وزير التربية والتعليم يزور مدرسة "كوازاه" الفنية بالعاصمة طوكيو    زراعة أسيوط تشن حملة لمتابعة حقول الذرة الرفيعة    استطلاع: 62% من الإسرائيليين لا يثقون في حكومة نتنياهو    استمرار حبس المتهم بإلقاء ماء نار على طليقته في الوراق    محافظ أسوان يتفقد سير العمل بوحدة صحة أسرة العوينية بإدفو (صور)    اسعار اللحوم اليوم السبت 23-8-2025 في الدقهلية    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    لجنة الاستئناف تحكم بثبوت مخالفة الهلال بعد انسحابه من السوبر السعودي    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة ومروان عطية يتابع تأهيله    الزمالك يتظلم من قرار سحب أرض النادي ب 6 أكتوبر ويؤكد صحة موقفه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    محافظ المنيا: إزالة 518 حالة تعدٍ على الأراضي وأملاك الدولة    ضبط 4 أطنان من الدقيق الأبيض والبلدي المدعم في حملات تموينية خلال 24 ساعة    مصرع وإصابة أربعة أشخاص إثر حادث تصادم بين سيارتين بأسيوط    ضبط مصنع "دون ترخيص" بالقليوبية لإنتاج الأعلاف الحيوانية المغشوشة ومجهولة المصدر    دينا الشربيني تشارك روبي الغناء بحضور كريم محمود عبد العزيز وزوجته    شيرين عبد الوهاب: ياسر قنطوش لا يمثل أي شئ لي قانونيًا    تنويه هام.. انقطاع المياه عن قليوب لإصلاح خط طرد رئيسي    إنفوجراف| أسعار الذهب اليوم السبت 23 أغسطس    «صحح مفاهيمك».. مبادرة دعوية خارج المساجد بمشاركة 15 وزارة    ثلاثة أفلام جديدة فى الطريق.. سلمى أبو ضيف تنتعش سينمائيا    ما أسباب استجابة الدعاء؟.. واعظة بالأزهر تجيب    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    طلاب الثانوية الأزهرية الدور الثانى يؤدون اليوم امتحان التاريخ والفيزياء    تجديد حبس عاطل وشقيقته بتهمة جلب 3000 قرص مخدر داخل طرد بريدي    ضبط لحوم وسلع غذائية فاسدة وتحرير 260 محضرًا في حملات تموينية بأسيوط    موعد مباراة النصر والأهلي والقنوات الناقلة بنهائي كأس السوبر السعودي    اليوم.. اجتماع الجمعية العمومية العادية للإسماعيلي لمنافشة الميزانية والحساب الختامي    شباب في خدمة الوطن.. أندية التطوع والجوالة يعبرون رفح ويقدمون المساعدات لقطاع غزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : إلى أين!?    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    وزارة الخارجية الروسية تكشف عدد المواطنين الروس المتبقين في غزة    بورصة الدواجن تعلن أسعار الفراخ اليوم بالتسعيرة الجديدة    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    اتحاد العمال: بدء إنتاج السيارات وتشغيل وحدة الحديد والصلب خطوات نحو عصر صناعي جديد    وزارة التعليم تكشف تفاصيل تطوير منهج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات    استشهاد 19 فلسطينيا إثر قصف إسرائيل خيام النازحين بخان يونس ومخيم المغازي    الأمم المتحدة: نصف مليون شخص بغزة محاصرون فى مجاعة    وزارة الصحة تقدم 3 نصائح هامة لشراء الألبان    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    قدم لكلية الطب وسبقه القدر.. وفاة طالب أثناء تركيبه ميكروفون لمسجد في قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" داﻻص " لمحمد علي المجبود: التصوير وحده يتولي مهمة الإبهار
نشر في صوت البلد يوم 14 - 03 - 2016

ما نوع «الذبابة» التي لسعت بعض المخرجين الجدد، وفق التعبير الفرنسي الشائع، حتى استبدت بهم حمى اﻹيقاع الصوري المُكبَّر الغريب التواتر والحوار الصارخ؟ وحتى تملكّهم نزوع إلى سينما «خفيفة» المحتوى، عمادها الضحك من مواقف مفتعلة، ومن وضعيات أشخاص وأمكنة مُجْتَلبة من السواد والهامش، ومن خارج السلاسة ومما هو طبيعي والذي إن رُوعِي إعادة إبداعه كان ليُعطي أفضل وأحسن وأكثر؟.
