تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    نقابة العلاج الطبيعي: بيان "اتخاذ إجراءات ضد حاملي الدكتوراه من التربية الرياضية" مزور    "4 أيام ظلام وبدون مياه".. استمرار استغاثات أهالي الجيزة بشأن انقطاع الكهرباء    مالطا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر    بعد زلزال روسيا.. تفعيل الإنذار في ولايات كاليفورنيا وأوريجون وواشنطن تحسبًا من تسونامي    ترامب: مراكز الطعام ستبدأ عملها في غزة قريبا    عمرو الجنايني يكشف حقيقة تواصله مع أحمد عبد القادر للانتقال إلى الزمالك    أحمد شوبير يكشف سبب غياب لاعب الأهلي عن ودية إنبي أمس    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأربعاء 30-7-2025    "من المطار إلى الكفالة".. القصة الكاملة لأزمة القبض على رمضان صبحي لاعب بيراميدز    حرائق بلا سبب.. سكان برخيل يواجهون النار بالتكنولوجيا في سوهاج (فيديو وصور)    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    عمر فاروق: وعي الشعب المصري خط الدفاع الأول ضد مؤامرات «الإرهابية»    جدول مباريات الزمالك في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    الحكومة تواصل إنقاذ نهر النيل: إزالة 87 ألف حالة تعدٍ منذ 2015 وحتى الآن    ترامب يفرض 25% رسومًا جمركية على الهند بعد تعثر المفاوضات التجارية    ترامب ل بوتين: إما وقف النار خلال 10 أيام أو عقوبات    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    ظلام تام في عز النهار.. تفاصيل أطول كسوف كلي للشمس تشهده 10 دول عربية    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الإعلامى حسام الغمرى: جماعة الإخوان تحاول تشويه موقف مصر الشريف تجاه فلسطين.. فيديو    محمد محسن يحتفل بعيد ميلاد زوجته هبة مجدي برسالة رومانسية (صور)    لهذا السبب... لطفي لبيب يتصدر تريند جوجل    المجلس القومي لحقوق الإنسان يهنئ أعضاءه الفائزين بجائزة الدولة التقديرية لعام 2025    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    «التموين»: لا صحة لعدم صرف الخبز المدعم لأصحاب معاش تكافل وكرامة    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    بكابلات جديدة.. قرب الانتهاء من تغذية محطة جزيرة الذهب أسفل كوبري العمرانية    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول ضد يوكوهاما والموعد والمعلق.. موقف محمد صلاح    من المهم توخي الحذر في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 30 يوليو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    مسيرات إسرائيلية تستهدف قوات رديفة لوزارة الدفاع السورية فى ريف السويداء الغربى    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    استعدادًا للموسم الجديد.. نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    وكيله ل في الجول: أحمد ربيع لم يفقد الأمل بانتقاله للزمالك.. وجون إدوارد أصر عليه منذ يومه الأول    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    مفاجأة ممدوح عباس.. الزمالك يتحرك لضم ديانج.. تقرير يكشف    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    السيطرة على حريق هائل بشقة سكنية في المحلة الكبرى    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    خبير بيئي: حرائق قرية برخيل ناتجة عن اشتعال ذاتي بسبب تخمر بقايا المحاصيل والقمامة    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    بدأت بصداع وتحولت إلى شلل كامل.. سكتة دماغية تصيب رجلًا ب«متلازمة الحبس»    طريقة عمل سلطة الطحينة للمشاوي، وصفة سريعة ولذيذة في دقائق    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جسد ضيق لا يسع لتاريخ عريض من الألم
نشر في صوت البلد يوم 03 - 10 - 2016

تتخذ رواية «جسد ضيق» للكاتبة هويدا صالح من إشكالية العلاقة الشائكة بين المسلمين والمسيحيين موضوعا لروايتها الجديدة، دون أن تغض الطرف عن حالة الشقاق والصدام بين الطرفين، بل تقوم الكاتبة بتعرية وتشريح الجميع بلا استثناء، وإن كانت في البعض من مواقفها على لسان شخصياتها انحازت إلى طرف دون الآخر.
