أصبح النشر الإلكتروني والإنترنت بمنزلة مكان يعج بالناس والأفكار، تستطيع زيارته والتجول في جنباته، مما أتاح إيجاد ما اصطلح على تسميته بعالم الواقع الافتراضي "Cyber Space" والذي يزيل حواجز المكان والمسافة وقيود الزمان بين مستخدميه، حيث يستطيعون التواصل فيما بينهم بصورة تكاد تكون طبيعية، بغض النظر عن المسافات والتوقيتات التي تفصل بعضهم عن بعض. على المستوى العلمي والبحثي والجامعي فإن النشر الإلكتروني يتيح الفرصة أمام الباحثين والجامعيين إلى توجيه الجزء الأكبر من جهودهم إلى عمليات التحليل والتفسير والاستنتاج والتنبؤ والكشف عن الظاهرات والمتغيرات الجديدة - وهو ما يمثل العمود الفقري للعملية البحثية - وذلك بديل عما كان يحدث قبل ذلك من ضياع نسبة كبيرة من جهد الباحثين في الحصول على المعلومات، وهو ما سوف يؤدي إلى تطوير المعرفة وتحديثها في المجالات البحثية المختلفة، وازدهار الابتكار والبحث العلمي. وحول مزايا النشر الإلكتروني وأهميته وأثره يحدثنا مجموعة من الأدباء والكتاب من خلال هذا التحقيق. مزايا النشر في ندوة عقدت لمناقشة موضوع " النشر الالكتروني وحرية التعبير أدارتها د. سهير المصادفة التي أكدت أن النشر الإلكتروني له مزايا عدة، ورغم ذلك له سلبيات كثيرة، وتساءلت: هل هناك حل للسرقات الأدبية على الإنترنت؟ حتى لا نجد - مثلًا - قصيدة لمحمود درويش بتوقيع برعي فضل، خاصة وأن السرقات الإلكترونية منتشرة، وحقوق الملكية الفكرية ضائعة، والحفاظ على النص في ظل سيولة وسهولة السرقة الأدبية أمر صعب، وبالإضافة لذلك النشر الإلكتروني لا يعتد به بشكل رسمي، وضيوفي لهم تجارب في تأليف قصص قصيرة ونشرها إلكترونيًّا. وعن مميزات النشر الإلكتروني أضافت: مع كل ما سبق يعد ملاذًا للكُتَّاب الجدد وتخلصًا من جبروت دور النشر الخاصة التي إما أنها تنشر لمبدعين جدد بمقابل مادي، وهو ما لن نسامح عليه صناعة النشر في مصر بحال من الأحوال، أو أن يتجه المؤلف لدور النشر الحكومية في طوابير لا آخر لها، فهل يتطور النشر بالتوجه إلى النشر الإلكتروني. فكرة الثنائيات عمرو علي العادلي، قاصّ، بدأ مداخلته قائلا: إن النشر الإلكتروني له أبعاد كثيرة، وأكد أن فكرة الثنائيات تحكم عقلنا العربي، فإما نشر إلكتروني أو نشر ورقي، وهذا غير صحيح، فمن يبحث عن الكتاب سيظل باحثًا عن الكتاب، سواء نشر إلكترونيًّا أو ورقيًّا، فلم أشرف بنشر أي إنتاج أدبي لي في الفضاء الإلكتروني بل نشرت بالطريقة التقليدية بالطباعة الورقية، وكل طريقة لها مزاياها وعيوبها. ثم ذكر العادلي تجربة لاثنين من أصدقائه في بيع كتب إلكترونية غيروا نشاطهم؛ لأن أرباحه ليست كالنشر الورقي، والمتفاعلون مع الإنترنت بعد الثلاثين لا يتفاعلون بطريقة الأصغر سنًا نفسها، ثم أضاف أنه مع نشاط النشر الإلكتروني انتشر الكتاب الورقي أيضًا، فلم نكن نجد الطبعة العشرين والحادية والعشرين من قبل، فالنشر الإلكتروني دعم النشر الورقي، أو ربما العكس. جذب الجمهور رانيا هلال، قاصة، بدأت قائلة: لم أنشر إلكترونيًّا من قبل، لكني أحببت جس نبض القارئ والجمهور، فكنت أنشر مقتطفات من القصص لمعرفة ردود الأفعال؛ لأننا نعرف أن القارئ ابتعد عن الأدب بشكل عام فأحببت أن أعرف إن كان ممكنًا جذب جمهور عادي غير متخصص، ولاحظت فارقًا في مجموعتي القصصية، وفكرت هل أستمر بالنشر الورقي أو أتحول للنشر الإلكتروني؟ فبعض الناس قد يستهويه ما أكتب فيبحث عنه أو يتحول لنوع آخر من الكتابات.. والحمد لله أنني تشجعت على النشر إلكترونيًّا، لكن في رأيي لا غنى عن النشر الورقي رغم صعوباته، ولكن النشر الإلكتروني يبقى بديلًا حتى لا نتوقف عن الكتابة؛ بسبب مشكلات النشر التقليدي، وهذه المشاكل يجب حلها لكني لا أعلم هل نحن في طريق حل هذه المشاكل أم لا. سرقات أدبية وهنا تدخلت د. سهير المصادفة متشائلة : من صنع الفضاء الإلكتروني؟ هو الغرب، ومن استبدل الكتاب الورقي بالكتاب الإلكتروني؟ هو الغرب، ومن يقرأ الكتاب الإلكتروني بمعدلات عالية؟ هو الغرب، ثم قدمت القاص محمد علي إبراهيم الذي قال : لابد من تعريف معنى الكتاب الإلكتروني، مشيرًا إلى أن فكرة نشر الكتب على المواقع المجانية فتح حدودًا جغرافية ومرحلة لما بعدها، والكتب المسموعة كانت أيضًا موجودة قبل النشر الإلكتروني، والسرقة الأدبية تحكمها المنظومة الأخلاقية فأنا شخصيًّا أحمل - أي أسرق - الكتب لكن ضميري يؤنبني. وأضاف: المجتمع العباسي كان لا ينصب الخليفة إلا بحضور الشعراء والعلماء تقديرًا للعلم والأدب، وقد شاهدت نماذج من أسرة غربية كل أفرادها يمارسون فعل القراءة، وهو ما يغيب عنا هذه الأيام، أما عن النشر الإلكتروني فقد عرفنا على حضارات وثقافات وأشخاص ما كنت لأعرفهم لولا الإنترنت، لكن منظومة القيم الأخلاقية تحكم ذلك، إذا كان كتاب فتحي غانم بأربعين جنيهًا فربما أنفق فتحي غانم أربعين ألف جنيه لينتج هذا الكتاب. وعقبت سهير المصادفة بأن الملكية الفكرية تساهم في صناعة كاتب ومؤلف وشاعر وأديب. حتمية منطقية أما عادل العجيمي - قاص له كتابان مطبوعان - فقال: خضتُ تجربتين في النشر الورقي والإلكتروني، الأزمة الجدلية القائمة بين أنصار النشر الإلكتروني والنشر الورقي أيهما أفضل وأيهما أكثر فائدة، ودخلت المسألة مدخل صراع وأنا من مؤيدي "بيل جيتس" الذي قال: لا ننظر إلى الوراء ولو نظرنا إلى بداية الكتابة للتدوين منذ المسمارية والكتابة على الجدران وورق البردي ثم الرقاع والجلود وتطورها حتى ظهرت الطباعة، لعرفنا أن ما يحدث حتمية منطقية وتطور. وأضاف: الطباعة نقلت النشر نقلة نوعية، والنشر الإلكتروني هو خطوة تالية وطبيعية للنشر الورقي ولا أراها متعارضة، ولكن السؤال هل سنستغني عن النشر الورقي؟ فلا أجزم بذلك ولن أستبق التاريخ، لكن علينا أن نعرف أن اللجوء للنشر الإلكتروني جاء هروبًا من النشر الورقي ومتاعبه، ورحلة البحث عن دار نشر لا تعطيني عائدًا أو الانتظار في طابور الهيئات الحكومية، وهناك أيضًا فكرة الحرية التي تتعدى النشر الورقي، فأنا أكتب بلا رقابة من أي هيئة، حتى في الموضوعات الشائكة الحساسة.. وأتجاوز حتى دور النشر الخاصة التي لها توجهات معينة قد تحاول توجيه الكاتب، فحين أنشر قصتي الأخيرة على مدونة لا أحد يستطيع حظري، وهناك أيضًا فكرة الانتشار الواسع، فقد يقرأ كتابي مئات وآلاف الناس يومًا بعد يوم، بينما أكثر طبعة من أي كتاب ألف. إبداع جماعي أما محمد علي وهو أديب فأكد أن الرهان على النشر وطريقته سيكون لصالح النشر الإلكتروني، فصحف كثيرة في الولاياتالمتحدة أغلقت أبوابها واكتفت ببوابة إلكترونية للنشر؛ وذلك بسبب صناعة الورق والطباعة ومشاكلها الكثيرة، وضرب مثالًا "بهنري فورد" الذي راهن صديقه في أوائل عصر السيارات على أن السيارات ستنتشر يومًا على حساب الحصان، فدعونا لا نكرر هذا الرهان، الرقابة حتى في الغرب يعاني منها الكتاب والنشر الإلكتروني قدم حلًا لها، والإبداع مشكلة في الفضاء الإلكتروني لسهولته لكن رغم ذلك سيفتح بابًا آخر للمشاركة في العمل الأدبي، فيبدأ أحدهم رواية ثم يتركها مفتوحة ويشارك بها غيره فتنتج عملًا أدبيًّا جماعيًّا بسهولة وهو ما لا يحدث في النشر التقليدي. إلغاء أشكال وتحدث الكاتب محمود على منصور فقال : كنا دائمًا نهتم بالمنتديات الثقافية كوسيلة من الذيوع والانتشار ثم انتقلنا إلى المجلات والصحف الإلكترونية، والآن نحن في مرحلة ازدهار المدونات والخزن الإلكتروني، أعتقد أن فضاء النشر الإلكتروني واعد بالكثير، وسيكون بابًا مفتوحًا يلج من خلاله جيل جديد يبدع نصه وينشره بمعزل عن الاشتراطات البالية للمؤسسات الثقافية الرسمية، شرط أن يخلق هذا الفضاء المفتوح أدبياته التي من خلالها يمكن أن يستمر وينمو وقد يبقى الكتاب الورقي، لكنه لن يكون ذا أولوية لدى القراء لصعوبة الحصول عليه في بلادنا العربية، وكذلك لدى الكُتَّاب والمبدعين؛ لصعوبة نشر الكتاب الورقي، النشر الإلكتروني قدم حلولًا كثيرة للمبدع وللمتلقي وساهم في نشر الثقافة وأرشفتها واسترجاعها بسهولة ويسر، لهذا أراهن كثيرًا على أن تكون له الأولوية دون حاجة؛ لأن يلغي أشكالًا أخرى من النشر، خصوصًا أن وزارات الثقافة والإعلام العربية ما زالت توظف الرقيب وتشحذ المقصات وتمنح الجوائز لجوارير الورق الرسمي.