نسوق كلامنا هذا، بعدما أملته علينا أعمال سينمائية لا تروم إرسال نص فيلمي دال، ولا رسم سينما مؤثرة مليئة بنسغ الحياة في وجدان المشاهد. بل فقط «إمتاعه» ضحكاً. ومن بينها الفيلم الذي يُعرض حالياً تحت عنوان «دالاص» للمخرج محمد علي المجبود الذي تعرّف عليه الناس في بعض حلقات السلسلة التلفزية «ساعة في الجحيم» التي يبدو أثر عوالمها الكابوسية جلية في شريطه هذا.
بالنسبة إلى فيلم أول، اختار المخرج وضع مخرج كشخصية فيلمية تدور حولها أحداث، يختلط فيها ما هو سينمائي بما هو مجتمعي بما هو مُخْتَلَقٌ، مع تَخَيُّرٍ لتقطير وقائع تقترب وتبتعد عن هذه المواضيع الثلاثة في الوقت ذاته. فخيط السرد ينفلت مراراً، نظراً إلى كون المخرج نحا جهة الانتقاد الحاد من دون دعائم السخرية اﻹبداعية المؤَسَّسة على كوميديا خفيفة تواتر فيها القفشة واللقطة المثيرة. البطل/المخرج والملقب بدالاص (اللعب على وتر اسم عالمي شهير مجرد إثارة)، ويلعب الدور الممثل المعروف عزيز دادس بطريقته المعهودة المتسمة بالمبالغة في الكلام والحركات الجسدية، التي إن لم تُضبط في نسيج سردي متحكم فيه، تؤدي عكس المطلوب. وهو ما حصل. يمضي البطل المهووس فترة عطالة إخراجية، فيلتقي شخصاً حالماً ثرياً ومهووساً ومن دون خلق رفيع أو خلفية ثقافية، (يؤدي الدور الممثل القدير إدريس الروخ)، وهذا يود أن تنقل سيرة حياة عائلته إلى شريط سينمائي، فيوظف أمواله في اﻹنتاج والتشخيص. لكن البطل الرئيسي يموت تاركاً ورشة الشريط في منتصف الطريق. ما يسبب ورطة للمخرج الذي يجد عمله ناقصاً، لكنه يحاول أن يخرج الفيلم بالعناصر ذاتها من دون تغيير.
صحيح ان الفكرة جيدى بل لافتة، ولكن ما أصعب تحقيقها فنياً من دون رؤية سابقة. وربما كمنت نية المخرج في مجرد اللعب على الفكرة لتعضيد المقالب المضحكة الكثيرة في مسيرة زمن العرض، التي تتوازى ومسيرة حياة مخرج ما مهنياً في عالم السينما، في أجوائها وعالمها المغربي مع تخير السخرية القاسية والقوية الوقع من دون هدف بائن.
وهكذا نتابع المخرج في حالات تذمره بعد أن غابت عنه وسائل تحقيق أحلامه واستيهاماته، ثم حين وجدها في شخص المنتج الموجود بفضل معجزة ما، وأخيراً في مرحلة إنجاز فيلمه على رغم تعذر وجود شروط تفعيل تصويره وإبداعه. أي أننا إزاء كل العملية الإخراحية بمراحلها المعروفة. فيمنح الشريط صوراً ومشاهد مقربة في غالب الأحيان، ومكثفة بالديكور الإكسسواري الكثيف والحركة البشرية المتموجة في كل اتجاه، مع لحظات حوارية بطابع يروم خلق التنافر والتناقض. ولعل أوضح وأبرز مثال يقدمه الفيلم لقاء عزيز دادس بكمال كاظمي الشهير بدوره في سلسة حديدان التلفزيونية الشهيرة (المنحى التلفزي مرة أخرى، وهو طاغ تمثيلاً وتصوراً وشكلاً). وقد بدا من خلال دوريهما في قمة التعارض كفردين وكدورين، مع تأكيد قوة تشخصيهما المهنية.

