سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 22 يوليو 2025    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبرى في الأسواق اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025    «أزمات في أوضة اللبس؟».. رد صريح من نجم الأهلي    موقع وزارة التربية والتعليم ل نتيجة الثانوية العامة 2025 برقم الجلوس فور اعتمادها    صبرها بدأ ينفد، واشنطن تطالب حماس برد على المقترح المحدث وتهدد بهذا الإجراء    العاهل الأردني يؤكد دعم المملكة لأمن سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها    أجنة على حافة الموت.. تقرير أممي يكشف مأساة الحوامل في غزة    البيت الأبيض: ترامب يسعى إلى حل دبلوماسي لصراعات الشرق الأوسط    «الوزير» ورئيس وزراء الكويت يبحثان تحويل الوديعة الكويتية لاستثمارات في مصر    النصر يقترب من حسم صفقة مدوية، وإعلامي سعودي: أقسم بالله سيكون حديث الشارع الرياضي    «هل انتهت القصة؟».. جون إدوارد يرفض كل سُبل الاتصال مع نجم الزمالك (تفاصيل)    وسيط كولومبوس ل في الجول: النادي أتم اتفاقه مع الأهلي لشراء وسام أبو علي    ترامب: مستعدون لشن ضربات متكررة على المنشآت النووية الإيرانية إذا لزم الأمر    دموع الفراق وفرحة العودة، شاهد ماذا فعل السودانيون بعد وصولهم أسوان قبل العودة لبلادهم (فيديو وصور)    7 أيام عِجاف.. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: درجة الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية    رانيا محمود ياسين غاضبة: «منفعلتش على أمي.. كنت بدور عليها ومش لاقياها»    9 اختبارات تؤهلك للالتحاق بكلية الشرطة    10 تيسيرات من «الداخلية» للمُتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة 2025    هي دي مصر، رجال الشرطة بأسوان يساعدون النساء وكبار السن السودانيين لتسهيل عودتهم إلى بلادهم (فيديو)    أهلي جدة يحسم موقفه من المشاركة في السوبر السعودي بعد انسحاب الهلال    ثلاث صفقات من العيار الثقيل في الزمالك خلال ساعات (تفاصيل)    مفاجأة مدوية، محمد صلاح يتدخل لانتقال كوكا إلى الأهلي    وزير العمل: أي عامل بلا عقد سيُعتبر دائما.. والأجنبي لن يعمل إلا بتصريح    زيلينسكي: الجولة الجديدة من المحادثات مع روسيا تنعقد في إسطنبول الأربعاء    لندن: فرض عقوبات على من يسهلون رحلات المهاجرين عبر القنال الإنجليزي    يوسف معاطي يكشف سر رفض فيلم "حسن ومرقص" وهذا طلب البابا شنودة للموافقة (فيديو)    «انهيار لغوي».. محمد سعيد محفوظ يرصد أخطاء بالجملة في بيان نقابة الموسيقيين ضد راغب علامة    إيمان العاصي تشارك في «قسمة العدل» والعرض خارج رمضان (تفاصيل)    تامر أمين ل «فشخرنجية الساحل»: التباهي بالثراء حرام شرعا ويزيد الاحتقان المجتمعي    طريقة عمل الأرز البسمتي، في خطوات بسيطة وأحلى من الجاهز    دراسة "تبرئ" البيض من تهمة إيذاء القلب، ماذا قالت عن الكوليسترول الضار    إسرائيل تقتحم منشآت تابعة لمنظمة الصحة العالمية في غزة وتحتجز موظفين    جثة و3 مصابين في حادث تصادم ميكروباص وسيارة نصف نقل بالمنيا- صور    موعد مباراة ألمانيا وإسبانيا في نصف نهائي أمم أوروبا للسيدات والقناة الناقلة    سيمون توجّه رسالة حاسمة لجمهورها: لن أعلّق على ما لا يستحق    معتصم ينتقم من مسعد بعد خطف ريم..