«الوفد»: 200 عضو أبدوا رغبتهم الترشح في الانتخابات المقبلة.. وسندخل في تحالفات مع حزب الأغلبية    "السبائك الحديدية" تصدر غبار السليكا لليابان ب3.6 مليون دولار.. صور    النواب يوافق على موازنة الهيئة العامة لتخطيط مشروعات النقل للعام المالي 2025/2026    رئيس مصنع أبو زعبل: الدولة تهتم بالإنتاج الحربى ونحقق أرباحا مع تطوير الصناعات    ترامب عن بوتين: "يلعب بالنار" وصبري بدأ ينفد!    سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشرع في إجراءات ترحيل وسحب الجنسية من «عرب 48»    تشكيل فاركو أمام الأهلي في الدوري    اللجنة الأولمبية المصرية تعتمد أسماء رؤساء 13 لجنة    مانشستر يونايتد يتحرك لإنقاذ الفريق بعد موسم كارثي.. وكونيا أول الصفقات    ضبط 750 كيلو دواجن غير صالحة للاستهلاك الآدمي بدمياط    حسن الرداد وإيمي سمير غانم يرزقان بمولودتها الثانية    كريم عبد العزيز: عايز اعمل فيلم يجمعني ب السقا وعز وأحمد حلمي عشان تولع"    دانا أبو شمسية: اتهامات حادة لنتنياهو بالفشل فى استعادة المحتجزين داخل الكنيست    الأوبرا تستضيف معرض «عاشق الطبيعة.. حلم جديد» للفنان وليد السقا بقاعة صلاح طاهر    حكم صلاة العيد يوم الجمعة.. أحمد كريمة يوضح    نائب وزير الصحة يوصي بمجازاة مسؤولين بمستشفيات في قنا.. ويمنح مهلة شهرًا لآخرين لتلافي السلبيات    محافظ الغربية: الجامعة الأهلية خطوة استراتيجية نحو تعليم متطور    رئيس وزراء كندا يؤكد سعي بلاده لإبرام اتفاق ثنائي جديد مع أمريكا لإلغاء الرسوم الجمركية    مسؤولة أممية: المدنيون بغزة يتعرضون للاستهداف المباشر    "جائزة الدانة للدراما 2025" تعلن قائمة الأعمال الدرامية والفنانين المرشحين للفوز بالجائزة في نسختها الثانية    المتهم بقتل طفلته في البانيو للمحكمة: والنبي إدوني إعدام.. والمحكمة تصدر قرارها    متى موعد صلاة عيد الأضحى المبارك 2025 في محافظات الجمهورية؟    دعاء الإفطار في اليوم الأول من ذي الحجة 2025    إغلاق 5 مراكز تعليمية غير مرخصة في الإسكندرية -صور    طارق عكاشة يعلن 25% من سكان العالم يعيشون فى أماكن بها حروب    الفيوم تحصد مراكز متقدمة في مسابقتي المبتكر الصغير والرائد المثالي    مواقيت الصلاة بمحافظات الجمهورية غدًا.. وأفضل أدعية العشر الأوائل (رددها قبل المغرب)    اتحاد الصناعات يبحث مع سفير بيلاروسيا التعاون بالصناعات الثقيلة والدوائية    عقوبة في الزمالك.. غيابات الأهلي.. تأجيل موقف السعيد.. واعتذار بسبب ميدو| نشرة الرياضة ½ اليوم    «زي النهارده» في 28 مايو 2010.. وفاة الأديب والسيناريست أسامة أنور عكاشة    حسن الرداد وإيمي سمير غانم يرزقان ب «فادية»    عطل مفاجئ في صفقة انتقال عمرو الجزار من غزل المحلة إلى الأهلى    الاصلاح والنهضة توصي بتأهيل المرأة سياسيًا وتفعيل دور الأحزاب    الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لنصب مستوصف ميداني جنوب سوريا ل "دعم سكان المنطقة"    متى يبدأ صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 1446؟    