تفاصيل قطع المياه لمدة 6 ساعات في المنطقة المحصورة بين الهرم وفيصل بالجيزة    بالتزامن مع إقالة مسؤول أمريكي بارز، عراقجي يثير الجدل بشأن "المخزون النووي الإيراني"    بعثة منتخب مصر للناشئين تؤدي مناسك العمرة عقب مواجهة السعودية    نجم الزمالك السابق يعلق على أداء فيريرا مع الزمالك    بالصور| آسر ياسين وتارا عماد ومايان السيد.. أبطال "وتر واحد" يدعمون ويجز في العلمين الجديدة    وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي وفيفي عبده تنعاها    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    أطعمة تسبب الصداع النصفي لدى النساء ونصائح للسيطرة عليه    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    نشرة التوك شو| موجة حارة جديدة.. وشعبة السيارات تكشف سبب انخفاض الأسعار    الإنتاج الحربي يستهل مشواره بالفوز على راية الرياضي في دوري المحترفين    المستشار القانوني للزمالك يتحدث عن.. التظلم على سحب أرض أكتوبر.. وأنباء التحقيق مع إدارة النادي    بهدف رويز.. باريس سان جيرمان ينجو من فخ أنجيه في الدوري الفرنسي    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    طارق فهمي: الإعلان الأممي عن تفشي المجاعة في غزة يعكس حجم الكارثة الإنسانية    بوتين: واثق أن خبرة ترامب ستسهم في استعادة العلاقات الثنائية بين بلدينا    العملاق مدحت صالح يبدأ حفله بمهرجان القلعة بأغنية "زى ما هى حبها"    ابنة سيد مكاوي عن شيرين عبدالوهاب: فقدت تعاطفي بسبب عدم مسؤوليتها    5 تصريحات جريئة ل محمد عطية: كشف تعرضه للضرب من حبيبة سابقة ويتمنى عقوبة «مؤلمة» للمتحرشين    وزير الخارجية الأردني: على إسرائيل رفع حصارها عن قطاع غزة والسماح بإيصال المساعدات    تشيلسي يقسو على وست هام بخماسية في الدوري الإنجليزي (فيديو)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    غزل المحلة يبدأ استعداداته لمواجهة الأهلي في الدوري.. صور    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    اليوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا    سليم غنيم يحافظ على الصدارة للعام الثاني في سباقات الحمام الزاجل الدولية    في لحظات.. شقة تتحول إلى ساحة من اللهب والدخان    مراسل من دير البلح: المنطقة باتت مستباحة بالكامل تحت نيران الاحتلال    إسرائيل تشن هجومًا على مخازن تابعة لحزب الله في لبنان    قطع المياه عن بعض المناطق بأكتوبر الجديدة لمدة 6 ساعات    خطة عاجلة لتحديث مرافق المنطقة الصناعية بأبو رواش وتطوير بنيتها التحتية    وزير الري يشارك في جلسة "القدرة على الصمود في مواجهة التغير المناخي بقطاع المياه"    تنسيق الشهادات المعادلة 2025، قواعد قبول طلاب الثانوية السعودية بالجامعات المصرية    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    خيرى حسن ينضم إلى برنامج صباح الخير يا مصر بفقرة أسبوعية على شاشة ماسبيرو    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    المنوفية تقدم أكثر من 2.6 مليون خدمة طبية ضمن حملة 100 يوم صحة    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    كتر ضحك وقلل قهوة.. طرق للتخلص من زيادة هرمون التوتر «الكورتيزول»    نجاح عملية جراحية دقيقة لاستئصال ورم ليفي بمستشفى القصاصين فى الإسماعيلية    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 23 أغسطس 2025    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    ظهور مفاجئ ل «منخفض الهند».. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم: القاهرة تُسجل 40 مئوية    القضاء على بؤرة إجرامية خطرة بأشمون خلال تبادل النار مع قوات الشرطة    ضبط 1954 مخالفة ورفع كفاءة طريق «أم جعفر – الحلافي» ورصف شارع الجيش بكفر الشيخ    أخبار × 24 ساعة.. موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية    مقتل عنصر من الأمن السورى فى هجوم انتحارى نفذه "داعش" بدير الزور    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. الدفاع الروسية: سيطرنا على 9 بلدات فى أوكرانيا خلال أسبوع .. وزيرة خارجية سلوفينيا: المجاعة مرحلة جديدة من الجحيم فى غزة.. إسرائيل عطلت 60 محطة تحلية مياه فى غزة    نتيجة تنسيق رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي الأزهر الشريف 2025 خلال ساعات.. «رابط مباشر»    خدعوك فقالوا: «الرزق مال»    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    هل إفشاء السر بدون قصد خيانة أمانة وما حكمه؟ أمين الفتوى يجيب    خطيب الجامع الأزهر: أعداء الأمة يحاولون تزييف التاريخ ونشر اليأس    شنوان.. القرية التي جعلت من القلقاس جواز سفر إلى العالم| صور    محافظ مطروح ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية البنات الأزهرية بالمحافظة    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهلا العجيلي: الكتابة فعل فرديّ لا يغيّر العالم
نشر في صوت البلد يوم 07 - 06 - 2016

تستذكر الروائية السورية شهلا العجيلي سماء الطفولة قبل الحرب، مستعيرة عيون الأطفال ولغتهم في روايتها «سماء قريبة من بيتنا» الصادرة عن منشورات ضفاف في بيروت، التي تناولت المعاناة الإنسانيّة التي عاشها أفراد خاضوا عذابهم الشخصي في ظل تحولات كبرى بفعل قوى استعمارية منذ القرن التاسع عشر إلى الوقت الحاضر.
الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة للروايات المرشّحة لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية للبوكر 2016، تسرد حكايات وحياة أفراد عاديين وتتتبّع أصولهم العائليّة، وهويّاتهم وطموحاتهم وآمالهم، ورغباتهم في الحبّ والحياة وهم يصارعون تفاصيل قاسية.
والعجيلي روائية وأكاديمية حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث، ومن أهم مؤلّفاتها: رواية «عين الهر» 2006، ورواية «سجاد عجمي»، 2012. وفازت بجائزة الدولة الأردنية في الآداب لعام 2009 في مجال الرواية عن روايتها «عين الهر».
- البداية من الحدث الأخير (البوكر)، كيف كانت تجربتك مع الجائزة، وكيف تلقّيت النتيجة بعد أن كنت المرشّحة الأقوى حسب توقّعات النقّاد و القرّاء؟
تجربتي مع الجائزة كانت متميّزة، كان لا بدّ من خوض غمار التفاصيل كلّها، بما فيها من انشغال، وترقّب وكثير من الحوارات الصحافيّة المطوّلة، والندوات، وتصوير أفلام تعريفيّة بالعمل المرشّح، وبتجربتي في الكتابة…بالنسبة للنتيجة لم تكن مرضية بالتأكيد، لكن ما دمت قد وافقت مع ناشري على المغامرة، فليس أمامي سوى القبول بشروطها، وهذا يحدث في (البوكر) دائماً، إذ لكلّ لجنة تحكيم رؤيتها، ولا أقول ذائقتها، فالذائقة أمر فرديّ معرفيّ جماليّ، في حين تنطوي الرؤية على توجّه ليس شرطه الجمال أو بلاغة النوع.
- عنوان روايتك الأخيرة، «سماء قريبة من بيتنا» له العديد من الدلالات، فهل أصبح حلم السوري اليوم الوصول إلى السماء؟
السوريّون يحلمون بما يستحقّون، بأرض فوقها سماء عادلة، ورحيمة، وصافية بلا ضجيج. السماء التي تتخذ معنى الموت والارتقاء باتت واقعنا لا حلمنا. أبطال روايتي يتذكّرون سماء طفولتهم التي قضوا تحت قبّتها لياليهم الأليفة، قبل الحرب، لا سيّما في الرقّة، حيث سماء الليل سحر عجيبّ! في لقاء جمع الراحلين عبد السلام العجيلي، وصديقه نزار قبّاني، قال له الأخير الذي كان يرقب سماءنا ذاتها: أعطني ليل الرقّة، فأعطك نساء دمشق وبيروت! ذلك الحنين إلى الصفاء والألفة والبساطة، هو ما تشير إليه «سماء قريبة من بيتنا»، التي يبحث عنها أبطال الرواية جميعاً: في (الرابية) أو (تلاع العلي) في عمّان، وفي مخيّمات اللّجوء، وفي (سراييفو)، وفي (حيفا)، وفي (لندن)…
- انفتحت الرواية السورية على قصص الحرب منذ بدء الأزمة، هل تعتقدين أن السرد يمكن أن يوازي الواقع؟
لا أبحث عمّا يوازي الواقع أو يتفوّق عليه مثلاً، فالسرد المكتوب شكل يختلف وقعه على المتلقّي عن السرد البصريّ الذي يراه على شاشات التلفزيون، أو في التشكيل، أو في السينما. السرد عموماً يعيد ترتيب الواقع وفقاً لرؤية جماليّة يتناوب فيها التراجيديّ مع الكوميديّ، والبطوليّ والدراميّ والمؤسطر. ليس هناك إظهار لحالة واحدة أو نموذج واحد، كما هي الحياة حينما ننظر إليها من فوق، نظرة بانوراميّة، فنختار لرواياتنا الحكايات التي نراها دالّة، لتصير حكايات أيقونيّة، لم يلتفت إليها أحد من قبل، إذ تخرج مجبولة بالذاتيّ، الذي ينأى عن الاصطفاف الإيديولوجيّ الذي تبثّه الأقنية الإخباريّة في الواقع. تقدّم الرؤية الروائيّة ما لم يفكّر في تقديمه أحد عبر طريقة انتقاء الحكايات وترتيبها، وهذا يعطي واقعاً آخر، قد يكون مضادّاً، لكنّه بالضرورة مختلف معرفيّاً وجماليّاً.