حلقة 29 من فات الميعاد    فوز فريق كلية الذكاء الاصطناعي بالمركز الأول في الأولمبياد السابع للجامعات المصرية    التصريح بدفن جثة ربة منزل لقيت مصرعها خنقًا علي يد زوجها بالقليوبية    محافظ شمال سيناء يستقبل وفد من دار الإفتاء المصرية    «خاتم فرعوني» عمره 3500 سنة يُعرض للبيع في مزاد بلندن بسعر بخس    مصرع شاب في مشاجرة بين تجار خُردة بالإسماعيلية.. والأمن يُلقي القبض على المتهم    تفسير آية| «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا» الشعراوي يوضح سر وجود الإنسان وغاية خلقه    لا علاقة له ب العنف الجسدي.. أمين الفتوى يوضح معنى «واضربوهن»    وصول قطار العائدين السودانيين إلى محطة السد العالي في أسوان    الداخلية تعلن بدء التقديم لكلية الشرطة 2025-2026 إلكترونيًا    السفيرالمصري ببرلين يدعوا إلي زيارة مصرومشاهدة معالمها الأثرية والتاريخية والسياحية    عراقجى: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة لكننا لن نتخلى عن التخصيب    الداخلية تكشف ملابسات فيديو يظهر شخصًا يمارس البلطجة باستخدام سلاح أبيض في المنوفية    "مستقبل وطن" ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بالشرقية لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ    تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي علوم.. مؤشرات كليات طب بيطري 2024 بالدرجات    أول بيان من «الداخلية» بشأن فيديو مواطن تعدى بالضرب على زوجة شقيقه المتوفى للاستيلاء على أرض زراعية في البحيرة    برلمانيون: نائب رئيس "مستقبل وطن" يحظى بشعبية كبيرة في الشرقية (صور)    التحقيق في وفاة سيدة مسنة إثر سقوطها من الطابق السادس بمستشفى طيبة بإسنا    ماذا قال عن بيان الاتحاد الفلسطيني؟.. وسام أبو علي يعتذر لجماهير الأهلي    سقوط سيارة نقل من معدية شرق التفريعة ببورسعيد وجهود لإنقاذ مستقليها    رسميا.. افتتاح وحدة مناظير أورام النساء بمستشفى 15 مايو التخصصي    ملتقى أزهري يكشف عن مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن الليل والنهار    هل النية شرط لصحة الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود درويش .. متنبي العصر الحديث
نشر في صوت البلد يوم 11 - 08 - 2013

من جبال الجليل وساحل عكا الموغل في التاريخ والأبدية بدأت رحلة الشاعر محمود درويش نحو أرض المخيلة المنطلقة في فضاء وطن كان بوابة الأرض المفتوحة على السماء، حاملا أوراق زيتونه وعبء عشق وطن مسروق في رحلة ستستمر أربعين عاما من الشعر قضاها متنقلا بين فلسطين والقاهرة وبيروت وتونس وباريس ورام الله، وانتهت في مشفى لأمراض القلب في ولاية تكساس- هيوستن الأميركية.
شهدت تجربة الشاعر محمود درويش تحولات عديدة عكست في إطارها العام تحولات الوعي الجمالي وارتباطها بالذات والحياة والتجربة الفلسطينية التي عاشها، ولذلك كانت مواقفه وتحولات تجربته مثار مواقف متنافضة منذ خروجه من الأرض المحتلة نحو القاهرة في بداية سبعينيات القرن الماضي، الأمر الذي دفعه أكثر من مرة إلى مخاطبة منتقديه ومحبيه بأن "حررونا من هذا الحب القاسي" وتاليا رافضا أحادية الدلالة التي يمثلها كشاعر للمقاومة، فقد كان يريد لتجربته أن تكون متحررة من تقييدها داخل إطار، كان يضيق به، ويحاول بخروجه من الأرض المحتلة أن يوسع في آفاق حياته وتجربته كشاعر وإنسان، دون أن تغيب فلسطين كوطن وقضية عن مرمى قلبه وروحه.
