نساء سوريا ظهرن بأقنعة سوداء على وجوههن لتغطيتها ويرتدون ملابس التمويه السميكة وحمل بنادق الكلاشنكوف على أكتافهم، ولا يظهر منهن سوى العيون التي تكشف للشباب السوري أنهن من النساء المقاتلات. في جميع أنحاء سوريا يوجد الكثير من الفتيات المراهقات أو أمهات صغار الأطفال، يحاربن تحت لواء كتائب التوحيد، وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان هناك ما يقرب من خمسة آلاف امرأة سورية في حي صلاح الدين بمحافظة حلب –إحدى أكبر المحافظات السورية - تشارك في أي قتال مع الجيش السوري الحر، ورئيس هذه الوحدة امرأة تدعى أم محمد، وهي أم لأربعة أطفال وزوجة جندي يقاتل هو الآخر ضمن صفوف الجيش السوري الحر.. وقالت في لقاءات سابقة أنها قررت أن تأخذ الحماية في يديها الخاصة والتقاط بندقية الكلاشينكوف للدفاع عن أرضها ونفسها من هجمات قوات النظام المرتكبة ضد النساء مثل الاغتصاب، وأكدت أنه توضع معايير صارمة لقبول عضوات جدد في وحدتها، أهمها أن تكون المرأة المقاتلة مسلمة متدينة ومحافظة على صلواتها وجميع الواجبات الدينية الأخرى، ولها سمعة جيدة. د. أحمد عكاشة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي قال: إن هناك تفسيرات مختلفة لظهور كتائب الإناث المقاتلات في سوريا، منها أن الكتائب الأولى التي شكلت جاءت بعد مذابح القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد للمدنيين والنساء والأطفال، وحسب بعض التقارير الأجنبية كثير من المذابح حدثت في حي صلاح الدين بمحافظتى حلب وحمص حيث تشهدان معارك ضارية بين قوات النظام والمعارضة المسلحة، وفي بداية الحرب تم ذبح أكثر من مائة رجل، وثلاثين امرأة، والعشرات من الأطفال، ووقتها شكلت النساء كتائب بدافع الانتقام والدفاع عن أنفسهن من هجمات المقاتلين، موضحاً أن حالات الدفاع عن النفس تشتد الحاجة إليها لمواجهة العنف ضد المرأة ولا سيما الاغتصاب، بالإضافة إلى أن هذه الكتائب الأنثوية تعتبر من أكثر جبهات الحرب النفسية من ساحة المعركة المادية، نظراً لأن نخوة الرجل العربي المدني أو المقاتل يرفض قتل امرأة أو حتى ضربها، ولذلك فإن الجيش السوري الحر يستخدم هؤلاء المقاتلات للإيقاع بجنود النظام؛ لأنه يعرف جيداً أن النساء ليس في مقدرتها القتال أو الدفع بهن إلى ساحات المواجهة الأمامية للحرب رغم أنها تحمل سلاحاً، إلا أن دورها يقتصر في دور ثانوي مثل جهاد النكاح للجهاديين وإمداد الكتائب بالطعام والمواد اللوجيستية. في حين أوضح د. يحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، أن بعضاً من هذه الكتائب النسائية قد يكون تشكيلها رداً على النظام السوري الذي قام بتجنيد مقاتلات خاصة به في الحرب، حيث جندت قوات الأسد نحو 500 امرأة مقاتلات في الدفاع الوطني، كما أن تجنيد النساء يأتي من دافع رمزية دورها في ساحة القتال، لكنه يعكس الانقسام الطائفي المتزايد في سوريا، وينحصر دور هذه الفتيات في التمركز في نقاط التفتيش، مؤكداً أن المعارضة تجاوزت تجنيد الفتيات على ساحة المعركة ليصل أيضاً إلى شبكة الإنترنت، وهناك كتيبة تسمى بنت الخياط قامت بنشر صور لها على صفحات التواصل الاجتماعي الفيسبوك وبجوارها إنذار واضح المعاني لجميع من يساند النظام السوري أو أعداء الإسلام الكفار –حسب وصفهم- مثل اليهود والشيعة وروسيا والشيوعيين، ولكن بصرف النظر عن شعاراتها الطائفية فإن البعض يلتمس لهن العذر كونهن أمهات وأسر مكلومة على ذويهم، كما أن معظم التقارير الحقوقية لم تؤكد وجود هؤلاء المقاتلات على الخطوط الأمامية في المعركة. هناك أدلة على وجود الكثير من اللواءات النسائية المقاتلة مثل لواء عائشة أم حلب الذي يدعم المقاتلين من الجيش السوري الحر بالمال ومجاهدة النكاح، لكن جبهة النصرة إحدى فروع تنظيم القاعدة التي تعمل في سوريا ترفض من حيث المبدأ مشاركة المرأة في القتال.. ومؤخراً كتبت زوجة أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة، رسالة للمقاتلات مفادها: الجهاد المسلح صعب بالنسبة للنساء.. والمرأة يجب أن يكون معها ذي محرم (ولي) عندما تتحرك.. وحتى مع ذلك فإن معظم المقاتلين الإسلاميين لايجوز أن تشاركهم المرأة بملابسها العسكرية أو المدنية الضيقة في التحركات.. حتى لا تثير غريزتهم أو يتشتت ذهن المقاتلين في الحرب. ومن جانبه أشار اللواء حمدي بخيت الخبير العسكري، إلى أن جنود الجيش السوري الحر يقاتلون جنباً إلى جنب مع النساء المقاتلات في حلب، حيث يتم تدريب هؤلاء النساء على كيفية إطلاق أسلحة لا تعد