عقد الرئيس مرسي لقاءا شاملا دعي فيه جميع الأحزاب بلا استثناء لتنفيذ مقترحاتها لضمان حرية ونزاهة الانتخابات القادمة ولكن المعارضة بزعامة جبهة الإنقاذ لم تلب الدعوة وأعلنت في ذات الوقت مقاطعتها للانتخابات وتضمن اللقاء مع الرئيس اقتراحات هامة من الأحزاب والشخصيات المشاركة واكد الرئيس تعهده بنزاهة الانتخابات كما ابقى بابه مفتوحا للقاء اي حزب معارض من اجل التوصل لاستكمال مؤسسات الدولة بانتخاب مجلس للنواب، وفي كلمتي الموجزة في اللقاء تحدثت في العموميات فطالبت الرئيس بالحلم والصبر ثم الحزم والعزم ونبهت الى ان في المعارضة مناضلين شرفاء لهم تاريخهم النضالي وناشدت الجميع أنقذوا مصر. والحقيقة انه يكاد كل مصري ان يبكي بدلا من الدموع دما خوفا بل هلعا لما يقودنا اليه صراع سياسي مجنون يعزف عن استخدام ادوات الصراع السياسي المطلوب والمشروع ليسقط رهينة لتوظيف الكراهية والحقد والمولوتوف والقتل وقطع الطرق ومنع الانتاج ووقف العمل بدوائر الدولة في إنغلاق فكري وأخلاقي بغيض يعلي المصالح الحزبية والشخصية على الصالح العام الذي يهدف اليه الصراع بين الفصائل السياسية . وإذا لم يكن الوقت قد فات فهذه صرخة العبد الضعيف أرجو ان يتردد صداها في الأوساط السياسية لكي نوقف الدمار ونوظف الآليات السياسية والديموقراطية التي استقرت بعد قرنين من كفاح الشعوب ضد الدكتاتورية والطغيان. وقبل ان أبدا أؤكد أنني لا أدافع عن شخص او فصيل بل ان لي انتقادات أساسية على السلطة كتبتها في الصحف وأشرت إليها في حديثي مع رموز الحزب الحاكم وابرزها ضعف الكوادر وتفضيل أهل الثقة في بعض المواقع، في الوقت الذي أكرر وأؤكد فيه احترامي واعتزازي وصداقتي لرموز المعارضة من الوطنيين المناضلين الذين نفخر بتاريخهم النضالي قبل الثورة. ولنرجع الى تقويم المصطلحات التي تستخدم الآن في الصراع السياسي ومن المهم قبل ذلك ان نصل الى سبوبة الأزمة - واسمحوا لي ان استخدم هذا المصطلح لانه كان أداة لاتهامي بجريمة عقوبتها 9 سنوات وتحقيق بالنيابة العامة عقابا على إثارة فضيحة تصدير الغاز- سبوبة الأزمة ترجع الى أصلين الأول ان الرموز من جميع الفصائل عاشت 60 او 30 عاما معزولة عن قواعدها الشعبية ولكنها كانت تناضل الطغيان باسم الشعب وعندما سقط الدكتاتور وجاءت آلية الصندوق لم تستطع ان تتخلص من استعلائها على الشعب ووضعه تحت وصايتها فالشعب جاهل لا يعرف مصلحته ويسهل شحنه في اي اتجاه، ولدينا من الفقراء والأميين 40 يسهل تطويع تصويتهم وعليه فلا يجب احترام رأي الشعب كما ترجمه الصندوق لأن النخب تعرف مصلحة الشعب أكثر منه، والأصل الثاني ان النخب والرموز المعارضة اكتشفت ان غيابها الطويل عن قواعدها الشعبية اسفر عن عجزها عن الحصول على الأغلبية المرجوة لأن الفصيل الحاكم بقي في الميدان 80 عاما يخالط الجماهير ويخدمها - نبلا او بقصد استمالتها - وكان اعتقال وسجن وتعذيب رموزها وأفرادها مرفوضا في الشارع الذي استمال لها . وهنا لم تجد رموز المعارضة بديلا عن هجر آليات الصراع الديموقراطي والتشكيك في مصداقية الصندوق، وراحت بدلا من ذلك تستخدم الحشد في الميادين والمظاهرات التي خرجت مرات عديدة عن سلميتها واستخدمت عنف القتل والسب والمولوتوف وقطع الطرق ووقف الخدمات وتدمير المنشآت العامة وأخيرا وبعد ان فشلت في اسقاط النظام او اجباره على تسليم السلطة التي اسندها الشعب له، راحت تدعو الآن للعصيان المدني، وهذا اهم المصطلحات