عانى المصريون لسنوات طويلة بسبب الفجوة العميقة التي كرزها النظام السابق بين طبقاته بسبب الفارق الشاسع بين الأجور وعدم وجود عدالة في عملية التوزيع، وهو ما كان أحد المطالب الأساسية لثورة 25 يناير وهو السبب الأساسي لمعظم الاعتصامات الفئوية وحالات الاحتقان التي شهدتها مصر على أكثر من مستوى، حيث شهدت البلاد في أقل من عشر سنوات نحو 1900 إضراب وأشكال متنوعة من الاحتجاجات التي شارك فيها أكثر من 1.7 مليون عامل، وذلك وفقًا لتقرير مركز التضامن العمالي الدولي، ولذلك مطلوب من الحكومة الحالية إجراءات سريعة في مجال العدالة الاجتماعية؛ حتى يطمئن الشعب أن هناك خطوات ملموسة تساعد على تحقيق هذه العدالة في القريب العاجل. وقد تم مؤخرًا الإعلان عن دراسة تقوم بها كل من وزارة المالية والقوى العاملة والتضامن الاجتماعي لإعداد تصور نهائي لهيكلة الأجور الجديدة ترى أنه سيعالج مشكلة تفاوت الأجور وعدم تناسب الأجر الأساسي مع ما يتم صرفه أو ما يعرف بإجمالي المرتب كما يتضمن الهيكل الجديد الربط بين زيادة الإنتاج والزيادات المستحقة ويساعد العامل على مواجهة مشكلة ارتفاع أسعار السلع التي تشهد ارتفاعًا عالميًا بمعدلات تجاوز البعض منها 140 % . في هذا الإطار أكد د. سمير رضوان وزير المالية الأسبق إنه لابد من الإعلان عن خارطة طريق لموضوع إصلاح الأجور، على أن يتم بعد ذلك البدء في خطوات بحث الأرقام وتحديد التكلفة على الموازنة وما إذا كان سيتم ربط الأجور بالإنتاجية. وأوضح أن "الأجر" في مصر يشمل " الأجر الأساسي" و "العلاوات" وهي تشمل: " علاوات مضمومة"، و"علاوات غير مضمومة"، و"علاوة اجتماعية"، و"علاوة جهود غير عادية"، و"علاوة جهود غير عادية إضافية"... وغيرها الكثير في حين أن استمارة الأجر في الخارج وفي المنظمات الدولية - مثلًا - عبارة عن ثلاثة بنود وهي "المرتب" و"الزيادة السنوية" و"الإثابة عن التميز في العمل" إن وجد. ونوه إلى أن الحد الأدنى للأجور في مصر هو "خط الفقر".. لافتًا إلى أن المشكلة هي التفاوت في الدخل وليس التفاوت في الأجور.. مشيرًا إلى أن التفاوت في "السلم العالمي للأجور" مثلًا هو 1 إلى 20 وهو الحال في مصر، موضحًا أن الدخل يشمل البدلات عن حضور اجتماعات وجلسات اللجان وغيرها بما يصل بالدخل إلى أرقام كبيرة والمطلوب هو تحديد العلاقة بين الحد الأدنى والأقصى. كما أشار تقرير صادر عن لجنة الحريات النقابية والعمالية التابعة لمنظمة العمل الدولية تحت عنوان "العدالة من أجل الجميع .. الصراع من أجل حقوق العمال في مصر" إلى تباين الأجور في مصر إلى ما يضاف على الأجر الأساسي حيث تمثل الإضافات ما يقرب من 75 % من إجمالي الراتب الشهري، وتتمثل الإضافات في المكافآت التي تستحوذ على 30.7 % من الأجر بالإضافة إلى المزايا النقدية 10.4 % والمزايا التأمينية 11.5 % وبدلات ومزايا عينية أخرى 6.8 %. وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من تدني مستوى الأجور في مصر إلا أن وحدة العمل مرتفعة التكلفة بسبب انخفاض مستوى الإنتاجية، وأكدت أن تكلفة العامل في مصر مرتفعة للغاية مقارنة ببعض الدول المنافسة، مشيرًا إلى أن العامل المصري يحصل على ثلاثة أضعاف أجر العامل الأندونيسي تقريبًا رغم أن إنتاجية الأخير أكبر، وطالبت الدراسة بإعادة النظر في سياسة الأجور الحالية حتى تتحول إلى أداة من أدوات السياسة الاقتصادية في جذب الاستثمارات الجديدة، وشددت الدراسة على أن يكون تحديد الأجور بناء على المهارة والكفاءة وليس الأقدمية والدرجة العلمية. وأشار إلى أن الفرق بين متوسط أقل وأعلى أجر شهري في الجهاز