هل يمكن أن نبعد أبصارنا قليلاً عما يجري بيننا. كي نلقي نظرة علي ما يجري حولنا؟ هل يمكن أن ننزع أقدامنا - قليلا - من الوحل السياسي الذي نغوص فيه لنتابع أخطارا تهب حولنا؟.. ما يجري حولنا كثير ومهم ولا يجوز بأي حال تجاهله منذ قريب استقبلت بلادنا وزير الخارجية الأمريكي "الجديد" وهو شخصية معروفة لدينا وكانت زيارته في إطار جولة شملت عددا من عواصم المنطقة ومن أسف أننا لم نهتم إلا بما حدث له عندنا ولم نربط هذا بما سمعه وما قاله وطرحه في العواصم الأخري التي زارها ولم نتابع نتائج ما قام به في هذه العواصم مما يرتبط أوثق ارتباط بمحادثاته هنا وما جري فيها باختصار ان طوق العزلة الذي يحاول البعض أن يفرضه علينا يجب أن يكسر لكي تمتد أبصارنا إلي كل ما يجري في إقليم أصبح في حالة فوران وغليان بشكل غير عادي.. ولعل ما حدث بشأن جولة وزير الخارجية الأمريكي لا يجوز أن يتكرر مع جولة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي من المقرر أن يصل إلي "القدس" قبل ظهر يوم الأربعاء المقبل وذلك في إطار جولة تشمل مقر السلطة الفلسطينية في رام الله ثم العاصمة الأردنية عمان وعواصم أخري ومنذ حوالي شهر تحظي زيارة أوباما لإسرائيل بتغطية إعلامية واسعة ربما لم تحظ بها من قبل أي زيارة أخري قام بها رئيس أمريكي لإسرائيل وفي هذه التغطية حاولت بعض التحليلات أن تقلل من شأن الزيارة ومما يمكن أن تسفر عنه في ظل الظروف القائمة إقليميا ودوليا ووصل هذا إلي حد وصفها بأنها "زيارة مجاملة" في حين أضفي آخرون أهمية خاصة علي الزيارة وما يمكن أن تسفر عنه خاصة في مجال "العلاقة الشخصية" بين أوباما وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي من المتوقع أن يكون قد انتهي قبل وصول أوباما من تشكيل ائتلافه الحكومي الجديد ومما لاشك فيه أن زيارة الرئيس الأمريكي لإسرائيل أهم كثيراً من العلاقة الشخصية بين أوباما ونتنياهو.. دون أن ننسي أن هذه العلاقة الأخيرة كانت قد وصلت إلي مدي غير مسبوق خاصة بعد أن أعلن نتنياهو عن تأييده للمرشح الجمهوري ضد أوباما في الانتخابات التي جرت في نوفمبر الماضي.. وقد زاد هذا من "غضب" الرئيس الأمريكي من رئيس الوزراء الإسرائيلي. أوباما : نتنياهو جبان سياسي وساءت العلاقات "الشخصية" بين أوباما ونتنياهو أكثر فأكثر بعد أن نشر الصحفي الأمريكي "جيفري جولدبرج" مقالا بعنوان "أوباما يتحدث" في منتصف يناير الماضي ونسب كاتب المقال إلي أوباما قوله في أحاديث خاصة: "إن إسرائيل لا تعرف مصالحها" وأن نتنياهو يسوقها نحو العزلة التامة.. وفي الشأن الفلسطيني قال "جولدبرج" إن أوباما يري في نتنياهو جبانا سياسيا وانه أسير جماعات ضغط المستوطنين ولن يجرؤ علي القيام بتحرك حقيقي نحو الفلسطينيين ولذلك فانه لا يستطيع أن يصدق كلمة واحدة تخرج من فم نتنياهو وهو لا يعتمد عليه ولا يراه حليفا يمكن العمل معه.. وفي 16 يناير الماضي ذهبت صحيفة "يديعوت احرونوت" إلي أن رئيس الولاياتالمتحدة "يريد أن ينقذ إسرائيل من قيادتها".. كان هذا قبل أسبوع من الانتخابات الإسرائيلية لذلك سارع نتنياهو إلي الإعلان عن عطاءات جديدة لاقامة وحدات سكنية في مستوطنتي "كريات أربع" و"دافرات" وردا علي ما قاله أوباما أطلق نتنياهو تصريحا قال فيه: في السنوات الأربع الأخيرة صمدنا في وجه ضغوط شديدة.. فقد طالبونا بكبح جماح العمل ضد إيران وبالانسحاب إلي حدود 1967 وأرادوا ألا نبني في القدس وألا نقسم القدس وقد تصدينا لكل هذه الضغوط وكرر نتنياهو القول بأنه لن يجمد البناء في القدس وشبه ذلك بنزع قلبه! ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد شن الإسرائيليون واللوبي اليهودي والصهيونيون في أمريكا حربا شعواء ضد المرشحين اللذين اختارهما أوباما لشغل منصبي وزير الخارجية ووزير الدفاع وهما جون كيري وتشاك هاجل وعلي عكس ما حدث من أوباما في ولايته الأولي حينما سحب مرشحه لأحد المناصب في البيت الأبيض بعد أن طارده الصهاينة الأمريكيون بادعاءات مختلفة فانه في هذه المرة تمسك بمرشحيه للخارجية والدفاع واستطاع أن يتغلب علي الاعتراض الصهيوني خاصة ضد تشاك هاجل الذي تعرض لموجة عنيفة من الهجمات الصهيونية التي وصلت إلي حد اتهامه بمعاداة السامية وبكراهية إسرائيل والوقوف ضد اللوبي الصهيوني في أمريكا وانه موال لإيران ويرفض استخدام القوة ضد مشروعها النووي وضد الاستيطان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وأنه دعا إلي فتح حوار مع حركة "حماس" ومع إيران أدت هذه الحملة إلي أن ينفي البيت الأبيض ترشيحه لهاجل ثم عاد فأعلن في 7 يناير الماضي الترشيح رسميا.. وعندئذ ازداد الهجوم الصهيوني ضراوة وبعد استجواب ساخن في مجلس الشيوخ تم الاعتراض علي المرشح لوزارة الدفاع ولم يحصل علي الأغلبية المطلوبة إلا في جولة تالية.. وهذا ما دفع "ستيفن والت" أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد إلي أن يكتب: إن هذا التعيين يجعلنا نقف أمام سؤال: هل لايزال التأييد الطبيعي لكل شيء إسرائيلي شرطا مسبقا لكل قرار سياسي يتخذ في أمريكا؟.. ومجرد طرح مثل هذا السؤال يثير ثائرة الإسرائيليين والصهاينة الأمريكيين لأنهم جميعا لا يقبلون إلا بتأييد أمريكي بنسبة 100% وانخفاض نسبته 1% فقط يجعلهم يملأون الدنيا صياحا بأن أمريكا تتخلي عن إسرائيل.. ولعل هذا ما دفع هاجل إلي أن يعلن بعد تعيينه وزيرا للدفاع بشكل رسمي أن تأييده لإسرائيل مطلق ولا لبس فيه. الدولة الفلسطينية مهمة تاريخية وبرغم هذه الخلافات وربما بسببها يبدأ الرئيس الأمريكي ولايته الثانية في أول جولة يقوم بها خارج أمريكا منذ إعادة انتخابه بزيارة إسرائيل ليثبت ما سبق من ان زيارة الرئيس الأمريكي لها أكثر أهمية من العلاقات بين أوباما ونتنياهو.. والسؤال هنا. هل صحيح ما ادعاه كاتب إسرائيلي من أن أوباما يري ان إقامة الدولة الفلسطينية "مهمة فرضها عليه التاريخ" وأن كل جهوده ستتركز علي حل المشكلة الفلسطينية وأن هذا هو السبب الحقيقي لهذه الزيارة لأن غياب حل المشكلة الفلسطينية عائق أمام تقرب أمريكا من العالم الإسلامي. صحيح أن أوباما يؤكد ويكرر أنه مع قيام دولة فلسطينية ومع وقف الاستيطان في الضفة والقدس المحتلتين وهذا ما أعلنه منذ بداية ولايته الأولي في يناير 2009 مع ذلك لم تتحول أقواله إلي أفعال ولم يستطع أن يضغط لوقف الاستيطان الإسرائيلي بشكل كامل وتؤكد المصادر الأمريكية أن أوباما لا يحمل في زيارته لإسرائيل في الأسبوع المقبل أي مبادرة جديدة لتسوية القضية الفلسطينية وأن قصاري جهده في هذه الزيارة هو الدعوة والعمل لاستئناف مفاوضات التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية.. ونتنياهو نفسه لا يعارض هذا بشرط ألا تكون هناك "شروط مسبقة" وهذا ما لا يقبله المفاوض الفلسطيني الذي يربط استئناف المفاوضات بوقف الاستيطان بشكل كامل وفي محاولة للتغلب علي ذلك ذكرت مصادر أمريكية انه يمكن ان تسفر زيارة أوباما عن بيان يعلن الاستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية كما وردت في قرار منح فلسطين العضوية غير الدائمة في الأممالمتحدة علي أن يتم هذا في مسار المحادثات المستأنفة وغالبا لن يتسرع أوباما بطرح مبادرة للتسوية وهناك من يتوقع انه قد يدعو إلي مؤتمر دولي بالتوافق مع موسكو وبكين يبحث طرح تسوية متكاملة لشئون منطقة الشرق العربي خاصة وأن اجتماعي أوباما ونتنياهو في اليومين الأول والثاني من الزيارة سيتطرقان إلي القضايا الاقليمية وعلي رأسها سوريا وإيران والأوضاع غير المستقرة في المنطقة.. وهي أوضاع قد تصب بشكل أو آخر في مصلحة أمريكا وإسرائيل.. وقريبا بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة سنتبين إلي أين تتجه بوصلة الأحداث بالنسبة لأوباما ونتنياهو وللمنطقة ككل.. واسلمي يا مصر.