افتتحها وزير التعليم العالي.. أبرز المعلومات عن جامعة كفر الشيخ الأهلية (صور)    هآرتس: نتنياهو يعتزم طرح خطة لضم أجزاء من غزة لإنقاذ حكومته    مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم طعن في لندن    هل تصدق رواية الزمالك في تقديم لاعبه معالي.. وما علاقة بنشرقي؟ (فيديو)    أول تعليق من محافظ سوهاج على حرائق برخيل (صور)    وزير الثقافة يعزي ويؤازر خالد جلال من كواليس عرض "حواديت" بعد وفاة شقيقه    السيسي يوجه بتوفير الرعاية الصحية اللازمة والاهتمام الطبي الفوري للكابتن حسن شحاتة    عودة انقطاع الكهرباء في مناطق بالجيزة وخروج كابل محطة محولات جزيرة الذهب عن الخدمة    المعمل الجنائي يعاين حريق شقة في المريوطية    رابطة الأندية: بدء عقوبة "سب الدين والعنصرية" فى الدوري بالموسم الجديد    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    الكشف الطبي على 540 مواطنًا بقرية جلبانة ضمن القافلة الطبية لجامعة الإسماعيلية    بمناسبة اليوم العالمي.. التهاب الكبد خطر صامت يمكن تفاديه    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    سميرة صدقي: عبلة كامل أفضل فنانة قدمت دور المرأة الشعبية    علاج الحموضة بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    كم سنويا؟.. طريقة حساب عائد مبلغ 200 ألف جنيه من شهادة ادخار البنك الأهلي    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    هندسة المنوفية الأولى عالميًا في المحاكاة بمسابقة Formula Student UK 2025    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    أمانة الشؤون القانونية المركزية ب"مستقبل وطن" تبحث مع أمنائها بالمحافظات الاستعدادات لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    السفارة الأمريكية: كتائب حزب الله تقف وراء اقتحام مبنى حكومي ببغداد    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    12 راحلا عن الأهلي في الانتقالات الصيفية    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    منال عوض تتابع ملفات وزارة البيئة وتبحث تطوير منظومة إدارة المخلفات    تصعيد خطير ضد الوجود المسيحي بفلسطين.. مستوطنون يعتدون على دير للروم الأرثوذكس    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    إطلاق حملة لتعقيم وتطعيم الكلاب الضالة بمدينة العاشر من رمضان (صور)    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عناقيد الرذيلة .. حين تكون للأمة بقية أخلاق تمارس الخطيئة بصمت
نشر في صوت البلد يوم 23 - 10 - 2016

الفن الروائي أصبح قبلة القراء العرب والمفضل عندهم عن باقي الفنون الأدبية الأخرى، ربما لأن الرواية حياة متكاملة وتهتم بالتفاصيل التي لا تتأتى في باقي الفنون الأدبية، لذلك أصبحت مسؤولية الكاتب الروائي أصعب وأكثر دقة والمطلوب منه أن يكون على قدر هذا التحدي، تعج المكتبات ودور النشر بالرواية وكل رواية تأخذ مسارها للقراء حسب توجهات الكاتب وقراءه الذين اعتادوا على القراءة له وتلقف رواياته حال صدورها.
وسط هذا الزخم الروائي يبحث القراء الذين يأخذون الرواية على محمل الجد عن الرسائل والحلول، عن الإشكاليات التي تطرحها الرواية وتصب في صلب حياتنا المعاشاة حالياً، حياة العرب بعامة.
ما من شك بأن ما يحصل في الوطن العربي من دمار وحروب واقتتال ليس وليد اللحظة وإن كان قد بدا كذلك للبعض، ما يحصل يمتد بجذوره لنمط تربوي وتوجهات غذت في عقول وقلوب الناس هذه الرغبة بالموت أو قتل الآخر تلبية لنداءات ليست مجهولة المصدر بالضرورة.
