لازاريني: تصويت البرلمان الإسرائيلي على تشريع جديد ضد الأونروا "أمر شائن"    وزير الإسكان: تقنين الأراضي المضافة للمدن الجديدة أولوية قصوى لحماية أملاك الدولة    السلطة المحلية في حضرموت اليمنية: نؤيد قرارات مجلس القيادة ونؤكد الاستعداد لتنفيذيها    مصرع تاجر مخدرات وضبط آخرين في مداهمة بؤرة إجرامية ببني سويف    الثقافة تختتم الموسم الثامن من المواهب الذهبية لذوي الهمم    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى التأمين الصحي بسندوب    محمد يوسف: حسام حسن يثق في إمام عاشور.. وكنت أنتظر مشاركته ضد أنجولا    كل ما نعرفه عن محاولة الهجوم على مقر إقامة بوتين    إحالة سائق إلى محكمة الجنايات في واقعة دهس شاب بالنزهة    تشكيل آرسنال المتوقع لمواجهة أستون فيلا في الدوري الإنجليزي    معبد الكرنك يشهد أولى الجولات الميدانية لملتقى ثقافة وفنون الفتاة والمرأة    أمم أفريقيا 2025.. موعد مباراة أوغندا ونيجيريا في ختام المجموعة الثالثة    رئيس الوزراء يشهد افتتاح مستشفى جامعة الجيزة الجديدة    الصحة: تقديم 3.4 مليون خدمة بالمنشآت الطبية بمطروح خلال 2025    الأهلى ينعى حمدى جمعة لاعب الفريق الأسبق بعد صراع مع المرض    قد يزامل عبد المنعم.. تقرير فرنسي: نيس دخل في مفاوضات مع راموس    متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    نقل مقر مأموريتين للتوثيق والشهر العقاري بمحافظتي القاهرة والوادى الجديد    محافظة الجيزة تعزز منظومة التعامل مع مياه الأمطار بإنشاء 302 بالوعة    وزيرا التموين والتنمية المحلية يفتتحان معرض مستلزمات الأسرة بالسبتية    "إكسترا نيوز": القافلة 105 تضم آلاف الأطنان من المواد الإغاثية الأساسية متجهة لغزة    "تبسيط التاريخ المصري القديم للناشئة" بالعدد الجديد من مجلة مصر المحروسة    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    هيئة السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات اليوم بسبب أعمال التطوير    حازم الجندى: إصلاح الهيئات الاقتصادية يعيد توظيف أصول الدولة    الصحة تنفذ المرحلة الأولى من خطة تدريب مسؤولي الإعلام    تأجيل محاكمة 4 متهمين بإشعال النيران في أنبوبة غاز داخل مقهى بالقليوبية ل4 يناير    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    وزير الري يتابع موقف مشروع تأهيل المنشآت المائية    حسام عاشور يكشف سرًا لأول مرة عن مصطفى شوبير والأهلي    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    فطيرة موز لذيذة مع كريمة الفانيليا    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    موعد بدء إجازة نصف العام الدراسى لجميع الصفوف    اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    وزير العمل يبحث تحديات صناعة الملابس والمفروشات مع اتحاد الصناعات    6 جولات دولية ل أمين "البحوث الإسلاميَّة" في 2025 تعزز خطاب الوسطية    إليسا وتامر وعاشور في أضخم حفلات رأس السنة بالعاصمة الجديدة    وزير الصحة يعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد 2026    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظة القاهرة    أكسيوس: ترامب طلب من نتنياهو تغيير السياسات الإسرائيلية في الضفة    تفاصيل انطلاق قافلة "زاد العزة" ال105 من مصر لغزة    لهذا السبب| الناشط علاء عبد الفتاح يقدم اعتذار ل بريطانيا "إيه الحكاية!"    تعاني من مرض نفسي.. كشف ملابسات فيديو محاولة انتحار سيدة بالدقهلية    مجانًا ودون اشتراك بث مباشر يلاكووووورة.. الأهلي والمقاولون العرب كأس عاصمة مصر    القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    ترامب ل نتنياهو: سنكون دائما معك وسنقف إلى جانبك    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



