مبدأ إعادة صياغة الفعل الواقعي ماضيا كان أم آنيا، في بناء جمالي يتأسس داخل السياق الاجتماعي القائم ويستهدف التأثير في المجتمع الحي.
وأن تقليب المبدع صفحات التاريخ بحثا عن الفعل الذي أثر يوما في الزمن الماضي وغير من مصائر شخصياته ولعب دوره الإيجابي والسلبي في مجتمعه، ليس أبدا يهدف بعثه لذاته وتقديمه كأيقونة متحفية تؤكد وقوعه في زمن ما، يحدث هذا في مجال الآثار لكنه لا يحدث مطلقا في حقل الدراما، الذي لا يعرف المتحفية ولا تثبيت الفعل في صفحة زمانه.
ولا يعتقد في ذات الوقت بتكرارية التاريخ لأحداثه، بقدر ما يدرك أن فعل الأمس قد يتشابه مع فعل اليوم، لهذا يتناوله المبدع كتكئة للنظر في الفعل الآني والذي تظهر على أرض الواقع مقدماته دون نتائجه بعلاقتها المنطقية بها مما يمنح المتلقي فرصة التنبؤ في الزمن القادم، فيعمل على تغيير مسار الحدث الواقعي ما يجعل المستقبل قبض يديه، لا زمن قادم بنتائج الأفعال دونما إرادة منه وبالتالي يعمل على دفعه لتغيير واقعه.
ويشير في كتابه "الدراما التليفزيونية.. تحضير التاريخ .. تأريخ الحاضر" إلى أن الدراما في تصديها لأفعال البشر في الماضي البعيد أو القريب وإعادة صياغتها جماليا تعمل على تحضير التاريخ أمام متلقي اليوم، أي أننا نرى التاريخ حاضرا أمامنا، وكأنه يحدث اليوم، فنرى الملك فاروق والملكة نازلي ومصطفى النحاس يتحاورون أمامنا في مسلسل "الملك فاروق" وكأنهم يتكلمون عن موضوعات نعيشها بالفعل، وهو ما جعل البعض يرى في المسلسل حديثا عن الديمقراطية التي يتمنى أن تكون حقيقية في حياتنا اليوم، ويشير إلى الشوارع النظيفة على الشاشة على أمل أن تكون شوارع اليوم مثلها، دون أن ينتبه إلى أن الفن لا ينقل الواقع كما هو، بل يصوغه وفقا لرؤية صناع الدراما.
ومن زاوية أخرى يؤكد د. حسن عطية أن الدراما تعمل على تأريخ الحاضر لمتلق قادم، فترصد صراع رجال الأعمال وطموحات الصاعدين وغرق العبارات وموت الشباب على السواحل الأوروبية، وفي كلتا الحالتين تحضير التاريخ وتأريخ الحاضر تعمل الدراما على توثيق الفعل أو الأفعال التي تتصدى لرصدها وتمثيلها.
ويلفت إلى أن العمل الدرامي يقدم عملا خاصا بصاحبه معلوم الهوية لا نصا مقدسا يطرد صاحبه من جنات الخلد إذا ما قدم هذا الفعل الماضي أو الحاضر ملونا برؤيته الخاصة، أو مفسرا وفقا لأيديولوجيته المؤمن بها أو مقللا لحجم وفاعلية أشخاص نتصور أن غيابها ناتج عن جهل مبدعها أو لحاجة في نفس يعقوب.
والجدل الذي ثار حول مسلسل "الملك فاروق" أظهر الخلاف حول شخصية آخر ملوك مصر والسودان، أكثر ما دار حول بناء العمل الدرامي وتماسكه الفني، بل بدا أمر هذا المسلسل أشبه بما هو معروف في علم النفس باختيار رورشاخ الذي تلقى فيه بقعة من الخبر على ورقة مسطحة تطوى، ثم تعرض مفتوحة أمام أعين البشر، فيسقط كل واحد من الرائين ما بداخله، ويرى بقعة الحبر وكأنها تمثل ما يود أن تمثله أو ما يتصور أنها تمثله، فالكارهون لثورة 23 يوليو 1952 رأوا فيه تمجيدا للزمن الأفضل الذي اغتاله العسكر وتمنوا عودته. والغاضبون على الزمن الحالي رأوا فيه نظاما يودون تحقيقه اليوم دون عودة إطاره القديم، بينما انخدع بعض ثالث بما روج حوله بأنه تصحيح لما تم تزييفه في كتب التاريخ، واجهه بعض رابع معتبرا أن ما جاء به هو التزييف بعينه لهذا التاريخ.