الثالوث المحرم في الكتابة الأدبية كما هو متعارف عليه – دين، سياسة وجنس – بات مخترقاً من قِبل الكثير من الأدباء، بعضهم ليوصل فكرته بوضوح وبعضهم ليروج لعمله الأدبي على مبدأ "كل ممنوع مرغوب".
من الروايات التي انتهجت منهج وسطي في اختراق هذا الثالوث دون ابتذال وبهدوء وروية رواية "عناقيد الرذيلة" للكاتب الموريتاني أحمد محمد الحافظ وما اخترقته إلا لتضع الكثير من النقاط على الحروف، تسير الرواية في محورين يلتقيان كثيراً في غير مكان وهدف، التشدد الديني وأين أوصلنا وكيف وصلنا وكم تم تحريفه وسيطر على عقولنا وحولنا لأدوات للتنفيذ دون أمل في استخدام عقولنا، والعبودية وإن كانت مستترة بأسماء أخرى كثيرة، رغم أنها وردت بالاسم الصريح في الرواية.
ما أن تقرأ الإهداء وقبل أن تلج للرواية تعرف أنك أمام عمل روائي شائك وحقيقي مثل حقيقة وجع الإهداء إلى روح "أمبَارك اعلِين" والتي يتضح أنها كانت من "العبيد" نعم... العبيد في القرن الواحد والعشرين وفي بلاد الإسلام حيث لا فرق بين أبيض وأسود إلا بالتقوى! لينهي الراوي الإهداء بجملة: إليكم أيضًا يا"أسياد" الخزف الظَّلومين!
يتنصل الراوي من نتائج العمل الروائي وآثاره أو أي شبه بينه وبين الواقع في تنبيه ذكي قبل الاستهلال في السرد وكأنه يقول لنا: إن كنتم هنا فلا تتحسوا رؤوسكم فهؤلاء مجرد أشباه لكم!
بخبر عن قبول وكالة "ناسا" لطلاب من موريتانيا يأخذنا الرواي للبطل "لمات" الذي يمتلك قدرات عقلية كبيرة وذكاء فائقا رغم أنه درس العلوم الشرعية بدفع من والدته التي ترتاح وتأنس لكلام أحد الدعاة الذي يرى أن العلوم العلمية والمدارس لا تجلب إلا الكفر والفجور والمعاصي، ورغم ذلك ينجح البطل في اجتياز امتحان الفيزياء والمواد المطلوبة بتفوق إلا أنه للأسف لا يحصل على المرتبة الأولى، بفارق بسيط بينه وبين الطالب الذي تفوق عليه، لتبدأ رحلة "لمات" البطل من هذه النقطة وليعود للتفكير بالطريق التي سار عليها كما رغبت أمه ليكون من الأبناء الصالحين حسب منطقها وحسب منطق الداعية الذي كانت تأخذ برأيه وتتابع دروسه ونصائحه بحذافيرها.
يروي صديق البطل حالة البطل بعد أن فشل في الوصول للمنحة الدراسية في "وكالة ناسا" الحالة التي أصبح عليها البطل من تدهور في صحته الجسدية والنفسية، وعجز الطب عن علاجه وحتى العلاجات الروحانية أو السحر والشعوذة، إلى أن يصل بالوصف لمشهد خروجه ببنطال قصير للعب مع الأطفال واختفاء أثره عند هذه النقطة، بالنسبة للصديق.
في انسياب ولغة جميلة ورزينة يتنقل الراوي في الأحداث التي تجري له وهو يحاول أن ينزع صديقه "لمات" من تفكيره والتفكير في نهايته وأين اختفى، عبر حلم في غفوة قصيرة بانتظار الصلاة ينقلنا الراوي لحياة غرائبية للعالم في القرن الثلاثين ويدله شاب وفتاة من خلال الحلم إلى ما يمكن أن يكون الخيط الذي يوصله لصديقه أو لطريقة يتتبع فيها آثاره.