مدير «جنيف للدراسات»: تزاحم أوروبي أمريكي للاستثمار في سوريا    إيلون ماسك ينتقد مشروع قانون في أجندة ترامب التشريعية    محافظ الإسماعيلية يتابع أنشطة مديرية الزراعة ويؤكد دعم تنمية القطاع    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا لمتابعة مستجدات توصيات النسخة الثانية للمؤتمر العالمي للسكان    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    صحة أسيوط تفحص 53 ألف مواطن للكشف عن الرمد الحبيبي المؤدي للعمى (صور)    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إليزابيث ستروت:الكتابة فعل إلحاح مُستفزّ
نشر في صوت البلد يوم 15 - 09 - 2016

غالباً ما تتسم الأديبات اللاتي يكتبن عن الحياة العائلية بأنهن يقعن في السرد المنزلي وطقوسه اليومية الروتينية، لكن الروائية الأميركية الفائزة بجائزة بوليتزر إليزابيث ستروت تنظر إلى أعمالها بطريقة مختلفة، سواء لجهة إحاطتها بموضوعات مثل الفقر والتفاوت الطبقي أو الحروب وتأثيراتها في العلاقات العائلية.
وهي تقول في مقابلة أجرتها معها صحيفة «أوبزرفر» بمناسبة صدور روايتها الخامسة «اسمي لوسي بارتون» التي أدرجت على اللائحة الطويلة لجائزة «مان بوكر» هذا العام: «الشخصي هو سياسي في النهاية»، و«أعمالي تحيط بحشد من الموضوعات أوسع نطاقاً مما قد يتصوره كثيرون».
استمدت عنوان روايتها الأخيرة من ذكريات فتاة تدعى لوسي عندما كانت طريحة الفراش في مستشفى ثمانينات القرن الماضي. وتوصلت ستروت إلى تأليفها بعد أن وضعتها مدة على مكتبها، وهي تعمل في العادة على كتابة مقاطع قصيرة عن مشاهد تصادفها، مشاهد لا بد أن تنطوي أو تستثير لديها نوعاً من الإحساس بالإلحاح المستفز، ثم تبقيها جانباً، وإذا انتفت عنها صفة الإلحاح، فإنها تتركها.
وكانت تعمل على عدة أشياء مختلفة معاً، عندما وجدت نفسها تعود إلى لوسي بارتون وهي طريحة السرير ووالدتها الجالسة على طرف سريرها، فأدركت أن صوت لوسي كان يتصف بخصوصية ينبغي الانتباه لها.
ذكريات
وفي الرواية، تكشف ذكريات لوسي عن خلفية تتصف بكثير من القسوة، قبل توجهها إلى نيويورك وتحقيقها بعض النجاح ككاتبة، وتقول ستروت التي تأتي من خلفية ريفية، إنها كانت تعي دوماً منذ طفولتها لوجود عائلة فقيرة وغريبة للغاية ومنبوذة من المجتمع.
وهذا الموضوع أثار اهتمامها أكثر فأكثر مع مرور الزمن، وقد ازداد أهمية في ظل الأوضاع التي تعيشها أميركا بوجه خاص. ولهذا، يعد موضوع الترقي الاجتماعي أكثر ما يثير اهتمامها، وخصوصاً كيف سيتبدى الأمر بالنسبة لفرد في تلك العائلة أثناء انتقاله عبر الخطوط الطبقية.
