سقوط ضحايا ومصابين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    ضغوط جديدة على بايدن، أدلة تثبت انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي في غزة    سيد عبد الحفيظ: أتمنى الزمالك يكسب الكونفدرالية عشان نأخذ ثأر سوبر 94    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    تستمر يومين.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تضرب مصر خلال ساعات    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدرسة الإسكندرية المتأخرة وأثرها في التراث الفلسفي الإسلامي
نشر في صوت البلد يوم 30 - 03 - 2016

صدر عن مكتبة الإسكندرية، كتاب «مدرسة الإسكندرية المتأخرة وأثرها في التراث الفلسفي الإسلامي»، للدكتور حسين الزهري، رئيس قسم الدراسات الأكاديمية في مركز المخطوطات في المكتبة نفسها، في 171 صفحة، وثلاثة فصول تتناول إسهامات مدرسة الإسكندرية المتأخرة في نقل العلوم للعرب، بالتركيز على أمونيوس بن هرمياس فيلسوف الإسكندرية، ومؤلفاته ومنهجه وتفسيراته، وانتقال تراثه إلى العالم الإسلامي، وأثر فلسفته في فلسفة الفارابي (توفي 339ه)
ويقول مدير المكتبة الدكتور إسماعيل سراج الدين في تصديره الكتاب، إن أهمية هذا الكتاب تأتي من أنه يلقي الضوء على مرحلة تاريخية غامضة في دراسة العلم الذي أنتجته الإسكندرية من خلال مدرستها الفلسفية المتأخرة، بداية من أمونيوس بن هرمياس الذي أضاف إلى العلم والفلسفة في شروحه التي كتبها على مؤلفات أرسطو في بداية القرن السادس الميلادي، والتي كان لها تأثير كبير في تشكيل المنهج العلمي السكندري طوال القرن السادس وبداية القرن السابع الميلادي، كما كان لفلسفته تأثير مهم في الفلسفة والتراث الإسلامي، فعرفه العرب وذكروه في تراجمهم، وترجموا بعض مؤلفاته.
ويقول المؤلف إنه يكتب هذه السلسة من الكتب وفي ذهنه محاولة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة منها: هل نحن فعلاً شعوب لم يكتمل لديها العقل والوعي، ولم نعرف صورة منطقية معقولة للواقع؟ وهل كل ما نعيشه من تخلف وجهل سببه الماضي أم الحاضر أم كلاهما معاً؟ وهل لدينا رؤية أصيلة إلى المستقبل أم سنظل نعمل إما بالماضي أو بتقليد غيرنا في الحاضر؟ وفي اعتقاده بأن واقعنا الحالي ورؤيتنا المعاصرة للمستقبل يجيبان عن هذه الأسئلة إجابة واضحة وهي نعم لم يكن وليس لدينا رؤية عقلية واضحة ناجزة كالتي حقق الغرب جزءاً منها في العصر الحديث، وحاضرنا العربي شاهد يؤكد ذلك، فهل من شكٍ في أنه يحكمنا الآن التفكك الاجتماعي والسياسي والتخلف الفكري، واقع يهيمن فيه الرأي الواحد الذي لا يقبل غيره، حاضر نعيش فيه برؤية غيرنا ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً.
لكن وأمام تلك النظرة التشاؤمية للواقع ماذا يمكن أن يقدم الفكر، بخاصة أن غالبيتنا من مثقفين وأميين، ندرك ما يعانيه المسلمون والعرب من انحطاط وخضوع في كل أنحاء العالم، لا سيما في الشرق الأوسط الذي نعيش فيه.
جزءٌ من الحل في اعتقاده بأن علينا في اللحظة الحالية إدراك ومعرفة حقيقة الواقع كما هو وليس كما نتصور نحن، ومن ناحية أخرى ضرورة تتبع أصول الفكر العقلاني أينما وجدت، وإظهار خط سيره، بخاصة في تاريخنا العربي الإسلامي للوقوف عند النماذج العقلية الواضحة، للاستفادة منها في الوقت الحالي. لحظات أصاب وأخطأ فيها المسلمون كالكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد وابن خلدون وغيرهم، وعلينا الاستمرار في تحليل بنياتهم الفكرية للاستفادة منها في الحاضر، والإضافة عليها لننشئ نسقنا الفكري الجديد والأصيل.