تجري الأحداث بعد ذلك بتتابع سلس إلى أن يصل الراوي إلى رواية كانت مخبأة تحت ظل شجرة كتبها صديقه "لمات" ودفنها في الصحراء حيث الأرض البكر والحياة بشقائها وتعبها، من بداية فتح الدفتر الذي وجده يظهر "لمات" مرة أخرى بخطه الجميل ولغته العذبة ليستلم السرد ويدخلنا إلى صلب الفكرة عبر مخطوطته "عناقيد الرذيلة" في رواية داخل الرواية .
من الرواية الجديدة ندخل للعالم الذي أراد لنا الراوي أن ندخله حيث يروي "لمات" الطفل الذي يوشك على مغادرة طفولته حكايته وفي تبادل رشيق حكاية صديقه المقرب "ابَّيْلِيلْ" العبد الذي يحكي قصة عبوديته منذ أيام جدته "سلم عربية " الأميرة فائقة الجمال، المسيحية التي اختطفها قاطعو طريق أثناء لهوها مع وصيفتها من أرض السودان الفرنسية، "أبيليل" هنا اسم ذو دلالة إذ هو تصغير "بلال" مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، والعبد الذي حرره الإسلام من العبودية إذ أصبح من خيرة القوم بإسلامه ودينه، عكس سميه الذي ولد لأم كان من المفترض أن تكون حرة ليستعبدها قوم أخذوا عن الدين ما سعى لإلغائه من عبودية.
عن المدرسة إذ تصبح الأمل وخيبة الأمل للطالب الذي يبحث عن العلم ليستنير ويسير دربه صوب مناراته مدفوعاً بالمعلمين الذين لا يختلفون عن بقية الخلق من حيث التأثير والتأثر بالأفكار التي تستوطن العقول وتبحث عن مريدين لها من كل الطبقات اعلى كافة المستويات.
البطل ملتزم دينياً دون تشدد وبطريقته، طريقة أننا خلقنا بشرا خطائين دعونا نخوض غمار الحياة فنخطئ ونتوب! في جدلياته مع معلمه الأول الذي قدم له هدية عبارة عن مجلة غلافها صورة المناضل الكوبي تشي غيفارا وتتحدث عنه باسهاب، لتصبح أعظم وأغلى هدية يتلقها لمات ويتساءل أليس غيفارا قدوة الكثير من الشباب العربي على مختلف توجهاتهم شهيدا؟ وكأنه يختصر المسافات التي تبعد بين البشر في الإنسانية ويجيب ضمنياً على السؤال المحير له ولكل من اختلطت عليه الأمور من كثرة الفتاوي وتعدد الطوائف والشيع والتوجهات الفكرية وإن اتفقت على بعض الأمور التي أصبحت قانون تحدى حتى الدين ليصبح حقيقة ثابتة، مثل الطبقية والعبودية على سبيل المثال والتي تتضح كثيراً في تعامل المدرسين والمدير مع إبيليل عبر صنع الشاي في الاستراحة المدرسية، رغم أن المعلم والذي يطلق عليه البطل اسم "سيدي" تحول ليصبح دينياً متطرفاً، والمدير ذو التوجهات الناصرية والممرض "اسماعيل" الذي يمثل صوت الوسطية والعقل، كلهم باستثناء معلم الفرنسية سنغالي الأصل أجمعوا ضمنياً على أن إبيليل عبد ومن طبقة أقل منهم.
في الاتجاه المقابل تسير قصة "سلم عربية" الأميرة التي اختطفت من قبل قطاع طرق ليتم اغتصابها ويقتل أحد المختطفين الأخر طمعاً في الحصول عليها لفتنة جمالها وأنوثتها الطاغية، يسير الخاطف بها مع وصيفتها إلى أن يصل إلى قوم في الصحراء، ويدخلون خيمة والفتاتان ممزقتا الثياب وفي حالة إعياء شديد جراء تعرضهما للاغتصاب المتتالي من قبل المختطف، لا أحد يبالي بالفتاتين ويعامل الخاطف باحترام وتقدير وتنشأ بيه وبين الشيخ علاقة متينة، على اعتبار أن الشيخ رجل دين وروحاني كبير قومه ومريدوه كثر، أي أنه شخص منزه ولا ينطق عن الهوى وإن ضل أو عصى ربه!