خيوط الرواية الرئيسية، الصادرة مؤخرا عن دار الراية للنشر والتوزيع 2016، تكاد تتقاطع مع أشهر الحوادث التي أرَّقت المجتمع المصري ممثَّلة في حادثتي وفاء قسطنطين زوجة راعي كنيسة أبي المطامير بالبحيرة، وكاميليا شحاتة زوجة كاهن ديرمواس بالمنيا في جنوب مصر، وإن كانت لا تتطابق حكايتها مع هذه الحوادث إلا في جزئية الارتداد عن الدين فقط، ثمّ تترك للمخيلة الروائية العنان لتصوغ باقي الحكاية، لتخلق لنفسها تفاصيل عن عالم شائك، وواقع قاس، وذكورية مقيتة تحتكر لنفسها كل شيء، وهو ما يُحسب للراوية باقتحامها لعالم شعاره المسكوت عنه.
الحلم والمنتهى
يبدأ السّرد بفردوس وينتهي بها أيضا، دون أن يجعل من الحكاية دائرية، فزمن البداية مفارق لزمن النهاية، فيبدأ بها طفلة في الوحدة الأولى “عرائس المحبّة القطنية”، التي تهرب بها من واقعها إلى عالمها الخاص الذي تخلقه وتحاور فيه شخصياتها المختلفة التي صنعتها، ومن هذه اللحظة تصبح فكرة الهروب هاجس البطلة، عبر الأحلام حتى تنتهي واقعا بعد منتصف الرواية، بعدما يُعلن الحبّ المُضمر بينها وبين محمود المُسْلم، وما تعرضت له من إكراهات من قبل الكنيسة ورجالها وصلت إلى حدّ الضرب من أمها، وهو ما انتهى بها إلى زواج سيقضي على ما تبقى منها، بعد امتهان الزوج لجسدها، وانصرافه عنها إلى إشباع ملذاته مع أخيه، كما ستُشاهد بعينيها، إلى أن ينتهي السّرد، في نهاية الرواية، بفردوس أخرى منكسرة، وهي تعود من ذات الطريق التي سلكتها إلى الدير هروبا من واقع أليم دفعت ثمنه.
ولا تتشكَّل الحكاية السردية المكوّنة من ثلاثين وحدة سردية والتي تأتي عبر عناوين تتراوح بين أسماء شخصيات العمل (السّت سارة، الخواجة حَنَّا، فردوس، سلوى، ماريا / فيبي) أو مكونّا فضائيّا تُلخص لمحتوى الفصل أو استعارات دينيّة من الكتاب المقدس، إلا في الوحدات السردية المتأخّرة، حيث الفصول الأولى تستغرق فيها المؤلفة بسرد حكايات عن علاقات الإخوة والمحبّة بين المسلمين والمسيحيين، وهي فصول موزَّعة بالتبادل بين العائلتين.
جوهر الحكاية فردوس وما عانته من علاقاتها بمُسلم تخلّى عنها في سلبية نادرة، امتثالا لأعراف العائلة وارتباطاتها السياسية والاجتماعية، فتركها تواجه مصيرها بمفردها، رغم أنها لم تتخلَ عن أحلامها معه، سواء بعد زواجها أو وهي في الدير، حيث أعادت الراهبة العجوز فيبي علاقتها بمحمود، فراحت تستثمرها في حكايات مِن صُنع خيالها، وفاء لهذا الحبيب الذي خذلها، وهو ما كان موضع تعجّب، لكن مع هذه الحكاية استطاعت الكاتبة أن تمرّر حكايات كثيرة، كشفت في البعض منها عن هيمنة الثقافة التحتية التي مازالت مسيطرة في الكثير من مناطق الصعيد والأرياف، وحارات المدن الكبرى بلا استثناء.
لا تغفل الكاتبة الصراعات الصغيرة التي هي بدايات الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين، ممثلة في النداءات العنصرية لابنة صبحي ودميانه، بأنها «البنت النصرانية بنت العايقة»، أو تلك التي واجهتها فردوس عند التحاقها بالجامعة، من عنصرية مقيتة وإقصاء بغيض من قبل زميلاتها المسلمات في المدينة الجامعية، وترديد أقوال عن حال المسيحيين وطعامهم الذي يوصف بالزنخ، كما كشفت الرواية في أحد محاورها المهمة عن المسكوت عنه في هذه العلاقة المحرّمة في نظر الكنيسة، وتعاملها مع صاحبتها كأنها مرتكبة خطية يجب الغفران منها، ثم علاقات المسيحيين الشاذة، كما في صورة أولاد برسوم نخلة، أو القمع داخل البيت كما في صورة الأم فيبي. كما تتطرّق الرِّواية عبر أزمات شخصياتها إلى الذكورية في بيئة الصعيد وكيف تمارس في داخل البيوت، أو في مجتمع الكنيسة أيضا.