من هنا كان تطور وعيه الجمالي منفتحا على روافد عدة ظلت تتغذى منها تجربته، وتغذيها، ظهر أثرها الواضح في تطور خطابه الشعري الذي قدمه في أعماله التالية، بدءا من ديوان "محاولة رقم 7" الذي شكل نقطة التحول الأولى في مسيرة تجربته الثرية، التي ظل الذاتي فيها مندغما بالعام، والوطني باالكوني، والتاريخ بالجغرافيا، والماضي بالحاضر والمستقبل، والحلم بالموت، والمنفى بالوطن، والهنا بالهناك، والغنائية المتدفقة بالنص المركب، والأنا بالآخر للانتصار بالحب على لغة القتل والكراهية، فكان صوت الضحية التي تنهض فوق جراحها وآلامها الثقيلة، لكي تعلم قاتلها لغة الحب والتسامح والانفتاح والتحرر من سادية القاتل وأوهام الماضي المزعوم، وأيديولوجيا الخرافة التي تجعله بلا وطن، وتجعل من شعبه مجموعة من اللاجئين في مهب رياح المنافي والتشرد والبؤس.
• سيرة حياة
ولد الشاعر عام 1941 في قرية البروة الواقعة في منطقة الجليل قرب عكا، وعند احتلال إسرائيل لفلسطين خرج مع من خرج إلى لبنان لكنه عاد مع عائلته إلى قريته متسللا عام 1949 ليجدها أنقاضا وقد بنى المستوطنون فوقها مستوطنة جديدة تدعى موشات احيهود، فاضطروا إلى العيش في قرية الجديدة، التي تلقى فيها تعليمه، ثم انتقل في عام 1961 إلى موسكو للدراسة في جامعة موسكو الوطنية.
انتسب إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي في مرحلة مبكرة من شبابه، وقد عرف بمواقفه المناهضة للاحتلال ما عرضه للسجن. في عام 1970 قرر مغادرة وطنه إلى مصر للإقامة هناك، لكن تلك الإقامة لم تطل، فانتقل منها إلى بيروت عام 1973.
تعد مرحلة بيروت من أغنى مراحل تجربة الشاعر نظرا إلى الموقع الثقافي والإعلامي الذي كانت تحتله بيروت في تلك المرحلة، إضافة إلى انخراطه المباشر في صفوف العمل الثقافي والسياسي الفلسطيني، وهو ما انعكس على بنية قصيدته وأدواته التعبيرية والبلاغية وبنية لغته، لاسيما في نصوصه الطويلة التي احتلت في بعض الأحيان ديوانا بكامله. عمل في البداية رئيسا لمجلة شؤون فلسطينية، ثم مديرا لمركز أبحاث منظمة التحرير.
في عام 1981 أسس ورأس تحرير مجلة "الكرمل"، وفي العام 1988 انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واستقال منها بعد اتفاقية أوسلو، بعد أن عمل مستشارا للرئيس ياسر عرفات. ساهم هذا الانخراط اليومي في العمل الفلسطيني في جعل النبرة السياسية واضحة في شعره، لكنه رغم ذلك استطاع أن يرتقي بتجربته بما يملكه من موهبة وقدرة على تمثل مخزونه المعرفي جماليا من مستواها الغنائي البسيط والمشبع بروح رومانسية، إلى مرحلة الغنائية المركبة والنص الطويل، ما جعل منه واحدا من أهم الشعراء العرب في العصر الراهن، إذ استطاع أن يزاوج بين الغنائية والفكر، وبين لغة الرمز والإيحاء ولغة التحريض السياسي، وأن يستعير من الفنون الأخرى تقنياتها كالقطع السينمائي والسرد والصورة، بحيث جعل نصه الشعري أكثر قدرة على الإضافة والاغتناء، لاسيما بعد أن انفتحت أمامه فرصة التفاعل مع تجارب الشعر العربي الحديثة، وتجارب الشعر الغربي أيضا، وفي مقدمتها تجربة الشاعر الأسباني لوركا من حيث الاشتغال على رمزية اللون وتوظيفها في سياق جماليات نصه الجديد، للتعبير عن رؤيته وموضوعات قصيدته.
• عاشق فلسطين
قدم محمود درويش صاحب "أوراق الزيتون" نفسه منذ أعماله الأولى بوصفه عاشقا من فلسطين، لذلك كان من الطبيعي أن تحتل فلسطين إلى جانب هويته العربية "سجل أنا عربي" وتأكيده على روح المقاومة "من آخر السجن طارت كف أشعاري.." محور قصائده في تلك المرحلة، تأكيدا على عمق ارتباطه بوطنه وهويته، التي كان المحتل يسعى لطمسها ومحو آثارها، في محاولة لتبرير اغتصابه لفلسطين ومنح نفسه شرعية مزعومة.
