نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    شهادة تقدير ودرع المحافظة.. أسوان تكرم الخامسة على الجمهورية في الثانوية الأزهرية    تنفيذي الشرقية يُناقش خطة استثمارية ب1.14 مليار جنيه لتحسين الخدمات بالمراكز والمدن    وزير البترول يلتقي وفدا رفيع المستوى من شركة شل العالمية    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    انقسام بين قادة الاتحاد الأوروبي بعد إعلان ترامب عن الاتفاق التجاري الجديد    أطباء بلا حدود: حالات الإسهال المائي ترتفع مجددا في جميع أنحاء اليمن    «أكسيوس»: مسؤولان إسرائيليان يصلان واشنطن لبحث ملفي غزة وإيران    حجز محاكمة متهمين بوفاة لاعب كاراتيه بالإسكندرية لجلسة 22 سبتمبر للنطق بالحكم    أحمد حسن يكشف مفاجأة بشأن مستقبل حسين الشحات مع الأهلي    دون خسائر.. السيطرة على حريق بمحل مأكولات شهير في المنتزه بالإسكندرية    تكريم 30 طالبًا من أوائل الثانوية العامة في القاهرة بديوان عام المحافظة    انهيار لطيفة بالبكاء أثناء تقديم واجب العزاء ل فيروز في نجلها زياد الرحباني (فيديو)    فى يومه ال 11.. "برنامج اليوم" يتابع فعاليات مهرجان العلمين بدورته الثالثة    "فتح" تُثمن دعوة الرئيس السيسي ومواقف مصر الداعمة لفلسطين    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض الوضوء؟ الإفتاء تُجيب    هل وجود مستحضرات التجميل على وجه المرأة يُعد من الأعذار التي تبيح التيمم؟ الإفتاء تجيب    في اليوم العالمي لالتهاب الكبد.. الوشم والإبر يسببان العدوى (الأعراض وطرق الوقاية)    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    البحيرة: قافلة طبية مجانية بقرية الأمل وأرياف أبو المطامير ضمن جهود العدالة الصحية غدا    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    بنك مصر يوقع بروتوكول تعاون مع دوبيزل لدعم خدمات التمويل العقاري    طريقة عمل التورتة بمكونات بسيطة في البيت    اندلاع حريق فى أحد المطاعم بمنطقة المنتزه شرق الإسكندرية    مران خفيف للاعبي المصري غير المشاركين أمام الترجي.. وتأهيل واستشفاء للمجموعة الأساسية    عمار محمد يتوج بذهبية الكونغ فو فى دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    موسكو تبدأ رحلات مباشرة إلى كوريا الشمالية وسط تراجع الخيارات أمام السياح الروس    ضعف المياه بشرق وغرب بسوهاج غدا لأعمال الاحلال والتجديد بالمحطة السطحية    قرارات هامة من الأعلى للإعلام ل 3 مواقع إخبارية بشأن مخالفة الضوابط    تجديد حبس متهم بقتل سيدة وسرقة 5700 جنيه من منزلها بالشرقية بسبب "المراهنات"    السيسي: قطاع غزة يحتاج من 600 إلى 700 شاحنة مساعدات في الإيام العادية    لمواجهة الكثافة الطلابية.. فصل تعليمي مبتكر لرياض الأطفال بالمنوفية (صور)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم فردوس عبد الحميد بدورته ال 41    البربون ب320 جنيهًا والقاروص ب450.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم في مطروح    وزير الأوقاف: وثِّقوا علاقتكم بأهل الصدق فى المعاملة مع الله    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    الفنان محمد رياض يودع السودانيين فى محطة مصر قبل عودتهم للسودان    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    ديمقراطية العصابة..