هل هي صفقة اقتصادية، أم تصفية سياسية لمنسق العلاقات المصرية الليبية السابق "أحمد قذاف الدم"؟ فبعد القبض عليه يوم الثلاثاء الماضي في عملية مباغتة جرت بعد منتصف الليل لصباح اليوم التالي، حيث تبادلت قوات الشرطة المصرية الرصاص مع الحراس المكلفين بحماية "قذاف الدم" لأكثر من 5 ساعات.. عندما جاء " قذاف الدم "إلى "القاهرة" بعد اندلاع أحداث بنغازي في 17 فبراير من 2011 ضد نظام العقيد "معمر القذافي"، لم يكن يظن أن الحال سينتهي به إلى السجن، وأن الحكومة المصرية ستغدر به وتطيح بكافة القوانين والاتفاقيات الدولية لتبادل المتهمين وترضخ للمطلب الليبي من أجل حفنة دولارات، والسؤال الذي يطرح نفسه هل يشعر الرجل بالندم على بقائه في القاهرة وعدم المغادرة إلى "سوريا"؟ بعدما رفض عروضًا لاستقباله وضيافته من "فرنسا، وروسيا، وأمريكا"، وبناء على دعوة من "أحمد أبو الغيط" وزير خارجية مصر الأسبق وموافقة المجلس العسكري الحاكم وقتها برئاسة المشير "حسين طنطاوي"، كان بإمكانه الذهاب إلى أية دولة، إلا أنه فضل السفر إلى بلد الأمن والأمان، فهو ليس متورطًا في مسلسل الدماء التي تدفقت على الأراضي الليبية ولم يكن محرضًا - حسب قوله - بل كان ناصحًا أمينًا منذ بداية الاحتجاجات الليبية وقرر مغادرة البلاد وبعث باستقالته إلى "القذافي" على الهواء، وأكد خبراء سياسيون مصريون أن صورة مصر ستهتز كثيرًا أمام العالم في حال تسليم "قذاف الدم"؛ لأن جميع الأنظمة الحاكمة في بلاد الربيع العربي تحاول تصفية رجال الأنظمة السابقة سياسيًا ومعنويًا، بينما في حال إثبات أو وجود قضايا جنائية على الرجل فلابد من تسليمه وفق قواعد التسليم الدولي وضمان حمايته، وأوضح المراقبون أن القاهرة عليها أن تتعلم من "الإمارات وإسبانيا"، حيث رفضت الأولى تسليم الفريق "أحمد شفيق"؛ لأنها ترى اتهامات النظام الإخواني الحاكم مجرد "تصفية حسابات" من منافس الرئيس "محمد مرسي"، والثانية رفضت المحكمة العليا الإسبانية تسليم "حين سالم" رغم صدور أحكام قضائية ضده؛ لأن المحكمة لا تطمئن إلى وجود محاكمة عادلة له في مصر في ضوء مجريات الأحداث التي تشهدها البلاد. عصمت الميرغني رئيس اتحاد المحامين "الأفرو آسيوي" كشف، عن وجود اتفاقية موقعة بين "قذاف الدم" ووزارة الداخلية المصرية تنص على تشكيل قوة من الوزارة لحمايته وليس للقبض عليه، وما حدث من السلطات المصرية "خيانة" للعهد، لافتًا إلى أن الإنتربول المصري أو الدولي ليس له الحق في إصدار نشرة حمراء للقبض على أي شخص متهم باتهامات سياسية وليست جنائية، ولو افترضنا أن "قذاف الدم" متهم في قضايا جنائية لابد من إثبات الجرائم وتوثيقها بالأدلة والبراهين الدامغة ويتم الحكم في القضية وبناء عليه تخاطب الشرطة الدولية الدولة المضيفة لهذا الشخص للقبض عليه وتسليمه لبلاده وفق قواعد التسليم الدولية المعترف بها، موضحًا أن "مصر وليبيا" موقعتان على الاتفاقية العربية لحقوق الإنسان، والتي تلزم بتوفير الحماية الكاملة لأي مواطن يطلب حق اللجوء السياسي طالما شعر بالخوف أو ما يهدد حياته في موطنه الأصلي، وهو ما لم يحدث مع "قذاف الدم"، بل على العكس خرقت السلطات الأمنية الاتفاقية الموقعة وقامت بالقبض عليه، واقتحام