ويقول د. حسن عطية إن التأريخ ليست مهمة الدراما، بل مهمتها بناء عمل فني ممتع للوجدان ومثير للوعي كي يدرك واقعه جيدا ولهذا نتساءل دوما عن غياب الدراما التاريخية والدينية من على شاشة قنواتنا، لأننا اعتدنا بالفعل أن تكون هذه الدراما حاضرة على المائدة الرمضانية، وكأن للتاريخ والدين مواسم خاصة، فضلا عن خلط البعض بين الدراما التاريخية والدراما الدينية واعتبار الأولى هي التي تتعرض لكل حقب التاريخ، بينما الثانية هي التي تدور حول مرحلة صدر الإسلام أو التي تتعرض لمراحل ظهور الأديان السماوية فقط، والتي تعرض دائما في الأعياد الدينية غافلا عن أن الأولى التاريخية هي التي تتعرض للنسبي من الأحداث بينما الثانية الدينية مهمتها عرض المطلق من القيم، وبالتالي ليست بحاجة أن تبث من خلال الدراما التاريخية فقط، بل لا بد وأن تكون في جوهر الدراما الواقعية والفنتازية أيضا.
ويرى أن الانتاج الدرامي التليفزيوني حصر التاريخ نفسه في مسلسلات تهتم بالحقبة الأولى في التاريخ الإسلامي، وتبث في شهر رمضان وقبيل صلاة الفجر، مضغوطة في موضوعات تكاد تكون متشابهة وناطقة بالعربية الفصحى بمفردات مهجورة وأسماء هاربة من الزمن الراهن وعبارات صارت سخرية ممثلي الكوميديا.
ويحلل د. حسن عطية عددا من المسلسلات التي تحضر التاريخ سواء كانت سيرا لحياة شخصيات أو تناولا لوقائع وأحداث حقبة تاريخية بعينها مثل "الإمام الغزالي"، و"شيخ العرب همام" و"السائرون نياما" و"علي مبارك" و"سقوط الخلافة" و"المصراوية" و"الجماعة"، و"ملكة في المنفى" و"سرايا عابدين" و"أسمهان" و"أم كلثوم" و"الأيام" وغيرها.
ويلفت أثناء تحليله لمسلسل "سقوط الخلافة" الذي عرض عام 2010 أن استدعاء السلطان العثماني في لحظة شديدة التعقيد يبدو معها المسلسل وكأنه يناصر أفكار العثمانيين الجدد في تركيا المرتدين لانتمائهم القبلي، والمنادين بعودة الخلافة العثمانية بعد رفض أوروبا لالتحاقها بركب الاتحاد الأوروبي، توجها منهم نحو الممالك القديمة فيما يدعى بالشرق الأوسط أملا في استعادة مجد الأيام الخوالي، وانتهازا لتيار سياسي في هذا الشرق الأوسطي يأمل في عودة أزمنة الملكية في أردية الجمهوريات التي فقدت جوهرها، وتيار فكري محافظ سائد في المجتمع العربي اليوم ينبذ الوطنية الإقليمية والقومية العربية، ويدعو للأممية الإسلامية مقابل العولمية الأميركية. وتغزو اليوم شاشات التليفزيونات العربية المسلسلات التركية منافسة بقوة المسلسلات العربية في التأثير على عقل ووجدان المتلقي.