لكن لوسي في الرواية ستصبح كاتبة أيضاً. وفي ذلك، شعرت ستروت بأنها تجازف كثيراً، وتقول إنها استهجنت الأمر للوهلة الأولى، لكن بعد قراءة مسوداتها العديدة، أدركت أن لوسي كانت تتأخر في المدرسة وتستغرق في القراءة، وكانت قد كتبت على لسانها القراءة «قربت العالم إلي»، وقد شعرت بأنها جازفت كثيراً، فما الضرر من الذهاب في ذلك إلى النهاية؟
تجربة إنسانية
شخصياتها محببة في معظم الأحيان، لكن الروائية تجد في ذلك ابتذالاً، وكانت قد قالت في إحدى المرات: «ما يهمني ككاتبة ليس الخير أو الشر، إنما ظلمة التجربة الإنسانية والعيوب الثابتة في حياتنا»، وتؤكد أنها تكن حباً كبيراً لكل الشخصيات في أعمالها، ولا يهمها مقدار ما تتصف به من سوء في التصرف، لأن هذه من طبيعتها، بل تقول إنها كانت تردد أثناء تأليفها روايتها التي حازت على جائزة بوليتزر «أوليف كيتريدج»: «لا تكوني متحفظة، لا تكوني حذرة، لا بد من أن تتركي الشخصية على سجيتها».
في أعمالها يوجد حيز هام للمناظر الطبيعية، فهي ترعرعت في مين ونيو هامبشاير، وفي هاتين المنطقتين طورت حبها العميق للعالم الحسي ولتلك الصخور التي يغطيها العشب البحري في مين، ولغابات نيو هامبشاير بزهورها البرية.
لكن شخصية لوسي من الغرب الأوسط، وكانت ستروت في زيارة مع زوجها، عندما أدركت أن لوسي لا بد من أنها تنتمي إلى ذلك المكان، وتقول: «الكثير من السماء المحيطة بالمكان، وهذا المنزل الصغير في نهاية الطريق، وأدركت على الفور أن لوسي تنتمي إليه».
كاتبة مثابرة
ثابرت ككاتبة فترة طويلة قبل أن ينشر لها شيء، لكنها حافظت على استمرارية مثيرة للدهشة، تقول إنها تذكر قولاً للأديب والشاعر ريموند كارفر بأنه واصل الكتابة لفترة طويلة بعد أن وصل إلى نقطة كان من المنطقي أن يتوقف، وتذكر أنها كانت تجري حساباتها في وقت من الأوقات، ووجدت أنه أحرز نجاحاً قبلها بفترة طويلة، ولم تستطع أن تصدق ما حصل لها، لكنها استمرت، وكانت تحاول دوماً أن تنجز عملها بشكل صحيح.
الآن أصبحت كاتبة متميزة وحصدت جوائز بعد انتظار طويل، لكنها كانت تتدرب طوال 35 عاماً، منذ أن كانت في الخامسة من عمرها. وهي تشبه نفسها كمن يخوض ماراثوناً، ففي البداية بالكاد يتمكن من المشي لكنه يستمر في المحاولة والتدريب.
ومن ناحيتها، وجدت في النهاية الجمل التي يمكن أن تدخل شقوق الجزء المظلم من عقلها، وتمكنت من القيام بالأمر من خلال التكرار المحض، فالأمر بالنسبة لها لم يكن بين ليلة وضحاها، وإنما استغرقها ليالي عجافاً!
لوحة سردية
تعتبر روايتها «فتيان بورغس» أكبر لوحة رسمتها، وقد أجرت أبحاثاً على مدى سنوات لتتمكن من الدخول في عقل رجل مسلم وتصوره، وشعرت بأنه يتعين عليها اتخاذ وجهة نظر الرجل، والا بقي الآخر فقط في الصورة.
سيصدر لها العام المقبل كتاب يتناول الشخصيات المختلفة التي تتحدث عنها لوسي ووالدتها، لكنه ليس تتمة لروايتها، ولكن يكون بصوت لوسي، لكنه سيتناول حياة كل أولئك الأشخاص المختلفين الذين تتحدث عنهم روايتها الأخيرة، إذ إن لكل واحد منهم ما يقوله.