- كيف يستطيع الكاتب العربي أن يوظف الأحداث الدائرة في الوطن العربي بأسلوب يرقى إلى اللغة الأدبية ومضامينها؟
اللّغة مسألة شخصيّة، تتعلّق بالثقافة والحساسيّة، وبفهم الكاتب لموقع شخصيّاته. لغة الشخصيّات الروائيّة هي لغة الناس في بيوتهم، وفي شوارعهم، ومراكز عملهم، وهي لغتهم الحميمة في التعبير عن الحبّ والكره والاشمئزاز، علينا فقط أن نفعّل خاصيّة استخدام البدائل، وهذا يرجع إلى المعرفة الذاتيّة بالمعجم، وبأساليب القول، وبكلام الناس من ثقافات مختلفة، أولئك الذين حوّلوا اللّغة إلى قوالب تعبيريّة سهلة الاستخدام.
لغة (سجّاد عجميّ) تنتمي إلى العصر العبّاسي الثاني، الذي أسمّيه (عصر الباروك العربيّ)، لغة فصيحة، وفيها أساليب بلاغيّة متعدّدة، لكنّها قريبة من روح الناس الذين يعيشون في القرن الواحد والعشرين، فأفراد النسق الثقافيّ الواحد يرثون قيمهم المعلنة، وعلاقاتهم المضادّة لها، ولا يتغيّرون كثيراً على مرّ العصور من حيث الأغراض المستمرّة، كالحبّ والكره والأمانة والخيانة، والصدق والكذب، ويرثون أيضاً التعبير عنها، وما علينا سوى تقليب البدائل. أمّا لغة «سماء قريبة من بيتنا» فهي بسيطة وطفوليّة وعذبة، كما وصفت في النقد، متناسبة مع وضع الحرب والمرض، حاملة للعلاقات الإنسانيّة التي حرّرها الموت الوشيك من (التابو) الكاذب، والادّعاء، والتحذلق المدينيّ أو السلطويّ، أو الطبقيّ، فضلاً عن لغة الشخصيّات التي تتخذ مواقع الأطفال في كثير من الأحيان.
- في جميع رواياتك كانت مدينتك الرقة حاضرة، فكيف ترين الكتابة في زمن التطرف؟
الكتابة ليست خطّة طوارئ، وأنا لا أكتب بناء على المستجدّات، لعلّها مشروع ذاتيّ! الرقّة ذاكرتي الأولى، التي انشغلت بها منذ «عين الهر» 2006، قبل أن ينقاد العالم إليها، وقبل أن يقترن اسمها الشفّاف بالتطرّف، وربّما يجهل كثيرون أنّ اسمها جاء من حجارتها البيضاء التي رقّقتها موجات الفرات وصقلتها، وهي بفتح الراء، لا بكسرها. الكاتب يحبّ أن يحوّل علاقته بالمكان الأوّل إلى لغة، كأنّه بذلك يستضيف أحبّته في بيته، ويعرّفهم إلى المفردات التي جعلت منه كاتباً، وفي الوقت ذاته يستأثر بمكانه ويحميه من الغياب، ومن تقلّبات الذاكرة. الكتابة لا تقابل التطرّف بمثله، فما يرعب الكاتب هو التسلّط وغياب العدل في أيّ زمان كان، لكنّ لحظة مثل هذه التي نعيشها، تزيد حساسيّته، وتدفعه ليقاوم الشعور بالضآلة، وإلى أن يكون حقيقيّاً في رغباته وطموحاته، وكيلا يموت من الإحباط عليه أن يبتعد عن الشعارات والعبارات التي تستبيح المعنى، كأن يعرف المعنى الحقيقي لفكرة أنّ الكتابة مقاومة! المقاومة هنا ليست حدثاً راهناً ينتسب إليها حالما يشعر بأنّ اللحظة مواتية، هي مشروع كان وسيظلّ، وهي ليست بالنسبة إليه فعلاً عسكريّاً وجماعيّاً، الكتابة فعل فرديّ، لا يغيّر العالم. ما يغيّر العالم هو تاريخ الكتابة، وتاريخ الفكر والأدب، الذي يطرد بسيرورته ذوي الأهواء النفعيّة.