التي تستدعي الضبط، فمشروعية العصيان المدني تنبع من انعدام الوسائل الديموقراطية لإزاحة الحاكم، وتجاهلت المعارضة ان لدينا انتخابات بعد عدة اشهر تستطيع ان تحتكم إليها وتنزل للشارع لكسب ما يمكن من الأصوات التي توصلها للأغلبية والسلطة . وكانت الحجة هنا ان الانتخابات سيجري تزويرها وانه تم العبث بالدوائر رغم أننا مررنا بخمسة عمليات انتخابية نزيهة وان التزوير اصبح بعيدا عن الاكتمال بعد وضع قواعد الانتخابات الجديدة التي تحتم الفرز الشفاف بحضور كل المندوبين والمراقبين وإعلان النتيجة باللجان الفرعية بوثيقة رسمية تسلم صورتها لكل فصيل وان وزارة الداخلية لم تعد هي الجهة المشرفة على الانتخابات. وعليه تفقد الدعوة للعصيان المدني سببها ومشروعيتها. المصطلح الثاني هو اتهام السلطة بالتكويش وارهابها وحرمان الأغلبية من اكتمال سيطرتها على الدولة بموجب التفويض الشعبي الذي حصلت عليه، ولو استخدم هذا المفهوم الغريب مع الحزب الحاكم في دول مثل بريطانيا وفرنسا وغيرها من الديموقراطيات فسيحظى بمشروعية حكم الأغلبية فكل المناصب في انجلترا مثلا يأخذها الحزب الحاكم ليس رغبة في التكويش وإنما اعلاء لتفويض الشعب فلم نصادف وزيرا عماليا واحدا في حكومة المحافظين والعكس صحيح والغريب هنا ان الأغلبية تسامحا او رهبة استجابت لهذا المفهوم في تشكيل الحكومة ومؤسسة الرئاسة. المصطلح الثالث الذي اخترعته الممارسة السياسية المصرية هو التوافق وهو إنكار تام وشامل للآليات الديموقراطية لأنه يكرس دكتاتورية القلة والعجيب هنا ان فريق الأغلبية تقبل هذا المصطلح ووعد بالعمل به إرضاء للمعارضة دون جدوى. المصطلح الرابع هو الحوار، فالاتصالات والتفاوض أمر ضروري ومطلوب بين القوى السياسية خاصة عند عدم حصول اي فصيل على الأغلبية وهنا يتم تشكيل حكومات ائتلافية حسب وزن كل حزب وعدد المقاعد التي حصل عليها، ولكن التفاوض السياسي انقلب عندنا الى حوار وهو لا يعكس لغويا أبعاد الصراع، والحوار او التفاوض يجري على ضوء قوة كل فصيل مستندة الى عدد مقاعده في البرلمان، اما عندنا فالحوار الذي يتضمن إرهابا للسلطة يتم بين فصيل منتخب وبين رموز معارضة لم يتضح وزنها السياسي ولكنها تستخدم الحشد والمظاهرات لتأكيد قدرتها على تعويق أنشطة السلطة وخدماتها، وهذه صياغة مبتكرة واختراع مصري فريد الأمر الذي يزيد المشهد السياسي اشتعالا ويتجه الى تدمير البلاد. يصاحب ذلك تسييس القضاء فإذا هو يسمو على إرادة الشعب وتصدر الأحكام باسمه فتترخص محكمة في حل مجلس نيابي جاء بإرادة 30 مليون ناخب وهو أمر لم يحدث في اي من الديموقراطيات الراسخة، والدستور الذي أقره الشعب باطل، واعتبار تحقيق احد اهداف الثورة وهو تنحية النائب العام وتعيين نائب عام جديد في سلطة الرئيس قبل تعديل القواعد في الدستور الجديد اعتداءا سافرا على استقلال القضاء يجيش ضده نادي القضاة ويسانده دعم إعلامي قوي. كل ذلك يجري والرئيس صامت لا يرد ولا يكاشف الشعب بدوافعه ولا يرد على اتهامه بالدكتاتورية والتعريض بشرعيته والتطاول على شخصه والاعتداء على مقره. وصاحب ذلك ضعف أداء الحكومة وقلة إنجازاتها، ولم يعد لدى المواطن اي وسيلة لمنع هذا الانتحار القومي الا الاحتكام للضمير ولكن الصراع انكر علينا ذلك وانهالت الاتهامات وشن الإعلام هجوما حادا على دعوة الضمير. فهل نسير في طابور الذبح كما نراها دون اي مقاومة؟!. -------- مساعد وزير الخارجية المصرية الاسبق