أصبحت مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وصعود تيار الإسلام السياسي لسدة الحكم، تعاني من مأزق تداول الألفاظ واستخدامها في غير محلها مثل "المواطنة والأقليات"، لأصحاب العقائد الأخرى من المصريين، وسط تزايد المخاوف وانتشار ظاهرة الهجرة الدينية بين الأقليات الدينية مثل "الأقباط والبهائيين" خوفاً من الإسلاميين، الذين يرفضون وجود أو رؤية شخص ذي خلفية دينية معارض للفكر والمشروع الإسلامي، الأمر الذي زاد من رقعة الغضب والاحتقان في المجتمع، خاصة بعد ترسيخ جماعة الإخوان المسلمين، لمبدأ "من يعارض فهو كافر ويرفض الإسلام"، و تحدث خبراء سياسيون مصريون عن وضع المواطنة في فكر الجماعة، وحق أصحاب الديانات الأخرى في المشاركة السياسية، وحريتهم في ممارسة شعائر دياناتهم بكل حرية، كما رفض الخبراء مصطلح "الأقلية" في الشخصية المصرية؛ نظرًا لأن المصريين شعب واحد فكريًا وثقافيًا مهما تعددت واختلفت دياناتهم أو مذاهبهم أو أعراقهم. د. بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة قال: إن الحضارة المصرية من أقدم الحضارات التي ساد فيها نظام شامل كامل للعلاقات القائمة بين الأفراد والحكام، كما أخذت الدولة المصرية الحديثة ب"المواطنة" كأساس لبناء الدولة القديمة تاريخيًا من أجل التعايش بين أبنائها، وأيضًا وقَّعت على العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي رسخت مسائل المساواة والحريات وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات داخل الوطن، لافتًا إلى أن الشعب المصري لا يفرق بين طوائفه المختلفة أو من يسميهم "أقلية" إلا بعد صعود تيار الإسلام السياسي لحكم البلاد، من هنا بدأ ترسيخ هذا اللفظ المجهول حول فكرة الأكثرية الإسلامية في مواجهة الأقلية المسيحية، كما رفضوا تعيين نائب قبطي لرئيس الجمهورية "محمد مرسي" رغم تعهده بذلك أثناء حملته الانتخابية، ولكنهم رسخوا مبدأ "لا ولاية لكافر على مسلم"، وأقول لهم: الأقباط أهل عقيدة وديانة سماوية وليسوا كفارًا. ومن جانبه أضاف د. حسام عيسى، أستاذ القانون الدولي بجامعة عين شمس، أنه عندما نتحدث على الأقليات داخل البلاد، فأول ما يطرأ على الذهن هم الأقباط؛ نظرًا لأن مصر يعيش تحت جناحها "مسلمون وأقباط"، موضحًا أن الأقباط ليسوا أقلية بالمعنى المتداول الذي يفهمه تيار الإسلام السياسي وهو إقصاؤهم عن الحكم وعن توليهم مناصب حساسة ومهمة في الدولة، وأنما المقصود بالأقلية أنها تثير مشكلة بفصلها عن باقي مكونات الوطن بثقافة ولغة مغايرة وتسمى قضية الهوية والثقافة غير الموحدة، وهذا لا ينطبق على الأقباط المصريين لأن ثقافتهم وتكوينهم الفكري والحضاري متطابق كليًا مع المسلمين، بل أنهم شاركوا بدور هائل في صناعة الثقافة العربية، مستنكرًا رفض أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين دخول الأقباط المعترك السياسي، قائلًا: "الأقباط بدءوا يلعبون في السياسة، ويجب أن يكونوا خارجها"، وهو ما يوضح نوايا هذه الجماعة الحاكمة تجاه الأقباط سياسيًا، مؤكدًا أن المسيحيين جزء من المكون الشعبي للوطن وليسوا أقلية، ومن يقول أن معه الأغلبية "حجة وقحة" من أجل السيطرة على البلاد بطريقة ملتوية. حريات وليس أقليات وفي رأي د. محمد منير مجاهد، رئيس مجموعة "مصريون ضد التمييز الديني"، أن القضية بالأساس "قضية حريات وليس أقليات"، وقضية الأقباط ليست خاصة بهم، وإنما هي قضية الوطن، موضحًا أن كلمة أقلية ليست توبيخًا بل هي توصيف لوضع معين، وتعرف الأقلية على أساس عددي أي مجموعة عددها أقل من نصف عدد مجموعة أكثر منها، أو مجموعة من الناس منتقص حقوقها بشكل واضح، وتعد في الأدبيات "أقلية"، لذلك يعتبر تيار الإسلام السياسي المرأة والأقباط أقلية، ومن هنا يجب ألا يتحول الانقسام الديني إلى فصل عنصري بين طوائف المجتمع، لافتًا إلى أن أقباط مصر ظلوا يدفعون الجزية منذ دخول الإسلام على يد "عمرو بن العاص"، حتى ألغاها "سعيد باشا"، ومرورًا بهذا الإلغاء أصبح ليس لديهم الحق في ممارسة