ويضيف "كما تلعب الدراما التلفزيونية المصرية والمنتج بعضها بأموال عربية دورها في الترويج لعصر الملكية المصرية، مثل مسلسل "الملك فاروق" 2007 وأمه "نازلي" في "ملكة في المنفى" 2010، وجده الخديوي إسماعيل "سرايا عابدين" 2014 مخفيا ما في الأعماق من سعي لعودة تركيا للهيمنة على العالم العربي والعالم الإسلامي، خاصة الأول الذي انسلخ عنها في عصر النهضة العربي، وتمهيدا لدورها الجديد مع قطر التي قامت شركتها "إيكوميديا" بإنتاج مسلسل "سقوط الخلافة" ونفذ الانتاج العراقي محسن العلي وأخرجه السوري محمد عزيزية وعرض على الشاشات العربية ومنها مصر، قبل أشهر قليلة من تفجر ثورات ميادين التحرير العربية في تونس ومصر وليبيا، بغض النظر مؤقتا عما آلت إليه هذه الثورات الشعبية".
في الاتجاه المقبل لدراسته للدراما التي تقوم بصياغة التاريخ في بنية درامية حاضرة "تحضير التاريخ"، يدرس د. حسن عطية في كتابه اتجاه توثيق الحاضر في بنية درامية حاضرة تشكل وثيقة دالة على حال مجتمعها زمن كتابة وبث المسلسل الدرامي "تأريخ الواقع"، فيحلل مسسلات مثل "أهل كايرو" و"الدالي" و"العنكبوت" و"الرحايا" و"الفنار" و"صرخة أنثى" و"سلطان الغرام" و"حق مشروع" و"أولاد الليل" و"قلب امرأة" و"عفريت القرش" و"حدائق الشيطان".
ويرى أنه إذا أحسنا الظن في الدراما التليفزيونية وكتابها فسوف نرى أن ثمة هما عاما يشغل هذه الدراما خلال السنوات السابقة يتمثل في جنون الثروة وحلم الصعود من القاع إلى القمة بأي وسيلة مما يجعل أجواء المسلسلات تنقسم في أغلبها إلى قسمين لا ثالث لهما، هما: أجواء الحارة الشعبية الفقيرة وبيوتها النمطية ذات المعمار الإسلامي، والتي لم تعد موجودة بالصورة، التي تقدمها الدراما التليفزيونية في حيها الشعبي، والذي صار يدل نمطيا على الأصالة جنبا إلى جنب الوسط متواضع الثراء، وأجواء الحي الراقي بقصوره وفيلاته وسياراته الفارهة على ثراء طبقة تعيش حياة منقطعة الصلة بحياة أبناء الناس في بقية أرجاء المجتمع.
ويقول "أما إذا أسأنا الظن وإساءة الظن نقديا ليست إثما، فسوف نرى أن ما يحدث ليس تعبيرا عن هم عام يشغل كتابنا، بقدر ما هو نضوب في الفكر، وتقاعس عن طرح القضايا والموضوعات الجديدة، وخضوع لصياغة تم تنميطها فصارت هي البناء الفني الوحيد الظاهر على شاشات التليفزيون، شارك الكتاب باستسهال الكتابة على منوالها، وشارك النجوم في استمرارها برغبتهم الدائمة في الظهور أمام الجمهور بأزياء وماكياجات مختلفة تمنحها لهم عملية الانتقال من بيئة إلى بيئة مخالفة، وتتيح للثلاثين حلقة فرصة التنقل بين ديكورات متعددة.
كما تجسد لدى الفقراء حلم مدينة الثراء المبهرة وتحقق لهم هاجس العدالة المفقودة على الأرض، للقصاص ممن سرق قوتهم واغتنى على حساب فقرهم، ولا يقف الأمر عند تكرار الموضوعات والأفكار بل تتكرر المواقف مثل اكتشاف زواج الرجل من أخرى عقب إطلاق الرصاص عليه، أو وقوع فتاة الطريق البدوية الشابة في هوى سائق التاكسي أو الشاحنة الأكبر منها سنا، وتتكرر الأمكنة فيظهر البازار في أكثر من مسلسل وتتكرر الجمل فنسمع عبارة "أنا مش مهم حياتي، إنما المهم حياة بنتي" أو أولادي". وسواء أحسنا أو أسأنا الظن فالنتيجة واحدة وهي أن الدراما التليفزيونية مازالت تدور في فلك حلم الحصول على المال والصعود اجتماعيا وإن تباينت مستوياتها.