تضيء الرواية الخامسة للروائية إليزابيث ستروت بعنوان «اسمي لوسي بارتون» على الجانب الأكثر رقة وحناناً في العلاقات الإنسانية، وتحديداً على العائلات في اختلالها، وسوء معاملة أفرادها. وتتناول الرواية طفولة الفتاة لوسي وعلاقتها بوالدتها، التي جاءت للجلوس إلى جانبها عندما كانت طريحة الفراش في المستشفى في ثمانينات القرن الماضي.
وأثناء وجودها في المستشفى، تنظر لوسي في ماضيها وتعيد تصور الأحداث المتنوعة في حياتها ومعظمه مروع، عندما أهان والدها أخاها، وأجبره على السير مرتدياً ملابس والدته أمام الجميع، بعد أن قبض عليه يحاول انتحال حذاء الكعب العالي، وعندما أقفل عليها في شاحنة مع ثعبان، وعندما كانت تعيش مع عائلتها في مرآب يعود لعمها دون تدفئة.
صدمات الطفولة
لوسي لطيفة مليئة بمشاعر الحب تجاه كثيرين في حياتها، لكنها مجروحة، وعلى الرغم من أنها كبرت في العمر، وتزوجت، واصبح لها ولدان، وتتمتع بنجاح مقبول ككاتبة، ما زالت تستيقظ على صدمات الطفولة، وهي تصف نفسها: «كنت أمضي في تصور لوسي قطة مجروحة تموء في الشارع، واردت الاعتناء بها».
والدتها التي لم تفعل الكثير لحمايتها من حياة الفقر ومن والدها صعب التنبؤ، عاجزة عن منحها ما تحتاج إليه عاطفياً، ومشاعر لوسي تتأرجح تجاهها من طرف إلى نقيضه، لكنها تبقى طفلاً بحاجة لكسب قبول والديه الباردين.
ونعلم في الرواية أنها ترعرعت مع أخيها واختها في إيلينوي بين سيقان الذرة وحقول فول الصويا، عائلتها كانت فقيرة، حيث كان والدها يعمل في إصلاح الآلات الزراعية بشكل غير منتظم، فيما كانت أمها تتولى أعمال الخياطة.
وجبات العائلة في معظمها تتألف من الخبز ودبس السكر، ولا يوجد تلفزيون لديها، وحتى عمر 11 عاماً، عاشت العائلة في مرآب يعود لاحد الأعمام، ولم تكن هناك أي وسيلة للتدفئة، ولم تكن تسمع كلمة «أحبك».
وكانت لوسي تعوض عن ذلك بالبقاء في المدرسة حتى ساعات متأخرة، للتدفئة ولأنها كانت تحصل على علامات جيدة. وقد فازت بمنحة دراسية لكلية خارج شيكاغو. وأقامت هناك أول علاقة غرامية مع فنان، لكنها تخلت عنه بعد أن وجه ملاحظة مهينة لها بشأن الخبز ودبس السكر، ثم تزوجت بوليام الذي كان يعمل مساعداً في المختبر، والذي سوف يصحبها إلى مدينة نيويورك، حيث ستصبح لوسي كاتبة.
زيجات فاشلة
وجود الأم إلى جانبها في المستشفى لا يبعث على المرح، إذ تمضي والدتها بشكل قهري في سرد تفاصيل الزيجات الفاشلة لجيرانها وأصدقائها. ونعلم أن أخت لوسي متزوجة، لكنها ليست سعيدة كثيراً مع أطفالها الخمسة الذين لا تسير أحوالهم الاقتصادية على ما يرام. أما أخوها فما زال يعيش في منزل والديه يقرأ قصص الأطفال، ويمضي الليل بقرب حيوانات المزرعة عشية ذبحها.
