في مفاجأة غير متوقعة، فتحت إسرائيل أبواب الهجرة أمام أقباط مصر بشكل رسمي، ورغم ذلك أقرت لوائح جديدة في قانون الهجرة وحماية اللاجئين، واشترطت وجود تعليم عالٍ، ووجود قدرات لغوية وخبرات عملية، حتى يكون المتقدم له الحق في العمل داخل إسرائيل، وفيما يخص هجرة العمال اشترطت الدولة العبرية أن يكون لديه خبرة لا تقل عن عام في وظيفة إدارية، أو مهنة تتطلب درجة جامعية، وأن يكون لديه إدارات مالية كافية لرعاية نفسه وعائلته بإسرائيل، كما تشترط للمهاجرين فئة رجال الأعمال أن يكون لديهم حساب بنكي بقيمة 150 ألف دولار، ولذلك أصبحت كلمة "الهجرة" بمثابة طوق نجاة للأقباط، خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وصعود التيار الديني والإسلامي للحكم وممارسة العمل السياسي، مما أحدث تخوفات قبطية من رغبة الإسلاميين في فرض الجزية على أهل الذمة لضمان حمايتهم، بالإضافة إلى شعورهم بأنهم أصبحوا أقلية ومضطهدين في بلدهم، وأصبح السيناريو الممل يتكرر كثيرًا مع كل أزمة طائفية أو سياسية، حيث يطلب الأقباط الهجرة إلى الخارج وتحديدًا إلى الدول التي تسمح باللجوء الديني مثل: "أمريكا، دول أوروبا، كندا، إستراليا، ومؤخرًا إسرائيل" بحجة الاضطهاد الديني والتمييز العنصري، وتفجير الكنائس، والتضييق على الجماعة القبطية عند ممارسة شعائرهم الدينية، ولرغبة هذه الدول في إيجاد دافع لتقسيم البلاد وانتشار الطائفية، تساعد الدول الأوروبية وأمريكا أقباط مصر على السفر من خلال تقديم تسهيلات تمنحها سفارات هذه الدول، وفي السياق نفسه رصدت منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان بعض أعداد الأقباط المتواجدين في الخارج منذ صعود تيار الإسلام السياسي للحكم من واقع ما تجمع لديها من الكنائس والتجمعات القبطية في الخارج، حيث يوجد حوالي 16 ألفًا في ولاية كاليفورنيا، و10 آلاف في نيوجيرسي، و8 آلاف في نيويورك، و10 آلاف موزعين على باقي الولاياتالأمريكية المختلفة، فضلًا عن وجود 14 ألفًا في إستراليا، و17 ألفًا في مونتريال وتورنتو بكندا، و20 ألفًا موزعين بأنحاء أوروبا وتحديدًا في: "هولندا، إيطاليا، إنجلترا، النمسا، ألمانيا، وفرنسا"، وجميع هذه الأعداد خرجت من مصر؛ بسبب الضغوط الدينية التي تمر بها مصر والمعاناة التي تحدث للمسيحيين بعد الثورة. د. منصور الصمويئلي، رئيس المكتب القانوني لتسهيل ملفات الهجرة قال: إن الهجرة حرية شخصية لأي مواطن ولأي دولة في العالم بشرط توافر الشروط، لافتًا إلى أن رغبة أقباط مصر في الهجرة لإسرائيل أصبحت بشكل قانوني، حيث تم فتح باب التقدم للحصول على الإقامة في إسرائيل بشكل رسمي، ويبقى فقط رغبة المواطن، وفي حال تقدمه بطلب للهجرة فإن الدولة المصرية هي السبب؛ لأنها لم تعد تحترم الأقليات الدينية وتعاملهم وكأنهم مواطنون درجة ثانية منذ صعود تيار الإسلام السياسي للحكم .. مؤكدًا أن باب اللجوء الديني مفتوح بشكل رسمي في إسرائيل، وبعض العائلات القبطية ترغب في الهجرة إلى "تل أبيب" بعد إثبات تعرضهم للاضطهاد والتهجير من بلدهم، متوقعًا ارتفاع العدد خلال الشهور القادمة؛ لأن مصر لم تعد تحتمل مشاكل مواطنيها وخاصة الأقباط، ولاشك أن هجرة الأقباط للخارج في تزايد مستمر بسبب تقاعس الدولة