الإبهار بأيّ ثمن
وتتلاحق المشاهد تباعاً في نمط إيقاع يروم إغراق المشاهد في سينما الصورة التقنية التي تمتح من التكنولوجيا المرتبطة بالمنحى اللُّعَبِي. لكن مع موضوع يود «فضح» ما يعتمل في مجال السينما بالمغرب، لكن فضحاً كوسيلة وليس كغاية، على رغم ما قد يثيره من رد منطقي. فالممارسة الحقيقية ليست في هذا الشكل المبالغ فيه، وإن تبدّى بعض منها كما في كل ميدان فني جماهيري بالأساس. وهنا، يقع الفيلم في رسم تصوّر يرى في الممارسة الفنية من طرف أهاليها مجالاً لبروز رذيلة وطمع ومؤمرات وسلوكات أخلاقية غير محبذة.. وﻻ أدل على هذا من اللجوء، كمعادل مكاني مواز ورافد، إلى عالم الحانات بكل ما تحمله من هابط ونافر. كل هذا ممنوح كإغراق صوري يسعى إلى إبهار المشاهد ﻻ غير.
والإبهار يطاول كل شيء بدءاً من توخي شكل فيزيقي خاص للشخصيات ولمظهرها الخارجي. فتبدو مثل كائنات «عجائبية» مظهراً وليس عمقاً. مثلاً حين يضع المخرج /البطل حول رقبته عقداً طبياً طويلاً لتقويم الفقرات وهو ما يجعله يقوم بحركات بهلوانية تَحَارُ بين المرعب والمضحك. وهناك شخصية الكاتبة، (تقوم بالدور الممثلة آمال الأطرش)، التي تتحمل كل العنف اللفظي والمزاجي والسطوة الإخراجية المتحكمة، ما يجعلها تكتسي في أحيان عديدة ملامح دمية تعوزها ماكينة ضوابط داخلية تتحكم في حركات جسدها وأطرافها. ويبدو في المقابل المنتج الثري بجلبابه المزركش بألوان فاتحة والممثلون المنذورون للعمل في الفيلم المنتظر وكأنهم اختيروا كي يطالعهم المشاهد بأشكال كاريكاتورية مختلفة.
ولاستكمال خريطة الإبهار الصوري الموافق لرصد مشهد العمل السينمائي المغربي، تم التطرق إلى مدينة ورزازات واستديواتها السينمائية حيث تدور رحى شريط «دالاص»، وذلك بتوظيف كاريكاتوري (مرة أخرى) لمجالها التصويري الطبيعي، ولكل ما يوجد فيها من ضوء وامتداد وديكور، في سبيل حكي لا يتغيّا كما قلنا، سوى البحث عن الذي في إمكانه خلق لحظة ضحك مفارقة في زمنها تنتهي به بعد أن تستثير الأثر اللحظي المُراد. هي سينما تتحدث عن سينما التسلية.
لا ندري ما الذي يبغيه مخرجونا الجدد من هذا النزوع نحو موضوعات يتم تناولها من قناة الكوميديا الخفيفة؟ هل لأنها جالبة للجمهور، وهذا ما تؤكده أرقام شباك التذاكر المغربي، أو لانحسار الخيال بعد تراجع التأطير الثقافي العام الذي كان يحوط بالممارسة الفنية في البلد قبل زمن؟. أسئلة تنتصب بالضرورة عند مشاهدة «دالاص» وأشباهه. مهما يكن فإن هذا الفيلم كان سيبدو أفضل لو حصلت المماهاة بين العملية الإخراجية الحقيقية والعملية الإخراجية المتخيلة في «الحدوتة»، في إطار يخترق العملية الإبداعية بمشاكلها وفردانية مصانعها بعيداً من الكاريكاتير. فلا يكفي التمكن الفني والصورة المتقنة والتشويق العام والجو الذي فيه بعض الاختراقات الطيبة. العمل الفني كلّ جامع له غاية سواء كان تراجيدياً أم كوميدياً كما في هذا العمل السينمائي.
