تتعامل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما منذ تعميق أزمة الصراع في سوريا وفق نهج رسائل التهديد لنظام الرئيس بشار الأسد بعد أن لوّح الأخير باستخدام السلاح الكيميائي في الصراع، لكن أوباما قال أنه لن يجرؤ على استخدامها ضد المدنيين وهناك خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وبعد كل رسائل التهديد زعم البعض أن الأسد استخدم الكيماوي ضد أحد معاقل المعارضة المسلحة, ولسبب ما تعتقد أمريكا أن الأسد لم يفهم هذه الرسائل، حتى تم التلويح بتوجيه ضربة عسكرية على سوريا لمعاقبته على استخدام السلاح المحظور دولياً ضد المدنيين. في نهاية عام 2010، استغل أوباما عطلة مجلس الشيوخ وقام بتعيين سفير لبلاده في سوريا "روبرت فورد"، واضطر أوباما لتوظيف هذا الأسلوب؛ لأن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ أبلغوا وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وقتها أنهم يعارضون مثل هذا التعيين، لكن أوباما لم يكن مقتنعاً، وسار على نهج إعادة توجيه رسائل إلى أعلى المستويات السورية مع "فورد" المعروف بتاريخه في دعم الحركات الإسلامية ضد الأنظمة القائمة مع قدر أكبر من الفعالية حول المساندة بالمال والسلاح. لا يوجد قانون يلزم الولاياتالمتحدة أن تتدخل في كل أزمة في العالم، وليس واجبها لتفادي المذابح في القارات البعيدة أن تلجأ إلى هذا الحل العسكري لإنقاذ الشعوب –حسب رؤيتها- وإذا كانت الولاياتالمتحدة أعلنت أنها لن تسمح باستخدام الأسلحة الكيميائية وسيكون هناك عوامل ردع كثيرة، كما أعلنت أنها سوف تساعد المعارضة المسلحة وأدانت تورط إيران في المعارك إلا أنها لم تفعل شيئاً حيال ذلك واكتفت بالتهديد، كما أن جميع الرسائل التي تم إرسالها إلى الأسد تؤكد أن واشنطن تتحدث كثيراً وتفعل قليلاً وكل ما يشغلها هو كيفية جمع الكثير من الإدانات الدولية، فالإدارة الأمريكية تحدد الخطوط الحمراء، ولكن يمكن محو هذا الخط عندما يتم تجاوزه، وأيضاً لديها الحق في توصيف فعل محدد بأنه لايغتفر، ولكن لها الحق أيضاً في العفو عن هذا الفعل، وببساطة أوباما يريد مواصلة قيادة العالم من خلال عدم دفع الثمن الذي يجب أن يدفعه رئيس أقوى دولة في العالم. صناع القرار السياسي في اسرائيل يأملون في خروج قرارات أمريكية مستقبلية تتعلق بمدى إمكانية توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا ومن قبلها إيران، من أجل استهداف البرنامج النووي الإيراني وتداعياته على خارطة منطقة الشرق الأوسط وتعديل موازين قوى دول المنطقة، كما تعد مسألة ما إذا كانت إسرائيل ستتخذ إجراءات ضد إيران بموافقة أمريكا من أجل تجنب تسلحها النووي يعتمد أولا و قبل كل شيء على الحسابات الدولية لتحديد ما إذا كانت مثل هذه العملية العسكرية أمراً ضرورياً أم ستجلب على تل أبيب والمنطقة ويلات من التخريب والدمار والفوضى العارمة، حيث من المتوقع أن ترفع سوريا وإيران شعار أن من بدأ الحرب لا يستطيع إنهاءها. د.طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة قال: إنه حتى الآن يبدو أن أمريكا تراجعت تكتيكياً عن توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا؛ لأنها تدرك جيداً خطورة الإقدام على هذه الخطوة المتهورة غير المحسوبة، لكن يبدو أن إسرائيل هي من تحاول الضغط على واشنطن للسير في طريق الضربة العسكرية، نظراً لأنها تريد تفكيك وإضعاف الجيوش العربية بأكملها، وبانهايار الجيش السوري لن يكون هناك سوى الجيش المصري والإيراني، لافتاً إلى أن تل أبيب تحاول جلب طهران إلى مسرح الحرب المتوقعة، خاصةً بعد أن زعم نتينياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أن إيران متورطة في هجوم كيماوي على معاقل المعارضة السورية، لكن الوضع الحالي يؤكد أن أمريكا خلال الفترة الماضية كانت تسعى إلى جلب إدانة عالمية على نظام الأسد، مع إمكانية حشد بعض الطائرات المقاتلة على قاعدة قبرص العسكرية بجانب استعداد البوارج الحربية التابعة للأسطول الأمريكي في البحر المتوسط لإظهار التهديد العسكري فقط دون اتخاذ إجراءات ملموسة على أرض الواقع، نظراً لأن واشنطن تدرك جيداً أنه فور نزول الجنود الأمريكيين إلى أرض الشام فإنهم سيعودون سريعاً في توابيت إلى ذويهم، لأن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله بجانب قوات الجيش السوري النظامي يمتلكون مهارة عالية في حرب العصابات ولديهم مخزون كبير من الأسلحة المتطورة الروسية يستطيعون الفتك بأي اعتداء خارجي، بالإضافة إلى أن إسرائيل هي من ستتحمل عقاب تدخل أمريكا