الحكومي وصل إلى 30 ضعفًا حيث بلغ متوسط الأجر الشهري لموظفي شركات قطاع الأعمال العام 7156 جنيهًا في حين لا يزيد متوسط الأجر الشهري لنظرائهم في وزارة الأوقاف على 235 جنيهًا فقط، ويرتفع قليلًا إلى 408 في وزارة القوى العاملة بينما يصل إلى 432 جنيهًا في وزارة الري، ويقفز هذا الأجر ليصل إلى 5283 جنيهًا في المجلس القومي للمرأة وينمو بشكل كبير في وزارة الخارجية ليبلغ 6059 جنيهًا في الشهر. وأكد خبراء اقتصاديون أن ربط الأجور بالإنتاج هو السبيل الوحيد لتحسين مستوى دخل الفرد وخلاف ذلك يعرض اقتصادنا لمشاكل كثيرة.. قالوا: إن العبرة ليست في زيادة الدخل وإنما في توافر السلع والخدمات بأسعار مناسبة فالندرة تلتهم الزيادة في الأجور وبذلك يرتفع معدل التضخم. وقالوا: إن تعديل سوق العمل وإعادة تأهيل العمالة وفقًا لاحتياجات السوق يرفع من مهارة العامل التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج.. وإن البطالة المقنعة ستصبح آفة الهيكل الجديد للأجور، حيث تؤدي إلى الحصول على أجر بدون إنتاج، قالوا: إن أساليب المجلس الأعلى للأجور في تحديد الحد الأدنى للأجر عشوائية لا تعتمد على المعايير العلمية العلمية العالمية والدليل أن جميع القرارات التي اتخذها المجلس بشأن الحد الأدنى للأجور في الماضي لا تحقق التوازن بين الأجور والإنتاج. وأشار د. مختار الشريف أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، أن سوق العمل الحالي غير منظم ولا يسمح بأي تعديلات فورية في الأجور، ولابد أن يتم التعديل على مراحل تدريجيًّا كما أكد على أهمية ربط أجر العامل بالإنتاجية حتى يكون الأجر عادلًا ويكون حافزًا على زيادة الإنتاج. وأوضح أنه يجب معرفة الفرق بين الحد الأدنى للأجور ومستوى المعيشة، فالحد الأدنى للأجور هو أول أجر يحصل عليه العامل عند التحاقه بالعمل لأول مرة أما مستوى المعيشة فهو الرقم الذي يتفق عليه المجتمع للحصول على الحد الأدنى للأجر الذي يوفر له حياة كريمة.. وأكد صابر بركات عضو اللجنة المصرية لحماية حقوق العمل، أن الأجر العادل هو الآلية الرئيسة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخول وتقسيم القيمة المضافة للعملية الإنتاجية بين العمال وأصحاب العمل.. وقال: إن أسس تحديد الأجر العادل تتضمن تحسين مستوى معيشة العامل وأسرته لتتناسب مع باقي الدخول في المجتمع والمساواة بين المهن المماثلة لتتناسب مع الظروف الاقتصادية لمنشآت العمل. وأشار بركات إلى أهمية تحديد الحد الأدنى للأجور رسميًا ليمثل التزامًا من الدولة تجاه العاملين بأحكام التشريعات والقضاء ولضمان مستوى معيشة لائق بالعمال وأسرهم ويجب مشاركة العمال وأصحاب العمل على قدم المساواة من خلال ممثلين محل ثقة. كما أكد د. عبد الفتاح الجبالي نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية أن ضمان الدخل الكريم للعمال لكي يتلاءم مع مستويات المعيشة لن يتحقق إلا بتغيير قوانين الدستور، موضحًا أن الدستور يقتصر على مبادئ سطحية لتحديد الأجور ويغفل عددًا من المبادئ الأساسية المهمة. وأضاف " ليس من المنطقي أن نظل نتحدث عن حد أدنى للأجور وحياة كريمة للعمال بدون أن يتوافق معها وضع أطر تشريعية تضمن تنفيذ القطاع العام والخاص له فسوق العمل في مصر يعاني من التشوهات تصل نسبة قطاعه غير الرسمي إلى 47 % من إجمالي العاملين في المجتمع وهو أمر لا يجوز في بلد يرغب في التقدم، وطالب الجبالي بإعادة النظر في تكوين الكادرات الخاصة محذرًا من الهياكل الموازية التي ظهرت نتيجة أن الجهاز الحكومي محكوم لا تنظمها قواعد وقوانين محددة.