ما نوع «الذبابة» التي لسعت بعض المخرجين الجدد، وفق التعبير الفرنسي الشائع، حتى استبدت بهم حمى اﻹيقاع الصوري المُكبَّر الغريب التواتر والحوار الصارخ؟ وحتى تملكّهم نزوع إلى سينما «خفيفة» المحتوى، عمادها الضحك من مواقف مفتعلة، ومن وضعيات أشخاص وأمكنة مُجْتَلبة من السواد والهامش، ومن خارج السلاسة ومما هو طبيعي والذي إن رُوعِي إعادة إبداعه كان ليُعطي أفضل وأحسن وأكثر؟.
نسوق كلامنا هذا، بعدما أملته علينا أعمال سينمائية لا تروم إرسال نص فيلمي دال، ولا رسم سينما مؤثرة مليئة بنسغ الحياة في وجدان المشاهد. بل فقط «إمتاعه» ضحكاً. ومن بينها الفيلم الذي يُعرض حالياً تحت عنوان «دالاص» للمخرج محمد علي المجبود الذي تعرّف عليه الناس في بعض حلقات السلسلة التلفزية «ساعة في الجحيم» التي يبدو أثر عوالمها الكابوسية جلية في شريطه هذا.
بالنسبة إلى فيلم أول، اختار المخرج وضع مخرج كشخصية فيلمية تدور حولها أحداث، يختلط فيها ما هو سينمائي بما هو مجتمعي بما هو مُخْتَلَقٌ، مع تَخَيُّرٍ لتقطير وقائع تقترب وتبتعد عن هذه المواضيع الثلاثة في الوقت ذاته. فخيط السرد ينفلت مراراً، نظراً إلى كون المخرج نحا جهة الانتقاد الحاد من دون دعائم السخرية اﻹبداعية المؤَسَّسة على كوميديا خفيفة تواتر فيها القفشة واللقطة المثيرة. البطل/المخرج والملقب بدالاص (اللعب على وتر اسم عالمي شهير مجرد إثارة)، ويلعب الدور الممثل المعروف عزيز دادس بطريقته المعهودة المتسمة بالمبالغة في الكلام والحركات الجسدية، التي إن لم تُضبط في نسيج سردي متحكم فيه، تؤدي عكس المطلوب. وهو ما حصل. يمضي البطل المهووس فترة عطالة إخراجية، فيلتقي شخصاً حالماً ثرياً ومهووساً ومن دون خلق رفيع أو خلفية ثقافية، (يؤدي الدور الممثل القدير إدريس الروخ)، وهذا يود أن تنقل سيرة حياة عائلته إلى شريط سينمائي، فيوظف أمواله في اﻹنتاج والتشخيص. لكن البطل الرئيسي يموت تاركاً ورشة الشريط في منتصف الطريق. ما يسبب ورطة للمخرج الذي يجد عمله ناقصاً، لكنه يحاول أن يخرج الفيلم بالعناصر ذاتها من دون تغيير.
صحيح ان الفكرة جيدى بل لافتة، ولكن ما أصعب تحقيقها فنياً من دون رؤية سابقة. وربما كمنت نية المخرج في مجرد اللعب على الفكرة لتعضيد المقالب المضحكة الكثيرة في مسيرة زمن العرض، التي تتوازى ومسيرة حياة مخرج ما مهنياً في عالم السينما، في أجوائها وعالمها المغربي مع تخير السخرية القاسية والقوية الوقع من دون هدف بائن.
وهكذا نتابع المخرج في حالات تذمره بعد أن غابت عنه وسائل تحقيق أحلامه واستيهاماته، ثم حين وجدها في شخص المنتج الموجود بفضل معجزة ما، وأخيراً في مرحلة إنجاز فيلمه على رغم تعذر وجود شروط تفعيل تصويره وإبداعه. أي أننا إزاء كل العملية الإخراحية بمراحلها المعروفة. فيمنح الشريط صوراً ومشاهد مقربة في غالب الأحيان، ومكثفة بالديكور الإكسسواري الكثيف والحركة البشرية المتموجة في كل اتجاه، مع لحظات حوارية بطابع يروم خلق التنافر والتناقض. ولعل أوضح وأبرز مثال يقدمه الفيلم لقاء عزيز دادس بكمال كاظمي الشهير بدوره في سلسة حديدان التلفزيونية الشهيرة (المنحى التلفزي مرة أخرى، وهو طاغ تمثيلاً وتصوراً وشكلاً). وقد بدا من خلال دوريهما في قمة التعارض كفردين وكدورين، مع تأكيد قوة تشخصيهما المهنية.

