جماعة الإخوان المسلمين بدأت بالفعل تنفيذ عملية الانتحار السياسي لها بصورة جماعية ، وهي في تنفيذ ذلك أصبحت فاقدة الوعي لدلالة المشهد السياسي في مصر ، وثمة علامات فارقة تحدد مدى نجاح الانتحار من عدمه ، فالقيادات تصر أنها جاءت لإنقاذ مصر من براثن التدمير ومعاول الهدم التي تنال من استقرار الوطن ، وهم في سبيل ذلك يدغدغون مشاعر أنصارهم ومريديهم الذين يصرون على عدم إعادة التفكير مرتين فيوجهونهم تجاه الملايين من المتظاهرين في شتى بقاع مصر المحروسة ، وعلى هؤلاء الذين لا يرهقون أنفسهم بالتفكير الإجابة عن سؤال مفاده : لماذا يتظاهر كل هؤلاء علينا وعلى جماعتنا الرشيدة؟ . والانتحار الجماعي بدأ بالفعل منذ بزوغ نعرات الاستعلاء والغرور السياسي الذي يمارسه قيادات ورموز الجماعة الذين بدأوا في توجيه سهامهم في اتجاهات شتى بغير تركيز ، مرة نحو الإعلام الذي يُتهم على الدوام لديهم بالفلولية والعمالة والتشويه المتعمد لشرف الجماعة وعرضها ونسبها. ومرة نحو ائتلافات الثوار بحجة أنهم من الصغار وقليلي الحيلة والرؤية بالرغم من أنهم صناع الثورة الحقيقيون بغير شريك. وكان على منفذي عملية الانتخار الذاتي التفكير ولو لبرهة قصيرة فيما يحدث الآن على أرض الواقع بغير التفكير السري في الغرف التي لم تعد سرية في قضايا التمكين وأخونة المؤسسات وفكرة السيطرة على الجهات السيادية ، لاسيما وأن المسألة باتت بالفعل أكبر من خيال وتصوير جماعة الإخوان المسلمين حتى ولو تحولت إلى جمعية أهلية أو نادٍ رياضيٍّ أو مؤسسة اجتماعية. فالجماعة التي بدأت ظهورها السياسي بعد عقود من الحظر والمنع والاستبعاد الاجتماعي ، بصورة لا تختلف عن الماضي في المغالبة والاستلاب السياسي والاجتماعي والوله الاستثنائي بالعمل السري المعروف بغرف تحت الأرض ، لم تعي دروس الماضي جيداً ولم تحفظ المقرر المصري القديم بأن مصر أكبر من الأهل والعشيرة ، وأن وطناً بحجم المحروسة تتسع للجميع لأن الله أراد بها هذا. لكن أن تصر الجماعة على حماية المقرات والمباني التي تخصها دون الاقتراب من واقع الشعب فإن هذا كفيل بانتحارهم داخل تلك الكتل الخرسانية، وإصرارها بضرورة تمكين الجماعة فكراً ورجالاً في أواصر ومفاصل الوطن ستجعلهم بعيدين تماماً عن تحقيق هذا الهدف الذي بالفعل لا ولن يتحقق لأن الشعب نفسه بدأ يلفظهم بعيداً عن المشهد، وخير دليل ما نراه من تظاهرات يومية مستدامة بغير انقطاع ضد الجماعة ومرشدها الذي تفرغ لمهاجمة الإعلام الذي أسقط مبارك من قبل ، وضد سياسات رموز الحرية والعدالة الذي لا يزال يتخيل أنه يلعب دور الحزب الوطني المنحل في الحياة السياسية ، وهذا الأخير لم يدرك حتى الآن أن مصر لم تعد تهتم بالعمل الحزبي وأن البرلمان تحول مكانه للشارع والميادين وليس في صورته التقليدية الباهتة. إن ما شهدته مصر الجمع الماضي من تظاهرات و حملات غاضبة ضد الجماعة لهو خير دليل على أن هذا الفصيل يسير في الاتجاه الخطأ ، ويسعى لأن يسير بالوطن إلى مصير غير معروف غامض، وهذا ما يبرره الخروج ، علاوة على الوعود التي تنطلق ليل نهار من أفواه القيادات والرموز الإخوانية التي بالتأكيد تخص وطناً غير مصر والتي تسقط بمجرد خروجها من هذه الأفواه. وإذا افترضنا أن الشعب الذي خرج في جمعة رد الكرامة وحاصر مقرات الجماعة وقذفوها بالحجارة ونثروا البرسيم على الأرض دلالة ومعنى هم أعداء الوطن الجهلاء قليلو الحيلة السياسية منعدمو الخبرة ، فهل خبراء الجماعة ومفكروها وعلماؤها قادرون في العبور بنا من عنق الزجاجة ؟ وهل هم قادرون على تحقيق استقرار الوطن بدون الاستعانة بالمليشيات العسكرية السرية ؟ وهل وهل وهل؟ أنا أدعو الجماعة خالصاً مخلص النية والضمير لكي تتأمل مصيرها حال عودتها للعمل السري مجدداً؟ ماذا هم فاعلون؟ . والمتأمل لما يحدث لجماعة الإخوان المسلمين حالياً يدرك على الفور أن تقتل نفسها بنفسها عن طريق الوقوف بصلافة أمام الشعب الذي لا يعرف سوى الغضب سبيلاً لحريته، وهذه الجماعة التي ينتمي الرئيس المنتخب الشرعي لها لم تفطن حرمة الدماء ولا العرض عن طريق الممارسات الوحشية للتحرش ، وأنا مع كل الدعاوى التي تلقي التهم تجاه الجماعة لأنها بالفعل تسيطر على مفاصل الوطن ، ورغم ذلك فإن الفشل هو السمة المميزة لتلك المرحلة العجيبة في تاريخ مصر.