30 ملمحا للشخصية العربية في التراث الأدبي
نشر في صوت البلد يوم 06 - 02 - 2016

يتساءل الشاعر أحمد سويلم: لماذا اتهمت الأمة العربية بالتخلف؟ ولماذا ساد تاريخ العرب الطويل نزعات غريبة مثل الشعوبية والزندقة والتعصب، فكانت ذريعة للمستشرقين يتسللون من خلالها إلى قلب الأمة العربية يلوثون دماءها، ويحاولون قتل نبضاتها بأوهام كثيرة .. يتصيدون فيها كل ما يؤكد جهالة العربي وضعفه وبعده عن صنع الحضارة الباقية؟
وللإجابة عن مثل هذه الأسئلة والوصول إلى الصورة الحقيقية عن الشخصية العربية، غاص الشاعر أحمد سويلم في تراثنا العربي وألقى الضوء على جذور عدد من الملامح، بلغ عددها ثلاثين ملمحا، تعد بمثابة المحاور الممتدة خلال جسر الأمة العربية فيها من الشمول ما يلم شتات الفكر، ومن العمق ما يؤكد تفرد الشخصية العربية، وفيها من التآلف ما يكوّن منظومة الحضارة الخالدة، وذلك عبر كتابه "الشخصية العربية في التراث الأدبي" الصادر عن دار العالم العربي بالقاهرة وجاء في 318 صفحة من القطع المتوسط.
وأول هذه الملامح في الشخصية العربية كان ملمح الفروسية العربية التي جمعها المتنبي في بيته الشهير:
الخيلُ والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
حيث لم تكن الفروسية العربية إلا مظهرا من مظاهر فتوة العربي، وملمحا من ملامح حياته التي يعيشها، واستجابة لظروفه الاجتماعية والنفسية.
وفي ملمح الشعور بالانتماء للأرض العربية نجد ابن الرومي يقول:
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعه ** وأن لا أرى غيري له الدهرَ مالكا
وقد ضامني فيه لئيم وعزَّني ** وها أنا منه معصمٌ بحبالكا
ويختم سويلم هذا الملمح بأبيات خليل مطران التي يقول فيها:
يا أمة العرب التي هي أمنا ** أي الفخار نميته ونماكِ
يمضي الزمان وتنقضي أحداثه ** وهواك منا في القلوب هواكِ
ويدلي سويلم برأيه في قضية "الصعلكة في العصر الجاهلي" باعتبارها ملمحا من ملامح التراث العربي، ويرى أن الصعاليك كانوا يكونون طبقة متميزة من طبقات المجتمع الجاهلي، وفي شعر الصعاليك صور كثيرة للغارات والمواقف التي يرفضون فيها الفقر والجوع والخلل الاجتماعي الذي كان سائدا في زمانهم. وفي هذا يقول زعيم الصعاليك عروة بن الورد:
إذا المرء لم يبعث سواما ولم يُرَح ** عليه ولم تعطف عليه أقاربه
فللموت خير للفتى من حياته ** فقيرا ومن مولًى تدب عقاربه
وهكذا يتجول بنا أحمد سويلم في بستان التراث العربي مؤكدا على الملامح الغنية للشخصية العربية متوقفا عند الحضارة العربية بين التأثر والتأثير، والمرأة في عيون الرجل العربي، والطفولة العربية ونظرية التربية، ونظرية الجمال عند العرب مؤكدا أن العلماء يجمعون على أن الشعر أجمل من النثر لأنه من عفو البديهة، وهو أصفى غرضا، ولكنه أبعد عن العقل وأقرب إلى الروح، وأدنى من الحس، أما النثر فهو أشفى غليلا ولكنه أقل اقترابا من الحس، وهو من قبيل العقل.
