تزايدت الدموع والصرخات والدماء في الشارع المصري بعد صعود أول رئيس مدني منتخب بإرادة شعبية لرئاسة الجمهورية، وذهبت وعود النهضة وأحلام المصريين أدراج الرياح، واستمرت مشاهد قتل وسحل المصريين، مما دفع الشعب إلى الخروج مجددًا من جديد في تظاهرات ليس لاستكمال أهداف الثورة ولكن لإسقاط النظام مرة أخرى، وتباينت ردود أفعال خبراء سياسيين مصريين حول تزايد انتشار ظاهرة العنف في البلاد بهدف إسقاط الرئيس وإحراج المؤسسة العسكرية ومطالبتها بالتدخل لحسم الأمر وقيادة البلاد من جديد، وأكد البعض الآخر أن إسقاط الرئيس لابد أن يكون عبر قنواته الشرعية المتمثلة في صندوق الانتخابات، بدلًا من الفوضى العارمة التي يشعلها قادة المعارضة وبعض الممولين من الخارج لتنفيذ أجنداتهم الداخلية وتحقيق مصالحهم الشخصية، كما أن تحالفهم مع فلول النظام السابق الذين رفعوا راية التمرد والعصيان بعد عزلهم دستوريًّا من الحياة السياسية لمدة عشر سنوات، حيث لجئوا إلى استخدام البلطجية للقيام بأعمال العنف والتدمير لعدد من المنشآت أبرزها القصر الجمهوري ومحاولة اقتحامه في مخطط واضح وصريح لإسقاط الرئيس. د. جمال حشمت عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين قال: إن رغبة بعض قادة المعارضة الذين يستقوون بالخارج في تحقيق طموحهم السياسي لا يقف أمامه سوى شرعية الرئيس "محمد مرسي"، ولذلك يحاولون إسقاطه من خلال تزايد حالات العنف والتعدي على قصر الاتحادية ومحاولة اقتحامه، موضحًا أن التيار الإسلامي وخاصة الإخوان سيعملون على حماية الشرعية مهما كلفهم الأمر من تضحيات في الأرواح، ولن يلتفت حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين لهذه الدعاوى التخريبية أو الفتنة التي تحاك ضد المصريين من أجل فقد الثقة في رئيسهم، وترديد إشاعات حول "أخونة" الدولة، لافتًا إلى أن استقواء المعارضة بفلول الوطني وبعض البلطجية التي تستغل التظاهرات، وتقوم بتدمير المنشآت العامة يهدفون إلى إحراج مؤسسة الرئاسة وظهورها في موقف الضعيف والمتخاذل، ورغم صبر الرئيس على هؤلاء المخربين وعدم إقدامه على استخدام صلاحياته في اتخاذ كافة الإجراءات الاستثنائية لحماية البلاد، يدفعهم إلى إراقة المزيد من الدماء ومهاجمة قوات الأمن واستخدام الأسلحة الحية لقتل المتظاهرين، وإلصاق التهم بأعضاء جماعة الإخوان، ولذلك لا يتوانى فلول النظام السابق في محاولة إسقاط الرئيس وإفساد مصر. واتفق معه د. أحمد أبو بركة المتحدث الإعلامي لحزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، أن الانقلاب على الشرعية الثورية مرفوض، وستقابله مؤسسات الدولة بكل حزم؛ نظرًا لأنه لو تم إسقاط الرئيس مرسي لن يستمر أي رئيس للبلاد في منصبه مستقبلًا، وستخرج أي فئة غاضبة من مؤسسة الرئاسة تطالب بإقالة الرئيس، وهو ما يجعل البلاد تسير إلى فوضى عارمة وهدم المؤسسات بطريقة ممنهجة، مؤكدًا أن مصر ستدخل في دوامة الحرب الأهلية في حال تزايد العنف الذي يخطط له جهات خارجية تسعى لعرقلة تنفيذ المشروع الإسلامي في الحكم، بالإضافة إلى أن من يخطط لإسقاط الرئيس عليه أن يحترم أبسط آليات الديمقراطية، وعدم السير في طريق حرق المنشآت العامة، والاعتداء على القصور الرئاسية، ولابد أن يلتزم المعارضون لسياسيات الرئيس مرسي أو الداعون لإسقاطه بالصناديق الانتخابية والإرادة الشعبية الحرة. بينما يرى د. صفوت عبد الغني عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، أن سعي أي تيار أو قوى سياسية لإسقاط الرئيس مرسي هدف غير شرعي وغير دستوري، كما أن بعض القوى السياسية تشكل غطاء سياسيًّا للبلطجية لتنفيذ مخطط إسقاط النظام، ولذلك يجب على الشعب المصري أن يقف وراء الرئيس لاستكمال بناء مؤسسات الدولة الدستورية والتشريعية، لافتًا إلى أن من يريد إحراق الوطن بافتعال المظاهرات والإضرابات والعصيان المدني في بعض المحافظات حتى يرحل الرئيس "واهمون"، فمن جاء بالصندوق لن يرحل سوى بالصندوق، مطالبًا الرئيس تحمل المسئولية وعدم الرضوخ ومواجهة العنف والبلطجة التي تحاك ضده، كما أن