المتحدث الرئاسي ينشر صور زيارة الرئيس السيسي لأكاديمية الشرطة    أستاذ اقتصاد: محطة الضبعة النووية خطوة حاسمة لتعزيز الطاقة النظيفة    محافظ قنا يشهد احتفالية مديرية التربية والتعليم بأعياد الطفولة| صور    خلال مؤتمر "مثل وقيم الإسلام".. وزير الأوقاف: مستعدون للتعاون مع كل المؤسسات الإسلامية والمسيحية والدول لصياغة قيم روحانية تبني الإنسان وتحفظ الأوطان    الهيئة الوطنية للانتخابات تحدد جولة الإعادة بالدائرة السادسة بولاق الدكرور    ختام البرنامج الثالث من "مبادرة الحزم التدريبية لكوادر الإدارة الحكومية"| صور    مصر وألمانيا تطلقان مرحلة جديدة من الشراكة الاقتصادية باتفاقيات بقيمة 295 مليون يورو    رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الأعلى للطاقة    "الزراعة" تنظم سلسلة مؤتمرات إرشادية للنهوض بإنتاجية القمح في النوبارية وشمال البحيرة    رئيس الوزراء يستعرض الموقف التنفيذي والمالي للمبادرة الرئاسية حياة كريمة    وزير خارجية إيطاليا: قرار الأمم المتحدة بشأن غزة خطوة في الاتجاه الصحيح    أبوالغيط يبحث مع وزير الخارجية الصيني القمة العربية الصينية الثانية المقررة مايو 2026    الكاف يعلن موعد حفل الأفضل في إفريقيا    مواعيد مباريات تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم والقنوات الناقلة    كثافات مرورية متحركة بالمحاور الرئيسية في القاهرة والجيزة    تعليم كفر الشيخ ينعى ثلاثة معلمين توفوا في حادث مأساوي أثناء التوجه للعمل    تعطل شبكة Cloudflare عالمياً يضرب "X" و"ChatGPT"| تفاصيل    إقبال غير مسبوق في اليابان على معرض رمسيس وذهب الفراعنة.. وحملة متنقلة تعزز الحضور الجماهيري| صور    الثقافة تفتح أبواب "متحف طه حسين" مجانًا للجمهور 3 أيام متتالية إحياءً لذكرى ميلاده    تفاصيل خطة تطوير المطارات ورفع كفاءة إجراءات دخول السائحين    في ذكرى ميلاد أحمد زكي.. مسيرة فنية استثنائية و60 فيلماً لا تُنسى    مركز الترميم ينظم ورشة تدريبية متخصصة بمشاركة نخبة من الخبراء| صور    افتتاح توسعة وحدة الغسيل الكلوي ووحدة العلاج بالأكسجين بالمركز الطبي التخصصي    تحرير 112 مخالفة عدم غلق المحلات في مواعيدها    وزير الكهرباء يبحث مع سفير فرنسا بالقاهرة التعاون فى مجالات الطاقات المتجددة    قافلة «زاد العزة» ال75 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    طقس الإسكندرية.. أجواء خريفية مستقرة وفرص للأمطار    العرب يتطلعون لاستعادة جائزة أفضل لاعب إفريقي عبر صلاح وحكيمي    معلومات الوزراء يستقبل وفدا رفيع المستوى من إمارة الشارقة لتعزيز التعاون    مصادرة 70 عبوة أدوية بيطرية فى الغربية    الهيئة الوطنية للانتخابات: إعادة انتخابات دائرة أبو قرقاص بين 4 مرشحين    جدول امتحانات الترم الأول 2026.. بالمواعيد والتفاصيل الكاملة    فيلم بنات الباشا يحقق إقبالا جماهيريا في عروضه الأولى بمهرجان القاهرة السينمائي    مهرجان شرم الشيخ المسرحى يحتفى بمسيرة أبرز المخرجين فى ندوة الخميس    صحح مفاهيمك.. خطيب بالأوقاف: الإساءة إلى الآخرين عبر وسائل التواصل تتنافى مع قيم الإسلام    الكرملين: كييف لم ترسل أى معلومات حول استعدادها لاستئناف المفاوضات    تموين المنيا: تحرير 208 مخالفات خلال حملات رقابية مكثفة على المخابز والأسواق    محامي الشيخ عكرمة صبري: التهم الموجهة له مفبركة وجزء من ملاحقته سياسيا    الأردن يعلق على تحريض بن غفير على اعتقال أبو مازن واغتيال مسئولين فلسطينيين    محافظ المنيا: مد وتدعيم الشبكات لحل مشكلة ضعف المياه وعدم وصولها لمنازل سمالوط    وزير التموين يشارك بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر «بيروت وان»    حزب