ومن صفحات الجمال العربية أن الشاعر يشبه المرأة بالقمر فيقول:
وبدت لميسُ كأنها ** بدر السماء إذا تبدَّى
وأحيانا يشبهها بالسيوف البيض والسمر فيقول:
خلقنا لهم في كل عين وحاجبٍ ** بسمر القنا والبيض عينا وحاجبا
كما يتعرض سويلم للفكاهة عند العرب، ويتوقف عند شخصية جحا، الذي يمثل النموذج الضاحك المبكي، ويعطينا صورة فريدة من الفكاهة بكل أبعادها وألوانها، وبطرفيها المتباعدين: الكوميدي والمأساوي.
كما يشير إلى كتاب "البخلاء" للجاحظ، وشخصية أشعب، والشاعر أبوالعيناء وغيرهم.
وعن الحب المثالي والعاطفة العربية توقف عند شخصية مجنون ليلى وكتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، والمرقّش الأكبر وأسماء، والمرقّش الأصغر وفاطمة، والمخبّل وميلاء، وديك الجن وورد، وغيرهم. يقول ديك الجن عن ورد:
وردية الوجنات يختبر اسمَها ** من ريقِها من لا يحيط بخُبرها
تسقيكَ كأس مدامةٍ من كفها ** ورديةً ومدامةً من ثغرِها
ومن العاطفة العربية إلى الغناء والإنشاد في المجتمع العربي، والرحلة والسفر من أجل المعرفة، والحروب عند العرب، والتقاليد الأدبية في الإبداع العربي، والفراسة عند العرب، وهي "الاستدلال بالأحوال الظاهرة في الأخلاق الباطنة".
كما يستعرض سويلم ملامح الصداقة في الفكر العربي، وفي ذلك يقول ابن الأعرابي:
أُغمِّضُ للصديقِ عن المساوي ** مخافة أن أعيش بلا صديق
ومن المشهور في قول النابغة:
ولست بمستبقٍ أخا لا تلُمُّه ** على شعثٍ أيُّ الرجالِ المهذبُ
ومن ملامح الصداقة إلى نزعة الزهد في المجتمع العربي وقول سابق بن عبدالله المعروف بالبربري، وهو شاعر الزهد الحقيقي في العصر الأموي:
أموالُنا لذوي الميراثِ نجمعُها ** ودورُنا لخرابِ الدهرِ نبنيها
والنفس تكلفُ بالدنيا وقد علمت ** أن السلامةَ منها تركُ ما فيها
ويستعرض سويلم الأمثال والحكم العربية، والبطولة العربية، وملامح المديح الأدبية، ويتوقف عند الحب الإلهي عند العرب وأبيات ذوالنون المصري التي يقول فيها:
حسب المحبين في الدنيا بأن لهم ** من ربهم سببًا يُدني إلى سببِ
قومٌ جسومهم في الأرض سائرةٌ ** وإن أرواحَهم تختال في الحجُبِ
يا رب يا رب أنت اللهُ معتمدي ** متى أراك جهارا غير محتجبِ
كما يستعرض ما قاله الشبلي، والجنيد، ورابعة العدوية، وابن الفارض، والحلاج، وابن عربي، والسهروردي، وفريد الدين العطار، وغيرهم.
ومن الحب الآلهي إلى الطبيعة والشخصية العربية، والمطر في الحياة العربية، والحيوان في البيئة العربية، كما يستعرض النجوم والفلك في الشعر العربي، وها هو ذو الرمة يقول:
فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلها ** يمينا ومهوى النسر عنها شمالك
ويعرج سويلم على الأسواق العربية القديمة، وأدب السخرية عند العرب (وكان قد تعرض للفكاهة عند العرب في ملمح سابق) ويقول عن السخرية إنها لون من ألوان الفكاهة عرفه الإنسان منذ القدم، ينطوي على العبث والتهكم والهجاء اللاذع.