- تسعين إلى تصوير المرأة في أعمالك كامرأة جبارة ونموذج مستقل، فما هو السر؟
أليست هي حقيقة المرأة التي غيّرها الادعاء! كلّما تقدّمنا في تجارب الحياة ندرك الجبروت الذي انطوت عليه الأمّهات، والجبروت ليس صراخاً وتعبيرات وقحة، بل قدرة على تحويل الأشياء إلى ما يمكّن من الاستمرار في الحياة، وجعل ما يُظنّ أنّه مستحيل ممكناً، وهذا ما تفعله النساء اللواتي يقمن أود العائلات التي يهجرها رجالها في الحرب، النساء اللواتي يحوّلن طاقة العالم من البشاعة إلى الجمال، الفقيرات، والمريضات، والوحيدات، والمقهورات، والكريمات، اللواتي يواجهن مجتمعات اعتادت الظلم، وتجاهلت أفكاراً نبيلة عن التكافل والرعاية، إذ يخضعن للتهميش والاستغلال، والتنمّر، والتحرّش، ويملكن القدرة على التكيّف والغفران والمقاومة. إنّهنّ نساء مغيّبات من النماذج الروائيّة، التي تعجّ بالحبيبات المنكسرات أو الجميلات الخائنات. الرجل لا يعرف المرأة جيّداً، وأيضاً تحتاج النساء إلى من يذكّرهنّ بقدراتهنّ العجيبة.
- أقرّ الأردن قانون حماية اللغة العربية لحمايتها من الاندثار في الحياة اليومية والأدبية أيضا، فيما يعتمد الكثير من الكتاب على اللغة العامية المبتذلة أحيانا بحجة إيصال الفكرة أو المعنى، ما مدى تأثير ذلك في الكتابة الأدبية خاصة الرواية؟
القوانين مهمّة، وأنا معها، ومع متابعتها، لكنّها ليست كلّ شيء، لا بدّ من الوعي بقضيّة اللّغة وعلاقتها بالوجود، وبالهويّة، وبالشعور بالذّات، والتمايز، وبالقدرة على تواصل أفضل، وأبلغ أثراً، فماذا نعني بعبارة من مثل: «تخونني اللّغة»؟! أي تعجزني، أنا لا أريد للغتي أن تعجزني، أو تعجز أولادي وطلبتي. أريد أن يكونوا واضحين في تعبيرهم عن ذواتهم ومؤثّرين، وقادرين على التواصل مع الماضي والمستقبل، ننتقل بعد ذلك إلى الجماليّات، والعاميّة أحد مستوياتها، وموضوع العاميّة مختلف عن الابتذال، الألفاظ بذاتها قاصرة، والاستعمال هو الذي يحدّد أثرها، ذلك ما سمّاه القدامى بالنظم، الذي يتحوّل إلى الأسلوب. النظم هو الذي يحدّد أثر المفردة العجماء بذاتها، التي قد تبدو نابية في سياق ومقبولة في آخر، والبدائل مطروحة دائماً، وهناك دائماً الأنسب، لكنّ ذلك يعتمد على معرفة الكاتب وحساسيّته. الأدب نوع خاص من استعمال اللّغة، وهو ليس لغة الشارع بالتأكيد مهما اقترب منها.
- أيهما أصعب بالنسبة لك الكتابة أم النقد ولماذا؟
كلّ منهما معاناة ومتعة، ويحتاج شجاعة وجهداً ومثابرة. بالنسبة إليّ كلّ منهما يساعد الآخر، ويغنيه، ولا يقف ضدّه. الخبرة تعزّز القدرة على التعامل مع آليّات النقد، بمعزل عن آليّات الإبداع. لكن لا أستطيع أن أنخرط في مشروع نقديّ كبير حينما أكون قد شرعت في مشروع روائيّ، فكلّ عمل يتطلّب التفرّغ التامّ، والإخلاص التام. في المجمل العمل الثقافيّ واحد في إطار نظريّة الأدب، ما دمنا نعرف حدود النظريّة، وعلاقتها الأصيلة بالوجود الإنسانيّ، وبالحياة في كلّ عصر من العصور التي عرف فيها الإنسان الإبداع.
- ما مدى حاجتنا إلى النقد الثقافي في سبيل تطوير العملية الإبداعية؟
النقد الثقافيّ ليس حاجة مباشرة، ولا منهجاً منضبطاً، بقدر ما هو طريقة في رؤية النصوص والتعامل معها، بناء على حالة التواصل غير المسبوق التي يعيشها العالم، إذ تتواصل الثقافات بعضها مع بعضها الآخر، تواصلاً سلبيّاً عدائيّاً أو تواصلاً إيجابيّاً. لم يكن للنقد الثقافيّ أن يأتي مبكّراً في تاريخ الأدب، إذ لا بدّ من حالة التراكم التاريخيّ التي عزّزها تحوّل بعض الحضارات إلى ثقافات، ثمّ استيعاب التنوّع والاختلاف، واستيعاب الرغبات الاستعماريّة والتدميريّة لدى البشر، ليكون النصّ الروائيّ عميقاً ومعرفيّاً. النقد الثقافيّ لا يبالي بالنصّ الضحل، أو الواحديّ، فاعليّته تتضح مع النصوص التي لها علاقة بالهويّات المعقّدة والتعبيرات الجماليّة عنها، تلك التي تخوض في أفكار تحوّلات المجتمعات من البدائيّة الطقوسيّة إلى الحداثة التي تعود في نقطة من نقاطها إلى الوحشيّة المغرقة، إذ تعود البشريّة إلى اللحظة التي انطلقت منها.