بعد أن يبوح الخاطف بدون وعي أو تركيز بكل ما حصل معه وحياته السابقة، يطلب من الشيخ أن يقرأ له الطالع ويخبره بما يود أن يعرفه عن مستقبله وخاصة الإنجاب، خالعاً بذلك شيخه القديم لعدم الكفاءة! يستغل الشيخ كل ما سمعه من الخاطف ويخبره بكل ما يحب سماعه ويسرّ خاطره، ثم بدهاء وتحايل يطلب منه أن يترك "سلم عربية" لابنه المنغولي ابن الخامسة عشر عاماً والذي تخصص منذ بلغ في هتك ستر النساء ورفع ملابسهن حتى محارمه من النساء لم يسلمن منه، مدافعاً عنه الشيخ بأنه مبارك وذو حظوة عن رب العالمين، ولأن للشيخ مآرب في تلك الأنثى بعد أن أعجب فيها.
بنفس الانتقال السلس تجري الكثير من المجريات في حياة "لمات" وفي حياة "سلم عربية" التي تتحول لعبدة وجارية عند الشيخ وابنه المصاب بإعاقة ويضاف لهما المصطفى الأخ الأكبر الذي يعود من عند معلمه الذي يعلمه الصوفية بعد أن بلغ من العلم مبلغاً يرفع من شأنه في القبيلة ويحوله لشيخ يساعد والده، يقع في حب "سلم عربية" وتقع هي في حبه، ويقع المحظور بعد فترة طويلة من الاستلطاف وتحمل منه دون أن تعرف بأنها حامل وتنجب طفلة قمحية اللون بعكس أمها السمراء ويتنكر لها المصطفى بضغط من والده، على الجهة الأخرى ما زال لمات يبحث عن إجابات لأسئلته الكثيرة التي تعترضه في المدرسة وفي الحياة وإن كانت المدرسة بتنوعها هي الحياة التي تعنيه، يشهد ظلم المرأة منذ الطفولة عبر زميلته التي تطرد كونها تحدثت معه في الاستراحة، بعد أن يفرض عليها المدرس العزلة وتغطية كل جسدها، ويجبرها على تأدية الكثير من الصلوات والعبادات التي يرى الأستاذ أن واجبه يقتضي منه إجبار الطلاب عليها بعد تحوله الدرامي من معلم منفتح الذهن لمتدين متشدد يرى أن ما يقوم به هو الصواب.
تتخذ الرواية من المكان ركيزة قوية فالصحراء وطباعها الصعبة حاضرة بكل قوة في حياة "سلم عربية" منذ الاختطاف وحتى تحويلها لجارية وبائعة هوى لاحقاً بعد الظلم الكثير الذي تعرضت له ونكران والد طفلتها لها ومن ثم اغتصابها لأنها ابنة جارية وملك يمينه مبرراً هذا العلم وملفقاً أحكام شرعية تبيح له جماع الطفلة بحكمها جارية، وتصديق الناس له وتكذيب الشاهد الوحيد بالإضافة لأم الطفلة "سلم عربية"، بعد الصحراء عن المدن والمدنية يدفع الأسياد لفرض قوانينهم الخاصة، ملبسين إياها الدين تارة والتقاليد تارة أخرى، محرفين أي نص حسب مقتضيات حاجتهم له، وفي الجهة المقابلة تحضر القرية والتي لا تختلف كثيراً عن الصحراء إلا من حيث وجود المدرسة والتعليم رغم هروب الناس صوب "المحاظر" خشيت الانزلاق للكفر والتشبه بالكفار في تعلم العلوم العلمية.
