تختلف المسميات لكن تبقى الوحشية الدموية هي العامل المشترك للعصابات المسلحة أو ما يطلق عليهم "البلطجية" في مصر، أو "المتمردون" في السودان، أو "الشبيحة" في سوريا، هؤلاء يجمعهم عامل مشترك واحد وهو اللعب مع الكبار والمسئولين واعتبار أنفسهم فوق القانون إنْ لم يكونوا كذلك بالفعل، وفيما يخص الشأن السوري يقدر عدد الشبيحة التي استقدمها النظام السوري أكثر من عشرة آلاف عنصر من جنسيات مختلفة، وتبقى طلباتهم المالية والعسكرية أوامر بالنسبة للمسئولين السوريين، ويعملون تحت رعاية ومساندة الرئيس السوري "بشار الأسد"، وقيادات الجيش من أبناء عمومته، بدأ ظهور الشبيحة عام 1975 بعد دخول القوات السورية إلى لبنان، على يد "مالك الأسد" ابن الشقيق الأكبر للرئيس حافظ الأسد، واسم الشبيحة مشتق من كلمة "الشبح" في دلالة على أنهم أشخاص ينفذون مهامهم وهم متخفون دون أن يراهم أو يتعرف عليهم أحد، ويتم تدريبهم تدريبًا قتاليًا عاليًا على الوحشية والدموية والقتل بلا رحمة أو شفقة، ويكون ولاؤهم المطلق لزعيمهم، الذي غالبًا ما يسمونه "المعلم"، وأوضح الخبراء أن الأسد ونظامه يأتون بهؤلاء الشبيحة ليتخفوا خلفهم وراء جرائمهم السياسية، ويخدمونهم كوسيلة للقضاء على المتظاهرين حتى لا يكونوا عرضة للإدانة أمام المجتمع الدولي أو الملاحقة الجنائية. د. مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة قال: إن شبيحة بشار الأسد ليسوا السبب في بقاء نظامه متماسكًا ضد المعارضة المسلحة، ولكنهم من أسباب تخوف المتظاهرين والثوار من مواجهتهم، ولذلك لن يتهاوى النظام السوري أو يسقط بسهولة كما حدث في دول الربيع العربي مثل: "تونس، ومصر، وليبيا"، لعدة أسباب أولًا: تخوف الثوار والأسر السورية من استمرار جلب الشبيحة من جميع الجنسيات والذين يفتكون بالأطفال ويغتصبون النساء جهارًا، ويذبحون كل من يسب بشار حتى إن شعارهم "لا إله إلا بشار"، ثانيًا: الدعم الروسي الصيني المشترك ووقوفهما ضد أي قرار من مجلس الأمن بالتدخل العسكري لحلف النيتو لإسقاط بشار وإنقاذ الشعب، ثالثًا: دعم عناصر حزب الله اللبناني والدفع بعناصر من الحرس الثوري الإيراني بالأسلحة والمعدات والأموال لبقاء الأسد وإخماد المظاهرات، مشيرًا إلى أن التحرك الدولي والعربي ضعيف، وللأسف تركت الدول العربية الشعب السوري في معاناته، وما تزال تركيا هي المفتاح للخلاص من الأسد، والتي يعقد عليها السوريون آمالهم المتبقية. ضد الإنسانية ومن جانبه قال د. عمرو الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن مصطلح الشبيحة يطلق على العصابات غير النظامية، وكل من يأتي بأفعال ضد الإنسانية، ولذلك نراهم دائمًا في سوريا يلبسون الأقنعة ويتخفون وراءها تجنبًا للعقاب الدولي، ولديهم مسميات كثيرة مثل "المرتزقة" أو "أولاد الحرام"، موضحًا أن سوريا أصبحت غير خاضعة لبشار الأسد وأغلب قيادات الجيش المنشقين استولوا على مناطق مختلفة وأصبحت تحت سيطرتهم، ويواجهون حرب شوارع مع عصابات الأسد والجيش النظامي، مؤكدًا أن النظام السوري جلب هؤلاء الشبيحة خصيصًا ليمارس جرائمه الوحشية بأشخاص غير معروفين ليظهر أمام العالم أنه يحارب الإرهاب الداخلي، بالإضافة إلى أن الشبيحة تطوروا بدعم من الدولة ليتحولوا إلى ميليشيات حقيقية بعد الانتفاضة الشعبية منذ عامين، لإخماد الاحتجاجات عن طريق ممارسة أبشع جرائم ضد الإنسانية وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، مشيرًا إلى أن الوضع في سوريا سيبقى على ما هو عليه، طالما استمر الصمت العربي والدولي على مذابح بشار في حق شعبه، حيث أن السوريين يواجهون بنادق عناصر الشبيحة بحناجرهم وأسلحتهم التقليدية الضعيفة. وفي رأي د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أن إقرار المجلس الوطني المعارض بوجود عصابات مسلحة في سوريا، وأن النظام السوري اختلق فكرة "العصابات الإرهابية" أو ما يطلق عليهم "الشبيحة" جاء لرغبة المسئولين في الابتعاد عن العدالة، حيث يأمرونهم بقتل الرجال واغتصاب النساء والتمثيل بأعضائهم، أو القضاء على تظاهرة، حتى يكون النظام بريئًا أمام المجتمع الدولي، مؤكدًا أن عدم الإعلان عن هوية هؤلاء