يرى د. حسن عطية أستاذ الدراما ونظريات النقد بأكاديمية الفنون أن الدراما المرئية تقوم على مبدأ إعادة صياغة الفعل الواقعي ماضيا كان أم آنيا، في بناء جمالي يتأسس داخل السياق الاجتماعي القائم ويستهدف التأثير في المجتمع الحي.
وأن تقليب المبدع صفحات التاريخ بحثا عن الفعل الذي أثر يوما في الزمن الماضي وغير من مصائر شخصياته ولعب دوره الإيجابي والسلبي في مجتمعه، ليس أبدا يهدف بعثه لذاته وتقديمه كأيقونة متحفية تؤكد وقوعه في زمن ما، يحدث هذا في مجال الآثار لكنه لا يحدث مطلقا في حقل الدراما، الذي لا يعرف المتحفية ولا تثبيت الفعل في صفحة زمانه.
ولا يعتقد في ذات الوقت بتكرارية التاريخ لأحداثه، بقدر ما يدرك أن فعل الأمس قد يتشابه مع فعل اليوم، لهذا يتناوله المبدع كتكئة للنظر في الفعل الآني والذي تظهر على أرض الواقع مقدماته دون نتائجه بعلاقتها المنطقية بها مما يمنح المتلقي فرصة التنبؤ في الزمن القادم، فيعمل على تغيير مسار الحدث الواقعي ما يجعل المستقبل قبض يديه، لا زمن قادم بنتائج الأفعال دونما إرادة منه وبالتالي يعمل على دفعه لتغيير واقعه.
ويشير في كتابه "الدراما التليفزيونية.. تحضير التاريخ .. تأريخ الحاضر" إلى أن الدراما في تصديها لأفعال البشر في الماضي البعيد أو القريب وإعادة صياغتها جماليا تعمل على تحضير التاريخ أمام متلقي اليوم، أي أننا نرى التاريخ حاضرا أمامنا، وكأنه يحدث اليوم، فنرى الملك فاروق والملكة نازلي ومصطفى النحاس يتحاورون أمامنا في مسلسل "الملك فاروق" وكأنهم يتكلمون عن موضوعات نعيشها بالفعل، وهو ما جعل البعض يرى في المسلسل حديثا عن الديمقراطية التي يتمنى أن تكون حقيقية في حياتنا اليوم، ويشير إلى الشوارع النظيفة على الشاشة على أمل أن تكون شوارع اليوم مثلها، دون أن ينتبه إلى أن الفن لا ينقل الواقع كما هو، بل يصوغه وفقا لرؤية صناع الدراما.
ومن زاوية أخرى يؤكد د. حسن عطية أن الدراما تعمل على تأريخ الحاضر لمتلق قادم، فترصد صراع رجال الأعمال وطموحات الصاعدين وغرق العبارات وموت الشباب على السواحل الأوروبية، وفي كلتا الحالتين تحضير التاريخ وتأريخ الحاضر تعمل الدراما على توثيق الفعل أو الأفعال التي تتصدى لرصدها وتمثيلها.
ويلفت إلى أن العمل الدرامي يقدم عملا خاصا بصاحبه معلوم الهوية لا نصا مقدسا يطرد صاحبه من جنات الخلد إذا ما قدم هذا الفعل الماضي أو الحاضر ملونا برؤيته الخاصة، أو مفسرا وفقا لأيديولوجيته المؤمن بها أو مقللا لحجم وفاعلية أشخاص نتصور أن غيابها ناتج عن جهل مبدعها أو لحاجة في نفس يعقوب.
والجدل الذي ثار حول مسلسل "الملك فاروق" أظهر الخلاف حول شخصية آخر ملوك مصر والسودان، أكثر ما دار حول بناء العمل الدرامي وتماسكه الفني، بل بدا أمر هذا المسلسل أشبه بما هو معروف في علم النفس باختيار رورشاخ الذي تلقى فيه بقعة من الخبر على ورقة مسطحة تطوى، ثم تعرض مفتوحة أمام أعين البشر، فيسقط كل واحد من الرائين ما بداخله، ويرى بقعة الحبر وكأنها تمثل ما يود أن تمثله أو ما يتصور أنها تمثله، فالكارهون لثورة 23 يوليو 1952 رأوا فيه تمجيدا للزمن الأفضل الذي اغتاله العسكر وتمنوا عودته. والغاضبون على الزمن الحالي رأوا فيه نظاما يودون تحقيقه اليوم دون عودة إطاره القديم، بينما انخدع بعض ثالث بما روج حوله بأنه تصحيح لما تم تزييفه في كتب التاريخ، واجهه بعض رابع معتبرا أن ما جاء به هو التزييف بعينه لهذا التاريخ.