وأضاف المؤلف أن الهدف الرئيس من هذه المجموعة من المؤلفات هو دراسة الحال العلمية والفكرية في مصر قبل الإسلام، والتي يكتشف القارئ من دراستها كيف كانت الإسكندرية في تلك الفترة أكبر مركز ثقافي وعلمي في العالم، وشبهها الدكتور حسين الزهري بجامعة أكسفورد أو كامبريدج في عصرنا الحالي، وكيف كانت الإسكندرية مدينة كوزموبوليتانية شارك في كتابة العلم فيها أصحاب الديانات واللغات المختلفة. ويبين الكتاب كيف كانت الإسكندرية البيزنطية المسيحية تسمح للفلاسفة المختلفين في الاعتقاد بتدريس أفكارهم بصورة رسمية في المدرسة، بل وكان من بين التلاميذ عددٌ من المسيحيين وربما غيرهم من الديانات الأخرى يتعلمون أصول الفكر الفلسفي العقلاني، استعداداً لشغلهم هم وغيرهم من الطلاب المناصب في الدولة والكنيسة، وعرض الزهري صوراً من موقع المدرسة الفلسفية السكندرية والذي تم اكتشافه في الستينات من القرن الماضي.
ويدرس الكتاب الحال العلمية والدينية والسياسية في الإسكندرية قبل مجيء العرب إليها. ثم يتعقب المؤلف انتقال فكر هذا الرجل ومدرسته العلمية إلى العالم الإسلامي، فيعرض لذكر هذا الرجل في المؤلفات العربية، ومدى معرفة المسلمين بشخصه وفكره، ثم يدرس المؤلف تأثير فكر أمونيوس في الفكر الإسلامي بصورة عامة، وفي فكر الفيلسوف المسلم الفارابي بصورة خاصة، كدليل على تأثر العرب والمسلمين بغيرهم من الحضارات، طالما للفكر ما يدعمه من الحجج والبراهين العقلية. وعلى رغم أهمية تلك الفترة في الحالة العلمية في مصر قبيل مجيء المسلمين إليها، فإنها بقيت حقبة مجهولة للباحثين العرب في العصر الحديث، ما أدى إلى عديد من الأوهام والأخطاء حول حقيقة تلك الفلسفة التي ترجمها السريان وغيرهم إلى اللغة العربية، لتمثل الصورة النهائية التي عرف المسلمون من خلالها الفلسفة اليونانية. ويبدو واضحاً غموض تلك الفترة اليونانية المتأخرة في كتابات المؤرخين العرب المعاصرين، فقد قال عديد منهم بموت الفلسفة اليونانية بعد عصر أفلوطين (ت 270م)، وأن ما بقيَّ منها بحلول القرنين الخامس والسادس الميلاديين ما كان إلا مجموعة من الشروح والملخصات اختلط فيها الفلسفي بالديني بالصوفي تعبيراً عن نهاية عصر الفلسفة والمنطق اليونانيين.