انتخابات مجلس شيوخ السيسي المقاعد موزعة قبل التصويت وأحزاب المعارضة تشارك فى التمثيلية    وزير الصحة: مصر الأولى عالميا في الحصول على التصنيف الذهبي بالقضاء على فيروس سي    محافظ المنيا: إزالة 744 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    السّم في العسل.. أمين الفتوى يحذر من "تطبيقات المواعدة" ولو بهدف الحصول على زواج    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    الهلال الأحمر المصري يواصل دعمه لقطاع غزة رغم التحديات الإنسانية    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    شوبير يدافع عن طلب بيراميدز بتعديل موعد مباراته أمام وادي دجلة في الدوري    هل ستفشل صفقة بيع كوكا لاعب الأهلي لنادي قاسم باشا التركي بسبب 400 ألف دولار ؟ اعرف التفاصيل    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    طرائف الانتقالات الصيفية.. الزمالك وبيراميدز كشفا عن صفقتين بالخطأ (صور)    هدى المفتي تحسم الجدل وترد على أنباء ارتباطها ب أحمد مالك    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    الكرتي يترك معسكر بيراميدز ويعود للمغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" ليل العالم " بين عنف الواقع وفوضى الحكاية
نشر في صوت البلد يوم 02 - 03 - 2016

"فوضاك أم فوضى الحكاية؟ أم فوضى الرقة؟ وفوضى الرقة أم فوضى سوريا أم فوضى العالم كله"
يمكن القول إنه وبصدور رواية «ليل العالم» (كتاب دبي:141/يناير/كانون الثاني2016)، يكون الناقد والروائي السوري نبيل سليمان حريصا على الاستمرارية في مواكبة المسار الروائي من جهة، ومن جهة ثانية توسيع المنجز الذي أقدم على إبداعه وتخيله. على أن تجربة «ليل العالم»، تمثل الجزء الرابع من منجز كرس لرصد تحولات «الربيع الأسود» الذي طال سوريا، بدون أن يفضي لأفق مفتوح على تغيير أفضل. من ثم فمنذ الروايات: «حجر السرائر» (2010)، «مدائن الأرجوان» (2013)، «جداريات الشام» (2014) و»ليل العالم» (2016)، فإن المعنى الذي يعمل على صوغه وإنتاجه واحد، لولا أن تلقيه يجدر تحققه في سياق التنويع.
فالروائي نبيل سليمان يرصد تحولات الواقع السوري من بدايات حلم التغيير، إلى هذه الرواية موضوعنا. من ثم فوعي التلقي الروائي لهذا النص بالذات، قد يتحقق بشكل مفرد أو في سياق التكامل والانسجام، ولذلك، فما نروم تأكيده كخطوة أولى، تثبيت المداخل الممكنة لقراءة «ليل العالم» في محاولة لتشكيل لرؤية جامعة عن الرباعية ككل، مادامت تعكس أول تجربة واكبت الحلم بتغيير سياسي له ظروفه وسياقاته العربية والغربية بدون اكتماله.
المدخل الأول
إن أول ما يثير عند تلقي الرواية، التحديد الأجناسي الذي أطر فيه الروائي نبيل سليمان منجزه، فإذا كان التحديد ثبت في: «رواية»، وهو بمثابة ميثاق يجدر تلقي النص في ضوئه، علما بأن الروائي لا يكتب سوى في حقلين: النقد الأدبي والرواية، فإن التأمل للصورة التي شكل النص على هيئتها يجعلنا نقف على تداخلات وتقاطعات تتمثل في التالي:
1 صورة كتاب: إن توزيع بنية الرواية إلى: «كالمقدمات»، «كالمتون»، «كالخواتيم»، يؤهل المنجز لأن لا يمثل رواية وحسب، وإنما هو كتاب مفتوح على دقة التأريخ لمرحلة سياسية من الحلم بربيع عربي امتد ليشمل الواقع السوري. إذن نحن أمام رواية، وكتاب على السواء.
2 صورة سيرة ذاتية: إن الوقوف على المعنى المنتج في الرواية، يولد التساؤل لدى القارئ المتتبع لمسار نبيل سليمان الروائي، عما إذا كان أكثر من عنصر ضمن الرواية، يفضي حال تجميعه ولملمته إلى كون المنجز يعد في مظهر من مظاهره سيرة ذاتية. فالحديث عن شخصية عبدالسلام العجيلي مثلا، وغيرها ياسين الحاج صالح ومن هو أقرب، وعن منيب المدرس والمديرلاحقا، يقود إلى تداخل الروائي/السيري، ولئن كنا نؤثر الذهاب في القول بأننا بصدد تخييل ذاتي.
