رغم ما تشهده البرامج الإذاعية والتليفزيونية من مقارنات متكررة بين الغناء العربي الكلاسيكي، والأغنية العربية الحديثة «أو ما يسمونها عادة الأغنية الشبابية»، فإن هذه المناقشات تنسى - أو تتناسى - دائمًا أن تذوق السماع لا ينحصر فقط في هذين اللونين، وأن هناك لونين آخرين يحتلان مساحات كبيرة، مما تسمعه هذه الأذن، هما: الإنشاد الديني، والغناء الشعبي. ويجد الإنشاد الديني في الآونة الأخيرة مساحات واسعة جديدة من اهتمام المصريين، بالإضافة إلى وجوده التقليدي المستمر في الموالد وحلقات الذكر، بدأ ينتشر في بعض الأماكن الثقافية كدار الأوبرا المصرية، وقبة الغورى، وغيرهما حيث تلاقي حفلاته ذات الأجواء الصوفية الروحانية إقبالاً جماهيريًا كبيرًا، كما وجد الإنشاد الديني اعترافًا أكبر بمكانته من خلال مهرجان «سماع» للإنشاد الذي اختتم فعالياته منذ أيام، إلا أنه لوحظ مؤخرًا أن فن الإنشاد بدأ العديد من منشديه منحى جديدا، هو مزج هذا الفن التراثي الأصيل بألحان ذات طابع شعبي صاخب، مما أثار بعض الانتقادات من جانب محبي وممارسي هذا الفن. من جانبه قال الشيخ "أحمد حسن " منشد ديني: إنه بدأ المديح منذ 15 عامًا، أيام كان عمره 13 عامًا، لذا فقد أطلق عليه في الوسط الفني «آخر عنقود المداحين»، موضحًا أن أهم ما يميز الإنشاد الصوفي هو احتفاظه بأصالته في الكلمات، وهي سمة لابد من المحافظة عليها، فقد عرف الإنشاد منذ أن خرج الناس بالمدينة في استقبال الرسول "صلى الله عليه وسلم"، بأغنية طلع البدر علينا، وهي تعد مديحًا في الرسول، وعلى مر كل هذا الزمن بقي المضمون والكلمة والأداء محافظين على شكلهم الأصيل. وأوضح حسن أنه على الرغم من عدم وجود آلات موسيقية مصاحبة للمنشد في بدايات ظهور الإنشاد الصوفي، فإنه توجد أدلة على أن الناس كانوا يتمايلون على غناء المنشد، موضحًا أن البعض يختلفون في فكرة التمايل على الذكر، إلا أنه ورد في الأثر «اذكروا الله حتى يقولوا مجنون» أي أنه من كثرة الذكر ينتقل الناس إلى حالة من الروحانية تجعلهم يتمايلون كالمجنون. وأوضح الشيخ حسن أنه يلتقى بأنواع مختلفة من الجمهور في الموالد وحلقات الذكر، فهناك من يعي الكلمة ولا يشعر بالموسيقى، وآخر يشعر بالموسيقى ولا يعي الكلمة، وهناك من يعي ويشعر بالاثنين جيدًا، لكن أن يعيش الشخص حالة الروحانية ويندمج بها لا يتطلب الجانبين فمعظم الناس تشعر بالإنشاد رغم أنهم قد لا يفهمون معانيه حقًا. وعن بعض المحاولات الحديثة التي تهدف لمزج فن الغناء الشعبي بالإنشاد الديني الصوفي يرى حسن أنه قد يفيد الإنشاد عن طريق توصيل هذا الفن إلى أنواع مختلفة من الجمهور، وأن هذا المزج قد يرضي تلك الشريحة من الناس، خاصة أن الأذواق قد اختلفت كثيرًا في وقتنا الحالي. أما الشيخ "محمد عبدالهادي"، المنشد الديني الذي بدأ مسيرة الإنشاد الصوفي منذ 15 عامًا وارثًا إياها عن والده ذي التاريخ الذي يرجع إلى 40 عامًا في هذا المجال، فأكد: أن مزج اللونين الشعبي والصوفي هو سلاح ذو حدين، فمن الممكن أن يفيد في توصيل الحكم وقصائد الذكر والمديح إلى الجمهور المنتمي للطبقة الشعبية، لكنه أبدى بعض التحفظات، حيث يرى أنه لا يجوز تناول قالب محترم بابتذال، فنجد أن الشباب تقبل عليه بالرقص بشكل مبتذل فيخرج في النهاية بصورة فجة. وقال الشيخ عبد الهادي: إن الغناء الصوفي معروف منذ أن بدأ بقصائد المدح والذكر المتناولة باللغة الفصحى إلى يومنا هذا، لكن هناك اتجاهًا ظهر منذ فترة ليست بعيدة بالخروج على هذا الإطار والإنشاد بالعامية، ولاقى إقبالاً في منطقة وجه بحري، خاصة لكنه لم يلاقِ النجاح نفسه في وجه قبلي، الذي استمر محافظاً على الشكل القديم لقصائد الإنشاد الصوفي، مضيفًا أنه يستمتع بتقديم كلا اللونين. وعن الإنشاد الصوفي يقول محمد عبد الدايم مدير فرقة وكالة الغوري: إن هذا النوع من الإنشاد قد يصحبه رقص تنورة صوفي، وهذا النوع من الفن يلاقي رواجًا بين الناس، موضحًا أن هناك فرقًا بين التنورة الاستعراضية والتنورة الصوفية، والتي يدخل فيها الراقص حالة من الروحانية مع إنشاد الشيخ تنتقل بدورها إلى المتلقي، وهذا لا يندرج في إطار الغناء الشعبي بل ينتمي إلى مجال الغناء الصوفي.