ويهدف الكتاب من الكشف عن تراث المدرسة السكندرية إلى معرفة فلسفة تلك الفترة المتأخرة لكونها الفترة التي تسبق ظهور الإسلام مباشرة، ذلك لأن هذه الفلسفة كُتِبَتْ في البلاد البيزنطية التي استولى المسلمون على جزء كبير منها بعد ذلك. وانطلاقًا من أن الإسلام لم يظهر فجأة في الفراغ أو الجاهلية (بمعنى الجهل العام)، كما نقرأ في كتب عديد من المؤرخين المسلمين، بيّن المؤلف فلسفة تلك الفترة وآراءها بخاصة في الإشكاليات الميتافيزيقية التي تنازع وقُتل بسببها الكثير، ثم ظهر الإسلام فأصبح طرفاً في ذلك النزاع العقدي، وخاض معارك مع الديانات السابقة عليه، ومنها الديانة الوثنية. فكان فكر تلك الفترة المتأخرة هو السائد في المناطق التي استولى عليها المسلمون، بكل صراعها الديني بين الوثنية والمسيحية، وكل نزاعاتها السياسية، وبتكوينها الاجتماعي. وأمر الخليفة مروان الثاني (مروان بن محمد) بنقل تراث مدرسة الإسكندرية إلى سورية في الربع الأول من القرن الهجري الثاني، ما يكشف لنا بصورة أوضح كيف تحاور وتجادل العرب مع ذلك الفكر السائد قبلهم. وكان لفكر هؤلاء الشرَّاح السكندريين المتأخرين أثر في الفكر الفلسفي الذي أنتجه العرب، لكن كان للفلاسفة المسلمين أيضاً دورٌ ورَدٌّ على هذا الفكر الوافد إليهم من طريق إعادة صياغته، وشرحه، وبيان اتفاقه أو اختلافه مع العقيدة الإسلامية؛ ليتدخل المسلمون لوضع فكرهم الفلسفي الجديد. لكن ما حفظه العرب من تراث مدرسة الإسكندرية المتأخرة ما كان إلا إشارات غامضة وغير مباشرة لشروح هؤلاء الفلاسفة، والتي يتطلب تحديدها في التراث العربي معرفة الأصول اليونانية لهذه الشروح والمقارنة بينها وبين النصوص العربية.
ويحاول الكتاب برهنة أن دور العرب في تاريخ العلم لم يكن مجرد حافظ وناقل لفكر الحضارات السابقة عليه، بخاصة اليونانية والفارسية منها، بل انفتح العرب على غيرهم من الثقافات من دون أن يؤثر ذلك في تمسكهم بدينهم وثقافتهم، وذلك للرد على عددٍ من المستشرقين الذين بذلوا جهداً كبيراً وكتبوا المئات من المؤلفات لإثبات أن جلَّ ما قام به العرب والمسلمون أيام ازدهار حضارتهم ما كان إلا قراءة علوم غيرهم بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، ليحفظوها كي يترجمها اللاتين الأوروبيون بعدهم، وليقيموا عليها فكر عصر النهضة والعلم الحديث في ما بعد. استنكر المؤلف ذلك مؤكداً أن العرب عرفوا الآخر المختلف عنهم وقبلوا منه ما قبلوا ورفضوا منه ما رفضوا، وحاولوا توفيق الأفكار الثابتة بالحجج والبراهين العقلية مع فكرهم الديني، ليبنوا حضارتهم الأصيلة والمستقلة، فهل من شك في إضافة الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد وغيرهم من العلماء المسلمين على الحضارات السابقة عليهم، ليستفيد منهم الغرب بعد ذلك، وعلينا نحن الباحثين الآن في العصر الحديث الاهتمام بقراءة تراثنا الفكري القديم للتعريف به وبدوره في الإضافة للفكر الإنساني.
ويضيف المؤلف أنه علينا الآن وبصورة ملحة كجزء من الحل للخروج من الوضع الحالي السيّء في البلاد العربية التنوير على دور العقل والفكر العقلاني في الحضارة الإسلامية، وكيف تمسك العرب أيام اعتلائهم قمة الحضارة بالتفكير العقلاني المبني على الحجج والأدلة والبراهين المنطقية والعقلية، وهو ما نرى عكسه بل ونقيضه تماماً في العصر الحديث، فالمشهد العام للعرب في الشرق الأوسط يدل على الغياب التام لأي نوع من الفكر المنطقي أو العقلاني، كلٌ يحاول أن يفهم الدين أو السياسة بعقله، في حين أن تاريخ المسلمين شاهد يؤكد احترامهم العقل وأصوله، بل أضافوا على الفكر العقلاني ما أعجب الغرب، فنجد في الغرب من أطلقوا على أنفسهم الرشديين اللاتين (اتباع ابن رشد)، في حين حكم بعض المسلمين بكفر ابن رشد العالم بالعقائد والفقه والفلسفة لمجرد اختلافهم معه في الرأي السياسي، فلا سبيل لنا إلا بالرجوع إلى نشر الفكر العقلاني، وجعله منهجاً أساسياً في فهم الدين والحياة. وأنهى المؤلف كلامه بتأكيد ضرورة نشر دراسة الفلسفة الإسلامية لأنها لم تأخذ حقها في العصر الحديث في العالم الإسلامي، بسبب استمرار الموقف المعادي للفلسفة، واعتبارها علماً غير إسلامي في بعض الأحيان.