الكثير من النقاط المهمة طرحت في الرواية وإن جاءت في الترتيب بعد التشدد الديني والعبودية، الثأر كان موجوداً عبر الانتقام من السنغاليين بعد أحداث حصلت في إبريل وذهبت بالتالي بأحلام "لمات" إذ عاد للدراسة في المحاظر بعد أن ترك الجميع المدرسة بمن فيهم أستاذ الفرنسية السنغالي الذي تم تهريبه كي لا يقتل ثأراً لمن قتل من أبناء البلدة في السنغال، وفي صورة أخرى هزلية يسأل مغتصب "سلم عربية" الشيخ : كيف يستطيع أن يأخذ بثأر رفيقه الذي قتله هو بنفسه لينفرد بالضحية ليحافظ على العهد الذي قطعه على نفسه لصديقه بأخذ ثأره في حال قتل.
ربما تكون هذه الرواية من الروايات القليلة التي طرحت موضوع التشدد الديني بصورته المباشرة متخذة الراوي طالبا متدينا بعقلية منفتحة مساراً للأحداث وواضعاً النقاط على الحروف في تتابع للأحداث، لا يظهر الخيط الأبيض في نهاية الليل الطويل الذي نعيشه كعرب منذ عقود ومنذ أن طغى التشدد على كل الأفكار الوسطية التي تحفل فيها تعاليم الدين الإسلامي، ثم الخلط الواضح لآراء الفقهاء الشخصية وأهوائهم مع عادات وتقاليد بالية لا علاقة لها في الدين وفرضها على الناس على أساس أنها تعاليم دينية.
….
كاتبة أردنية تعنى بشؤون المرأة.
الفن الروائي أصبح قبلة القراء العرب والمفضل عندهم عن باقي الفنون الأدبية الأخرى، ربما لأن الرواية حياة متكاملة وتهتم بالتفاصيل التي لا تتأتى في باقي الفنون الأدبية، لذلك أصبحت مسؤولية الكاتب الروائي أصعب وأكثر دقة والمطلوب منه أن يكون على قدر هذا التحدي، تعج المكتبات ودور النشر بالرواية وكل رواية تأخذ مسارها للقراء حسب توجهات الكاتب وقراءه الذين اعتادوا على القراءة له وتلقف رواياته حال صدورها.
وسط هذا الزخم الروائي يبحث القراء الذين يأخذون الرواية على محمل الجد عن الرسائل والحلول، عن الإشكاليات التي تطرحها الرواية وتصب في صلب حياتنا المعاشاة حالياً، حياة العرب بعامة.
ما من شك بأن ما يحصل في الوطن العربي من دمار وحروب واقتتال ليس وليد اللحظة وإن كان قد بدا كذلك للبعض، ما يحصل يمتد بجذوره لنمط تربوي وتوجهات غذت في عقول وقلوب الناس هذه الرغبة بالموت أو قتل الآخر تلبية لنداءات ليست مجهولة المصدر بالضرورة.
الثالوث المحرم في الكتابة الأدبية كما هو متعارف عليه – دين، سياسة وجنس – بات مخترقاً من قِبل الكثير من الأدباء، بعضهم ليوصل فكرته بوضوح وبعضهم ليروج لعمله الأدبي على مبدأ "كل ممنوع مرغوب".
من الروايات التي انتهجت منهج وسطي في اختراق هذا الثالوث دون ابتذال وبهدوء وروية رواية "عناقيد الرذيلة" للكاتب الموريتاني أحمد محمد الحافظ وما اخترقته إلا لتضع الكثير من النقاط على الحروف، تسير الرواية في محورين يلتقيان كثيراً في غير مكان وهدف، التشدد الديني وأين أوصلنا وكيف وصلنا وكم تم تحريفه وسيطر على عقولنا وحولنا لأدوات للتنفيذ دون أمل في استخدام عقولنا، والعبودية وإن كانت مستترة بأسماء أخرى كثيرة، رغم أنها وردت بالاسم الصريح في الرواية.
ما أن تقرأ الإهداء وقبل أن تلج للرواية تعرف أنك أمام عمل روائي شائك وحقيقي مثل حقيقة وجع الإهداء إلى روح "أمبَارك اعلِين" والتي يتضح أنها كانت من "العبيد" نعم... العبيد في القرن الواحد والعشرين وفي بلاد الإسلام حيث لا فرق بين أبيض وأسود إلا بالتقوى! لينهي الراوي الإهداء بجملة: إليكم أيضًا يا"أسياد" الخزف الظَّلومين!