3 صورة النص المفتوح: إن ما يعضد الصورة السابقة، انفتاح الرواية على جنسين أدبيين:
أ كتابة اليوميات.
ب كتابة الرسائل.
والأصل أن الكتابتين، حسب فيليب لوجون، تعكسان أثر الكتابة الشخصية والذاتية. ومن ثم فصفاء النوع غير متوافر في هذا المنجز. فالثابت جنس الرواية، والمتغير التنويع على جنس الرواية بما يمثل الأقرب إلى الجنس ذاته.
المدخل الثاني
إن ما يترتب عن المدخل الأول، الاعتبار الذي يرى إلى رواية «ليل العالم»، من منطلق كونها صورة عن تجربة تتأسس على مظهر تجريبي لافت ودال. فالتوزيع الذي خضع له جسم الرواية يتمثل في فصول شكلت من عناوين الثابت فيها مكون الزمن، إلى الوحدة الحكائية الرابطة بين شخصيتي «منيب» و»هفاف». هذه الوحدة تبدو في الظاهر قصة حب، لولا أنها في العمق سياسية توثق اللحظة التي تمر منها «سوريا» في حلمها بربيع عربي بديل. ف»هفاف» إحالة إلى سوريا في دقة الخاصات التي تتفرد بها، والحلم تجذير بدائل تساير التحولات الديمقراطية والاجتماعية والفكرية ككل، إلا أن «خنق» الحلم واغتياله، يبين عن مستقبل غامض شبه مجهول، وفق المنقول عن الأغنية:
"..هذا هو العرس الذي لا ينتهي في ليلة لا تنتهي، في…"
فالسؤال الذي تردد على امتداد بنية الرواية» لماذا خنقو هفاف؟» (الصفحات: 21/ 23/ 31/ 33….)، يكشف كون توسيع دائرة الحكي والسرد، ينبثق من تكرار السؤال السابق.. والأصل أن قصدية التكرار، إسهام في إحكام وتمتين بنية النص الروائي.
إن المنزع التجريبي في»ليل العالم» يجد مرجعيته في الواقع بما يحبل به من صراعات وتناقضات على كافة المستويات. هذه المرجعية، تثبيت للايقين الذي غدا يستحيل معه بناء عالم روائي يلم شتات الواقع، ومن ثم، بدت حكاية «ليل العالم» حكاية زئبقية من الصعب تحويل مفرداتها إلى بناء جمالي مفتوح على التلقي. ولكأن واقع «الواقع»، بات أكثر تقدما من/عن واقع الكتابة الروائية. وهي الصورة المناقضة والمعاكسة للتصور الذي حرص على ترديد: إن الرواية العربية متقدمة عن واقعها.
المدخل الثالث
يتضح من السابق أن رسم صورة عن «ليل العالم»، يتحقق وفق رؤية ثقافية فكرية. هذه الرؤية يجسده «منيب حسين الخلف» تأسيسا من تاريخه الشخصي، وبحكم كون المنجز الروائي أقرب لأن يشكل سيرة ذاتية. والقول بالتاريخ الشخصي، معناه ملامسة العلاقات المشكلة ضمن فضاء أوسع «سوريا»، ومكان هو بالضبط «الرقة»، ثم انطلاقا من العلاقات وبقية الشخصيات، إلى الحد الذي يمكن معه القول بأنها «تمرئيات» لشخصية “منيب”
إن المثقف في رواية «ليل العالم»، وتحديدا «منيب حسين الخلف»، يكشف من مقروءاته، آرائه ومواقفه بأنه النموذج الشمولي لما كان عليه واقع المثقف العربي. واللافت أن الشمولية المتحدث عنها تتمثل من خلال المعنى الثقافي في الآداب ككل، الفن، السياسة والدين. ومن ثم، فإنه في سياق التحولات المعاقة يمثل النموذج غير المرغوب فيه.
"إذا خبطوا عليك فلا تفتح قبل أن تنتقل إلى قناة دينية."