ويقول د. حسن عطية إن التأريخ ليست مهمة الدراما، بل مهمتها بناء عمل فني ممتع للوجدان ومثير للوعي كي يدرك واقعه جيدا ولهذا نتساءل دوما عن غياب الدراما التاريخية والدينية من على شاشة قنواتنا، لأننا اعتدنا بالفعل أن تكون هذه الدراما حاضرة على المائدة الرمضانية، وكأن للتاريخ والدين مواسم خاصة، فضلا عن خلط البعض بين الدراما التاريخية والدراما الدينية واعتبار الأولى هي التي تتعرض لكل حقب التاريخ، بينما الثانية هي التي تدور حول مرحلة صدر الإسلام أو التي تتعرض لمراحل ظهور الأديان السماوية فقط، والتي تعرض دائما في الأعياد الدينية غافلا عن أن الأولى التاريخية هي التي تتعرض للنسبي من الأحداث بينما الثانية الدينية مهمتها عرض المطلق من القيم، وبالتالي ليست بحاجة أن تبث من خلال الدراما التاريخية فقط، بل لا بد وأن تكون في جوهر الدراما الواقعية والفنتازية أيضا.
ويرى أن الانتاج الدرامي التليفزيوني حصر التاريخ نفسه في مسلسلات تهتم بالحقبة الأولى في التاريخ الإسلامي، وتبث في شهر رمضان وقبيل صلاة الفجر، مضغوطة في موضوعات تكاد تكون متشابهة وناطقة بالعربية الفصحى بمفردات مهجورة وأسماء هاربة من الزمن الراهن وعبارات صارت سخرية ممثلي الكوميديا.
ويحلل د. حسن عطية عددا من المسلسلات التي تحضر التاريخ سواء كانت سيرا لحياة شخصيات أو تناولا لوقائع وأحداث حقبة تاريخية بعينها مثل "الإمام الغزالي"، و"شيخ العرب همام" و"السائرون نياما" و"علي مبارك" و"سقوط الخلافة" و"المصراوية" و"الجماعة"، و"ملكة في المنفى" و"سرايا عابدين" و"أسمهان" و"أم كلثوم" و"الأيام" وغيرها.
ويلفت أثناء تحليله لمسلسل "سقوط الخلافة" الذي عرض عام 2010 أن استدعاء السلطان العثماني في لحظة شديدة التعقيد يبدو معها المسلسل وكأنه يناصر أفكار العثمانيين الجدد في تركيا المرتدين لانتمائهم القبلي، والمنادين بعودة الخلافة العثمانية بعد رفض أوروبا لالتحاقها بركب الاتحاد الأوروبي، توجها منهم نحو الممالك القديمة فيما يدعى بالشرق الأوسط أملا في استعادة مجد الأيام الخوالي، وانتهازا لتيار سياسي في هذا الشرق الأوسطي يأمل في عودة أزمنة الملكية في أردية الجمهوريات التي فقدت جوهرها، وتيار فكري محافظ سائد في المجتمع العربي اليوم ينبذ الوطنية الإقليمية والقومية العربية، ويدعو للأممية الإسلامية مقابل العولمية الأميركية. وتغزو اليوم شاشات التليفزيونات العربية المسلسلات التركية منافسة بقوة المسلسلات العربية في التأثير على عقل ووجدان المتلقي.