التجمع يرحب بتدخل الرئيس السيسي لضبط مسار العملية الانتخابية    "القاهرة الإخبارية": غارات إسرائيلية على المناطق الشرقية من غزة شمالي القطاع    أمان وتسهيل.. كيف غيرت "مصر الرقمية" قواعد الاستعلام الائتماني | فيديو    البنك الأهلي و"مصر الخير" يفتتحان مدرسة أولاد مازن للتعليم الأساسي بمطروح    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: مقارنة المهور هي الوقود الذي يشعل نيران التكلفة في الزواج    الرئيس الأمريكي يتعهّد بخفض الأسعار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 18-11-2025 في محافظة قنا    كيف يحدث هبوط سكر الدم دون الإصابة بمرض السكري؟    الأهلي يكثف مفاوضاته لحسم صفقة إبراهيم دياباتي    "عبدالغفار" يشارك في الاجتماع الوزاري الإفريقي لتعزيز التمويل الصحي في القارة    دراسة جديدة: جين واحد مسؤول عن بعض الأمراض النفسية    عندما يتحدث في أمر الأمة من لم يجفّ الحليب عن شفتيه ..بقلم/ حمزة الشوابكة    رئيس منطقة بني سويف عن أزمة ناشئي بيراميدز: قيد اللاعبين مسؤولية الأندية وليس لي علاقة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : استقيموا يرحمكم الله !?    أمريكا تمنح حاملي تذاكر مونديال 2026 أولوية في مواعيد التأشيرات    نتيجة وملخص أهداف مباراة ألمانيا ضد سلوفاكيا في تصفيات كأس العالم 2026    ثنائي جديد ينضم.. تعرف على المنتخبات المتأهلة لنهائيات كأس العالم 2026.    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يمنى العيد ساردة العتبة في «أرق الروح»
نشر في صوت البلد يوم 01 - 09 - 2015

يُطُرح سؤال «السيرة الذاتية» باستمرار في الثقافة العربية، من خلال البحث في الإكراهات التي تُعيق انخراط الكاتب العربي فيها، والكتابة بجرأة عن سيرة الذات، بعيدا عن الرقيب الذاتي والاجتماعي.
ويتم إرجاع بعض أسباب تلك الإكراهات إلى وضعية الحرية والديمقراطية في المجتمعات العربية من جهة، مع حضور سلطة مفهوم الجماعة ( القبيلة، العشيرة، الطائفة…) الذي يُذيب مفهوم الفرد في منظمومة أعراف/وصايا الجماعة. ولهذا، تتحول السيرة في كثيرة من النماذج العربية – إلى خطاب تعبيري لحكي الإيجابي في مسار الشخصية، أو تصبح مرجعا لتوثيق حكمة، أو درسا في سبل الوصول والنجاح، وقلما اقتربت السيرة من الوجع والألم والمسكوت عنه، إلا قليلا، وفي نصوص معينة، مثلما حدث مع نص» الخبز الحافي» للكاتب المغربي محمد شكري ونصوصا أخرى.
أما ما تبقى من السير فقد بدأت أفقا لكتابة السيرة الذاتية من طرف مؤلفيها، لكنها انتقلت إلى الشكل الروائي، واحتمت بالتخييل الروائي مثلما نجد في نصوص كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال نص «الرجوع إلى الطفولة» للكاتبة المغربية ليلى أبوزيد، مع استحضار نماذج النصوص التي جُنَست تحت اسم «السيرة الذاتية الروائية». وإذا انطلقنا من كون شرط الكتابة يتفاعل مع شرط الوضع التاريخي- الاجتماعي، فإننا قد نعتبر إلى حد ما أن وضعية الشرط الاجتماعي الذي من شأنه أن يُؤهل الكاتب العربي لكي يتجرد من وصايا المجتمع، ويسمح له بسرد ذاته بكل جروحها وتناقضاتها وضعفها، ما تزال تُربك العلاقة بين الكاتب وسيرة ذاته. غير أننا، بتنا نلمس حضور شكل مختلف لوضعية السيرة الذاتية في السنوات الأخيرة في الكتابة العربية، يؤكد ذلك، بداية ظهور تعبير»السيرة» تعيينا لكثير من النصوص، مما يحفزنا للاهتمام بهذا التحول، ليس باعتماد ما جاء في التنظير الأدبي لمفهوم السيرة الذاتية، إنما بالرجوع إلى النصوص الواردة تحت هذا التحديد، وقراءتها في ضوء التحولات التي تعرفها الكتابة العربية، ولعله اهتمام سيجعلنا نُعيد التفكير في مفهوم «الكاتب العربي» اليوم، بعيدا- أيضا- عن التوصيفات الجاهزة.