"آنئذ كان منيب يرفل في سنته الثالثة في سجن صيدنايا بعد سنة تقريبا بين سجني الأمن السياسي والأمن العسكري في الرقة، جزاء على ما اقترف من نشاط في ربيع دمشق، ليس فقط في الرقة، بل في حلب أيضا، وفي دمشق."
"تعال معنا.."
وبذلك فإن مفارقة المثقف في «ليل العالم»،كونه سواء في ظل النظام البعثي، أو الحلم بربيع عربي تسمه تلوينات مختلفة، سيظل يعاني من المطاردة، ومن إخفاق حلم التغيير المرتجى.
المدخل الرابع:
يحق القول بخصوص المدخل الرابع، إن التعدد الذي يسم الصيغة الروائية في «ليل العالم»، يجلو صورة عن فسيفساء التركيبة الاجتماعية التي تطبع الواقع السوري. فإذا كان ما قبل الربيع العربي يجسد مظاهر التعايش على المستوى الديني الهوياتي، فإن حلول «الربيع الأسود» (بلغة الرواية)، يستهدف مظاهر التعايش والتسامح، في محاولة لترسيخ نزوعات التفرقة والاقتتال، وبالاعتماد على التأويلات والفتاوى الفقهية الظلامية لمحاربة أي توجه مغاير للقناعات الإسلاموية. ومن ثم يتحقق الإجهاز على الحريات الفردية والقناعات الشخصية، والحقوق الإنسانية المكتسبة، حيث تطبق «مبادئ» التحريم والتحليل إلى المنع.
"..يا إخوتي. نحن إخوة. كلنا إخوة. لا فرق بين سوري وسوري"
"..مصافحة المسلم للمسيحي حرام، مثل مصافحته لليهودي للكافر".
«..وبناء على ما تقدم فإن الدولة الإسلامية في العراق والشام أصدرت قرارا بمنع بيع أقراص الغناء وآلات الموسيقا وتشغيل الأغاني في السيارات والحافلات والمحلات الأماكن..».
إن المداخل الأربعة السابقة هي في العمق:
1 مفاتيح مقترحة لقراءة وتأويل رواية " ليل العالم".
2 تمهيد هدفه الأساس ربط الرواية الأخيرة، بالمتحققات الروائية السابقة.
3 تشكيل رؤية عن ربيع عربي معاق، تأسيسا من الصورة الروائية المشكلة عن الواقع السوري.
....
كاتب مغربي
"فوضاك أم فوضى الحكاية؟ أم فوضى الرقة؟ وفوضى الرقة أم فوضى سوريا أم فوضى العالم كله"
يمكن القول إنه وبصدور رواية «ليل العالم» (كتاب دبي:141/يناير/كانون الثاني2016)، يكون الناقد والروائي السوري نبيل سليمان حريصا على الاستمرارية في مواكبة المسار الروائي من جهة، ومن جهة ثانية توسيع المنجز الذي أقدم على إبداعه وتخيله. على أن تجربة «ليل العالم»، تمثل الجزء الرابع من منجز كرس لرصد تحولات «الربيع الأسود» الذي طال سوريا، بدون أن يفضي لأفق مفتوح على تغيير أفضل. من ثم فمنذ الروايات: «حجر السرائر» (2010)، «مدائن الأرجوان» (2013)، «جداريات الشام» (2014) و»ليل العالم» (2016)، فإن المعنى الذي يعمل على صوغه وإنتاجه واحد، لولا أن تلقيه يجدر تحققه في سياق التنويع.
فالروائي نبيل سليمان يرصد تحولات الواقع السوري من بدايات حلم التغيير، إلى هذه الرواية موضوعنا. من ثم فوعي التلقي الروائي لهذا النص بالذات، قد يتحقق بشكل مفرد أو في سياق التكامل والانسجام، ولذلك، فما نروم تأكيده كخطوة أولى، تثبيت المداخل الممكنة لقراءة «ليل العالم» في محاولة لتشكيل لرؤية جامعة عن الرباعية ككل، مادامت تعكس أول تجربة واكبت الحلم بتغيير سياسي له ظروفه وسياقاته العربية والغربية بدون اكتماله.