منزله من فرق العمليات الخاصة المصرية "الملثمون" وكأنه "إرهابي" في تنظيم القاعدة، ورغم أن المكلفين بحمايته تابعون لوزارة الداخلية كان من الممكن مخاطبتهم من جانب النائب العام للقبض عليه بهدوء دون تبادل الرصاص، ولكن النظام كان يرغب في توريط الرجل في قضايا حيازة واستخدام السلاح ومقاومة السلطات. غرض سياسي ومن جانبه قال د. محمد حمودة المحامي بالنقض: إن القبض على "قذاف الدم" تم لغرض سياسي خبيث خفي من جانب السلطات المصرية والليبية مقابل صفقة مالية لإنقاذ الاقتصاد المصري، وترضية الجانب الليبي والتضحية بأقارب نظام "القذافي" أو المحسوبين عليه سياسيًا، لافتًا إلى أن النائب العام المستشار "طلعت إبراهيم" تصرف بأوامر إخوانية من مكتب الإرشاد بالقبض على "قذاف الدم" بعد إرسال الإنتربول الليبي مذكرة تتضمن اتهامين الأول: متعلق باستيلائه على 150 مليون دينار ليبي لإنشاء شركة زراعية في مصر، رغم أن هذه الشركة ملك للاستثمارات الليبية وليست شركة خاصة بأعمال الرجل، والآن وصل استثمارات هذه الشركة إلى أكثر من 700 مليون دينار، أما الاتهام الثاني، يتعلق بتزوير جواز سفر في مايو 2011، رغم أن الجواز صادر من طرابلس وبأمر من السلطات الليبية، موضحًا أن جميع التهم الموجهة ل"قذاف الدم" ينقصها الأدلة الكافية، ولا يصح أن يشارك النظام الحالي في عقد صفقات على حساب الوطن؛ نظرًا لأن تسليم الرجل رفق هذه الاتهامات أمر مضحك وتهريج سياسي أمام العالم، ومن العيب أن يلوث بعض المسئولين سمعة مصر الدولية مقابل دولارات المجلس الانتقالي الليبي، مستنكرًا زيارة رئيس المخابرات الليبي التي تأتي لترتيب ترحيل "قذاف الدم"، كونه مطلوبًا ضمن 21 شخصية ليبية من عناصر النظام الليبي السابق موجودين في مصر. وفي رأي د. أيمن نور رئيس حزب غد الثورة، أن مشاركة قنصل ليبيا في واقعة اقتحام منزل "أحمد قذاف الدم" مع الشرطة المصرية، يؤكد أن تسليم الرجل سيتم حتمًا وفق صفقة مرتبة وممنهجة جيدًا، حتى وإن نقصت الأدلة القانونية الداعية لتوقيف الرجل، موضحًا أن التضحية بقذاف الدم لإرضاء الشعب الليبي الثائر "عار" على القاهرة؛ نظرًا لأنه طلب حق اللجوء السياسي للبلاد من المشير "حسين طنطاوي" وقت إدارته للبلاد، كما أن المكلفين بحراسته ضباط وأفراد من وزارة الداخلية المصرية، وتسليم "قذاف الدم" وفقًا للمذكرة التي نشرتها السلطات الليبية باختلاسات مالية أو حمل جواز سفر مزور "أسباب قانونية واهية"، لا يصح بمقتضاها مخاطبة الإنتربول الدولي أو المصري لاقتحام منزل الرجل بالصورة السيئة التي شاهدها العالم، موضحًا أن رجال الأنظمة السابقة في دول الثورات العربية أو ما يسمون "الفلول" انتشروا وهربوا في جميع الدول العربية والأجنبية، ورغم الغضب الشعبي من هروبهم والضغط السياسي والجماهيري على الحكومات والأنظمة الجديدة لتعقبهم ومحاكمتهم، إلا أن مخاطبة هذه الدول لتسليمهم لابد أن تكون وفقًا للمعايير الدولية وليست وفقًا لتصفية أو انتقام سياسي، مشيرًا إلى أن جميع الدول ترفض تسليم الهاربين إليها لأنها تقتنع أن ملاحقات سياسية، حتى وإن كانوا مدانين في جرائم مالية أو جنائية، إلا أنها لا تطمئن إلى إجراء محاكمة عادلة، وتتخوف من خضوع