ويتوقف عند الفن والمعمار العربي ويقول: الحق إننا لا نعرف كثيرا عن الفن بمفهومه العملي قبل ظهور الإسلام، وإن كانت أخبار العرب تدل على أنهم كانوا يتمتعون بذوق وإحساس فني، جعلهم فيما بعد يتذوقون حلاوة وإعجاز القرآن الكريم.
ويرى أن الفن الإسلامي تطرق إلى مختلف المجالات من تخطيط المدن، إلى آثار معمارية شامخة ورائعة، إلى فنون تشكيلية وزخرفية وتطبيقية، مما يشهد على تفوق العرب المسلمين في هذا المجال، وتجلَّى ذلك في قصائد الشعراء وفي وثائق أخرى نثرية تصف جمال هذه العمارة.
وبعد الفن والمعمار العربي يتناول الكاتب نزعة الحزن والرثاء عند العرب، حيث يرتبط الحزن بالرثاء، وهو عند العرب أيضا امتزاج واحد. والرثاء عند العرب هو الغناء الحزين على فقد حبيب أو نسيب أو سيد كريم. وفي ذلك يقول أوس بن حجر وهو يرثي فضالة بن كلده الأسدي:
أيتها النفس أجملي جزعا ** إن الذي تحذرين .. قد وقعا
إن الذي جمع السماحة والنجدة والحزم والقوى جُمعا
الألمعي الذي يظن لك الظنَّ كأن قد رأى وقد سمعا
ويختم الشاعر أحمد سويلم كتابه القيم "الشخصية العربية في التراث الأدبي"، وينهي هذه السياحة الأدبية في تراثنا العربي، بمحور أدب البحر في الإبداع العربي، وهو محور مهم يضم الأسطورة والملحمة والشعر والحكاية الشعبية وأدب الرحلات البحرية والقصة والرواية، وهو موضوع خصب كتب فيه كثيرون في الأدب العربي والأدب العالمي، لأنه متصل بالحضارة الإنسانية بوجه عام.
يتساءل الشاعر أحمد سويلم: لماذا اتهمت الأمة العربية بالتخلف؟ ولماذا ساد تاريخ العرب الطويل نزعات غريبة مثل الشعوبية والزندقة والتعصب، فكانت ذريعة للمستشرقين يتسللون من خلالها إلى قلب الأمة العربية يلوثون دماءها، ويحاولون قتل نبضاتها بأوهام كثيرة .. يتصيدون فيها كل ما يؤكد جهالة العربي وضعفه وبعده عن صنع الحضارة الباقية؟
وللإجابة عن مثل هذه الأسئلة والوصول إلى الصورة الحقيقية عن الشخصية العربية، غاص الشاعر أحمد سويلم في تراثنا العربي وألقى الضوء على جذور عدد من الملامح، بلغ عددها ثلاثين ملمحا، تعد بمثابة المحاور الممتدة خلال جسر الأمة العربية فيها من الشمول ما يلم شتات الفكر، ومن العمق ما يؤكد تفرد الشخصية العربية، وفيها من التآلف ما يكوّن منظومة الحضارة الخالدة، وذلك عبر كتابه "الشخصية العربية في التراث الأدبي" الصادر عن دار العالم العربي بالقاهرة وجاء في 318 صفحة من القطع المتوسط.
وأول هذه الملامح في الشخصية العربية كان ملمح الفروسية العربية التي جمعها المتنبي في بيته الشهير:
الخيلُ والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
حيث لم تكن الفروسية العربية إلا مظهرا من مظاهر فتوة العربي، وملمحا من ملامح حياته التي يعيشها، واستجابة لظروفه الاجتماعية والنفسية.