يتنصل الراوي من نتائج العمل الروائي وآثاره أو أي شبه بينه وبين الواقع في تنبيه ذكي قبل الاستهلال في السرد وكأنه يقول لنا: إن كنتم هنا فلا تتحسوا رؤوسكم فهؤلاء مجرد أشباه لكم!
بخبر عن قبول وكالة "ناسا" لطلاب من موريتانيا يأخذنا الرواي للبطل "لمات" الذي يمتلك قدرات عقلية كبيرة وذكاء فائقا رغم أنه درس العلوم الشرعية بدفع من والدته التي ترتاح وتأنس لكلام أحد الدعاة الذي يرى أن العلوم العلمية والمدارس لا تجلب إلا الكفر والفجور والمعاصي، ورغم ذلك ينجح البطل في اجتياز امتحان الفيزياء والمواد المطلوبة بتفوق إلا أنه للأسف لا يحصل على المرتبة الأولى، بفارق بسيط بينه وبين الطالب الذي تفوق عليه، لتبدأ رحلة "لمات" البطل من هذه النقطة وليعود للتفكير بالطريق التي سار عليها كما رغبت أمه ليكون من الأبناء الصالحين حسب منطقها وحسب منطق الداعية الذي كانت تأخذ برأيه وتتابع دروسه ونصائحه بحذافيرها.
يروي صديق البطل حالة البطل بعد أن فشل في الوصول للمنحة الدراسية في "وكالة ناسا" الحالة التي أصبح عليها البطل من تدهور في صحته الجسدية والنفسية، وعجز الطب عن علاجه وحتى العلاجات الروحانية أو السحر والشعوذة، إلى أن يصل بالوصف لمشهد خروجه ببنطال قصير للعب مع الأطفال واختفاء أثره عند هذه النقطة، بالنسبة للصديق.
في انسياب ولغة جميلة ورزينة يتنقل الراوي في الأحداث التي تجري له وهو يحاول أن ينزع صديقه "لمات" من تفكيره والتفكير في نهايته وأين اختفى، عبر حلم في غفوة قصيرة بانتظار الصلاة ينقلنا الراوي لحياة غرائبية للعالم في القرن الثلاثين ويدله شاب وفتاة من خلال الحلم إلى ما يمكن أن يكون الخيط الذي يوصله لصديقه أو لطريقة يتتبع فيها آثاره.
تجري الأحداث بعد ذلك بتتابع سلس إلى أن يصل الراوي إلى رواية كانت مخبأة تحت ظل شجرة كتبها صديقه "لمات" ودفنها في الصحراء حيث الأرض البكر والحياة بشقائها وتعبها، من بداية فتح الدفتر الذي وجده يظهر "لمات" مرة أخرى بخطه الجميل ولغته العذبة ليستلم السرد ويدخلنا إلى صلب الفكرة عبر مخطوطته "عناقيد الرذيلة" في رواية داخل الرواية .
من الرواية الجديدة ندخل للعالم الذي أراد لنا الراوي أن ندخله حيث يروي "لمات" الطفل الذي يوشك على مغادرة طفولته حكايته وفي تبادل رشيق حكاية صديقه المقرب "ابَّيْلِيلْ" العبد الذي يحكي قصة عبوديته منذ أيام جدته "سلم عربية " الأميرة فائقة الجمال، المسيحية التي اختطفها قاطعو طريق أثناء لهوها مع وصيفتها من أرض السودان الفرنسية، "أبيليل" هنا اسم ذو دلالة إذ هو تصغير "بلال" مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، والعبد الذي حرره الإسلام من العبودية إذ أصبح من خيرة القوم بإسلامه ودينه، عكس سميه الذي ولد لأم كان من المفترض أن تكون حرة ليستعبدها قوم أخذوا عن الدين ما سعى لإلغائه من عبودية.