وتمر في سياق الرواية كاتبة معروفة تلتقي بها لوسي عند وصولها إلى نيويورك، اسمها سارة باين، سوف تسهم في الإضاءة على الرواية نفسها. وعندما تقرأ سارة بعضاً من الصفحات التي كتبتها لوسي عن طفولتها ودخولها المستشفى، تقدم لها النصيحة التالية:
«اسمعي الآن، سوف يعاقبك الناس لأنك جمعت الشعر مع سوء المعاملة. كلمة حمقاء وتقليدية سوء المعاملة، لكن الناس سوف يقولون انه يوجد فقر من دون سوء معاملة، وأنت لن تقولي شيئاً، وإياك أن تدافعي عن عملك.
هذه قصة عن الحب، تعلمين ذلك. إنها قصة رجل تم تعذيبه كل يوم من حياته على أشياء فعلها في الحرب، وهذه قصة زوجة بقيت معه شأن معظم الزوجات في ذلك الجيل، إنها قصة أم تحب ابنتها بشكل غير مثالي، لأننا جميعاً نحب بشكل غير مثالي».
الرواية بذلك تكون أكثر من مجرد مصالحة بين فتاة ووالدتها، إنها وسيلة للتعافي من الصدمات. وكانت الكاتبة قد قالت في إحدى المرات: «أعتقد أننا نريد أن نعلم كيف يكون الأمر في أن نكون شخصاً آخر، لأن هذا الأمر بطريقة ما يساعدنا على إيجاد موقعنا في هذا العالم. فما نحن من دون هذا الفضول يا ترى؟».
إضاءة
ولدت الروائية الأميركية اليزابيث ستروت في مين، وترعرعت في بلدات مين ونيو هامبشاير، حيث حفظت الشعر، وبدأت بإرسال القصص إلى المجلات في عمر 16 عاماً. تخرجت بشهادة في اللغة الإنجليزية من «بايتس كوليدج» في عام 1977، وذهبت بعد ذلك بسنتين إلى جامعة سيراكيوز للحقوق، حيث نالت شهادة في الحقوق إلى جانب شهادة في علم الشيخوخة. وتعمل الآن مساعدة بروفسور في دائرة اللغة الإنجليزية في «مانهاتن كوميونتي كوليدج» في نيويورك.
فازت بجائزة «بوليتزر» في عام 2009 عن روايتها «أوليف كيتريدج» التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني، وقد رشحت رواياتها لجوائز عدة من أهمها «أورانج»، وروايتها الأخيرة الخامسة «اسمي لوسي بارتون» مدرجة على اللائحة الطويلة لجائزة مان بوكر.
غالباً ما تتسم الأديبات اللاتي يكتبن عن الحياة العائلية بأنهن يقعن في السرد المنزلي وطقوسه اليومية الروتينية، لكن الروائية الأميركية الفائزة بجائزة بوليتزر إليزابيث ستروت تنظر إلى أعمالها بطريقة مختلفة، سواء لجهة إحاطتها بموضوعات مثل الفقر والتفاوت الطبقي أو الحروب وتأثيراتها في العلاقات العائلية.
وهي تقول في مقابلة أجرتها معها صحيفة «أوبزرفر» بمناسبة صدور روايتها الخامسة «اسمي لوسي بارتون» التي أدرجت على اللائحة الطويلة لجائزة «مان بوكر» هذا العام: «الشخصي هو سياسي في النهاية»، و«أعمالي تحيط بحشد من الموضوعات أوسع نطاقاً مما قد يتصوره كثيرون».
استمدت عنوان روايتها الأخيرة من ذكريات فتاة تدعى لوسي عندما كانت طريحة الفراش في مستشفى ثمانينات القرن الماضي. وتوصلت ستروت إلى تأليفها بعد أن وضعتها مدة على مكتبها، وهي تعمل في العادة على كتابة مقاطع قصيرة عن مشاهد تصادفها، مشاهد لا بد أن تنطوي أو تستثير لديها نوعاً من الإحساس بالإلحاح المستفز، ثم تبقيها جانباً، وإذا انتفت عنها صفة الإلحاح، فإنها تتركها.
