تناول الجزء الأول من الحوار مع الشيخ عصام تليمة، الباحث الإسلامي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، القضايا المثارة مؤخرًا في علاقة المسلمين بالأقباط، وما أُثير عن مسألة احتجاز البعض بالأديرة والكنائس، وتصريحات الأنبا بيشوي التي أثارت الكثير من الجدل. وفي هذا الجزء يتناول في حواره مع موقع جريدة الشروق علاقة المسلمين بالمسيحيين، ومسائل حرية الاعتقاد وحكم تغيير الدين. - في البداية، كيف تقيّم علاقة المسلمين بالأقباط في هذه المرحلة؟ علاقة المسلمين بالأقباط في الآونة الأخيرة أصبح فيها قدر كبير من التوتر والتشنج، وحتى التربص من كلا الطرفين، وكان من الأولى أن يحكمها الدين والعرف وأصول أولاد البلد التي اعتدنا أن نحيا بها لقرون متواصلة. - وفي رأيك ما هو سر هذا التشنج؟ هذا التشنج سببه الأوحد غياب الدولة عن هذا الوضع بالكامل، فإذا وجدت الدولة ووجد كل إنسان أن هناك قانونا يطبق على الكل، وكل إنسان يحصل على حقه، لن يتربص أحد بأحد، ولن يحدث هذا التشنج والاحتقان الطائفي بهذه الصورة التي زادت حدة توترها عما حدث من قبل على مر التاريخ في مصر. ويجب هنا أن نؤكد على أن الدولة غائبة، سواء مع الأغلبية ضد الأقلية أو مع الأقلية ضد الأغلبية، كما أنها تسير مع ثقافة المجتمع بتعصبه، فإما تنسحب وإما تصمت وإما تغيب تمامًا. وفي غياب الدولة تظهر البلطجة الدينية والبلطجة الفكرية والتشنج والتعصب ورفض الآخر، بل وإلغاء الآخر والاستقواء بالمال أو النفوذ أو العزوة أو الدين أو القوة أو الأغلبية. هذا التعصب أحيانًا يكون مرجعه عند المؤسسات الدينية المسيحية أو الإسلامية، ويرجع إما للشعور بالظلم وإما لوجهات نظر فردية. وفي حالات فردية معينة تحدث بسبب تحول مسلم لمسيحي أو مسيحي إلى مسلم، ويشعر أن عليه ضغط فيستغل "الشو" الإعلامي، وهذا يستفز الناس ويؤجج مشاعرهم، وفي جو كهذا تغلب الشائعات، ومن المحزن أن يتم جر الخواص والمفكرين إلى هذا الفخ، وتصدر تصريحات مسؤولة أو غير مسؤولة من كلا الطرفين. - إذا كانت حالات فردية، فلماذا تخرج المظاهرات في الكنائس والمساجد؟ ولماذا الخطاب الإعلامي الطائفي؟ المشكلات لا تحل بالمظاهرات أو التصعيد الإعلامي، والأصوات المتعصبة التي تدعو لهذه المظاهرات ترتكب جريمة في حق الوطن، كما أن هذه المشكلات لا يمكن حلها بال"طبطبة" على أحد الأطراف في غياب القانون، وكثير من هذه الأمور لا يحسم عبر الفضائيات، ولا عبر قنوات الضغط الإعلامي، ولكن من الأولى أن تتواجد فيها الدولة، ونحتاج كمواطنين أن نعود إلى سابق عهدنا قبل سنوات في وطننا الذي لم يكن يفرق بين مسلم ومسيحي. وإذا كنت مسلمًا فديني يقول: "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، ويقول: "وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"، وإذا كنت مسيحيًّا فالإنجيل يقول: "الله محبة"، ويقول: "باركوا لاعنيكم، أحبوا أعداءكم، من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر"، المسلم لا يطبق دينه، والمسيحي لا يطبق دينه. - وما هو الحل لعلاج الحالة المتوترة؟ الحل هو أن تؤدى إلى كل الناس حقوقهم كاملة، وأن يُعامل المواطن على أنه مواطن بغض النظر عن ديانته؛ يأخذ حقه ويؤدي واجباته، ويجب محاربة الخطاب المتعصب عند المسلمين والمسيحيين، والسماح للأصوات المعتدلة أن تسود، ومنع الأصوات المتشنجة المتروكة، لأنها تهادن النظام في الملف السياسي بالرغم من أنهم يفخخون المجتمع. يجب ألا نسمح بما يضرب قلب وطننا ويريد أن يحوله كالعراق أو السودان، كيف نُصر على أن نتفتت ونصبح أصغر وأضعف في الوقت الذي تجتمع فيه الكيانات القوية لتزداد قوة كالاتحاد الأوروبي على ما بينهم من خلافات وحروب عالمية أُريقت فيها دماء الملايين؟ - في الجزء الأول من الحوار كنت تدعو إلى إطلاق الحرية الدينية للمسلمين والمسيحيين، فكيف هذا والأهل عادة إذا غيّر أحد أبنائهم دينه يهدرون دمه أو يعتبرونه ميتا وقد يتلقون فيه العزاء؟ ثقافة المجتمع بإهدار دم من يغير دينه هي ثقافة خاطئة وكارثية ومستمدة من ثقافة الدولة التي لا تقبل الآخر السياسي، فأصبحنا لا نقبل الآخر الديني. فإذا كان إيمان المكره لا يُقبل وإيمان المُقلد لا يُقبل، فما الفائدة من إجبار الأشخاص على اعتناق دين معين؟ والقرآن حكى لنا قصصًا يكون فيها الأب رسول وابنه أو زوجته من الكافرين، وكانوا متعايشين، فإذا فرضنا أن شخصًا ما لم يغير دينه، ولكنه ارتكب جرما يوجب إقامة الحد عليه، فمن الذي يقيم الحدود، الأفراد أم الدولة؟ بالتأكيد الدولة، ومن يتعدى على سلطة الدولة ويقيم الحد بنفسه من حق الحاكم أن يعاقبه، وقد تصل العقوبة إلى القتل، فليس للأهل ولا للكنيسة ولا للمسجد ولا للأزهر أن يكون وصيا على أحد. المطلوب هو أن ننشئ أبناءنا على العقيدة الصحيحة، ثم نترك لهم حق الاختيار، والواقع أنني لم اسمع في حياتي حتى الآن حالة قتل بسبب تغيير الدين، ولا مسلم ولا مسيحي، "فيه قتل شرف.. نزاعات مادية.. لكن دين.. لأ". ويجب أن ندرك أن الله سمح للناس -متدينين أو لا دينيين- بالحياة، وليس من حق أحد سلبهم حق الحياة، لكن في النهاية الله يحاسبهم يوم القيامة، أما في الدنيا فليس من حق أحد أن يحاسب أحدا. ولا يصح أن نحتج في الغرب لمنع بعض ممارسات المسلمين، وأنا في الداخل أضطهد الأقلية المسيحية وأمنعها من ممارسة دينها، و"أنا أؤيد قول البابا شنودة في مسألة الطلاق.. حقه.. دينه". - معنى هذا أنك ترى أن حق تغيير الدين مكفول لكل إنسان حتى لو كان مسلما يريد تغيير دينه؟ رأيي الذي أقتنع به وأدين به لله هو أن للإنسان مطلق الحرية في أن يختار عقيدته أو مذهبه أو رأيه أو فكره، فالإسلام كفل للإنسان حرية اختيار العقيدة بداية قال تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وقال أيضا: "لا إكراه في الدين"، فكيف يكون عدم الإكراه في الدين مكفولا في البداية، ويتم إكراهي فيما بعد عندما أُحوّل؟ ولدينا في التاريخ الإسلامي قصص عمن أرتد عن الدين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وتروي لنا كيف أرتد ولماذا وتحكي أيضا كيف مات، ولم نسمع أن أحدهم سجن أو قتل أو حتى أُخرج من بلدته، المسألة كانت على مطلق الحرية، حتى حروب الردة التي في الإسلام، لم تكن لتغيير الناس دينها، وإنما كانت لأن هؤلاء الناس خرجوا على القانون العام للدولة، وهو ما نسميه الآن قضايا أمن الدولة أو قضايا الخيانة العظمى. ومعظم الناس عندنا في بلادنا الشرقية الديانة عندهم ليست اختيارًا، وإنما بالوراثة، هو مسلم لأن أباه وجدَّه كانوا مسلمين، أو مسيحي لأن أباه وجدَّه كانوا مسيحيين، فإذا وصل الإنسان إلى مرحلة الاختيار ودرس وتفكّر وتوصل إلى رأي معين، لا مانع، هذا حقه. ولكن ما نؤكد عليه ألا يكون هناك تحرك للتبشير بدين، أيًّا كان هذا الدين بطريقة إغراء المادة أو الجنس أو أي نوع من أنواع الإغراءات، ولكن ما دام الأمر في نطاق النقاش الفكري والمناظرة فلا بأس. والأهم أن يكون النظام العام الذي يحكمنا في الدولة هو أن الحرية أمر مقدس، وهي مكفولة للجميع، وضرورة حقن دم هذا الإنسان الذي أختار تغيير ديانته. - ممدوح إسماعيل المحامي، تقدم ببلاغ ضد الأنبا بيشوي يتهمه فيه بإثارة الفتنة الطائفية بسبب حواره مع جريده "المصري اليوم"، وفي المقابل نجيب جبرائيل، المحامي، تقدم ببلاغ يتهم فيه د. محمد سليم العوا والمذيع أحمد منصور بإثارة الفتنة الطائفية بسبب حوارهما في قناة الجزيرة الفضائية، فهل أصبحت لغة الحوار بين النخبة هي لغة المحاكم والقضايا؟ أنا أرى أن التقدم ببلاغ رسمي للنيابة مع وجود أدلة تثبت الاتهامات أفضل بكثير من هذه الضوضاء الإعلامية التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من التشنج والتصعيد، فإن لم تثبت صحة الإدعاءات فلن يكون هؤلاء الأفراد إلا أصحاب رأي قالوا رأيهم وانتهى، ولكن الاستمرار في حملات إعلامية مستفزة لمشاعر المواطنين ليست من المصلحة في شيء. ولكن يظل الأفضل بالتأكيد أن تسود لغة الحوار الطبيعية البعيدة عن التشنج والتعصب بيننا، وأن يعود شعبنا المصري إلى سابق عهده، عندما كان الفرد فينا لا يعرف ديانة الشخص الذي يتعامل معه، ولم يكن يهتم بهذه النقطة من الأساس. وتظل المشاركة والمراعاة المتبادلة هي الأصل، في مصيبة، حريق، جنازة، سواء لمسلم أو لمسيحي، إخوان يسعفون بعضهما البعض، ولن تجدي في مصر إلا كنيسة وبجانبها مسجد. لماذا تجمعنا المصائب وتفرقنا النعمة؟ ففي وقت الاستعمار كنا وحدة واحدة رغم المكائد، والآن نحن أبناء وطن واحد وإخوان وجيران، نحن نعبد إلهًا واحدًا، وهو من سيحاسب الجميع في الآخرة، ولا حساب على البشر في الدنيا إلا لمن يخطئ لمخالفة قانونية.
تابع الجزء الأول من الحوار: بالفيديو ..عصام تليمة: تصريحات الأنبا بيشوي غير مسؤولة