عسكرياً في سوريا، وهو ما يجعل واشنطن تفكر أكثر من مرة قبل دخول هذه المواجهه الخاسرة. أوباما لم يكن يمزح حين هدد بالهجوم العسكري على سوريا في حال استخدام السلاح الكيماوي، ولكن في الأيام الأخيرة تبدو الإدارة الأمريكية متأرجحة بشكل متزايد، حيث فقد الرئيس الأمريكي قدرته على تنفيذ التهديد العسكري ضد الأسد وبات يدرس خيارات أخرى –كما صرّح مؤخراً- خوفاً من التصعيد مع روسيا والعودة من جديد إلى الحرب الباردة بين البلدين، لكن الإدارة الأمريكية تريد فقط توجيه ضربة محدودة المقصد, منها أن استخدام غاز "السارين" هو فعل يعاقب عليه القانون والدولة العظمى في العالم، بعد أن تجاوز الأسد الخط الأحمر جرّاء استخدام الأسلحة الكيميائية. ومن جانبه أوضح د. حامد قويسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة لندن، أن ما يحدث مع سوريا مجرد صيحات ونبرات تهديدية فقط من أمريكا وإنجلترا، ومؤخراً خرج الشعب البريطاني في تظاهرات مناهضة لحكومته الموالية للإدارة الأمريكية دائماً في جميع تحركاتها العسكرية حول العالم لرفض تدخل البلاد في الحرب مجدداً، حيث يتخوف البريطانيون من تكرار سيناريو عودة الجنود في توابيت أثناء حرب العراق 2003 لإسقاط صدام حسين .. موضحاً أن الإعلام البريطاني يحاول إقناع الشعب بأن سوريا قد استخدمت السلاح الكيماوي ضد المدنيين لأنها هي واحدة من ضمن سبع دول لم توقع على معاهدة حظر انتشار السلاح، وبالتالي على بريطانيا تحمّل واجبها الدولي في حماية الشعوب الضعيفة، لكن الشعب البريطاني يدرك أن حكومته تخدعه, وهناك ازدواجية في التعامل مع الدول الضعيفة، فمثلاً الولاياتالمتحدة وبريطانيا ضمن الدول الموقعة على حظر انتشار السلاح النووي، ولكنهما خالفا الاتفاقية ولم يتخلصا من الرؤوس النووية التي تمتلكها بلادهم، كما أن إسرائيل لم تفتح منشآتها الخاصة بالأسلحة الكيميائية للتفتيش الدولي حتى الآن، لافتاً إلى أن ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني أحد الذين صوتوا بقوة للحرب على العراق أثناء وجوده كسيناتور في مجلس العموم البريطاني، والآن يفعل نفس الشيء مع سوريا عندما أصبح في السلطة، من هنا فإن احتمالا كبيرا لحدوث المزيد من إراقة الدماء الضخمة حول العالم, لذلك خرجت بريطانيا في تظاهرات لرفض مشاركة بلادها في الحرب على سوريا. وفي نفس السياق أكد د.أحمد عبد ربه أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن إدارة أوباما تحمّل الحكومة السورية مسؤولية الفحش الأخلاقي –حسب توصيف الخارجية الأمريكية- الذي صدم ضمير العالم جرّاء استخدام السلاح الكيماوي بريف دمشق في النزاع المسلح مع المعارضة، رغم أن واشنطنوموسكو يديران الصراع السوري لمصالح خفية بين الطرفين، كما أعلنوا كثيراً عن جهود ساخرة للتغطية على مسؤوليتهم الدولية فيما يحدث ضد الشعب السوري من انتهاكات ومجازر، موضحاً أن البيت الأبيض لن يستطيع اتخاذ قرار نهائي بشأن العمل العسكري ضد سوريا، وكل ما بوسعه حالياً أو مستقبلاً إرسال رسائل تخويف وتهديد للنظام السوري، نظراً لأن واشنطن لا يمكنها التدخل العسكري في سوريا طالما ظلت موسكو رابطة على تحالفها الاستراتيجي مع الأسد، ومن المستهدف إمكانية إطلاق صواريخ كروز بعيدة المدى من المدمرات الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط على أهداف عسكرية في سوريا، وليس القيام بحملة جوية بسبب التخوّف من إسقاط المقاتلات الأمريكية لفاعلية وقوة نظام الدفاع الجوي السوري، لافتاً إلى أن الحل يمكن أن يكون عن طريق وقوع انقلاب عسكري من القوات النظامية على الأسد وحكومته، أو أن تتخلى الحكومة الروسية عن دعم سوريا، لكن من المستبعد أن يحدث ذلك في المستقبل القريب. وفي رأي د. إبراهيم كراوان أستاذ العلوم السياسية بجامعة يوتا بالولاياتالمتحدة، أنه لا يوجد مبرر لعمل عسكري أمريكي ضد سوريا قبل صدور تقرير مفتشي الأممالمتحدة، وهذا ما جعل مجلس العموم البريطاني يرفض قيام بلاده بالمشاركة في الضربة المحتملة قبل صدور تقرير المفتشين وإدانة نظام الأسد، موضحاً أن أمريكا تقوم بلعبة طائفية لاندلاع القتال بين الأكراد وإسلاميين متشددين في سوريا وتعتبرها واشنطن قضية رئيسية في الصراع، من خلال إعادة تشكيل قوة كردية تؤثر على تطور الحرب السورية، والأهم من ذلك تعرقل مستقبل وحدة الدولة السورية وتضمن تقسيمها مستقبلاً، ولذلك لايوجد داع للقيام بعملية عسكرية محدودة أو واسعة النطاق ضد الأسد؛ لأنها ستأتي بأيام سوداء وعصيبة على المنطقة بأسرها ولن تهدأ هذه الحرب سريعاً كما تتوقع واشنطن.