سياسة اليد المرتعشة ستؤدي إلى مزيد من الكوارث. اتهامات إخوانية ! ومن جانبه أكد عصام شيحة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، أن اتهام جبهة الإنقاذ وحزب الوفد بالتنسيق مع فلول النظام السابق لإسقاط الرئيس محمد مرسي عارٍ تمامًا من الصحة؛ نظرًا لأن الشارع المصري أصبح غير راضٍ عن سياسات الرئيس في إدارة الدولة، كما أن قيادات المعارضة لا تملك دعوة نزول أو سحب المتظاهرين من الشارع، مشيرًا إلى أن الأحزاب السياسية الليبرالية لم تتعاون أو تتحالف لعزل الرئيس أو إسقاطه، بينما النظام الإخواني الحاكم هو الذي تحالف مع الفلول وعينهم وزراء وفي مجلس الشورى، كما أن جماعة الإخوان المسلمين عليها أن تحمي رئيسها من خلال الابتعاد عنه وتتركه يدير البلاد وفق رؤيته بمعاونة مستشاريه وحكومته القادمة؛ لأن تدخلها السافر في مؤسسة الرئاسة أصاب المواطنين بالضيق حتى طالبوا بإسقاط النظام، وما تسير إليه البلاد من فوضى وعنف وتخريب ممنهج واقتصاد ينهار خير دليل؛ نظرًا لأن مكتب الإرشاد اهتم بالتمكين أكثر من الإصلاح. وفي رأي باسل عادل عضو لجنة تيسير الأعمال بحزب الدستور، أن الرئيس محمد مرسي فقد شرعيته الانتخابية والدستورية، ولابد أن يحاكم مثل الرئيس السابق "حسني مبارك" على جرائم قتل المتظاهرين، موضحًا أن دعوات إسقاط الرئيس لم تأتِ من جهات خارجية أو بتمويل أجنبي ولكنها دعوات خرجت من قلب المصريين مجددًا بعد شعورهم بأن النظام الحالي فشل في تحقيق تطلعاتهم بعد سقوط النظام السابق، بالإضافة إلى أن التيار الإسلامي هو الذي بدأ بالعنف من خلال فض اعتصام متظاهري الاتحادية بالقوة والتعذيب، ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، كما أن صمت الرئاسة والأجهزة الأمنية على هذه الممارسات أدى إلى ظهور مجموعات قتالية مثل "البلاك بلوك" وغيرها تدعو للعنف والتخريب على غرار ميليشيات الإخوان المسلمين، مؤكدًا أن فرض الطوارئ واتهام المعارضة بالتخوين إنما هو ابتعاد عن المشكلة الرئيسة، وهو غياب الحل السياسي في التعامل مع الأزمات التي تواجه البلاد، ولابد من التحرك بسرعة لإنقاذ الموقف ومعالجة الخلل الناتج عن أخطاء مؤسسة الرئاسة سياسيًّا وليس أمنيًّا. وفي السياق ذاته أوضح محمد أبو حامد رئيس حزب الحياة تحت التأسيس، أن الإخوان هم المحركون الحقيقيون للعنف السائد في البلاد؛ لأنهم نظام عقائدي ديني وعلى أهبة الاستعداد لتقديم أفراده شهداء من أجل تحقيق أهداف وطموحات قادته السياسيين، مشيرًا إلى عدم وجود أي مجموعات ثورية تتبنى العنف، ولكن ما يحدث أن مظاهرات الشباب يتسلل إليها شباب الإخوان المنظمين من أجل تشويه صورة المظاهرات التي لا تتفق أهدافها مع أهداف الإخوان، ويكون العنف والتحرش بالفتيات هو المشهد السائد حتى تفقد هذه المظاهرات التعاطف الشعبي معها، موضحًا أن سياسة الإهمال التي يتبعها النظام القائم وإغفال مطالب الشعب والمعارضة أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى العنف واشتعال المظاهرات، حتى وصلت إلى المطالبة بإسقاط النظام، وعلى الرئيس الاستجابة لمطالب الثوار والبعد عن العناد السياسي الذي سيعصف بالجميع. وأشار طارق الخولي وكيل مؤسسي حزب 6 إبريل، إلى أن حالة العنف السائدة في الشارع المصري سببها مؤسسة الرئاسة التي تلجأ إلى استخدام الذراع الأمني لحل الأزمات السياسية، كما أن وزارة الداخلية عادت إلى عقيدتها القمعية وحماية النظام وليس المواطنين، مؤكدًا أن التيارات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين تعلق فشلها في إدارة الدولة على التيارات الليبرالية والحركات السياسية والأحزاب، بحجة أنهم لم يعطوا للرئيس فرصة لتنفيذ برنامجه الانتخابي ويقفون له بالمرصاد في جميع تحركاته وقراراته ويعارضون من أجل المعارضة، معتبرًا أن هذا الكلام غير معقول؛ لأن الشعب "خُدع" وفاق على كابوس مظلم، مشددًا على ضرورة خروج الرئيس وتقديم اعتذار رسمي وإحالة المتهمين بقتل الثوار في عهده للمحاكمة، وأن يبتعد عن الإخوان المسلمين إذا أراد أن ينتشل مصر من الفوضى.