القضاء لضغط الجماهير والسلطة عند إصدار الأحكام. انقلاب مفاجئ وبدروه تعجب محمد أبو حامد رئيس حزب الحياة تحت التأسيس، من ترك الحكومة المصرية "قذاف الدم" وجميع أفراد "معمر القذافي" أحرارًا داخل البلاد كل هذه الفترة، ثم فجأة انقلبت عليهم وقررت اعتقالهم، موضحًا أن الجانب المصري رضخ للتهديدات الليبية منذ أن تم منع الشاحنات المصرية المحملة بالأغذية من عبور منفذ السلوم مرورًا إلى "طرابلس"، ثم فرض تأشيرات دخول، والتلويح بطرد العمالة، وأخيرًا القبض على أقباط مصريين على ذمة قضية "التبشير"، مشيرًا إلى أنه يأمل في تحسين العلاقات بين البلدين ولكن بعيدًا عن "بيع" من يحتمي بالبلاد، وحتى عندما يطالب الليبيون بتسلم رجال النظام السابق وأنصار "القذافي"، علينا أن نتأكد أنهم لن يلقوا محاكمة عادلة في بلادهم، وعلينا أن نقر ونعترف بأن الفترة الانتقالية في بلاد الربيع العربي متوترة والأنظمة الحاكمة تخضع لمطالب الجماهير، ولكن المواثيق والأعراف الدولية الخاصة بتبادل المتهمين ستجعل مصر بلدًا لا تحترم القانون أو الأعراف الدولية، بسبب ما حدث مع "قذاف الدم"، وترحيله إلى ليبيا قبل استيفاء الشروط المقررة للتسليم أو الأدلة الدامغة على تورطه في قتل ثوار ليبيا سيكون مخالفًا للدستور، لأن المادة 57 تلزم الدولة منح حق اللجوء السياسي لكل أجنبي حُرم في بلاده من الحقوق والحريات السياسية، وإذا صح ما يقال عن حمل "قذاف الدم" الجنسية المصرية أو تنحدر أصوله إلى قبيلة "أولاد علي" المصرية، فسيكون موقف مصر الدولي سيئًا للغاية، لأنه لا يصح ترحيل مصري إلى بلد آخر لمحاكمته هناك. سياسي وليس جنائيًا وأوضح حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن قرار اعتقال "قذاف الدم" الصادر من الإنتربول الليبي ووافق عليه الإنتربول المصري سياسي أكثر منه جنائي ويأتي ضمن صفقة اقتصادية يرعاها "خيرت الشاطر" نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين تقدر بحوالي 3 مليارات دولار لترميم انهيار الاقتصاد المصري المتهاوي، واصفًا ذلك بأنها "فضيحة" اقتصادية وسياسية للنظام الحالي وإساءة لسمعة مصر أمام العالم، لافتًا إلى أنه لا يجب على السلطات المصرية تسليم "قذاف الدم" للسلطات الليبية؛ لأن الوضع القضائي الليبى غير مستقر، بالإضافة إلى انتشار وتزايد عمليات تعذيب وقتل المعارضين وأنصار الرئيس الراحل "معمر القذافي"، وبالتأكيد سوف يلاقي "قذاف الدم" نفس المعاملة أو سيتم اغتياله وتصفيته جسديًا، ولذلك على الجانب المصري أن يتأكد أنه لن تنتهك حقوقه الإنسانية في حال الإصرار على تسليمه، في حال تأكيد التهم الموجهة إليه من سلطات بلاده، لافتًا إلى أن "مؤسسة الرئاسة" في مصر تتعامل بازدواجية، ففي الوقت الذي تقف فيه صامتة أمام الهاربين والمتورطين من حركة "حماس" في قتل جنودنا الأبرياء على الحدود، نجدها تلقي القبض على منسق العلاقات الليبية المصرية الأسبق من أجل حفنة دولارات، ومؤخرًا أعلن وزير البترول أن ليبيا وافقت على تكرير مليون برميل من البترول المصري شهريًا لتوفير احتياجات المصريين من السولار، والموافقة جاءت ضمن الصفقة التي عقدها النظام الإخواني مع الجانب الليبي مقابل تسليمهم "قذاف الدم".