وكانت تعمل على عدة أشياء مختلفة معاً، عندما وجدت نفسها تعود إلى لوسي بارتون وهي طريحة السرير ووالدتها الجالسة على طرف سريرها، فأدركت أن صوت لوسي كان يتصف بخصوصية ينبغي الانتباه لها.
ذكريات
وفي الرواية، تكشف ذكريات لوسي عن خلفية تتصف بكثير من القسوة، قبل توجهها إلى نيويورك وتحقيقها بعض النجاح ككاتبة، وتقول ستروت التي تأتي من خلفية ريفية، إنها كانت تعي دوماً منذ طفولتها لوجود عائلة فقيرة وغريبة للغاية ومنبوذة من المجتمع.
وهذا الموضوع أثار اهتمامها أكثر فأكثر مع مرور الزمن، وقد ازداد أهمية في ظل الأوضاع التي تعيشها أميركا بوجه خاص. ولهذا، يعد موضوع الترقي الاجتماعي أكثر ما يثير اهتمامها، وخصوصاً كيف سيتبدى الأمر بالنسبة لفرد في تلك العائلة أثناء انتقاله عبر الخطوط الطبقية.
لكن لوسي في الرواية ستصبح كاتبة أيضاً. وفي ذلك، شعرت ستروت بأنها تجازف كثيراً، وتقول إنها استهجنت الأمر للوهلة الأولى، لكن بعد قراءة مسوداتها العديدة، أدركت أن لوسي كانت تتأخر في المدرسة وتستغرق في القراءة، وكانت قد كتبت على لسانها القراءة «قربت العالم إلي»، وقد شعرت بأنها جازفت كثيراً، فما الضرر من الذهاب في ذلك إلى النهاية؟
تجربة إنسانية
شخصياتها محببة في معظم الأحيان، لكن الروائية تجد في ذلك ابتذالاً، وكانت قد قالت في إحدى المرات: «ما يهمني ككاتبة ليس الخير أو الشر، إنما ظلمة التجربة الإنسانية والعيوب الثابتة في حياتنا»، وتؤكد أنها تكن حباً كبيراً لكل الشخصيات في أعمالها، ولا يهمها مقدار ما تتصف به من سوء في التصرف، لأن هذه من طبيعتها، بل تقول إنها كانت تردد أثناء تأليفها روايتها التي حازت على جائزة بوليتزر «أوليف كيتريدج»: «لا تكوني متحفظة، لا تكوني حذرة، لا بد من أن تتركي الشخصية على سجيتها».
في أعمالها يوجد حيز هام للمناظر الطبيعية، فهي ترعرعت في مين ونيو هامبشاير، وفي هاتين المنطقتين طورت حبها العميق للعالم الحسي ولتلك الصخور التي يغطيها العشب البحري في مين، ولغابات نيو هامبشاير بزهورها البرية.
لكن شخصية لوسي من الغرب الأوسط، وكانت ستروت في زيارة مع زوجها، عندما أدركت أن لوسي لا بد من أنها تنتمي إلى ذلك المكان، وتقول: «الكثير من السماء المحيطة بالمكان، وهذا المنزل الصغير في نهاية الطريق، وأدركت على الفور أن لوسي تنتمي إليه».
كاتبة مثابرة
ثابرت ككاتبة فترة طويلة قبل أن ينشر لها شيء، لكنها حافظت على استمرارية مثيرة للدهشة، تقول إنها تذكر قولاً للأديب والشاعر ريموند كارفر بأنه واصل الكتابة لفترة طويلة بعد أن وصل إلى نقطة كان من المنطقي أن يتوقف، وتذكر أنها كانت تجري حساباتها في وقت من الأوقات، ووجدت أنه أحرز نجاحاً قبلها بفترة طويلة، ولم تستطع أن تصدق ما حصل لها، لكنها استمرت، وكانت تحاول دوماً أن تنجز عملها بشكل صحيح.