تميزت أعماله الأولى منذ صدور ديوانه الأول "أوراق الزيتون" في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي بتلك الغنائية البسيطة المتدفقة الممزوجة بحس رومانسي واضح، تكشف عنه عناوين دوواينه التي صدرت في تلك المرحلة: "عاشق من فلسطين" و"عصافير بلا أجنحة" و"العصافير تموت في الجليل" و"جندي يحلم بالزنابق البيضاء".
أما المرحلة الثانية فتبدأ مع صدور ديوانيه "محاولة رقم 7" و"تلك صورتها وهذا انتحار العاشق" في النصف الأول من السبعينيات الماضية، وهي المرحلة التي تمثلت في ظهور قصائده المطولة، كما في الديوان الثاني الذي استغرقت القصيدة فيه مساحة الديوان بأكمله.
كذلك ظهر استخدام الشاعر للصورة الشعرية بكثافة، إلى جانب استخدام التقطيع المشهدي والعناوين الطويلة ووضوح اللغة السياسية التعبوية التي استلزمتها طبيعة المرحلة النضالية للمقاومة الفلسطينية آنذاك.
ويمكن القول إن هذه المرحلة تعد من أغنى مراحل الشاعر إذ صدرت له فيها تسعة دوواين شعرية حفلت بجماليات خاصة أكدت قدرة الشاعر على تطوير تجربته وإغنائها، وجعلها أكثر قدرة على تمثل واقع النضال الفلسطيني ومأساته الإنسانية بلغة رمزية موحية ومشحونة بطاقة تعبيرية كبيرة.
وتبدأ المرحلة الثالثة من ديوان "لماذا تركت الحصان وحيدا" الذي صدر عام 1994، وكان واضحا فيه استعادة سيرة المأساة الفلسطينية من خلال سيرة الذات، إضافة إلى استعادة سيرة المكان الفلسطيني بوصفه تاريخا ودالا على ميراث الوجود الفلسطيني الحضاري على هذه الأرض، التي انتصرت على جميع غُزاتها وفاتحيها مستعيدة هويتها الأصيلة.
لكن التحول الأهم الذي جعل بعض منتقديه يهاجمون شعره في هذه المرحلة هو انفتاح هذه التجربة على فضائها الإنساني والتحرر من نبرة السياسي وخطاب الحب، وتوظيف التراث التوراتي في نصوصه لاسيما في ديوانيه "القصيدة الجدارية"، و"الحوار مع الآخر المحتل" من خلال استخدام الحوارية وتعدد الضمائر في هذا الخطاب.
إن هذا التحول في تجربة درويش قد عبر عن المخزون الثقافي الواسع الذي استطاع أن يتمثله في نصوصه من خلال استراتيجيات التناص المختلفة معها، بدءا من التراث الشعري العربي ومرورا بالتراث الغربي، وصولا إلى التراث الديني الإسلامي والمسيحي واليهودي. وقد بدا واضحا في نصوص تلك الأعمال عودته إلى كتابة القصيدة ذات اللغة الرمزية الموحية والمكثفة.
لقد أثارت مواقف الشاعر الكثير من الآراء المتباينة لاسيما حول علاقة الشعري بالسياسي بدءا من خروجه من الأرض المحتلة وحتى عودته إليها بعد اتفاقية أوسلو، وكان واضحا عند البعض أن ليس ثمة تمييز بين محمود الشاعر ومحمود السياسي، وأن الموقف من تحولات تجربته الأخيرة لا يمكن أن يخضع لمعايير سياسية تقع خارج النص وتنتمي إلى حقل الأيديولوجيا، ورغم ذلك ظل الجميع متفقين على أنه أحد أهم الأصوات الشعرية العربية التي استطاعت أن تمزج في تجربتها أهم منجزات الشعرية العربية القديمة والحديثة، وأن ترتقي بها بصورة مستمرة، كشفت عن ثرائها الشعري والفكري والجمالي الكبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.