الدعوة الدينية داخليًا أو خارجيًا في جميع البلدان العربية، ومن يفعل ذلك يقبض عليه بتهمة "التبشير" كما حدث مع الأقباط المصريين المقبوض عليهم في "ليبيا"، كما يوجد قيود في بناء دور العبادة وقوانين الأحوال الشخصية، مطالبًا الدولة بمحاولة دمج الأقباط داخل المجتمع السياسي؛ لأنهم مندمجون شعبيًا وسط المسلمين. وبدوره أوضح د. أسامة الغزالي حرب، مؤسس حزب الجبهة الديمقراطية الليبرالي، أن الأقليات في الواقع المصري تنقسم لنوعين "أقليات دينية وأقليات عرقية"، والدينية يقصد بها كل من يختلف دينيًا مع المسلمين مثل "المسيحيين والبهائيين والشيعة"، أما العرقية فهي تطلق على فصيل معين مثل "أهل النوبة وبدو سيناء"، مشيرًا إلى أن مصر بعيدة تمامًا عن الحروب والعصبيات الدينية والعرقية مثل الدول الأخرى، وإنما يعيش المصريون داخل مجتمع متجانس فكريًا وثقافيًا وشعبيًا، كما أن مبدأ المواطنة والبعد عن التطرف والتعصب ترجمة حقيقية للدولة الحديثة التي ننشدها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، مؤكدًا أن تسلسل الأحداث لصعود الإخوان للحكم يرجع إلى تعاونهم الدائم والمستمر مع المجلس العسكري وخيانة الثوار والثورة، وصار الجدال المشهور الدستور أولًا أم الانتخابات، ووقتها أصر الإخوان على الانتخابات عكس كل القوى الثورية؛ لأنهم الأكثر جاهزية في الشارع سياسيًا وشعبيًا وماليًا، عكس جميع الأحزاب الأخرى التي أنهكها النظام السابق في قضايا حزبية وخلافات داخلية، حتى أصبح الوضع الحالي سيطرة الإخوان المسلمين على جميع مؤسسات البلاد وشروعهم في "أخونة" الدولة، ومن هنا كانت رغبتهم في الانفراد بالسلطة وإقصاء جميع الأحزاب والقوى السياسية الليبرالية والمؤسسات الدينية "الكنيسة والأزهر" لرغبتهم في اختراق هذه المؤسسات وإدارتها كما كان يديرها النظام السابق وخضوع قادتها وولائها لمكتب إرشاد جماعة الإخوان. فجوات سياسية وفي السياق ذاته أكد د. فؤاد عبد المنعم رياض، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، أن مصر لا يوجد بها أقليات، وإنما يوجد بداخلها جبهات وفجوات سياسية بين "المسلمين والأقباط" عميقة وتكاد تكون أخطر من الفجوة الدينية، لافتًا إلى أن مصر دولة مستهدفة دينيًا والعالم الخارجي يريد افتعال الأزمات الطائفية؛ لأنه يدرك جيدًا أن الفتنة تشتعل بمجرد ظهور "مسلم أو مسيحي" في قلب الأحداث، كما أن الفتنة الطائفية من الأسباب التي تؤدي إلى دخول البلاد في تصنيف الدول الإرهابية، كاشفًا عن وجود تقرير في الكونجرس الأمريكي لتقسيم مصر منذ الثمانينات، ولكن تماسك الشعب المصري في وحداته يقف حائلًا ضد هذه المخططات، كما أن الفوضى والتفكك الأخلاقي والسياسي والديني الذي يعيشه المصريون يقلق على وحدة ونسيج هذا الوطن، وأن ما يحدث قد يكون وراءه أصابع خارجية تحاول الفتك بهذا الوطن ووحدة أبنائه على أساس ديني. بينما أشارت د. هالة مصطفى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن الحريات الدينية جزء لا يتجزأ من الحريات الفردية، ويأتي في مقدمتها حرية العقيدة والاعتقاد، وقبول التعدد والتنوع على أساس الدين، وأكدت أن مصر والدول العربية وقَّعوا على جميع المواثيق الدولية التي تحترم حريات العقيدة والفكر، ورغم أن الإسلام يأمرنا بتقبل الآخر حتى مع اختلاف ديانته، إلا أن الغرب هو من طبق الحريات الدينية والعقيدة؛ نظرًا لأن الليبرالية عندهم أوسع بكثير من الديمقراطية، وبعض دول الشرق الأوسط تطبق الديمقراطية وتداول السلطة، مثل "إيران، باكستان، العراق" ولكن تغيب عنها الليبرالية، ونوهت أن تيار الإسلام السياسي يحاول ترسيخ مبدأ من ليس معنا فهو كافر، وتعدى الأمر إلى تكفير من هم على نفس ملتهم الإسلامية لمجرد اختلافهم مع الإسلام السياسي في الرأي والفكر، وتخطى الأمر إلى أبعد من ذلك فمن يعارضهم كأنه يعارض الإسلام، وهذا الكلام سياسيًا غير صحيح؛ نظرًا لأن تداخل الدين في السياسة ينبئ بخطورة عنصرية داخل البلاد، وفتك بالمعارضين أو اغتيالهم باسم الدين.