ويضيف "كما تلعب الدراما التلفزيونية المصرية والمنتج بعضها بأموال عربية دورها في الترويج لعصر الملكية المصرية، مثل مسلسل "الملك فاروق" 2007 وأمه "نازلي" في "ملكة في المنفى" 2010، وجده الخديوي إسماعيل "سرايا عابدين" 2014 مخفيا ما في الأعماق من سعي لعودة تركيا للهيمنة على العالم العربي والعالم الإسلامي، خاصة الأول الذي انسلخ عنها في عصر النهضة العربي، وتمهيدا لدورها الجديد مع قطر التي قامت شركتها "إيكوميديا" بإنتاج مسلسل "سقوط الخلافة" ونفذ الانتاج العراقي محسن العلي وأخرجه السوري محمد عزيزية وعرض على الشاشات العربية ومنها مصر، قبل أشهر قليلة من تفجر ثورات ميادين التحرير العربية في تونس ومصر وليبيا، بغض النظر مؤقتا عما آلت إليه هذه الثورات الشعبية".
في الاتجاه المقبل لدراسته للدراما التي تقوم بصياغة التاريخ في بنية درامية حاضرة "تحضير التاريخ"، يدرس د. حسن عطية في كتابه اتجاه توثيق الحاضر في بنية درامية حاضرة تشكل وثيقة دالة على حال مجتمعها زمن كتابة وبث المسلسل الدرامي "تأريخ الواقع"، فيحلل مسسلات مثل "أهل كايرو" و"الدالي" و"العنكبوت" و"الرحايا" و"الفنار" و"صرخة أنثى" و"سلطان الغرام" و"حق مشروع" و"أولاد الليل" و"قلب امرأة" و"عفريت القرش" و"حدائق الشيطان".
ويرى أنه إذا أحسنا الظن في الدراما التليفزيونية وكتابها فسوف نرى أن ثمة هما عاما يشغل هذه الدراما خلال السنوات السابقة يتمثل في جنون الثروة وحلم الصعود من القاع إلى القمة بأي وسيلة مما يجعل أجواء المسلسلات تنقسم في أغلبها إلى قسمين لا ثالث لهما، هما: أجواء الحارة الشعبية الفقيرة وبيوتها النمطية ذات المعمار الإسلامي، والتي لم تعد موجودة بالصورة، التي تقدمها الدراما التليفزيونية في حيها الشعبي، والذي صار يدل نمطيا على الأصالة جنبا إلى جنب الوسط متواضع الثراء، وأجواء الحي الراقي بقصوره وفيلاته وسياراته الفارهة على ثراء طبقة تعيش حياة منقطعة الصلة بحياة أبناء الناس في بقية أرجاء المجتمع.
ويقول "أما إذا أسأنا الظن وإساءة الظن نقديا ليست إثما، فسوف نرى أن ما يحدث ليس تعبيرا عن هم عام يشغل كتابنا، بقدر ما هو نضوب في الفكر، وتقاعس عن طرح القضايا والموضوعات الجديدة، وخضوع لصياغة تم تنميطها فصارت هي البناء الفني الوحيد الظاهر على شاشات التليفزيون، شارك الكتاب باستسهال الكتابة على منوالها، وشارك النجوم في استمرارها برغبتهم الدائمة في الظهور أمام الجمهور بأزياء وماكياجات مختلفة تمنحها لهم عملية الانتقال من بيئة إلى بيئة مخالفة، وتتيح للثلاثين حلقة فرصة التنقل بين ديكورات متعددة.
كما تجسد لدى الفقراء حلم مدينة الثراء المبهرة وتحقق لهم هاجس العدالة المفقودة على الأرض، للقصاص ممن سرق قوتهم واغتنى على حساب فقرهم، ولا يقف الأمر عند تكرار الموضوعات والأفكار بل تتكرر المواقف مثل اكتشاف زواج الرجل من أخرى عقب إطلاق الرصاص عليه، أو وقوع فتاة الطريق البدوية الشابة في هوى سائق التاكسي أو الشاحنة الأكبر منها سنا، وتتكرر الأمكنة فيظهر البازار في أكثر من مسلسل وتتكرر الجمل فنسمع عبارة "أنا مش مهم حياتي، إنما المهم حياة بنتي" أو أولادي". وسواء أحسنا أو أسأنا الظن فالنتيجة واحدة وهي أن الدراما التليفزيونية مازالت تدور في فلك حلم الحصول على المال والصعود اجتماعيا وإن تباينت مستوياتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.