ما زالت قوى سياسية مصرية تصعد احتجاجاتها على سياسات نظام الرئيس محمد مرسي بإعلان انضمام بعض المحافظات المصرية إلى العصيان المدني الذي تشهده مدينة بورسعيد منذ أكثر من أسبوع، وتعد هذه الدعوات التي تنتشر في أرجاء المحروسة خطوة هدفها تهيئة المواطنين لتقبل فكرة العصيان المقرر أن تبدأ بشكل حقيقي في الأول من مارس القادم، للمطالبة بإقالة الحكومة، ورحيل الرئيس محمد مرسي. وتاريخيًّا انطلقت أول دعوة للعصيان المدني عام 1919، ففي اليوم التالي لاعتقال الزعيم "سعد زغلول"، أشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات، وقام عمال الترام بإضراب، مطالبين بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وغيرها، تلا ذلك إضراب عمال السكك الحديدية وقطع خطوطها، كما أضرب سائقو التاكسي وعمال البريد والكهرباء والجمارك، تلا ذلك إضراب عمال المطابع وعمال الفنارات والورش الحكومية ومصلحة الجمارك بالإسكندرية، وبعد أيام قليلة اندلعت ثورة 19 في جميع أنحاء البلاد. ولم يكتفِ المصريون بذلك، حتى جاء عام 2006 وقام أعضاء حركة 6 إبريل بإضراب وصل إلى العصيان، وخلال الأيام الأولى من ثورة 25 يناير وحتى 11 فبراير، مارس الشعب المصري عصيانًا مدنيًّا حيث امتنع عن الذهاب للعمل والمدارس لحين إسقاط النظام ونجاح الثورة، وبعد تولي المجلس العسكري مقاليد المرحلة الانتقالية، وبسبب سوء إدارته للبلاد وتحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين دعت قوى سياسية إلى العصيان للتخلص من تصرفات المجلس العسكري ولكن الدعوات باءت بالفشل، وها نحن الآن بصدد عصيان مدني جديد ضد الدستور الجديد، والحكومة، والرئيس، وجماعة الإخوان. د. عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قال: إن مصر شهدت خلال العامين الماضيين عصيانًا مدنيًّا مستمرًا، فالإضراب عن العمل ما زال مستمرًا دون انقطاع، وقطع الطرق، ووقف المواصلات، وإضراب العاملين في هيئتي "مترو الأنفاق والنقل العام" لأيام عديدة، وإغلاق بعض المصالح الحكومية مثل: "مجمع التحرير" تعتبر مظاهر عصيان مدني ولكنها تتم بشكل جزئي، ويعتبرها النظام مطالبات فئوية لبعض العمال .. مشيرًا إلى أن عدم مراعاة الرئيس "مرسي" وجماعته لمطالب القوى السياسية المعارضة وتنفيذ مطالبها وإصرارهم على تنفيذ ما يرونه يخدم أهدافًا وطموح الجماعة، جعل القوى السياسية والحركات الثورية تطالب المصريين بتنفيذ العصيان المدني بشكل كلي في الأول من مارس القادم، تضامنًا مع شعب مدينة "بورسعيد"، مؤكدًا أن النظام خلال هذه الفترة وقبل تنفيذ العصيان سيقوم ب"الرشوة الشعبية" للمصريين لإرضاء الجماهير الغاضبة، وأتصور أن هذه الرشوة ستفشل؛ لأن النظام فقد شرعية وأهدر دماء المصريين. ومن جانبه أوضح د. عبد الرحيم علي مدير المركز العربي للبحوث للدراسات، أن ما يحدث في بعض المحافظات المصرية من انتشار دعوات العصيان المدني "بروفة" قبل تنفيذه بشكل كلي في جميع قطاعات الدولة لإسقاط النظام الإخواني، لافتًا إلى أن مماطلة الرئيس "مرسي" في عدم إقالة الحكومة لتزوير الانتخابات البرلمانية، ومن قبلها تمرير دستور "معيب" بحق المصريين، وتدخل مكتب الإرشاد في جميع قرارات مؤسسة الرئاسة، يشعرنا بأننا أمام "عصابة" خطفت البلاد بالقوة والتهديد، وخاف منها المجلس العسكري الحاكم وقتها في إحداث فوضى عارمة في حال سقوط مرشحها الرئاسي، لذلك قام بتسليم البلاد إلى جماعة الإخوان المسلمين، موضحًا أنه لا يوجد حل لإقصاء هذا النظام سوى بانقلاب عسكري أو بعصيان مدني في كافة مؤسسات الدولة، وهو أحد وسائل وأدوات المعارضة المشروعة التي تلجأ لها بعض الحركات والأحزاب في أي دولة ديمقراطية، كما أنه شكل من أشكال خلخلة السلطة القائمة والتجهيز لسلطة بديلة، بشرط أن يكون العصيان نابعًا بشكل تلقائي من قبل الجماهير وعدم فرضه قسريًا. في حين يرى د. مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الاستجابة لدعوات العصيان المدني ستكون محدودة؛ لأن العصيان لابد أن يتم بموافقة العمال، وموظفي الحكومة والقطاع الخاص، والنقابات المهنية والعاملين بالجامعات من طلبة ومدرسين، مؤكدًا صعوبة تنفيذ العصيان المدني؛ لأن المعارضة لم تعمل جيدًا على حشد المواطنين والعمال والموظفين ولم تهيئ الوضع لإضراب عام في الدولة، ولم تقم بتوعيتهم بأسباب دعوتهم، وكل ما فعلته مجرد دعوة للعصيان؛ بسبب خوفها من تزوير الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها على أربع مراحل خلال الأشهر القادمة، في الوقت نفسه تواجه الحكومة مصاعب إجراء الانتخابات في ظل حالة الاحتقان السياسي التي تصيب مصر خاصة في مدن القناة الثلاث، والذي سيجعل من الصعب إجراء الانتخابات بها إذا ما استمر الأهالي في تنفيذ العصيان المدني. وفي رأي علاء عبد المنعم سكرتير حزب الوفد الأسبق، إن العصيان المدني هو عمل سلمي مدني، يتم من خلاله توقف المواطنين عن كافة أشكال التعامل مع جميع أجهزة الدولة القائمة، بجانب تعطيل المصالح والمؤسسات الحكومية تعطيلًا سلميًّا، وعدم اللجوء إلى أي وسيلة من وسائل العنف، ووقف الدراسة بالجامعات والمدارس، مما يجعل هناك وسيلة ضغط حقيقي على النظام لتلبية المطالب، لافتًا إلى أن العصيان المدني في هذا التوقيت ضرورة ملحة؛ لأن البلاد تسير من سيئ إلى أسوأ، ولم يهتم الرئيس "مرسي" وجماعته بإصلاح أحوال المصريين وتحقيق تطلعاتهم بعد سقوط النظام السابق إلا بالتمكين للسيطرة الإخوانية على أجهزة الدولة المختلفة، بجانب أن دعوات هذا العصيان تعيق إجراء الانتخابات البرلمانية، وما يترتب عليه من انفراد فصيل معين بالمشهد السياسي لإجهاض الثورة والمتاجرة بالشهداء وإخضاع القوى السياسية لنفوذ جماعة الإخوان، موضحًا أنه لا بديل عن حماية الثورة بكافة الطرق ومنها تنفيذ العصيان المدني الجزئي والشامل دون تخريب أو عنف أو فوضى، حتى يحصل الشعب على حقوقه المسلوبة والمنزوعة. ظلم وتهميش وفي السياق ذاته أكد عبد الغفار شكر وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن ما يحدث في مدن القناة ليس عصيانًا مدنيًّا، وإنما شعور بالظلم والتهميش جعل البلاد معرضة لعصيان مدني وتبقى الدعوة والتنسيق إليها قائمة، موضحًا أن كثرة الإهمال والتغاضي عن كثير من المشكلات الاجتماعية للمصريين، والسياسية للأحزاب والحركات، سوف تتسبب في انفجار الأوضاع مرة أخرى، وستكون التظاهرات هذه المرة من الفئات الأشد فقرًا أو ما يطلق عليها "ثورة الجياع" التي ستطيح بكافة مراكز القوى في مصر، واصفًا ما يحدث من منع الموظفين من الذهاب إلى أعمالهم، وإشعال الإطارات في الطرق وقطعها بصورة أو بأخرى، ليست عصيانًا مدنيًّا بل تصرف يعاقب عليه القانون، وعلى الجميع اتخاذ الطرق السلمية والديمقراطية للتعبير عن غضبها. بينما توقع د. باسل عادل عضو الهيئة العليا لحزب الدستور، أن يمتد العصيان المدني الحاصل بشكل جزئي في "بورسعيد" إلى كافة محافظات الجمهورية؛ بسبب الأحداث السياسية والاقتصادية وتدهور الوضع الأمني، وعدم نجاح الرئيس "مرسي" في تحقيق تطلعات الشعب والاكتفاء بتمرير ما يخدم أهداف ومصالح جماعة الإخوان المسلمين فقط، دون مراعاة للقوى السياسية المعارضة، موضحًا أن النظام الإخواني مسئول عن دعوات العصيان المدني وهو المتسبب فيها؛ لأنه تجاهل آراء الأحزاب في ضرورة الإصلاح السياسي وتنفيذ مبدأ المشاركة وليس المغالبة، بجانب إصراره غير المبرر في الإبقاء على حكومة هشام قنديل التي فشلت في التعامل مع احتياجات الشارع ومطالب المواطن البسيط، مؤكدًا أن النظام لو لجأ إلى الحوار الوطني الجاد ومصالحة كافة القوى السياسية والشعبية والثورية فإن العصيان سيكون مرفوضًا، أما إذا أصر الرئيس وجماعته على عدم لم الشمل الوطني فإن العصيان وارد، وقد يطيح بالنظام في حال تطبيقه فعليًّا.