تاريخ الرهبنة
زاوج السّرد بين الغنائية والوثائقية، فقد غلبت الغنائية على الفصول المسرودة بالأنا العائدة على فردوس حيث تجتر مأساتها، وتشاطرها الروي بالأنا كذلك سلوى وماريا صديقتا الطفولة والمدرسة، حيث غلبت حالة من الشجن والحزن على هذه الفصول، وهو ما أتاحه السرد بالأنا الذي أعطى حميمية والتصاقا بالذات في سردها عن أناتها، دون أن تنفصل عنها، وإن كان السرد قد مال في الثلث الأخير من الرواية لأن يكون سردا توثيقا/ معرفيا، حيث غلبت المادة التاريخية والمعرفية عن تاريخ الرهبنة الذي بدأ على أرض كيميت التي اخترعت الأديان، ومؤسسها أنطونيوس الكبير، والأبناء باخوميوس أب الشراكة، ووضعهما قواعد الرهبنة النسائية التي انتشرت في النصف الثاني من القرن الرابع، وقد وصل عدد الراهبات من النساء في القرن الثالث عشر إلى عشرين ألف راهبة في الصعيد وحدهن وما تبع هذا من محاولات التمرد على الكنيسة. وكذلك ثمة سرد وثائقي عن البتولية وكيف أنها شركة عميقة مع الله، وعن هيكلية وتراتبية أديرة الراهبات مقارنة بأديرة الرجال، وهو ما يبرز ذكورية الرهبان وإقصائهم للراهبات.
مالت اللغة في الكثير من الوحدات السّردية إلى التماهي مع لغة الكتاب المقدس، وهي تُعبر عن هاجس الأحلام، ودورها في تغيير مصائر الشخصيات بدءا من الجدِّ صبحي الذي سَارَ خلف هاجسه إلى أنْ اهتدى إلى هذه القرية ليستوطنها، وبالمثل سارة التي انقادت خلف قلبها حتى التقت يوسف الحكيم، إلى فردوس ذاتها التي كان طيف المسيح والقديسة مارينا وماري جرجس يُخايلها كل مساء. وإن كانت ثمة مزاوجة بين العامية التي كانت هي لغة الحوار، والفصحى لغة السرد، وهو ما أكسب النص زخما، حيث اللغة في مجملها متقشفة إلى حدّ الزهد في التشبيهات والاستعارات، إلا أنّها كانت أكثر دلالة عن واقع ومأسي الشخصيات. كانت عودة فردوس إلى الحياة مرَّة ثانية من الدير، بمثابة الإقرار بالرغبة في الحياة، مع قسوتها، وهي الفكرة ذاتها التي كانت تُلحُّ على الرَّاهبة العجوز التي اختارت الدير وعاشتْ فيه منذ أن كانت في الحادية والعشرين من عمرها إلى وفاتها.
ثمة ملاحظات على البناء السردي، فالوحدات السردية بحاجة إلى إعادة توزيع ليتحقّق الانسجام مع الحكاية كبناء متكامل، وأيضا ثمة تغيرات مفاجئة في وظائف الشخصيات لم نلمح أي مقدمات لها، حيث أشارت الكاتبة إلى أن ماريا مدرسة ثم بعد ذلك ذكرت أنها تعمل في شركة التقت فيها بإيهاب المنجي الذي كانت ستكرّر معه قصة فردوس ومحمود، كما سردت عن مشهد رؤية فردوس لزوجها مع أخيه في السرير، بضمير الغائب، في حين أن السرد دائما على لسان فردوس بالأنا، وهو ما أحال المشهد إلى التغريب.
تتخذ رواية «جسد ضيق» للكاتبة هويدا صالح من إشكالية العلاقة الشائكة بين المسلمين والمسيحيين موضوعا لروايتها الجديدة، دون أن تغض الطرف عن حالة الشقاق والصدام بين الطرفين، بل تقوم الكاتبة بتعرية وتشريح الجميع بلا استثناء، وإن كانت في البعض من مواقفها على لسان شخصياتها انحازت إلى طرف دون الآخر.