كل شيء يبدأ من الكتابة، من أجل إنتاج دلالات جديدة بالمفاهيم المتداولة حول الكتابة والنص والكاتب والقارئ. من بين مظاهر السيرة الذاتية في الممارسة العربية اليوم، أنها تأتي في علاقة بسؤال القراءة والرغبة في المعرفة، وليس توثيقا لمعرفة قائمة وجاهزة، يسعى الكاتب إلى تدوينها.
نُمثَل لهذا النوع من الكتابة السيرذاتية نص سيرة «أرق الروح» (2013) للناقدة يمنى العيد، من أجل تأمل وضعية السيرة الذاتية في الممارسة العربية اليوم، مع الإشارة إلى كون الكتابة العربية تُؤسس لمفهوم جديد للسيرة الذاتية يتماشى ووضعية الكاتب العربي في ظل التحولات السياسية والاجتماعية. جُنَس نص «أرق الروح» بالسيرة في الغلاف، وبالسيرة الذاتية في النص الوارد في الواجهة الخلفية للغلاف. لكن، الأمر لا يتعلق بالسيرة الذاتية المتعارف عليها في التنظير الأدبي، إذ تبدأ يمنى العيد الكتابة من سؤال مختلف عن بداية سؤال «السيرة الذاتية» التي تنطلق من الرغبة في توثيق حكاية مُحددة مسبقا في المرجعية الواقعية، بدليل أن تحقق السيرة يبدأ من التطابق التام بين البطل/الشخصية المحورية والكاتب/المؤلف والسارد. في وضعية» أرق الروح» فإن الكاتبة- الناقدة يمنى العيد تنطلق من سؤال العتبة، أكثر من سلطة المعرفة. تدخل مجال السيرة رغبة في المعرفة من داخل الكتابة، وليس من خارجها.
تتحول السيرة إلى زمن تُقيم فيه الكاتبة، بحثا عن هوية الضمير الذي يُحدد معناها أو وجودها. لهذا، تبدأ الناقدة يمنى العيد الكتابة رغبة في تحديد وضعية ضميرها، والتحرر من موقع ما بين البينين، بين ضميرين، والتخلص من لُبس الضمير. هل هي «حكمت» الاسم الذي حملته غربة، لأنه يُنفي أنوثتها/ وجودها «طفلة لم آلف اسمي ولم أستسغه يافعة. كانت صورة أخي عبد الحليم تحتلني. كأن وجودي كان خللا. مات صبي وجاءت أنثى»(ص14)، أم يمنى الصوت المعرفي- النقدي؟ من هو الضمير الذي يحدد هوية الساردة أو صاحبة السيرة؟،» من أنا؟ هل أنا حكمت أم أنا يُمنى؟»(ص11). لهذا، هي غير معنية بالسيرة الذاتية، لأنها لم تحسم في الضمير الذي تود توثيقه، على أساس أنه يمثلها، ويُوثق سيرتها الذاتية، ويُحقق التطابق المطلوب في السيرة الذاتية، خاصة أنها تدخل السيرة وهي مُثقلة بالازداوجية « أنوثة/ذكورة» « أنا يمنى أقول. فهل طوى الزمن حكمت أم أن يمنى وحكمت لا تزالان تتصارعان في داخلي» (ص 12).