صدر عن مكتبة الإسكندرية، كتاب «مدرسة الإسكندرية المتأخرة وأثرها في التراث الفلسفي الإسلامي»، للدكتور حسين الزهري، رئيس قسم الدراسات الأكاديمية في مركز المخطوطات في المكتبة نفسها، في 171 صفحة، وثلاثة فصول تتناول إسهامات مدرسة الإسكندرية المتأخرة في نقل العلوم للعرب، بالتركيز على أمونيوس بن هرمياس فيلسوف الإسكندرية، ومؤلفاته ومنهجه وتفسيراته، وانتقال تراثه إلى العالم الإسلامي، وأثر فلسفته في فلسفة الفارابي (توفي 339ه)
ويقول مدير المكتبة الدكتور إسماعيل سراج الدين في تصديره الكتاب، إن أهمية هذا الكتاب تأتي من أنه يلقي الضوء على مرحلة تاريخية غامضة في دراسة العلم الذي أنتجته الإسكندرية من خلال مدرستها الفلسفية المتأخرة، بداية من أمونيوس بن هرمياس الذي أضاف إلى العلم والفلسفة في شروحه التي كتبها على مؤلفات أرسطو في بداية القرن السادس الميلادي، والتي كان لها تأثير كبير في تشكيل المنهج العلمي السكندري طوال القرن السادس وبداية القرن السابع الميلادي، كما كان لفلسفته تأثير مهم في الفلسفة والتراث الإسلامي، فعرفه العرب وذكروه في تراجمهم، وترجموا بعض مؤلفاته.
ويقول المؤلف إنه يكتب هذه السلسة من الكتب وفي ذهنه محاولة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة منها: هل نحن فعلاً شعوب لم يكتمل لديها العقل والوعي، ولم نعرف صورة منطقية معقولة للواقع؟ وهل كل ما نعيشه من تخلف وجهل سببه الماضي أم الحاضر أم كلاهما معاً؟ وهل لدينا رؤية أصيلة إلى المستقبل أم سنظل نعمل إما بالماضي أو بتقليد غيرنا في الحاضر؟ وفي اعتقاده بأن واقعنا الحالي ورؤيتنا المعاصرة للمستقبل يجيبان عن هذه الأسئلة إجابة واضحة وهي نعم لم يكن وليس لدينا رؤية عقلية واضحة ناجزة كالتي حقق الغرب جزءاً منها في العصر الحديث، وحاضرنا العربي شاهد يؤكد ذلك، فهل من شكٍ في أنه يحكمنا الآن التفكك الاجتماعي والسياسي والتخلف الفكري، واقع يهيمن فيه الرأي الواحد الذي لا يقبل غيره، حاضر نعيش فيه برؤية غيرنا ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً.
لكن وأمام تلك النظرة التشاؤمية للواقع ماذا يمكن أن يقدم الفكر، بخاصة أن غالبيتنا من مثقفين وأميين، ندرك ما يعانيه المسلمون والعرب من انحطاط وخضوع في كل أنحاء العالم، لا سيما في الشرق الأوسط الذي نعيش فيه.
جزءٌ من الحل في اعتقاده بأن علينا في اللحظة الحالية إدراك ومعرفة حقيقة الواقع كما هو وليس كما نتصور نحن، ومن ناحية أخرى ضرورة تتبع أصول الفكر العقلاني أينما وجدت، وإظهار خط سيره، بخاصة في تاريخنا العربي الإسلامي للوقوف عند النماذج العقلية الواضحة، للاستفادة منها في الوقت الحالي. لحظات أصاب وأخطأ فيها المسلمون كالكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد وابن خلدون وغيرهم، وعلينا الاستمرار في تحليل بنياتهم الفكرية للاستفادة منها في الحاضر، والإضافة عليها لننشئ نسقنا الفكري الجديد والأصيل.