خيوط الرواية الرئيسية، الصادرة مؤخرا عن دار الراية للنشر والتوزيع 2016، تكاد تتقاطع مع أشهر الحوادث التي أرَّقت المجتمع المصري ممثَّلة في حادثتي وفاء قسطنطين زوجة راعي كنيسة أبي المطامير بالبحيرة، وكاميليا شحاتة زوجة كاهن ديرمواس بالمنيا في جنوب مصر، وإن كانت لا تتطابق حكايتها مع هذه الحوادث إلا في جزئية الارتداد عن الدين فقط، ثمّ تترك للمخيلة الروائية العنان لتصوغ باقي الحكاية، لتخلق لنفسها تفاصيل عن عالم شائك، وواقع قاس، وذكورية مقيتة تحتكر لنفسها كل شيء، وهو ما يُحسب للراوية باقتحامها لعالم شعاره المسكوت عنه.
الحلم والمنتهى
يبدأ السّرد بفردوس وينتهي بها أيضا، دون أن يجعل من الحكاية دائرية، فزمن البداية مفارق لزمن النهاية، فيبدأ بها طفلة في الوحدة الأولى “عرائس المحبّة القطنية”، التي تهرب بها من واقعها إلى عالمها الخاص الذي تخلقه وتحاور فيه شخصياتها المختلفة التي صنعتها، ومن هذه اللحظة تصبح فكرة الهروب هاجس البطلة، عبر الأحلام حتى تنتهي واقعا بعد منتصف الرواية، بعدما يُعلن الحبّ المُضمر بينها وبين محمود المُسْلم، وما تعرضت له من إكراهات من قبل الكنيسة ورجالها وصلت إلى حدّ الضرب من أمها، وهو ما انتهى بها إلى زواج سيقضي على ما تبقى منها، بعد امتهان الزوج لجسدها، وانصرافه عنها إلى إشباع ملذاته مع أخيه، كما ستُشاهد بعينيها، إلى أن ينتهي السّرد، في نهاية الرواية، بفردوس أخرى منكسرة، وهي تعود من ذات الطريق التي سلكتها إلى الدير هروبا من واقع أليم دفعت ثمنه.
ولا تتشكَّل الحكاية السردية المكوّنة من ثلاثين وحدة سردية والتي تأتي عبر عناوين تتراوح بين أسماء شخصيات العمل (السّت سارة، الخواجة حَنَّا، فردوس، سلوى، ماريا / فيبي) أو مكونّا فضائيّا تُلخص لمحتوى الفصل أو استعارات دينيّة من الكتاب المقدس، إلا في الوحدات السردية المتأخّرة، حيث الفصول الأولى تستغرق فيها المؤلفة بسرد حكايات عن علاقات الإخوة والمحبّة بين المسلمين والمسيحيين، وهي فصول موزَّعة بالتبادل بين العائلتين.
جوهر الحكاية فردوس وما عانته من علاقاتها بمُسلم تخلّى عنها في سلبية نادرة، امتثالا لأعراف العائلة وارتباطاتها السياسية والاجتماعية، فتركها تواجه مصيرها بمفردها، رغم أنها لم تتخلَ عن أحلامها معه، سواء بعد زواجها أو وهي في الدير، حيث أعادت الراهبة العجوز فيبي علاقتها بمحمود، فراحت تستثمرها في حكايات مِن صُنع خيالها، وفاء لهذا الحبيب الذي خذلها، وهو ما كان موضع تعجّب، لكن مع هذه الحكاية استطاعت الكاتبة أن تمرّر حكايات كثيرة، كشفت في البعض منها عن هيمنة الثقافة التحتية التي مازالت مسيطرة في الكثير من مناطق الصعيد والأرياف، وحارات المدن الكبرى بلا استثناء.