وفي ملمح الشعور بالانتماء للأرض العربية نجد ابن الرومي يقول:
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعه ** وأن لا أرى غيري له الدهرَ مالكا
وقد ضامني فيه لئيم وعزَّني ** وها أنا منه معصمٌ بحبالكا
ويختم سويلم هذا الملمح بأبيات خليل مطران التي يقول فيها:
يا أمة العرب التي هي أمنا ** أي الفخار نميته ونماكِ
يمضي الزمان وتنقضي أحداثه ** وهواك منا في القلوب هواكِ
ويدلي سويلم برأيه في قضية "الصعلكة في العصر الجاهلي" باعتبارها ملمحا من ملامح التراث العربي، ويرى أن الصعاليك كانوا يكونون طبقة متميزة من طبقات المجتمع الجاهلي، وفي شعر الصعاليك صور كثيرة للغارات والمواقف التي يرفضون فيها الفقر والجوع والخلل الاجتماعي الذي كان سائدا في زمانهم. وفي هذا يقول زعيم الصعاليك عروة بن الورد:
إذا المرء لم يبعث سواما ولم يُرَح ** عليه ولم تعطف عليه أقاربه
فللموت خير للفتى من حياته ** فقيرا ومن مولًى تدب عقاربه
وهكذا يتجول بنا أحمد سويلم في بستان التراث العربي مؤكدا على الملامح الغنية للشخصية العربية متوقفا عند الحضارة العربية بين التأثر والتأثير، والمرأة في عيون الرجل العربي، والطفولة العربية ونظرية التربية، ونظرية الجمال عند العرب مؤكدا أن العلماء يجمعون على أن الشعر أجمل من النثر لأنه من عفو البديهة، وهو أصفى غرضا، ولكنه أبعد عن العقل وأقرب إلى الروح، وأدنى من الحس، أما النثر فهو أشفى غليلا ولكنه أقل اقترابا من الحس، وهو من قبيل العقل.
ومن صفحات الجمال العربية أن الشاعر يشبه المرأة بالقمر فيقول:
وبدت لميسُ كأنها ** بدر السماء إذا تبدَّى
وأحيانا يشبهها بالسيوف البيض والسمر فيقول:
خلقنا لهم في كل عين وحاجبٍ ** بسمر القنا والبيض عينا وحاجبا
كما يتعرض سويلم للفكاهة عند العرب، ويتوقف عند شخصية جحا، الذي يمثل النموذج الضاحك المبكي، ويعطينا صورة فريدة من الفكاهة بكل أبعادها وألوانها، وبطرفيها المتباعدين: الكوميدي والمأساوي.
كما يشير إلى كتاب "البخلاء" للجاحظ، وشخصية أشعب، والشاعر أبوالعيناء وغيرهم.
وعن الحب المثالي والعاطفة العربية توقف عند شخصية مجنون ليلى وكتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، والمرقّش الأكبر وأسماء، والمرقّش الأصغر وفاطمة، والمخبّل وميلاء، وديك الجن وورد، وغيرهم. يقول ديك الجن عن ورد:
وردية الوجنات يختبر اسمَها ** من ريقِها من لا يحيط بخُبرها
تسقيكَ كأس مدامةٍ من كفها ** ورديةً ومدامةً من ثغرِها
ومن العاطفة العربية إلى الغناء والإنشاد في المجتمع العربي، والرحلة والسفر من أجل المعرفة، والحروب عند العرب، والتقاليد الأدبية في الإبداع العربي، والفراسة عند العرب، وهي "الاستدلال بالأحوال الظاهرة في الأخلاق الباطنة".