عن المدرسة إذ تصبح الأمل وخيبة الأمل للطالب الذي يبحث عن العلم ليستنير ويسير دربه صوب مناراته مدفوعاً بالمعلمين الذين لا يختلفون عن بقية الخلق من حيث التأثير والتأثر بالأفكار التي تستوطن العقول وتبحث عن مريدين لها من كل الطبقات اعلى كافة المستويات.
البطل ملتزم دينياً دون تشدد وبطريقته، طريقة أننا خلقنا بشرا خطائين دعونا نخوض غمار الحياة فنخطئ ونتوب! في جدلياته مع معلمه الأول الذي قدم له هدية عبارة عن مجلة غلافها صورة المناضل الكوبي تشي غيفارا وتتحدث عنه باسهاب، لتصبح أعظم وأغلى هدية يتلقها لمات ويتساءل أليس غيفارا قدوة الكثير من الشباب العربي على مختلف توجهاتهم شهيدا؟ وكأنه يختصر المسافات التي تبعد بين البشر في الإنسانية ويجيب ضمنياً على السؤال المحير له ولكل من اختلطت عليه الأمور من كثرة الفتاوي وتعدد الطوائف والشيع والتوجهات الفكرية وإن اتفقت على بعض الأمور التي أصبحت قانون تحدى حتى الدين ليصبح حقيقة ثابتة، مثل الطبقية والعبودية على سبيل المثال والتي تتضح كثيراً في تعامل المدرسين والمدير مع إبيليل عبر صنع الشاي في الاستراحة المدرسية، رغم أن المعلم والذي يطلق عليه البطل اسم "سيدي" تحول ليصبح دينياً متطرفاً، والمدير ذو التوجهات الناصرية والممرض "اسماعيل" الذي يمثل صوت الوسطية والعقل، كلهم باستثناء معلم الفرنسية سنغالي الأصل أجمعوا ضمنياً على أن إبيليل عبد ومن طبقة أقل منهم.
في الاتجاه المقابل تسير قصة "سلم عربية" الأميرة التي اختطفت من قبل قطاع طرق ليتم اغتصابها ويقتل أحد المختطفين الأخر طمعاً في الحصول عليها لفتنة جمالها وأنوثتها الطاغية، يسير الخاطف بها مع وصيفتها إلى أن يصل إلى قوم في الصحراء، ويدخلون خيمة والفتاتان ممزقتا الثياب وفي حالة إعياء شديد جراء تعرضهما للاغتصاب المتتالي من قبل المختطف، لا أحد يبالي بالفتاتين ويعامل الخاطف باحترام وتقدير وتنشأ بيه وبين الشيخ علاقة متينة، على اعتبار أن الشيخ رجل دين وروحاني كبير قومه ومريدوه كثر، أي أنه شخص منزه ولا ينطق عن الهوى وإن ضل أو عصى ربه!
بعد أن يبوح الخاطف بدون وعي أو تركيز بكل ما حصل معه وحياته السابقة، يطلب من الشيخ أن يقرأ له الطالع ويخبره بما يود أن يعرفه عن مستقبله وخاصة الإنجاب، خالعاً بذلك شيخه القديم لعدم الكفاءة! يستغل الشيخ كل ما سمعه من الخاطف ويخبره بكل ما يحب سماعه ويسرّ خاطره، ثم بدهاء وتحايل يطلب منه أن يترك "سلم عربية" لابنه المنغولي ابن الخامسة عشر عاماً والذي تخصص منذ بلغ في هتك ستر النساء ورفع ملابسهن حتى محارمه من النساء لم يسلمن منه، مدافعاً عنه الشيخ بأنه مبارك وذو حظوة عن رب العالمين، ولأن للشيخ مآرب في تلك الأنثى بعد أن أعجب فيها.