ولا تحصى من قذائف "الآر بي جي"، حتى يتفرغ الرجال للمواجهات المباشرة مع قوات الجيش النظامي، وهناك أيضاً مقاتلات سوريات أكراد يقاتلون بجوار الجماعات الجهادية للتمرد العراقي وحليفتها الرئيسية جبهة النصرة التي ترفض على مضض مشاركة النساء في الحرب، لكنها قد توافق على استحياء وعند الضرورة بدافع أن المرأة تمتلك عناصر خداع كثيرة بأجسداهن للإيقاع بمقاتلي قوات الأسد ونفس الأمر ينطبق على مقاتلات قوات الأسد، مضيفاً أن هناك لواءاً آخر يسمى الولاء، وهو جزء من لواء الشام وشارك أيضاً في العمليات القتالية، وإطلاق صواريخ محلية الصنع ضد القوات الموالية للأسد، بالإضافة إلى أن معظم هذه اللواءات أو الكتائب النسائية لديها مظهر إسلامي وترفع علم التوحيد أو لافتات سوداء مكتوب عليها الشهادة، والمرأة في هذه الفصائل المتعددة يمكنها أن تفعل الكثير من العمليات المدنية أو العسكرية بجسدها الأنثوي، وأيضاً ينحصر دورها في العمل بنقاط التفتيش في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. أما اللواء محمد قدري سعيد رئيس وحدة الدراسات العسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية فأوضح، أن المخاوف من وجود أجندة إسلامية للمقاتلات السوريات تختبئ وراءها قد يكون أمراً مبالغاً فيه، بالإضافة إلى أن ارتداء هؤلاء المقاتلات نفس علم التوحيد الخاص بجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى فإنه اتهام غير مؤكد حتى الآن، كما أن علاقاتها مع الجهاديين هي أيضاً مسألة غير حاسمة، ولا يوجد حتى الآن تقارير تؤكد أنه ليس في الانتماء ولا من حيث التدريب أي ارتباط بين كتائب النساء السوريات والجماعات الإسلامية، والأمر بأكمله مجرد إخفاء لمعالمهن وإظهار راية الشهادة المعروفة في العالم العربي، بجانب أن ارتداء شارة الشهادة تعبير عن الحجاب وتأكيد رمزياً لالتزام النساء المسلمات المقاتلات للإطاحة بالأسد، مؤكداً أن توزيع اتهامات حول علاقة هؤلاء المقاتلات بالتنظيمات الإرهابية له علاقة بالدور الذي تلعبه المرأة من وراء الكواليس، مثل توزيع حصص غذائية وبدلات النقدية والمشاركة في المستشفيات الميدانية للمعارضة، وهناك قاعدة تقول "المرأة التي تستطيع إطعام الناس يمكن أن تحكم شعباً"، ومعظم المقاتلات وغيرهن من النساء يتم استخدامهن من قبل الإسلاميين لإطعام مقاتليهم في معركتهم مع قوات الأسد ليس أكثر، كما أن المرأة هي أكثر خطورة من الأسلحة، وإذا كنت ترغب في نشر فكر خاص بك فإن أفضل طريقة للقيام بذلك من خلال المرأة، وهو المبدأ الذي يسير عليه طرفي النزاع في سوريا حالياً النظام والمعارضة فكلاهما جنّدا النساء من أجل إقناع الشعب وكلٌ بحجته بأنهم على صواب ويحاربون الإرهاب والعصابات والقوى المعادية. وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان يوجد امرأة واحدة من كل خمسة مقاتلين من الرجال في وحدات حماية الشعب السوري، يطلق عليهم مقاتلات ويسعين إلى تشكيل كتائب الإناث في جميع أنحاء البلاد أسوة بالمقاتلين المجاهدين الذكور، وعلى الرغم من أنها تحمل أسلحة مليئة بالذخيرة لا يمكن العثور عليها جنباً إلى جنب مع المقاتلين الذكور على الخطوط الأمامية في المواجهه، لكنها في كثير من الأحيان تقف في دور ثانوي لإمداد المقاتلين بالسلاح والذخيرة والمواد اللوجيستية المطلوبة. وفي السياق ذاتة يرى د.جمال سلامة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن كتائب المقاتلات التي تحتوي على 150 إمرأة في الكتيبة الواحده في معظمها من النساء الكرديات تقاتل بجانب الجيش السوري الحر ضد قوات الحكومة في شوارع ثاني أكبر المدن السورية (حلب)، بجانب أن هذه الكتائب يقاتلون إلى جانب المتمردين والقوات الموالية للنظام والميليشيات الكردية، حيث باتت النساء يلعبون الآن دوراً رئيسيا في القتال الدائر بسوريا، تحوي على عضوات كلها من الإناث، لافتاً إلى أنه تم الإعلان عن تشكيل كتيبة نسائية أواخر عام 2012 بعد وقوع أعمال عنف ومجازر من قبل قوات الرئيس بشار الأسد ضد المقاتلين الأكراد، ووقتها رغبت الفتيات والأمهات في تجنيد أنفسهن تحت طلب الجيش السوري الحر بدافع الانتقام من جنود الأسد على مقتل أطفالهم وذويهم، وتم الإعلان عن كتيبة المرأة الكردية وطلبت نساء من جميع الأعمار للتطوع، وهو الأمر الذي يؤكد أن سوريا ماضية على طريق الإنقسام وتفتيت الدولة، لأنه من الصعب أن يعيش الشخص بجوار جاره وهو يعرف أنه كان موالي ويدعم النظام أو للمعارضة أو قد يكون وراء مقتل أبنائه في الحرب.