- في ظل ازدياد أعداد الروايات العربية، كيف ترين هذا الكم المتزايد من كتابة الرواية بعين الناقدة وعين الروائية؟
أن ينشغل الناس بالفنّ والكتابة خير من ألاّ يفعلوا، فالكتابة تستوجب القراءة والبحث عن المعرفة وتجويد اللّغة. لا أقلق، كما يفعل كثيرون، من تزايد عدد الكتّاب والنصوص، فالرغبة في الكتابة تعني رغبة في الوجود، والمنافسة، والتفكير، وهذا حقّ للجميع، ويجب أن يكون محرّضاً للعمليّة النقديّة. سيبقى الأصلح، والمثابر، والشجاع، لأنّ الرغبة والشغف ليسا كافيين للاستمرار. ما يقلقني هو تراجع النقد، وضآلته، فالنقد يحتاج إلى دراسة وبحث وثقة بالأدوات، ويحتاج طابعاً عقليّاً مميّزاً، أنا أحرص على أن أكون ناقدة بقدر حرصي على أن أكون كاتبة، لأنّ النقد يدفعني دائماً إلى التطوّر، ولا نقد من غير فلسفة وأفكار ومجادلات، وهو يحمي من الوقوع في التكرار، والضحالة، والأنانيّة أيضاً، وأعتقد أنّ وقوف الكاتب في وجه أنانيّته يحتاج إلى كثير من الشجاعة. نحن، بوصفنا نقّاداً، قلّة في العالم العربيّ، لاسيّما في انتمائنا إلى المدارس ذات الولاء لعلم اجتماع الأدب. عموماً على الكاتب أن يكتب وأن يترك الآخرين ليكتبوا، بل ليساعدهم على ذلك بترويج الجودة، وأعتقد أنّ من حقّنا بعد أن قطعنا هذا الشوط في النقد والإبداع، أن نمتنع عن التواصل مع نصوص جودتها غير مرضية، لأنّها تضرّ بالذائقة.
تستذكر الروائية السورية شهلا العجيلي سماء الطفولة قبل الحرب، مستعيرة عيون الأطفال ولغتهم في روايتها «سماء قريبة من بيتنا» الصادرة عن منشورات ضفاف في بيروت، التي تناولت المعاناة الإنسانيّة التي عاشها أفراد خاضوا عذابهم الشخصي في ظل تحولات كبرى بفعل قوى استعمارية منذ القرن التاسع عشر إلى الوقت الحاضر.
الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة للروايات المرشّحة لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية للبوكر 2016، تسرد حكايات وحياة أفراد عاديين وتتتبّع أصولهم العائليّة، وهويّاتهم وطموحاتهم وآمالهم، ورغباتهم في الحبّ والحياة وهم يصارعون تفاصيل قاسية.
والعجيلي روائية وأكاديمية حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث، ومن أهم مؤلّفاتها: رواية «عين الهر» 2006، ورواية «سجاد عجمي»، 2012. وفازت بجائزة الدولة الأردنية في الآداب لعام 2009 في مجال الرواية عن روايتها «عين الهر».
- البداية من الحدث الأخير (البوكر)، كيف كانت تجربتك مع الجائزة، وكيف تلقّيت النتيجة بعد أن كنت المرشّحة الأقوى حسب توقّعات النقّاد و القرّاء؟
تجربتي مع الجائزة كانت متميّزة، كان لا بدّ من خوض غمار التفاصيل كلّها، بما فيها من انشغال، وترقّب وكثير من الحوارات الصحافيّة المطوّلة، والندوات، وتصوير أفلام تعريفيّة بالعمل المرشّح، وبتجربتي في الكتابة…بالنسبة للنتيجة لم تكن مرضية بالتأكيد، لكن ما دمت قد وافقت مع ناشري على المغامرة، فليس أمامي سوى القبول بشروطها، وهذا يحدث في (البوكر) دائماً، إذ لكلّ لجنة تحكيم رؤيتها، ولا أقول ذائقتها، فالذائقة أمر فرديّ معرفيّ جماليّ، في حين تنطوي الرؤية على توجّه ليس شرطه الجمال أو بلاغة النوع.