المدخل الأول
إن أول ما يثير عند تلقي الرواية، التحديد الأجناسي الذي أطر فيه الروائي نبيل سليمان منجزه، فإذا كان التحديد ثبت في: «رواية»، وهو بمثابة ميثاق يجدر تلقي النص في ضوئه، علما بأن الروائي لا يكتب سوى في حقلين: النقد الأدبي والرواية، فإن التأمل للصورة التي شكل النص على هيئتها يجعلنا نقف على تداخلات وتقاطعات تتمثل في التالي:
1 صورة كتاب: إن توزيع بنية الرواية إلى: «كالمقدمات»، «كالمتون»، «كالخواتيم»، يؤهل المنجز لأن لا يمثل رواية وحسب، وإنما هو كتاب مفتوح على دقة التأريخ لمرحلة سياسية من الحلم بربيع عربي امتد ليشمل الواقع السوري. إذن نحن أمام رواية، وكتاب على السواء.
2 صورة سيرة ذاتية: إن الوقوف على المعنى المنتج في الرواية، يولد التساؤل لدى القارئ المتتبع لمسار نبيل سليمان الروائي، عما إذا كان أكثر من عنصر ضمن الرواية، يفضي حال تجميعه ولملمته إلى كون المنجز يعد في مظهر من مظاهره سيرة ذاتية. فالحديث عن شخصية عبدالسلام العجيلي مثلا، وغيرها ياسين الحاج صالح ومن هو أقرب، وعن منيب المدرس والمديرلاحقا، يقود إلى تداخل الروائي/السيري، ولئن كنا نؤثر الذهاب في القول بأننا بصدد تخييل ذاتي.
3 صورة النص المفتوح: إن ما يعضد الصورة السابقة، انفتاح الرواية على جنسين أدبيين:
أ كتابة اليوميات.
ب كتابة الرسائل.
والأصل أن الكتابتين، حسب فيليب لوجون، تعكسان أثر الكتابة الشخصية والذاتية. ومن ثم فصفاء النوع غير متوافر في هذا المنجز. فالثابت جنس الرواية، والمتغير التنويع على جنس الرواية بما يمثل الأقرب إلى الجنس ذاته.
المدخل الثاني
إن ما يترتب عن المدخل الأول، الاعتبار الذي يرى إلى رواية «ليل العالم»، من منطلق كونها صورة عن تجربة تتأسس على مظهر تجريبي لافت ودال. فالتوزيع الذي خضع له جسم الرواية يتمثل في فصول شكلت من عناوين الثابت فيها مكون الزمن، إلى الوحدة الحكائية الرابطة بين شخصيتي «منيب» و»هفاف». هذه الوحدة تبدو في الظاهر قصة حب، لولا أنها في العمق سياسية توثق اللحظة التي تمر منها «سوريا» في حلمها بربيع عربي بديل. ف»هفاف» إحالة إلى سوريا في دقة الخاصات التي تتفرد بها، والحلم تجذير بدائل تساير التحولات الديمقراطية والاجتماعية والفكرية ككل، إلا أن «خنق» الحلم واغتياله، يبين عن مستقبل غامض شبه مجهول، وفق المنقول عن الأغنية:
"..هذا هو العرس الذي لا ينتهي في ليلة لا تنتهي، في…"
فالسؤال الذي تردد على امتداد بنية الرواية» لماذا خنقو هفاف؟» (الصفحات: 21/ 23/ 31/ 33….)، يكشف كون توسيع دائرة الحكي والسرد، ينبثق من تكرار السؤال السابق.. والأصل أن قصدية التكرار، إسهام في إحكام وتمتين بنية النص الروائي.
