بعد إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في السادس من نوفمبر الماضي لولاية رئاسية جديدة مدتها أربع سنوات، عاد مسلسل الحديث عن التحولات القادمة الواعدة في سياسة البيت الأبيض، خاصة في منطقة الشرق الأوسط للبحث عن طريق إكمال مسيرة ترسيخ الديمقراطية وإحلال السلام في أشد منطقة ملتهبة حول العالم، سواء على صعيد دول الربيع العربي، أو البرنامج النووي الإيراني، أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والوضع الحالي في سوريا، وغيرها من الأمور والقضايا العالقة والشائكة، في أول جولة خارجية له في ولايته الثانية بعد نحو أربعة أشهر من ولايته الجديدة استهل "أوباما" جولته الشرق أوسطية التي تستغرق 4 أيام فقط، لتشمل "الضفة الغربية، والأردن، وإسرائيل"، وأوضح خبراء سياسيون أن الرئيس الأمريكي يحاول فرض إثبات التزامه تجاه الدولة العبرية وأمن الشعب الإسرائيلي، بعد تزايد الخلافات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"؛ لأنه دعم المرشح الجمهوري "ميت رومني" في الانتخابات الأمريكية السابق، فضلًا عن احتمالية أن يكون الهدف الخفي من وراء الزيارة الترتيب لضرب "إيران" خلال الفترة القادمة وإعطاء الضوء الأخضر ل"تل أبيب" لشن العملية العسكرية، ويبقى عدم وضع اسم "مصر" على جدول أعمال الرئيس الأمريكي بمثابة "سخط" على النظام الحالي الذي خيب توقعات البيت الأبيض في قدرته على انتشال "القاهرة" من أزمتها السياسية والأمنية، إلا أن توقعاتهم باءت بالفشل، ولذلك يرغب الرئيس "محمد مرسي" في إحداث توازن بين السلطة والمعارضة من أجل استمرار الدعم الأمريكي لنظامه الحاكم. د. جمال عبد الجواد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية قال: إن زيارة الرئيس الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط تعكس رؤيته في محاولة وجود اتفاق سلام وإقامة دولتين بين "إسرائيل وفلسطين"، خاصة بعد كثرة التقارير التي تفيد بوجود خلاف بين "أوباما ونتنياهو" والتي ازدادت حدتها أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية، والتي دعم فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي المرشح الجمهوري "ميت رومني" بشدة، بالإضافة إلى أن الزيارة تحمل بين طياتها دعم أمريكا المتواصل لأمن وأمان الشعب والدولة العبرية، حيث يرغب في تجاوز سوء التفاهمات السابقة والعلاقة الفاترة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بعد أن ظهرت صورة أوباما كمعادٍ لإسرائيل وكرئيس لا يحمل أي ارتباط عاطفي لهذا البلد، لافتًا إلى أنه من المحتمل أن يمارس "أوباما" ضغوطًا على "نتنياهو" لتجميد سياسة الاستيطان التي تنتهجها إسرائيل بقوة هذه الفترة، كما أنه من المحتمل أن يكون هدف الزيارة السري تخويفًا وترهيبًا "لإيران" بشأن برنامجها النووي، أو الترتيب لشن ضربة جوية على المنشآت النووية الإيرانية لعرقلة سير حصولها على سلاح نووي، يقلب موازين القوة العسكرية في الشرق الأوسط. وفي رأي د. عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أن زيارة أوباما للشرق الأوسط محاولة لفرض واقع البيت الأبيض نحو ما يحدث في المنطقة الأكثر سخونة سياسية في العالم، خاصة بعد تراجع دور أمريكا في السياسة الخارجية خلال ولايته الأولى، وعلو صوت "روسيا والصين" وبعض الدول مثل "إيران وكوريا الشمالية" وغيرها من الدول التي لم تعد ترحب بالتعاون والتحالف الأمريكي، بالإضافة إلى أن شعوب دول الربيع العربي تحمل سخطًا على استمرار تعاون رؤسائها الجدد بنفس منطق الخضوع والركوع أمام الأوامر والتعليمات والتوجيهات الأمريكية فيما يخص شئونها الداخلية، مؤكدًا أن أوباما لم يقم بوضع "القاهرة" على جدول زيارته؛ لشعوره بالندم على دعم جماعة الإخوان المسلمين في الوصول إلى حكم البلاد؛ نظرًا لأنه كان يتوقع انتشال هذه الجماعة "مصر" من الفوضى، ومحاولة لتوفيق الأوضاع مع "إسرائيل"، نظرًا لأن الإخوان ستقوم بتلجيم "حماس" عسكريًا باعتبارها الجناح الإخواني في فلسطين ضد "تل أبيب"، ولكن ما حدث أن حكم