وأضاف المؤلف أن الهدف الرئيس من هذه المجموعة من المؤلفات هو دراسة الحال العلمية والفكرية في مصر قبل الإسلام، والتي يكتشف القارئ من دراستها كيف كانت الإسكندرية في تلك الفترة أكبر مركز ثقافي وعلمي في العالم، وشبهها الدكتور حسين الزهري بجامعة أكسفورد أو كامبريدج في عصرنا الحالي، وكيف كانت الإسكندرية مدينة كوزموبوليتانية شارك في كتابة العلم فيها أصحاب الديانات واللغات المختلفة. ويبين الكتاب كيف كانت الإسكندرية البيزنطية المسيحية تسمح للفلاسفة المختلفين في الاعتقاد بتدريس أفكارهم بصورة رسمية في المدرسة، بل وكان من بين التلاميذ عددٌ من المسيحيين وربما غيرهم من الديانات الأخرى يتعلمون أصول الفكر الفلسفي العقلاني، استعداداً لشغلهم هم وغيرهم من الطلاب المناصب في الدولة والكنيسة، وعرض الزهري صوراً من موقع المدرسة الفلسفية السكندرية والذي تم اكتشافه في الستينات من القرن الماضي.
ويدرس الكتاب الحال العلمية والدينية والسياسية في الإسكندرية قبل مجيء العرب إليها. ثم يتعقب المؤلف انتقال فكر هذا الرجل ومدرسته العلمية إلى العالم الإسلامي، فيعرض لذكر هذا الرجل في المؤلفات العربية، ومدى معرفة المسلمين بشخصه وفكره، ثم يدرس المؤلف تأثير فكر أمونيوس في الفكر الإسلامي بصورة عامة، وفي فكر الفيلسوف المسلم الفارابي بصورة خاصة، كدليل على تأثر العرب والمسلمين بغيرهم من الحضارات، طالما للفكر ما يدعمه من الحجج والبراهين العقلية. وعلى رغم أهمية تلك الفترة في الحالة العلمية في مصر قبيل مجيء المسلمين إليها، فإنها بقيت حقبة مجهولة للباحثين العرب في العصر الحديث، ما أدى إلى عديد من الأوهام والأخطاء حول حقيقة تلك الفلسفة التي ترجمها السريان وغيرهم إلى اللغة العربية، لتمثل الصورة النهائية التي عرف المسلمون من خلالها الفلسفة اليونانية. ويبدو واضحاً غموض تلك الفترة اليونانية المتأخرة في كتابات المؤرخين العرب المعاصرين، فقد قال عديد منهم بموت الفلسفة اليونانية بعد عصر أفلوطين (ت 270م)، وأن ما بقيَّ منها بحلول القرنين الخامس والسادس الميلاديين ما كان إلا مجموعة من الشروح والملخصات اختلط فيها الفلسفي بالديني بالصوفي تعبيراً عن نهاية عصر الفلسفة والمنطق اليونانيين.
ويهدف الكتاب من الكشف عن تراث المدرسة السكندرية إلى معرفة فلسفة تلك الفترة المتأخرة لكونها الفترة التي تسبق ظهور الإسلام مباشرة، ذلك لأن هذه الفلسفة كُتِبَتْ في البلاد البيزنطية التي استولى المسلمون على جزء كبير منها بعد ذلك. وانطلاقًا من أن الإسلام لم يظهر فجأة في الفراغ أو الجاهلية (بمعنى الجهل العام)، كما نقرأ في كتب عديد من المؤرخين المسلمين، بيّن المؤلف فلسفة تلك الفترة وآراءها بخاصة في الإشكاليات الميتافيزيقية التي تنازع وقُتل بسببها الكثير، ثم ظهر الإسلام فأصبح طرفاً في ذلك النزاع العقدي، وخاض معارك مع الديانات السابقة عليه، ومنها الديانة الوثنية. فكان فكر تلك الفترة المتأخرة هو السائد في المناطق التي استولى عليها المسلمون، بكل صراعها الديني بين الوثنية والمسيحية، وكل نزاعاتها السياسية، وبتكوينها الاجتماعي. وأمر الخليفة مروان الثاني (مروان بن محمد) بنقل تراث مدرسة الإسكندرية إلى سورية في الربع الأول من القرن الهجري الثاني، ما يكشف لنا بصورة أوضح كيف تحاور وتجادل العرب مع ذلك الفكر السائد قبلهم. وكان لفكر هؤلاء الشرَّاح السكندريين المتأخرين أثر في الفكر الفلسفي الذي أنتجه العرب، لكن كان للفلاسفة المسلمين أيضاً دورٌ ورَدٌّ على هذا الفكر الوافد إليهم من طريق إعادة صياغته، وشرحه، وبيان اتفاقه أو اختلافه مع العقيدة الإسلامية؛ ليتدخل المسلمون لوضع فكرهم الفلسفي الجديد. لكن ما حفظه العرب من تراث مدرسة الإسكندرية المتأخرة ما كان إلا إشارات غامضة وغير مباشرة لشروح هؤلاء الفلاسفة، والتي يتطلب تحديدها في التراث العربي معرفة الأصول اليونانية لهذه الشروح والمقارنة بينها وبين النصوص العربية.