- عنوان روايتك الأخيرة، «سماء قريبة من بيتنا» له العديد من الدلالات، فهل أصبح حلم السوري اليوم الوصول إلى السماء؟
السوريّون يحلمون بما يستحقّون، بأرض فوقها سماء عادلة، ورحيمة، وصافية بلا ضجيج. السماء التي تتخذ معنى الموت والارتقاء باتت واقعنا لا حلمنا. أبطال روايتي يتذكّرون سماء طفولتهم التي قضوا تحت قبّتها لياليهم الأليفة، قبل الحرب، لا سيّما في الرقّة، حيث سماء الليل سحر عجيبّ! في لقاء جمع الراحلين عبد السلام العجيلي، وصديقه نزار قبّاني، قال له الأخير الذي كان يرقب سماءنا ذاتها: أعطني ليل الرقّة، فأعطك نساء دمشق وبيروت! ذلك الحنين إلى الصفاء والألفة والبساطة، هو ما تشير إليه «سماء قريبة من بيتنا»، التي يبحث عنها أبطال الرواية جميعاً: في (الرابية) أو (تلاع العلي) في عمّان، وفي مخيّمات اللّجوء، وفي (سراييفو)، وفي (حيفا)، وفي (لندن)…
- انفتحت الرواية السورية على قصص الحرب منذ بدء الأزمة، هل تعتقدين أن السرد يمكن أن يوازي الواقع؟
لا أبحث عمّا يوازي الواقع أو يتفوّق عليه مثلاً، فالسرد المكتوب شكل يختلف وقعه على المتلقّي عن السرد البصريّ الذي يراه على شاشات التلفزيون، أو في التشكيل، أو في السينما. السرد عموماً يعيد ترتيب الواقع وفقاً لرؤية جماليّة يتناوب فيها التراجيديّ مع الكوميديّ، والبطوليّ والدراميّ والمؤسطر. ليس هناك إظهار لحالة واحدة أو نموذج واحد، كما هي الحياة حينما ننظر إليها من فوق، نظرة بانوراميّة، فنختار لرواياتنا الحكايات التي نراها دالّة، لتصير حكايات أيقونيّة، لم يلتفت إليها أحد من قبل، إذ تخرج مجبولة بالذاتيّ، الذي ينأى عن الاصطفاف الإيديولوجيّ الذي تبثّه الأقنية الإخباريّة في الواقع. تقدّم الرؤية الروائيّة ما لم يفكّر في تقديمه أحد عبر طريقة انتقاء الحكايات وترتيبها، وهذا يعطي واقعاً آخر، قد يكون مضادّاً، لكنّه بالضرورة مختلف معرفيّاً وجماليّاً.
- كيف يستطيع الكاتب العربي أن يوظف الأحداث الدائرة في الوطن العربي بأسلوب يرقى إلى اللغة الأدبية ومضامينها؟
اللّغة مسألة شخصيّة، تتعلّق بالثقافة والحساسيّة، وبفهم الكاتب لموقع شخصيّاته. لغة الشخصيّات الروائيّة هي لغة الناس في بيوتهم، وفي شوارعهم، ومراكز عملهم، وهي لغتهم الحميمة في التعبير عن الحبّ والكره والاشمئزاز، علينا فقط أن نفعّل خاصيّة استخدام البدائل، وهذا يرجع إلى المعرفة الذاتيّة بالمعجم، وبأساليب القول، وبكلام الناس من ثقافات مختلفة، أولئك الذين حوّلوا اللّغة إلى قوالب تعبيريّة سهلة الاستخدام.
لغة (سجّاد عجميّ) تنتمي إلى العصر العبّاسي الثاني، الذي أسمّيه (عصر الباروك العربيّ)، لغة فصيحة، وفيها أساليب بلاغيّة متعدّدة، لكنّها قريبة من روح الناس الذين يعيشون في القرن الواحد والعشرين، فأفراد النسق الثقافيّ الواحد يرثون قيمهم المعلنة، وعلاقاتهم المضادّة لها، ولا يتغيّرون كثيراً على مرّ العصور من حيث الأغراض المستمرّة، كالحبّ والكره والأمانة والخيانة، والصدق والكذب، ويرثون أيضاً التعبير عنها، وما علينا سوى تقليب البدائل. أمّا لغة «سماء قريبة من بيتنا» فهي بسيطة وطفوليّة وعذبة، كما وصفت في النقد، متناسبة مع وضع الحرب والمرض، حاملة للعلاقات الإنسانيّة التي حرّرها الموت الوشيك من (التابو) الكاذب، والادّعاء، والتحذلق المدينيّ أو السلطويّ، أو الطبقيّ، فضلاً عن لغة الشخصيّات التي تتخذ مواقع الأطفال في كثير من الأحيان.