في حماية المسيحيين من المد والتهديد الإسلامي، حتى وصل عدد المهاجرين للخارج أكثر من 150 ألف قبطي بعد الثورة، كما يوجد نحو 500 ألف قبطي يرغبون في الهجرة واللجوء الديني لأوروبا وأمريكا للبحث عن الأمن والمستقبل. بينما وصف رمسيس النجار محامي الكنيسة الأرثوذكسية، قرار إسرائيل بأنه محاولة لضخ سموم الصهيونية تجاه أقباط مصر تحديدًا، مستنكرًا صمت مؤسسة الرئاسة والخارجية المصرية على هذا القرار العبري الذي سيضرب البلاد في مقتل، وعليهم ضرورة الرد على "تل أبيب" بشكل فعال؛ حتى لا تستغل الأحداث السياسية والدينية لضرب الوحدة الوطنية وزعزعة نسيج البلاد المترابط، بالإضافة إلى أن الكنيسة عليها حث الشباب القبطي على العمل داخل وطنهم ورفض الهجرة تحت أي مسمى، وعدم قبول دعوات الآخر لترك الوطن؛ لأنهم سيعيشون لاجئين وغرباء طوال حياتهم مهما قدم لهم الآخر من امتيازات. مسئولية الدولة ورحب نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، بفتح إسرائيل أبواب الهجرة لديها بشكل قانوني؛ لأن حرية التنقل والسفر والهجرة حقوق مكفولة للمواطن بموجب إعلانات حقوق الإنسان العالمية وكافة الدساتير والقوانين الدولية، وتقنين الهجرة سوف يتيح لراغبي السفر الحصول على تأشيرة قانونية من الدولتين "مصر وإسرائيل" لتسقط جميع الاتهامات بالعمالة والتخوين التي تلاحق جميع الموجودين هناك، لافتًا إلى وجود أكثر من عشرة آلاف مصري مسلمون وأقباط يعملون داخل الدولة العبرية، وزاد هذه العدد بعد ممارسات أبناء تيار الإسلام السياسي ضد الأقباط، ورفض تقبل الآخر لمجرد اختلافه في العقيدة والدين، حتى أصبح بين المصريين تمييز حقيقي وعنصري بسبب الدين، مرجعًا مسؤولية القرار الإسرائيلي إلى رئيس الجمهورية "محمد مرسي"، الذي لم يتخذ من الإجراءات الدستورية والقانونية ما يعطي للأقباط حقوقهم كمواطنين، ولم ينزع عنهم ما ينتابهم من خوف وتهديد في ظل حرق كنائس، وتهجير أقباط من القرى، والاعتداء على ممتلكاتهم، واختفاء بناتهم ومحاولة أسلمتهم قصرًا، وسيؤدي هذه القرار إلى هروب كفاءات علمية واقتصادية مما يخل بالتركيبة السكانية والاجتماعية للمزيج المصري الموحد دائمًا. متاجرة بالأقباط ومن جانبه أوضح د. جمال أسعد المفكر القبطي، أن تزايد أحداث الفتنة الطائفية والاضطهاد الديني وتفجير الكنائس وشعور الأقباط بأنهم غرباء في وطنهم من الأسباب الرئيسة في الهجرة إلى بعض الدول التي تقدم تسهيلات لتشجيع المسيحيين على الهجرة .. مؤكدًا أن إسرائيل تحاول "تفكيك" الدولة المصرية بالقانون لإظهار الأقباط في صورة المضطهدين حتى تجد هذه الدول سببًا واضحًا وصريحًا للمطالبة بحماية الأقباط، وقد يصل الأمر إلى إرسال مندوب دولي لرعاية شئون الأقليات في مصر بعد الثورة، وهي بالطبع صور من أشكال التدخل الأجنبي المرفوض، مشيرًا إلى أن ما يحدث في البلاد حاليًا يصب في مصلحة هذه الدول؛ لأنه يخدم أهدافها القديمة ورغبتها في تقسيم المنطقة ومصر تحديدًا على أساس طائفي، بالإضافة إلى أن الصهيونية العالمية تحاول ضرب البلاد من الناحية الدينية وتستغل قضية الأقباط وتتاجر بها دوليًا لتنفيذ مخططاتها وإشعال فتنة طائفية في البلاد. ويرى د. كمال زاخر المفكر القبطي، أنه من المفترض