ويحاول الكتاب برهنة أن دور العرب في تاريخ العلم لم يكن مجرد حافظ وناقل لفكر الحضارات السابقة عليه، بخاصة اليونانية والفارسية منها، بل انفتح العرب على غيرهم من الثقافات من دون أن يؤثر ذلك في تمسكهم بدينهم وثقافتهم، وذلك للرد على عددٍ من المستشرقين الذين بذلوا جهداً كبيراً وكتبوا المئات من المؤلفات لإثبات أن جلَّ ما قام به العرب والمسلمون أيام ازدهار حضارتهم ما كان إلا قراءة علوم غيرهم بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، ليحفظوها كي يترجمها اللاتين الأوروبيون بعدهم، وليقيموا عليها فكر عصر النهضة والعلم الحديث في ما بعد. استنكر المؤلف ذلك مؤكداً أن العرب عرفوا الآخر المختلف عنهم وقبلوا منه ما قبلوا ورفضوا منه ما رفضوا، وحاولوا توفيق الأفكار الثابتة بالحجج والبراهين العقلية مع فكرهم الديني، ليبنوا حضارتهم الأصيلة والمستقلة، فهل من شك في إضافة الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد وغيرهم من العلماء المسلمين على الحضارات السابقة عليهم، ليستفيد منهم الغرب بعد ذلك، وعلينا نحن الباحثين الآن في العصر الحديث الاهتمام بقراءة تراثنا الفكري القديم للتعريف به وبدوره في الإضافة للفكر الإنساني.
ويضيف المؤلف أنه علينا الآن وبصورة ملحة كجزء من الحل للخروج من الوضع الحالي السيّء في البلاد العربية التنوير على دور العقل والفكر العقلاني في الحضارة الإسلامية، وكيف تمسك العرب أيام اعتلائهم قمة الحضارة بالتفكير العقلاني المبني على الحجج والأدلة والبراهين المنطقية والعقلية، وهو ما نرى عكسه بل ونقيضه تماماً في العصر الحديث، فالمشهد العام للعرب في الشرق الأوسط يدل على الغياب التام لأي نوع من الفكر المنطقي أو العقلاني، كلٌ يحاول أن يفهم الدين أو السياسة بعقله، في حين أن تاريخ المسلمين شاهد يؤكد احترامهم العقل وأصوله، بل أضافوا على الفكر العقلاني ما أعجب الغرب، فنجد في الغرب من أطلقوا على أنفسهم الرشديين اللاتين (اتباع ابن رشد)، في حين حكم بعض المسلمين بكفر ابن رشد العالم بالعقائد والفقه والفلسفة لمجرد اختلافهم معه في الرأي السياسي، فلا سبيل لنا إلا بالرجوع إلى نشر الفكر العقلاني، وجعله منهجاً أساسياً في فهم الدين والحياة. وأنهى المؤلف كلامه بتأكيد ضرورة نشر دراسة الفلسفة الإسلامية لأنها لم تأخذ حقها في العصر الحديث في العالم الإسلامي، بسبب استمرار الموقف المعادي للفلسفة، واعتبارها علماً غير إسلامي في بعض الأحيان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.