الآن أصبحت كاتبة متميزة وحصدت جوائز بعد انتظار طويل، لكنها كانت تتدرب طوال 35 عاماً، منذ أن كانت في الخامسة من عمرها. وهي تشبه نفسها كمن يخوض ماراثوناً، ففي البداية بالكاد يتمكن من المشي لكنه يستمر في المحاولة والتدريب.
ومن ناحيتها، وجدت في النهاية الجمل التي يمكن أن تدخل شقوق الجزء المظلم من عقلها، وتمكنت من القيام بالأمر من خلال التكرار المحض، فالأمر بالنسبة لها لم يكن بين ليلة وضحاها، وإنما استغرقها ليالي عجافاً!
لوحة سردية
تعتبر روايتها «فتيان بورغس» أكبر لوحة رسمتها، وقد أجرت أبحاثاً على مدى سنوات لتتمكن من الدخول في عقل رجل مسلم وتصوره، وشعرت بأنه يتعين عليها اتخاذ وجهة نظر الرجل، والا بقي الآخر فقط في الصورة.
سيصدر لها العام المقبل كتاب يتناول الشخصيات المختلفة التي تتحدث عنها لوسي ووالدتها، لكنه ليس تتمة لروايتها، ولكن يكون بصوت لوسي، لكنه سيتناول حياة كل أولئك الأشخاص المختلفين الذين تتحدث عنهم روايتها الأخيرة، إذ إن لكل واحد منهم ما يقوله.
تضيء الرواية الخامسة للروائية إليزابيث ستروت بعنوان «اسمي لوسي بارتون» على الجانب الأكثر رقة وحناناً في العلاقات الإنسانية، وتحديداً على العائلات في اختلالها، وسوء معاملة أفرادها. وتتناول الرواية طفولة الفتاة لوسي وعلاقتها بوالدتها، التي جاءت للجلوس إلى جانبها عندما كانت طريحة الفراش في المستشفى في ثمانينات القرن الماضي.
وأثناء وجودها في المستشفى، تنظر لوسي في ماضيها وتعيد تصور الأحداث المتنوعة في حياتها ومعظمه مروع، عندما أهان والدها أخاها، وأجبره على السير مرتدياً ملابس والدته أمام الجميع، بعد أن قبض عليه يحاول انتحال حذاء الكعب العالي، وعندما أقفل عليها في شاحنة مع ثعبان، وعندما كانت تعيش مع عائلتها في مرآب يعود لعمها دون تدفئة.
صدمات الطفولة
لوسي لطيفة مليئة بمشاعر الحب تجاه كثيرين في حياتها، لكنها مجروحة، وعلى الرغم من أنها كبرت في العمر، وتزوجت، واصبح لها ولدان، وتتمتع بنجاح مقبول ككاتبة، ما زالت تستيقظ على صدمات الطفولة، وهي تصف نفسها: «كنت أمضي في تصور لوسي قطة مجروحة تموء في الشارع، واردت الاعتناء بها».
والدتها التي لم تفعل الكثير لحمايتها من حياة الفقر ومن والدها صعب التنبؤ، عاجزة عن منحها ما تحتاج إليه عاطفياً، ومشاعر لوسي تتأرجح تجاهها من طرف إلى نقيضه، لكنها تبقى طفلاً بحاجة لكسب قبول والديه الباردين.
ونعلم في الرواية أنها ترعرعت مع أخيها واختها في إيلينوي بين سيقان الذرة وحقول فول الصويا، عائلتها كانت فقيرة، حيث كان والدها يعمل في إصلاح الآلات الزراعية بشكل غير منتظم، فيما كانت أمها تتولى أعمال الخياطة.
وجبات العائلة في معظمها تتألف من الخبز ودبس السكر، ولا يوجد تلفزيون لديها، وحتى عمر 11 عاماً، عاشت العائلة في مرآب يعود لاحد الأعمام، ولم تكن هناك أي وسيلة للتدفئة، ولم تكن تسمع كلمة «أحبك».