لا تغفل الكاتبة الصراعات الصغيرة التي هي بدايات الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين، ممثلة في النداءات العنصرية لابنة صبحي ودميانه، بأنها «البنت النصرانية بنت العايقة»، أو تلك التي واجهتها فردوس عند التحاقها بالجامعة، من عنصرية مقيتة وإقصاء بغيض من قبل زميلاتها المسلمات في المدينة الجامعية، وترديد أقوال عن حال المسيحيين وطعامهم الذي يوصف بالزنخ، كما كشفت الرواية في أحد محاورها المهمة عن المسكوت عنه في هذه العلاقة المحرّمة في نظر الكنيسة، وتعاملها مع صاحبتها كأنها مرتكبة خطية يجب الغفران منها، ثم علاقات المسيحيين الشاذة، كما في صورة أولاد برسوم نخلة، أو القمع داخل البيت كما في صورة الأم فيبي. كما تتطرّق الرِّواية عبر أزمات شخصياتها إلى الذكورية في بيئة الصعيد وكيف تمارس في داخل البيوت، أو في مجتمع الكنيسة أيضا.
تاريخ الرهبنة
زاوج السّرد بين الغنائية والوثائقية، فقد غلبت الغنائية على الفصول المسرودة بالأنا العائدة على فردوس حيث تجتر مأساتها، وتشاطرها الروي بالأنا كذلك سلوى وماريا صديقتا الطفولة والمدرسة، حيث غلبت حالة من الشجن والحزن على هذه الفصول، وهو ما أتاحه السرد بالأنا الذي أعطى حميمية والتصاقا بالذات في سردها عن أناتها، دون أن تنفصل عنها، وإن كان السرد قد مال في الثلث الأخير من الرواية لأن يكون سردا توثيقا/ معرفيا، حيث غلبت المادة التاريخية والمعرفية عن تاريخ الرهبنة الذي بدأ على أرض كيميت التي اخترعت الأديان، ومؤسسها أنطونيوس الكبير، والأبناء باخوميوس أب الشراكة، ووضعهما قواعد الرهبنة النسائية التي انتشرت في النصف الثاني من القرن الرابع، وقد وصل عدد الراهبات من النساء في القرن الثالث عشر إلى عشرين ألف راهبة في الصعيد وحدهن وما تبع هذا من محاولات التمرد على الكنيسة. وكذلك ثمة سرد وثائقي عن البتولية وكيف أنها شركة عميقة مع الله، وعن هيكلية وتراتبية أديرة الراهبات مقارنة بأديرة الرجال، وهو ما يبرز ذكورية الرهبان وإقصائهم للراهبات.
مالت اللغة في الكثير من الوحدات السّردية إلى التماهي مع لغة الكتاب المقدس، وهي تُعبر عن هاجس الأحلام، ودورها في تغيير مصائر الشخصيات بدءا من الجدِّ صبحي الذي سَارَ خلف هاجسه إلى أنْ اهتدى إلى هذه القرية ليستوطنها، وبالمثل سارة التي انقادت خلف قلبها حتى التقت يوسف الحكيم، إلى فردوس ذاتها التي كان طيف المسيح والقديسة مارينا وماري جرجس يُخايلها كل مساء. وإن كانت ثمة مزاوجة بين العامية التي كانت هي لغة الحوار، والفصحى لغة السرد، وهو ما أكسب النص زخما، حيث اللغة في مجملها متقشفة إلى حدّ الزهد في التشبيهات والاستعارات، إلا أنّها كانت أكثر دلالة عن واقع ومأسي الشخصيات. كانت عودة فردوس إلى الحياة مرَّة ثانية من الدير، بمثابة الإقرار بالرغبة في الحياة، مع قسوتها، وهي الفكرة ذاتها التي كانت تُلحُّ على الرَّاهبة العجوز التي اختارت الدير وعاشتْ فيه منذ أن كانت في الحادية والعشرين من عمرها إلى وفاتها.
ثمة ملاحظات على البناء السردي، فالوحدات السردية بحاجة إلى إعادة توزيع ليتحقّق الانسجام مع الحكاية كبناء متكامل، وأيضا ثمة تغيرات مفاجئة في وظائف الشخصيات لم نلمح أي مقدمات لها، حيث أشارت الكاتبة إلى أن ماريا مدرسة ثم بعد ذلك ذكرت أنها تعمل في شركة التقت فيها بإيهاب المنجي الذي كانت ستكرّر معه قصة فردوس ومحمود، كما سردت عن مشهد رؤية فردوس لزوجها مع أخيه في السرير، بضمير الغائب، في حين أن السرد دائما على لسان فردوس بالأنا، وهو ما أحال المشهد إلى التغريب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.