بنفس الانتقال السلس تجري الكثير من المجريات في حياة "لمات" وفي حياة "سلم عربية" التي تتحول لعبدة وجارية عند الشيخ وابنه المصاب بإعاقة ويضاف لهما المصطفى الأخ الأكبر الذي يعود من عند معلمه الذي يعلمه الصوفية بعد أن بلغ من العلم مبلغاً يرفع من شأنه في القبيلة ويحوله لشيخ يساعد والده، يقع في حب "سلم عربية" وتقع هي في حبه، ويقع المحظور بعد فترة طويلة من الاستلطاف وتحمل منه دون أن تعرف بأنها حامل وتنجب طفلة قمحية اللون بعكس أمها السمراء ويتنكر لها المصطفى بضغط من والده، على الجهة الأخرى ما زال لمات يبحث عن إجابات لأسئلته الكثيرة التي تعترضه في المدرسة وفي الحياة وإن كانت المدرسة بتنوعها هي الحياة التي تعنيه، يشهد ظلم المرأة منذ الطفولة عبر زميلته التي تطرد كونها تحدثت معه في الاستراحة، بعد أن يفرض عليها المدرس العزلة وتغطية كل جسدها، ويجبرها على تأدية الكثير من الصلوات والعبادات التي يرى الأستاذ أن واجبه يقتضي منه إجبار الطلاب عليها بعد تحوله الدرامي من معلم منفتح الذهن لمتدين متشدد يرى أن ما يقوم به هو الصواب.
تتخذ الرواية من المكان ركيزة قوية فالصحراء وطباعها الصعبة حاضرة بكل قوة في حياة "سلم عربية" منذ الاختطاف وحتى تحويلها لجارية وبائعة هوى لاحقاً بعد الظلم الكثير الذي تعرضت له ونكران والد طفلتها لها ومن ثم اغتصابها لأنها ابنة جارية وملك يمينه مبرراً هذا العلم وملفقاً أحكام شرعية تبيح له جماع الطفلة بحكمها جارية، وتصديق الناس له وتكذيب الشاهد الوحيد بالإضافة لأم الطفلة "سلم عربية"، بعد الصحراء عن المدن والمدنية يدفع الأسياد لفرض قوانينهم الخاصة، ملبسين إياها الدين تارة والتقاليد تارة أخرى، محرفين أي نص حسب مقتضيات حاجتهم له، وفي الجهة المقابلة تحضر القرية والتي لا تختلف كثيراً عن الصحراء إلا من حيث وجود المدرسة والتعليم رغم هروب الناس صوب "المحاظر" خشيت الانزلاق للكفر والتشبه بالكفار في تعلم العلوم العلمية.
الكثير من النقاط المهمة طرحت في الرواية وإن جاءت في الترتيب بعد التشدد الديني والعبودية، الثأر كان موجوداً عبر الانتقام من السنغاليين بعد أحداث حصلت في إبريل وذهبت بالتالي بأحلام "لمات" إذ عاد للدراسة في المحاظر بعد أن ترك الجميع المدرسة بمن فيهم أستاذ الفرنسية السنغالي الذي تم تهريبه كي لا يقتل ثأراً لمن قتل من أبناء البلدة في السنغال، وفي صورة أخرى هزلية يسأل مغتصب "سلم عربية" الشيخ : كيف يستطيع أن يأخذ بثأر رفيقه الذي قتله هو بنفسه لينفرد بالضحية ليحافظ على العهد الذي قطعه على نفسه لصديقه بأخذ ثأره في حال قتل.
ربما تكون هذه الرواية من الروايات القليلة التي طرحت موضوع التشدد الديني بصورته المباشرة متخذة الراوي طالبا متدينا بعقلية منفتحة مساراً للأحداث وواضعاً النقاط على الحروف في تتابع للأحداث، لا يظهر الخيط الأبيض في نهاية الليل الطويل الذي نعيشه كعرب منذ عقود ومنذ أن طغى التشدد على كل الأفكار الوسطية التي تحفل فيها تعاليم الدين الإسلامي، ثم الخلط الواضح لآراء الفقهاء الشخصية وأهوائهم مع عادات وتقاليد بالية لا علاقة لها في الدين وفرضها على الناس على أساس أنها تعاليم دينية.
….
كاتبة أردنية تعنى بشؤون المرأة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.