- في جميع رواياتك كانت مدينتك الرقة حاضرة، فكيف ترين الكتابة في زمن التطرف؟
الكتابة ليست خطّة طوارئ، وأنا لا أكتب بناء على المستجدّات، لعلّها مشروع ذاتيّ! الرقّة ذاكرتي الأولى، التي انشغلت بها منذ «عين الهر» 2006، قبل أن ينقاد العالم إليها، وقبل أن يقترن اسمها الشفّاف بالتطرّف، وربّما يجهل كثيرون أنّ اسمها جاء من حجارتها البيضاء التي رقّقتها موجات الفرات وصقلتها، وهي بفتح الراء، لا بكسرها. الكاتب يحبّ أن يحوّل علاقته بالمكان الأوّل إلى لغة، كأنّه بذلك يستضيف أحبّته في بيته، ويعرّفهم إلى المفردات التي جعلت منه كاتباً، وفي الوقت ذاته يستأثر بمكانه ويحميه من الغياب، ومن تقلّبات الذاكرة. الكتابة لا تقابل التطرّف بمثله، فما يرعب الكاتب هو التسلّط وغياب العدل في أيّ زمان كان، لكنّ لحظة مثل هذه التي نعيشها، تزيد حساسيّته، وتدفعه ليقاوم الشعور بالضآلة، وإلى أن يكون حقيقيّاً في رغباته وطموحاته، وكيلا يموت من الإحباط عليه أن يبتعد عن الشعارات والعبارات التي تستبيح المعنى، كأن يعرف المعنى الحقيقي لفكرة أنّ الكتابة مقاومة! المقاومة هنا ليست حدثاً راهناً ينتسب إليها حالما يشعر بأنّ اللحظة مواتية، هي مشروع كان وسيظلّ، وهي ليست بالنسبة إليه فعلاً عسكريّاً وجماعيّاً، الكتابة فعل فرديّ، لا يغيّر العالم. ما يغيّر العالم هو تاريخ الكتابة، وتاريخ الفكر والأدب، الذي يطرد بسيرورته ذوي الأهواء النفعيّة.
- تسعين إلى تصوير المرأة في أعمالك كامرأة جبارة ونموذج مستقل، فما هو السر؟
أليست هي حقيقة المرأة التي غيّرها الادعاء! كلّما تقدّمنا في تجارب الحياة ندرك الجبروت الذي انطوت عليه الأمّهات، والجبروت ليس صراخاً وتعبيرات وقحة، بل قدرة على تحويل الأشياء إلى ما يمكّن من الاستمرار في الحياة، وجعل ما يُظنّ أنّه مستحيل ممكناً، وهذا ما تفعله النساء اللواتي يقمن أود العائلات التي يهجرها رجالها في الحرب، النساء اللواتي يحوّلن طاقة العالم من البشاعة إلى الجمال، الفقيرات، والمريضات، والوحيدات، والمقهورات، والكريمات، اللواتي يواجهن مجتمعات اعتادت الظلم، وتجاهلت أفكاراً نبيلة عن التكافل والرعاية، إذ يخضعن للتهميش والاستغلال، والتنمّر، والتحرّش، ويملكن القدرة على التكيّف والغفران والمقاومة. إنّهنّ نساء مغيّبات من النماذج الروائيّة، التي تعجّ بالحبيبات المنكسرات أو الجميلات الخائنات. الرجل لا يعرف المرأة جيّداً، وأيضاً تحتاج النساء إلى من يذكّرهنّ بقدراتهنّ العجيبة.
- أقرّ الأردن قانون حماية اللغة العربية لحمايتها من الاندثار في الحياة اليومية والأدبية أيضا، فيما يعتمد الكثير من الكتاب على اللغة العامية المبتذلة أحيانا بحجة إيصال الفكرة أو المعنى، ما مدى تأثير ذلك في الكتابة الأدبية خاصة الرواية؟
القوانين مهمّة، وأنا معها، ومع متابعتها، لكنّها ليست كلّ شيء، لا بدّ من الوعي بقضيّة اللّغة وعلاقتها بالوجود، وبالهويّة، وبالشعور بالذّات، والتمايز، وبالقدرة على تواصل أفضل، وأبلغ أثراً، فماذا نعني بعبارة من مثل: «تخونني اللّغة»؟! أي تعجزني، أنا لا أريد للغتي أن تعجزني، أو تعجز أولادي وطلبتي. أريد أن يكونوا واضحين في تعبيرهم عن ذواتهم ومؤثّرين، وقادرين على التواصل مع الماضي والمستقبل، ننتقل بعد ذلك إلى الجماليّات، والعاميّة أحد مستوياتها، وموضوع العاميّة مختلف عن الابتذال، الألفاظ بذاتها قاصرة، والاستعمال هو الذي يحدّد أثرها، ذلك ما سمّاه القدامى بالنظم، الذي يتحوّل إلى الأسلوب. النظم هو الذي يحدّد أثر المفردة العجماء بذاتها، التي قد تبدو نابية في سياق ومقبولة في آخر، والبدائل مطروحة دائماً، وهناك دائماً الأنسب، لكنّ ذلك يعتمد على معرفة الكاتب وحساسيّته. الأدب نوع خاص من استعمال اللّغة، وهو ليس لغة الشارع بالتأكيد مهما اقترب منها.