تكتب يمنى التي تمتلك قواعد الكتابة وسلطة المعرفة عن حكمت وتاريخ اسمها الاجتماعي، وعلاقة الاسم بفكرة محو الأنوثة، وتمد حكمت يمنى بمواد الحكاية من أحداث اجتماعية منذ الطفولة، وتاريخية تخص لبنان. وعبر الكتابة تظهر حاجة كل واحدة إلى الأخرى. لكن، تدريجيا، وعبر عملية السرد الذي يغتني بالتخييل الوظيفي، تظهر ملامح الضمير الفاعل في الساردة، والذي ينتصر لمعنى وجودها. ولعل بعض تلك المظاهر تبدأ في التجلي من الصوت/الضمير الذي يفعل في تدبير السرد. تتحكم يمنى الصوت المعرفي في عملية السرد، ليس بطريقة مُفكر فيها، أو بتوجيه مباشر، إنما تاريخ الذاكرة الثقافية – النقدية ليمنى العيد يُنظم السرد، ويفعل في مساره، خارج وصايا يمنى الباحثة عن سيرة ضميرها الوجودي. لقد تعودنا في سير ذاتية كثيرة على أن الكاتب عندما ينطلق بالحكي من الطفولة، لا نجده – في غالب الأحيان – يعتمد توثيق مرجعيات معلوماته، ومصادر أخباره، ومنابع حكاياته. ولذا، يسرد الولادة والطفولة وأحداثا كانت تكبره عندما كان طفلا من خلال صوته وضميره العليم. يمنى العيد تسرد وقائع ولادتها، ومسار طفولتها وتوثق لمرجع أخبار الطفولة، ولصوت المعلومة، تقول «أبي، كما حكت لي أختي الكبرى عائشة هو الذي سمَاني حكمت وليس أمي التي ولدتني» (ص 13)، تضع الساردة صفة/ الكبرى، مرجع أخبارها، « قبل تعيين علاقتها بالمرجع» أختها، ففي تقديم الصفة منح المصداقية للحكاية، وتوثيق نوع من الحقيقة أو ما هو واقعي، وسنجد الساردة تتخلى على الصفة/الترتيب «الكبرى» في السرد اللاحق، تقول «كانت تقول لي أختي عائشة وهي تروي لي الحكاية» (ص18). تُحرر الكتابة-السيرة الكاتبة من عتبة الوجود، وفضاء ما بين البينين، والصراع الداخلي الذي تعيشه بين حكمت التي كانت تعتقد أنها توارت إلى الخلف، غير أنها تستيقظ لتُوقظ الأسئلة حول الثنائيات والازدواجيات، ويمنى الضمير الذي حقق للكاتبة اعتبارها الوجودي من خلال سلطة النقد والمعرفة، إذ شيئا فشيئا تُصبح ل»يمنى» قوة تدبير الصراع الذاتي بتجاوزه من خلال إنتاج وعي به وبملابساته، ولعل إعطاء مساحة مهمة لوالد الكاتبة في السيرة، مع إعلان الاعتراف بدوره في إنتاج «يمنى- الكاتبة» يُعد مظهرا لبداية الحسم في التناقض والصراع، والتحرر من تاريخ الوهم بالذكورة، الذي حملته مع اسمها «حكمت».
تقول في نهاية السيرة «وداعا أبي، (….) وداعا حكمت. فأنت الذي وفَر لي فرصة أن أكون كاتبة»(ص247). لهذا، فتحرير علاقتها بأبيها من الصمت والذاكرة، وتحويل حكاية حكمت إلى سرد هو إعلان عن التخلص من حكمت، وتجاوز العتبة» (…) قبالتي باب بيتنا، بصعوبة أكثر أفتح هذا الباب، وبحذر أجتاز العتبة الرخامية العريضة» (ص 247). يتلاشى النص عند ضمير يمنى التي تنتصر على «حكمت»، باعتبارها الضمير الذي أعاد قراءة حكاية «حكمت» اجتماعيا وتاريخيا. ولولا يمنى ما كانت العودة إلى «حكمت». إن انتصار السيرة في «أرق الروح» لضمير يمنى هو انتصار لصوت المعرفة التي تُعد مكتسبا ذاتيا، وفعلا ثقافيا، كما يعتبر تحريرا من تاريخ الأوهام التي يُنتجها المجتمع.
ما تعرفه الكتابة العربية راهنا من تحولات في نظامها وخطابها، يجعلنا نُعيد التفكير فيها من داخل بنيتها، بعيدا عن التقيد بالمرجعيات النظرية التي تعودت القراءة اعتمادها، وهي تتجه نحو الكتابة العربية. الاقتراب من السيرة الذاتية العربية اليوم، هو اقتراب من تحولات مفهوم الكاتب العربي الذي يعيش زمنا ثقافيا يجعله يقرأ ذاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.