الرئيس "محمد مرسي" زاد من أزمات البلاد وانقسم المصريون بين السلطة والمعارضة. زيارة شكلية في حين يرى د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، أن الزيارة "شكلية" في المقام الأول، ولن تشكل إطلاقًا خطوة للأمام فيما يخص تسوية الصراع "الفلسطيني الإسرائيلي"، وإنما تأتي لترتيب أوراق المنطقة وتحقيق تفوق إسرائيل في القوة والنفوذ، كما أن "أوباما" سيزور المسجد الأقصى بحماية الجيش الإسرائيلي وهو ما يعكس إضفاء شرعية زائفة للاحتلال على المسجد، كما أنه لن ينسى زيارة "حائط المبكي"، مما يؤثر بالسلب على مشاعر المسلمين في فلسطين ومختلف أنحاء العالم، ولذلك لن يستطيع الرئيس الأمريكي بسط نفوذه وضغوطه على "تل أبيب" لوقف عمليات الاستيطان المنظمة، أو العقوبات الجماعية والتعسفية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، أو إحلال السلام بين الدولتين، ولكنها محاولة لتكريس ودعم نفوذ الاحتلال وتعزيز للعلاقات الثنائية الأمريكية مع الكيان الصهيوني، موضحًا أن "أوباما" يريد من وراء زيارته "للضفة الغربية" إمساك الأوراق الضاغطة على الرئيس "محمود عباس" لوقف مسعاه نحو الأممالمتحدة بعد حصول "فلسطين" على صفة "دولة مراقب" في معركة دبلوماسية ناجحة رغم الرفض الأمريكي، مما يعد استمرارًا لسياسة الإدارة الأمريكية المزدوجة وغير المنصفة تجاه الفلسطينيين، لافتًا إلى أن الزيارة ستفوح نتائجها العسكرية قريبًا وإضافة المزيد من القتل والإرهاب والدعم لإسرائيل على جميع الأصعدة تجاه "غزة وطهران". بينما أشار د. مصطفى علوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى إمكانية وجود فرصة تاريخية أمام أوباما خلال زيارته الحالية للجلوس على مائدة المفاوضات، بشرط أن تتخلى واشنطن عن سياستها المنحازة لإسرائيل، وعمل على إعادة الحقوق الضائعة للشعب الفلسطيني وإقامة دولتين ووقف الاستيطان؛ لأن استمرارها مشكلة تجعل من حل الدولتين أمرًا مستحيلًا، بجانب تطبيق ما وعد به شعوب المنطقة بعيدًا عن ضغوط المال واللوبي الصهيوني، موضحًا أن الرئيس الأمريكي منذ توليه الرئاسة في ولايته الأولى أكد على دعمه الكامل في إنشاء دولة فلسطينية، وعلى الرغم من ذلك فشل في إجراء محادثات سلام بين الجانبين طوال سنوات حكمه الأولى، لذلك ستكون الزيارة لتبادل الآراء مع قادة المنطقة من دون تقديم أي مقترحات للتقدم في عملية السلام، أو تسوية النزاعات السياسية سواء في سوريا أو إيران، وكل ما سيفعله الدفع باتجاه التقدم البسيط الذي من شأنه أن يزيد من الاستقرار في المنطقة بما لا يضر مصلحة أميركا وأمن إسرائيل. وفي السياق ذاته أكد د. عمرو الشلقاني، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إن أوباما سيظل معارضًا للقرار الفلسطيني بعد التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعطاء فلسطين صفة دولة غير عضو أو "مراقب"، كما أن عدم قدرته على منع الاستيطان الإسرائيلي، وموافقته على استمرار تزايد الاعتداءات على المواطنين وممتلكاتهم وتهجيرهم من بيوتهم من قبل قوات الاحتلال لطمس الهوية العربية والجغرافية، أثبت للعالم في ولايته الأولى أنه شخص فاقد الكاريزما السياسية، ولن يستطيع تقديم أفضل ما لديه، ليس لأنه يمتلك الحلول ولكن لعجزه وضعف شخصيته حتى أصبح يهود أمريكا أو ما يطلق عليهم "اللوبي الصهيوني" يتدخلون في قراراته، لافتًا إلى أن تزايد التوتر السياسي الذي يخيم على دول الربيع العربي "مصر وتونس وليبيا"، فضلًا عن وجود حرب أهلية تدور رحاها في سوريا، يعكس عدم قدرته على فرض الهيمنة الأمريكية ضد الفيتو "الروسي الصيني"، وهو ما أدى إلى تفوق في السياسية الخارجية ل"موسكو" أحرج الإدارة الأمريكية كثيرًا، بجانب الصعود الصيني في المجال الاقتصادي والعسكري الأمر الذي جعلها المنافس الجديد والقوى لأمريكا، وأيضًا عدم اهتمام "إيران" بالعقوبات أو التهديدات الأمريكية أفقدها هيبتها الدولية، ولا عجب في أن تصبح زيارة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط مجرد فرقعة وضجة إعلامية تنتهي سريعًا.