- أيهما أصعب بالنسبة لك الكتابة أم النقد ولماذا؟
كلّ منهما معاناة ومتعة، ويحتاج شجاعة وجهداً ومثابرة. بالنسبة إليّ كلّ منهما يساعد الآخر، ويغنيه، ولا يقف ضدّه. الخبرة تعزّز القدرة على التعامل مع آليّات النقد، بمعزل عن آليّات الإبداع. لكن لا أستطيع أن أنخرط في مشروع نقديّ كبير حينما أكون قد شرعت في مشروع روائيّ، فكلّ عمل يتطلّب التفرّغ التامّ، والإخلاص التام. في المجمل العمل الثقافيّ واحد في إطار نظريّة الأدب، ما دمنا نعرف حدود النظريّة، وعلاقتها الأصيلة بالوجود الإنسانيّ، وبالحياة في كلّ عصر من العصور التي عرف فيها الإنسان الإبداع.
- ما مدى حاجتنا إلى النقد الثقافي في سبيل تطوير العملية الإبداعية؟
النقد الثقافيّ ليس حاجة مباشرة، ولا منهجاً منضبطاً، بقدر ما هو طريقة في رؤية النصوص والتعامل معها، بناء على حالة التواصل غير المسبوق التي يعيشها العالم، إذ تتواصل الثقافات بعضها مع بعضها الآخر، تواصلاً سلبيّاً عدائيّاً أو تواصلاً إيجابيّاً. لم يكن للنقد الثقافيّ أن يأتي مبكّراً في تاريخ الأدب، إذ لا بدّ من حالة التراكم التاريخيّ التي عزّزها تحوّل بعض الحضارات إلى ثقافات، ثمّ استيعاب التنوّع والاختلاف، واستيعاب الرغبات الاستعماريّة والتدميريّة لدى البشر، ليكون النصّ الروائيّ عميقاً ومعرفيّاً. النقد الثقافيّ لا يبالي بالنصّ الضحل، أو الواحديّ، فاعليّته تتضح مع النصوص التي لها علاقة بالهويّات المعقّدة والتعبيرات الجماليّة عنها، تلك التي تخوض في أفكار تحوّلات المجتمعات من البدائيّة الطقوسيّة إلى الحداثة التي تعود في نقطة من نقاطها إلى الوحشيّة المغرقة، إذ تعود البشريّة إلى اللحظة التي انطلقت منها.
- في ظل ازدياد أعداد الروايات العربية، كيف ترين هذا الكم المتزايد من كتابة الرواية بعين الناقدة وعين الروائية؟
أن ينشغل الناس بالفنّ والكتابة خير من ألاّ يفعلوا، فالكتابة تستوجب القراءة والبحث عن المعرفة وتجويد اللّغة. لا أقلق، كما يفعل كثيرون، من تزايد عدد الكتّاب والنصوص، فالرغبة في الكتابة تعني رغبة في الوجود، والمنافسة، والتفكير، وهذا حقّ للجميع، ويجب أن يكون محرّضاً للعمليّة النقديّة. سيبقى الأصلح، والمثابر، والشجاع، لأنّ الرغبة والشغف ليسا كافيين للاستمرار. ما يقلقني هو تراجع النقد، وضآلته، فالنقد يحتاج إلى دراسة وبحث وثقة بالأدوات، ويحتاج طابعاً عقليّاً مميّزاً، أنا أحرص على أن أكون ناقدة بقدر حرصي على أن أكون كاتبة، لأنّ النقد يدفعني دائماً إلى التطوّر، ولا نقد من غير فلسفة وأفكار ومجادلات، وهو يحمي من الوقوع في التكرار، والضحالة، والأنانيّة أيضاً، وأعتقد أنّ وقوف الكاتب في وجه أنانيّته يحتاج إلى كثير من الشجاعة. نحن، بوصفنا نقّاداً، قلّة في العالم العربيّ، لاسيّما في انتمائنا إلى المدارس ذات الولاء لعلم اجتماع الأدب. عموماً على الكاتب أن يكتب وأن يترك الآخرين ليكتبوا، بل ليساعدهم على ذلك بترويج الجودة، وأعتقد أنّ من حقّنا بعد أن قطعنا هذا الشوط في النقد والإبداع، أن نمتنع عن التواصل مع نصوص جودتها غير مرضية، لأنّها تضرّ بالذائقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.