الشبيحة والعصابات المسلحة في سوريا، دليل على أن النظام السوري هو من يحتوي هؤلاء الإرهابيين، ويعمل على حمايتهم، حتى إن بعثة المراقبين الدولية أكدت في تقاريرها ما يفيد بأن التظاهرات والاحتجاجات في سوريا تقابل بمجموعات إرهابية مسلحة تفتك بهم وتقتلهم وتلصق التهم بقوات الأسد، وهذا أقصى طموح النظام السوري الذي أدار ظهره بعيدًا عن الأحداث أو الإدانة وجعل الشبيحة يقومون بدورهم الإجرامي، ليتأكد للعالم بأن المندسين من الخارج هم من يحركون التظاهرات ويشعلونها لإسقاط النظام السوري وليس الشعب، ولهذا أعلن أصدقاء سوريا دعم النظام بالأموال والأسلحة للقضاء على الإرهاب الداخلي. كابوس للنظام ويرى د. عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الشبيحة في سوريا أرهقت الثورة والثوار كثيرًا، لكن النظام الذي استقوى بهم أصبحوا نقطة ضعفه الواضحة أمام العالم، الأمر الذي أدى إلى اشمئزاز دول أصدقاء سوريا من وجودهم وتصرفاتهم الوحشية، كما أصبح استمرار وجودهم دافعًا قويًا لمعارضي بقاء الرئيس السوري "بشار الأسد" في التدخل العسكري لإنهاء معاناة الشعب، لافتًا إلى أن بعض عناصر العلويين بمعاونة الشبيحة يسعون إلى طرد أهل السُنة من أماكن إقامتهم بهدف إقامة منطقة عازلة للطائفة العلوية على ساحل سوريا، ويرغبون فور سقوط النظام الحاكم إلى التلويح بورقة الانقسام؛ خوفًا من مساعي الانتقام من قبل النظام الجديد، مؤكدًا أن النظام السوري يحاول جاهدًا التخلص من التواجد القوي لهؤلاء الشبيحة داخل سوريا؛ لأنه أيقن أن فناءه سيكون بسبب ممارساتهم العنيفة، حتى أصبحوا يمثلون كابوسًا سوف يدمر أركان النظام المتهاوي. عناصر علوية وأشار د. حسام عيسى أستاذ القانون الدولي بجامعة عين شمس، إلى أن تربية الشبيحة على هذه الدموية والوحشية التي رأيناها عليهم وهم يقمعون التظاهرات المناهضة للأسد، تدفعنا للتساؤل: كيف ظهر هؤلاء المرتزقة في آنٍ واحد؟ وهل الجيش السوري - فعلًا - بداخله قطاع سري للشبيحة؟ الإجابة تكمن في أن هؤلاء الشبيحة أغلبهم من الطائفة العلوية الشيعية الذي ينتمي إليهم الرئيس السوري ويشكلون القوة الثانية في البلاد، موضحًا بأن الأسد يأمر الشبيحة بالفتك بالأطفال حتى ترتدع بقية الأسر السورية وتمتنع عن الخروج في تظاهرات، وبخلاف ذلك تقوم هذه العصابات بأعمال إجرامية مثل "التهريب والإتجار بالبشر وسرقة الممتلكات" من دون أن يستطيع أحد الوقوف أمامها أو ردعها؛ نظرًا لأنهم يستمدون قوتهم من الدعم المطلق الذي يلقونه من شخصيات سورية نافذة، معتقدًا أن الجيش النظامي السوري لا يقوى على هذه الوحشية ضد شعبه، ولكن الشبيحة هي من تفعل ذلك؛ لأنهم مرتزقة ويأخذون أموالًا نظير ما يحققوه من نتائج ترضي قيادات النظام، كما أن أقرباء "الأسد" هم الرعاة الرسميون لجلب الشبيحة من جميع البلاد. في المقابل يرى حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن العصابات المسلحة في سوريا تأتي بجرائم وأفعال ضد حقوق الإنسان، مثل التمثيل بجثث الموتى، وإحراقها، وقتل النساء بعد اغتصابهم وقطع أعضائهم، وإخراج أحشاء الأطفال، والكثير من أعمال الوحشية الدموية التي ينفذها شبيحة الأسد بكل قسوة، موضحًا أن بعض الأنظمة العربية تمتلك عناصر سرية "غير نظامية" مثل "البلطجية" في مصر، أو "القوات المتمردة" في السودان وغيرها، وجميعها تساعدهم الحكام والأنظمة السياسية الديكتاتورية على الوصول إلى مبتغى سياسي أو مساعدة الأمن في فض التظاهرات ليكون الأمر بعيدًا عن المسئولين أو مؤسسات الدولة الرسمية، لافتًا إلى أن شبيحة سوريا يرعاهم بشار الأسد وإخوانه وأبناء عمومته في الجيش السوري، ليجهز على التظاهرات والاحتجاجات التي تلاحق الرئيس ووأدها سريعًا، وما يحدث في سوريا يندرج تحت مادة "جرائم ضد الإنسانية"، ويحاكم عليها جميع قادة النظام السوري؛ لأنها سمحت بدخول هؤلاء المرتزقة ولم تلاحقهم ولم تكشف عن أي دليل يثبت تورطهم في الأحداث، كما أن منظمة العفو الدولية قامت مؤخرًا بتصنيف ما يحدث في سوريا على أنه جرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يستوجب من الأممالمتحدة إحالة المسئولين إلى المحكمة الجنائية الدولية.