وكانت لوسي تعوض عن ذلك بالبقاء في المدرسة حتى ساعات متأخرة، للتدفئة ولأنها كانت تحصل على علامات جيدة. وقد فازت بمنحة دراسية لكلية خارج شيكاغو. وأقامت هناك أول علاقة غرامية مع فنان، لكنها تخلت عنه بعد أن وجه ملاحظة مهينة لها بشأن الخبز ودبس السكر، ثم تزوجت بوليام الذي كان يعمل مساعداً في المختبر، والذي سوف يصحبها إلى مدينة نيويورك، حيث ستصبح لوسي كاتبة.
زيجات فاشلة
وجود الأم إلى جانبها في المستشفى لا يبعث على المرح، إذ تمضي والدتها بشكل قهري في سرد تفاصيل الزيجات الفاشلة لجيرانها وأصدقائها. ونعلم أن أخت لوسي متزوجة، لكنها ليست سعيدة كثيراً مع أطفالها الخمسة الذين لا تسير أحوالهم الاقتصادية على ما يرام. أما أخوها فما زال يعيش في منزل والديه يقرأ قصص الأطفال، ويمضي الليل بقرب حيوانات المزرعة عشية ذبحها.
وتمر في سياق الرواية كاتبة معروفة تلتقي بها لوسي عند وصولها إلى نيويورك، اسمها سارة باين، سوف تسهم في الإضاءة على الرواية نفسها. وعندما تقرأ سارة بعضاً من الصفحات التي كتبتها لوسي عن طفولتها ودخولها المستشفى، تقدم لها النصيحة التالية:
«اسمعي الآن، سوف يعاقبك الناس لأنك جمعت الشعر مع سوء المعاملة. كلمة حمقاء وتقليدية سوء المعاملة، لكن الناس سوف يقولون انه يوجد فقر من دون سوء معاملة، وأنت لن تقولي شيئاً، وإياك أن تدافعي عن عملك.
هذه قصة عن الحب، تعلمين ذلك. إنها قصة رجل تم تعذيبه كل يوم من حياته على أشياء فعلها في الحرب، وهذه قصة زوجة بقيت معه شأن معظم الزوجات في ذلك الجيل، إنها قصة أم تحب ابنتها بشكل غير مثالي، لأننا جميعاً نحب بشكل غير مثالي».
الرواية بذلك تكون أكثر من مجرد مصالحة بين فتاة ووالدتها، إنها وسيلة للتعافي من الصدمات. وكانت الكاتبة قد قالت في إحدى المرات: «أعتقد أننا نريد أن نعلم كيف يكون الأمر في أن نكون شخصاً آخر، لأن هذا الأمر بطريقة ما يساعدنا على إيجاد موقعنا في هذا العالم. فما نحن من دون هذا الفضول يا ترى؟».
إضاءة
ولدت الروائية الأميركية اليزابيث ستروت في مين، وترعرعت في بلدات مين ونيو هامبشاير، حيث حفظت الشعر، وبدأت بإرسال القصص إلى المجلات في عمر 16 عاماً. تخرجت بشهادة في اللغة الإنجليزية من «بايتس كوليدج» في عام 1977، وذهبت بعد ذلك بسنتين إلى جامعة سيراكيوز للحقوق، حيث نالت شهادة في الحقوق إلى جانب شهادة في علم الشيخوخة. وتعمل الآن مساعدة بروفسور في دائرة اللغة الإنجليزية في «مانهاتن كوميونتي كوليدج» في نيويورك.
فازت بجائزة «بوليتزر» في عام 2009 عن روايتها «أوليف كيتريدج» التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني، وقد رشحت رواياتها لجوائز عدة من أهمها «أورانج»، وروايتها الأخيرة الخامسة «اسمي لوسي بارتون» مدرجة على اللائحة الطويلة لجائزة مان بوكر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.