الإبهار بأيّ ثمن
وتتلاحق المشاهد تباعاً في نمط إيقاع يروم إغراق المشاهد في سينما الصورة التقنية التي تمتح من التكنولوجيا المرتبطة بالمنحى اللُّعَبِي. لكن مع موضوع يود «فضح» ما يعتمل في مجال السينما بالمغرب، لكن فضحاً كوسيلة وليس كغاية، على رغم ما قد يثيره من رد منطقي. فالممارسة الحقيقية ليست في هذا الشكل المبالغ فيه، وإن تبدّى بعض منها كما في كل ميدان فني جماهيري بالأساس. وهنا، يقع الفيلم في رسم تصوّر يرى في الممارسة الفنية من طرف أهاليها مجالاً لبروز رذيلة وطمع ومؤمرات وسلوكات أخلاقية غير محبذة.. وﻻ أدل على هذا من اللجوء، كمعادل مكاني مواز ورافد، إلى عالم الحانات بكل ما تحمله من هابط ونافر. كل هذا ممنوح كإغراق صوري يسعى إلى إبهار المشاهد ﻻ غير.
والإبهار يطاول كل شيء بدءاً من توخي شكل فيزيقي خاص للشخصيات ولمظهرها الخارجي. فتبدو مثل كائنات «عجائبية» مظهراً وليس عمقاً. مثلاً حين يضع المخرج /البطل حول رقبته عقداً طبياً طويلاً لتقويم الفقرات وهو ما يجعله يقوم بحركات بهلوانية تَحَارُ بين المرعب والمضحك. وهناك شخصية الكاتبة، (تقوم بالدور الممثلة آمال الأطرش)، التي تتحمل كل العنف اللفظي والمزاجي والسطوة الإخراجية المتحكمة، ما يجعلها تكتسي في أحيان عديدة ملامح دمية تعوزها ماكينة ضوابط داخلية تتحكم في حركات جسدها وأطرافها. ويبدو في المقابل المنتج الثري بجلبابه المزركش بألوان فاتحة والممثلون المنذورون للعمل في الفيلم المنتظر وكأنهم اختيروا كي يطالعهم المشاهد بأشكال كاريكاتورية مختلفة.
ولاستكمال خريطة الإبهار الصوري الموافق لرصد مشهد العمل السينمائي المغربي، تم التطرق إلى مدينة ورزازات واستديواتها السينمائية حيث تدور رحى شريط «دالاص»، وذلك بتوظيف كاريكاتوري (مرة أخرى) لمجالها التصويري الطبيعي، ولكل ما يوجد فيها من ضوء وامتداد وديكور، في سبيل حكي لا يتغيّا كما قلنا، سوى البحث عن الذي في إمكانه خلق لحظة ضحك مفارقة في زمنها تنتهي به بعد أن تستثير الأثر اللحظي المُراد. هي سينما تتحدث عن سينما التسلية.
لا ندري ما الذي يبغيه مخرجونا الجدد من هذا النزوع نحو موضوعات يتم تناولها من قناة الكوميديا الخفيفة؟ هل لأنها جالبة للجمهور، وهذا ما تؤكده أرقام شباك التذاكر المغربي، أو لانحسار الخيال بعد تراجع التأطير الثقافي العام الذي كان يحوط بالممارسة الفنية في البلد قبل زمن؟. أسئلة تنتصب بالضرورة عند مشاهدة «دالاص» وأشباهه. مهما يكن فإن هذا الفيلم كان سيبدو أفضل لو حصلت المماهاة بين العملية الإخراجية الحقيقية والعملية الإخراجية المتخيلة في «الحدوتة»، في إطار يخترق العملية الإبداعية بمشاكلها وفردانية مصانعها بعيداً من الكاريكاتير. فلا يكفي التمكن الفني والصورة المتقنة والتشويق العام والجو الذي فيه بعض الاختراقات الطيبة. العمل الفني كلّ جامع له غاية سواء كان تراجيدياً أم كوميدياً كما في هذا العمل السينمائي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.