كما يستعرض سويلم ملامح الصداقة في الفكر العربي، وفي ذلك يقول ابن الأعرابي:
أُغمِّضُ للصديقِ عن المساوي ** مخافة أن أعيش بلا صديق
ومن المشهور في قول النابغة:
ولست بمستبقٍ أخا لا تلُمُّه ** على شعثٍ أيُّ الرجالِ المهذبُ
ومن ملامح الصداقة إلى نزعة الزهد في المجتمع العربي وقول سابق بن عبدالله المعروف بالبربري، وهو شاعر الزهد الحقيقي في العصر الأموي:
أموالُنا لذوي الميراثِ نجمعُها ** ودورُنا لخرابِ الدهرِ نبنيها
والنفس تكلفُ بالدنيا وقد علمت ** أن السلامةَ منها تركُ ما فيها
ويستعرض سويلم الأمثال والحكم العربية، والبطولة العربية، وملامح المديح الأدبية، ويتوقف عند الحب الإلهي عند العرب وأبيات ذوالنون المصري التي يقول فيها:
حسب المحبين في الدنيا بأن لهم ** من ربهم سببًا يُدني إلى سببِ
قومٌ جسومهم في الأرض سائرةٌ ** وإن أرواحَهم تختال في الحجُبِ
يا رب يا رب أنت اللهُ معتمدي ** متى أراك جهارا غير محتجبِ
كما يستعرض ما قاله الشبلي، والجنيد، ورابعة العدوية، وابن الفارض، والحلاج، وابن عربي، والسهروردي، وفريد الدين العطار، وغيرهم.
ومن الحب الآلهي إلى الطبيعة والشخصية العربية، والمطر في الحياة العربية، والحيوان في البيئة العربية، كما يستعرض النجوم والفلك في الشعر العربي، وها هو ذو الرمة يقول:
فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلها ** يمينا ومهوى النسر عنها شمالك
ويعرج سويلم على الأسواق العربية القديمة، وأدب السخرية عند العرب (وكان قد تعرض للفكاهة عند العرب في ملمح سابق) ويقول عن السخرية إنها لون من ألوان الفكاهة عرفه الإنسان منذ القدم، ينطوي على العبث والتهكم والهجاء اللاذع.
ويتوقف عند الفن والمعمار العربي ويقول: الحق إننا لا نعرف كثيرا عن الفن بمفهومه العملي قبل ظهور الإسلام، وإن كانت أخبار العرب تدل على أنهم كانوا يتمتعون بذوق وإحساس فني، جعلهم فيما بعد يتذوقون حلاوة وإعجاز القرآن الكريم.
ويرى أن الفن الإسلامي تطرق إلى مختلف المجالات من تخطيط المدن، إلى آثار معمارية شامخة ورائعة، إلى فنون تشكيلية وزخرفية وتطبيقية، مما يشهد على تفوق العرب المسلمين في هذا المجال، وتجلَّى ذلك في قصائد الشعراء وفي وثائق أخرى نثرية تصف جمال هذه العمارة.
وبعد الفن والمعمار العربي يتناول الكاتب نزعة الحزن والرثاء عند العرب، حيث يرتبط الحزن بالرثاء، وهو عند العرب أيضا امتزاج واحد. والرثاء عند العرب هو الغناء الحزين على فقد حبيب أو نسيب أو سيد كريم. وفي ذلك يقول أوس بن حجر وهو يرثي فضالة بن كلده الأسدي:
أيتها النفس أجملي جزعا ** إن الذي تحذرين .. قد وقعا
إن الذي جمع السماحة والنجدة والحزم والقوى جُمعا
الألمعي الذي يظن لك الظنَّ كأن قد رأى وقد سمعا
ويختم الشاعر أحمد سويلم كتابه القيم "الشخصية العربية في التراث الأدبي"، وينهي هذه السياحة الأدبية في تراثنا العربي، بمحور أدب البحر في الإبداع العربي، وهو محور مهم يضم الأسطورة والملحمة والشعر والحكاية الشعبية وأدب الرحلات البحرية والقصة والرواية، وهو موضوع خصب كتب فيه كثيرون في الأدب العربي والأدب العالمي، لأنه متصل بالحضارة الإنسانية بوجه عام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.