أن الجميع يملك أسهمًا متساوية في الوطن ونفس الحقوق والواجبات وليس هناك أدنى تمييز ضد أي مصري سواء "مسلم أو مسيحي"، ولكن ما يحدث من جانب مؤسسة الرئاسة وجود تميز عنصري ووضعت الإخوان في كفة وباقي المصريين في كفة أخرى، ولذلك لا يوجد إدانة واضحة على لجوء إسرائيل لفتح باب الهجرة لديها؛ لأنها تعرف جيدًا كيف تستغل الأوضاع السياسية والدينية التي تعيشها البلاد وتحاول فتح ثغرة جديدة لاختراق مصر من ناحية الدين، موضحًا أن الكنيسة المصرية يقع على عاتقها عبء ثقيل للخروج من هذه الأزمة ولابد أن تتخذ الدولة إجراءات سريعة لمنع أي انزلاق بعض الأقباط في مستنقع دخول "تل أبيب"، ومحاولة علاج أسباب الفتن الطائفية والقيام بحملات توعية لإعادة الوئام للنسيج المصري المفكك أبناء الوطن الواحد، حتى لا نترك المجال مفتوحًا أمام أطراف خارجية تتلاعب بالملف القبطي وتهدد وحدة المجتمع. وفي رأي ممدوح رمزي المحامي القبطي، أن هجرة بعض اﻷقباط إلى إسرائيل في هذا التوقيت الحالي مؤشر خطير للغاية؛ لأنها تهدد مبدأ المواطنة التي أكدت عليها جميع الدساتير المصرية، مطالبًا الرئيس "مرسي" بضرورة تفعيل تجريم التمييز الديني والعنصري وحماية الأقباط، واتخاذ مجموعة من القرارات واﻹجراءات التي تثبت أن المصريين متساوون في الحقوق والواجبات، ولا فرق بين "إخواني ومسلم وقبطي" وطمأنة من يشعرون بقلق على مستقبلهم في مصر بعد الصعود الإسلامي، مؤكدًا أن سفر بعض الأقباط للاحتفال بأسبوع الآلام وعيد القيامة بكنيسة "القدس" بفلسطين والحصول على التأشيرة الإسرائيلية دفع البعض إلى القول: بأن هؤلاء الأقباط سيهاجرون إلى "تل أبيب" ولن يعودوا مجددًا لأرض الوطن وهذا غير صحيح، لافتًا إلى أن أعداد الأقباط الراغبين في الهجرة ارتفعت بعد الثورة لسوء الأوضاع الدينية والاضطهاد المتعمد والمذابح التي وقعت بحق المسيحيين مثل "مذبحة ماسبيرو"، التي فتحت باب الهجرة واللجوء للخارج لعدم الأمان وشعورهم بأن حياتهم وحياة ذويهم مهددة، والحكومة عاجزة عن حمايتهم، مما دفعهم إلى التقدم بطلبات اللجوء الديني إلى الخارج قبل أن يقضي عليهم في الداخل. بينما أكد الأنبا بولا رئيس المجلس الأكليريكي بالكنيسة المصرية، أن الكنيسة لن تسمح أو توافق على سفر أو هجرة الأقباط إلى إسرائيل؛ لأنها خيانة للوطن، لافتًا إلى أن المواطن القبطي عانى كثيرًا على مدار التاريخ من التشددية الإسلامية، وهذا ليس عيبًا في الإسلام ولكنه عيب في المتشددين ذاتهم الذين يرون أن المسيحي "كافر" وعليه دفع الجزية ويتأففون من وجوده، لدرجة أن تيار الإسلام السياسي يرفضون نهائيًا وضع أي قبطي على قوائمهم الانتخابية، مؤكدًا أن الأوضاع التي تعيشها الدولة المصرية لا تنبئ بالتفاؤل أو الطمأنينة، ولذلك توجد رغبة حقيقية لدى كثير من المصريين للهجرة خارج مصر وخاصة الأقباط، كما أن الصورة والأخبار التي تصل إلى الغرب عن المواطن القبطي سيئة للغاية وهي التي تدفع بعض دول أوروبا لفتح أبواب الهجرة واللجوء الديني أمام لأقباط، بخلاف "إسرائيل" التي فتحت باب الهجرة شكليًا بحجة إنقاذ مسيحيي مصر من الاضطهاد، ولكنها تخفي مخططاتها الصهيونية في تقسيم مصر وإثارة الفتن بين المسلمين والأقباط باستخدام الملف الديني.