إن المنزع التجريبي في»ليل العالم» يجد مرجعيته في الواقع بما يحبل به من صراعات وتناقضات على كافة المستويات. هذه المرجعية، تثبيت للايقين الذي غدا يستحيل معه بناء عالم روائي يلم شتات الواقع، ومن ثم، بدت حكاية «ليل العالم» حكاية زئبقية من الصعب تحويل مفرداتها إلى بناء جمالي مفتوح على التلقي. ولكأن واقع «الواقع»، بات أكثر تقدما من/عن واقع الكتابة الروائية. وهي الصورة المناقضة والمعاكسة للتصور الذي حرص على ترديد: إن الرواية العربية متقدمة عن واقعها.
المدخل الثالث
يتضح من السابق أن رسم صورة عن «ليل العالم»، يتحقق وفق رؤية ثقافية فكرية. هذه الرؤية يجسده «منيب حسين الخلف» تأسيسا من تاريخه الشخصي، وبحكم كون المنجز الروائي أقرب لأن يشكل سيرة ذاتية. والقول بالتاريخ الشخصي، معناه ملامسة العلاقات المشكلة ضمن فضاء أوسع «سوريا»، ومكان هو بالضبط «الرقة»، ثم انطلاقا من العلاقات وبقية الشخصيات، إلى الحد الذي يمكن معه القول بأنها «تمرئيات» لشخصية “منيب”
إن المثقف في رواية «ليل العالم»، وتحديدا «منيب حسين الخلف»، يكشف من مقروءاته، آرائه ومواقفه بأنه النموذج الشمولي لما كان عليه واقع المثقف العربي. واللافت أن الشمولية المتحدث عنها تتمثل من خلال المعنى الثقافي في الآداب ككل، الفن، السياسة والدين. ومن ثم، فإنه في سياق التحولات المعاقة يمثل النموذج غير المرغوب فيه.
"إذا خبطوا عليك فلا تفتح قبل أن تنتقل إلى قناة دينية."
"آنئذ كان منيب يرفل في سنته الثالثة في سجن صيدنايا بعد سنة تقريبا بين سجني الأمن السياسي والأمن العسكري في الرقة، جزاء على ما اقترف من نشاط في ربيع دمشق، ليس فقط في الرقة، بل في حلب أيضا، وفي دمشق."
"تعال معنا.."
وبذلك فإن مفارقة المثقف في «ليل العالم»،كونه سواء في ظل النظام البعثي، أو الحلم بربيع عربي تسمه تلوينات مختلفة، سيظل يعاني من المطاردة، ومن إخفاق حلم التغيير المرتجى.
المدخل الرابع:
يحق القول بخصوص المدخل الرابع، إن التعدد الذي يسم الصيغة الروائية في «ليل العالم»، يجلو صورة عن فسيفساء التركيبة الاجتماعية التي تطبع الواقع السوري. فإذا كان ما قبل الربيع العربي يجسد مظاهر التعايش على المستوى الديني الهوياتي، فإن حلول «الربيع الأسود» (بلغة الرواية)، يستهدف مظاهر التعايش والتسامح، في محاولة لترسيخ نزوعات التفرقة والاقتتال، وبالاعتماد على التأويلات والفتاوى الفقهية الظلامية لمحاربة أي توجه مغاير للقناعات الإسلاموية. ومن ثم يتحقق الإجهاز على الحريات الفردية والقناعات الشخصية، والحقوق الإنسانية المكتسبة، حيث تطبق «مبادئ» التحريم والتحليل إلى المنع.
"..يا إخوتي. نحن إخوة. كلنا إخوة. لا فرق بين سوري وسوري"
"..مصافحة المسلم للمسيحي حرام، مثل مصافحته لليهودي للكافر".
«..وبناء على ما تقدم فإن الدولة الإسلامية في العراق والشام أصدرت قرارا بمنع بيع أقراص الغناء وآلات الموسيقا وتشغيل الأغاني في السيارات والحافلات والمحلات الأماكن..».
إن المداخل الأربعة السابقة هي في العمق:
1 مفاتيح مقترحة لقراءة وتأويل رواية " ليل العالم".
2 تمهيد هدفه الأساس ربط الرواية الأخيرة، بالمتحققات الروائية السابقة.
3 تشكيل رؤية عن ربيع عربي معاق، تأسيسا من الصورة الروائية المشكلة عن الواقع السوري.
....
كاتب مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.